( تفصيل مسألة التسلسل في التكفير و الرد على مبدعي الشيخ الحازمي )
بســــــــمِ الله الرحمن الرحيم
ذبا عن عرض شيخنا الحازمي ، وردا على من يتهمه بلا علم ، و نصرة للتوحيد و أهله ، و تبيينا لمسألة التسلسل في التكفير ، أقدم هذا البحث الذي سأنقل فيه جملة من المسائل المهمه في باب التسلسل ، وهي على النحو التالي :
١- ما المقصود بالتسلسل ؟
٢- من المقصود بالتسلسل ؟
٣- تاريخ مصطلح التسلسل .
٤- لماذا يعد تكفير الكافر كفرا و أين دليله ؟
٥- الرد على من أنكر و جحد التسلسل .
٦- من سلف الشيخ الحازمي - حفظه الله - في التسلسل ؟
٧- توضيح أن السلف الصالح ما خالفوا هذا الأصل .
٨- الرد على مقولة المعترض ( أنا أعرف أن من تبرأ من الشرك و المشركين دخل في الإسلام ابتداء ؛ لكن ما زاد عن هذا لابد من إقامة الحجه ) .
٩- نقل وتفسير قول الحازمي في مسألة التسلسل .
يقصد بكلمة التسلسل تكفير الكافر الذي قضت النصوص الشرعية الصريحة بكفره وشركه , وتكفير من لم يكفره . وسميت سلسلة لانها مرتبطة ببعضها كحلقات السلسلة المتصلة فكل حلقة هي مرتبطة باختها لزوما من غير انفصال . وما دامت كذلك فالحلقة االاخيرة متصلة بالحلقة الاولى كاتصال الثانية بالاولى على درجة واحدة لا فرق . وبعد التفصيل الاتي وبيانه يتضح لك هذا الامر ان شاء الله .
الكافر المقصود هنا هو الكافر المقطوع بكفره ممن قضت النصوص الشرعية الصريحة بكفره وشركه إما عينا او وصفا , فقد صرحت النصوص الشرعية بكفر أعيان من الخلق باسمائهم مثل ابليس , وفرعون وهامان وجنودهما , وابي لهب , ومشركي الاقوام السالفة كقوم نوح وعاد وثمود ونحوهم . وقضت كذلك بكفر من اتصف وتلبس بأقوال وافعال شركية لا يكون موحدا مؤمنا من تلبس بها مثل ادعاء علم الغيب والتشريع مع الله والتحليل والتحريم من دون الله والتحاكم الى غير شرع الله وسب الله والطعن في دينه أو قتل نبي من انبيائه وغيرها مما هو صريح في الكفر .
تاريخ المصطلح :
لا يوجد في الكتاب او السنة شيءٌ اسمه تسلسل وسلسلة إنما هو اصطلاح متأخر في هذه الازمنة لتقريب المعنى لا غير , ولا يعني هذا ان أصل المسألة غير وارد في الكتاب والسنة بل أصل هذه المسألة هي نصوص ايات القران المحكمة القاطعة التي تتحدث عن اصل الدين ودعوة المرسلين و الكفر والكافرين والشرك والمشركين , وسوف ياتي بيان ذلك بعد قليل ان شاء الله .
إن علمنا ما سبق يأتي السؤال :
لماذا يعدّ عدم تكفير الكافر كفرا وأين دليله ؟
الجواب :
– إن تحقق التوحيد وشهادة الاسلام لا يكون إلا مع اليقين والعلم التام بما دل عليه اصل الدين بشقيه وركنيه [ عبادة الله والكفر بالطاغوت ] .
واليقين والعلم التام يقتضي أن تجزم غير شاك وغير مرتاب بما دلت عليه دعوة الرسل من افراد الله بالعبادة وبطلان عبادة ما سواه وكون أي صرف لعبادة لغير الله هي شرك وكفر وطغيان على الله وافتراءعليه وان من تلبس بشرك صريح فهو مشرك غير محقق لأصل الدين بل ناقض و هادم له .
وقد قطعت الايات التي تتحدث عن اصل الدين بأن أي صرف لأي عبادة لغير الله انما هو نقض لاصل الدين وخروج عن دعوة المرسلين قال تعالى [ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) [الأنعام : 159 - 163] فمن شك في هذا بأن سمى الشرك توحيدا والمشرك موحدا فقد نقض اصل الدين وملة ابراهيم الحنيفية وسوغ وجوز ان يكون نقض اصل الدين تحقيقاً لأصل الدين وهذا كفر وجحود وتكذيب بدعوة الرسل اجمعين .
قال تعالى [وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْمَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) [النحل : 36] فالذين هدى الله هم من حققوا هذه الدعوة علما وعملا وقولا ومن حقت عليهم الضلالة هم المكذبون الجاحدون لها الناقضون لها ممن هم منها في شك وريب فلم يعرفوا الطاغوت , او عرفوه ولم يكفروا به وبأوليائه وعبيده عن علم ويقين وعمل فهم في ريبهم يترددون وفي تكذيبهم لما دلت عليه دعوة الرسل واقعون . وهذا ظاهر .
ثم إن مما يبين ان الشك والريبة في اصل الدين والتوحيد انما هو كفر ونقض لأصل الدين قوله تعالى [ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(105) [يونس ] فمن شك في اصل الدين وملة ابراهيم فقد عبد غير الله واشرك لا محالة على ما سياتي توضيحه بعد قليل .
وقال تعالى [رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) [الدخان : 7 - 9] فمن شك وارتاب في أصل الدين وما دل عليه فهو من اللاهين اللاعبين والمستهزئين بدعوة المرسلين .
وقال تعالى [ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) [ص : 4 - 8] وقال تعالى [ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؟؟؟!!! ] [إبراهيم : 9 ، 10] وقال تعالى [ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) [الجاثية : 32] وقال تعالى مخبرا عن صاحب الجنة قوله [ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) ] [الكهف : 36 - 38] فهذه الايات المحكمة تبين أن الشك وعدم اليقين في أصل الدين وأصوله وأركانه إنما هو كفر مبين وإشراك برب العالمين .
وقال تعالى : { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وهم يعلمون } ، [ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ ] أي بلا إله إلا الله ، { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي يعلمون بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة » وقال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة : « من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة » "
وقال صلى الله عليه وسلم « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ».
ولهذه النصوص وغيرها فقد قرر العلماء رحمهم الله تعالى على ان العلم واليقين من شروط تحقق الاسلام وتجريد التوحيد وان الجهل والشك لا يتحقق معه اسلام وتوحيد بل هو نقض بشهادة التوحيد لتوحيد وتكذيب لدعوة المرسلين .
قال الشيخ ابن سحمان نظماً
.....وذا كله معنى شهادة أنه ... إله الورى حقا بغير تردد
فحقق لها لفظا ومعنى فإنها ... لنعم الرجا يوم اللقا للموحد
هي العروة الوثقى فكن متمسكا ... بها مستقيما في الطريق المحمدي
...
ومن لم يقيدها بكل شروطها ... كما قاله الأعلام من كل مهتد
فليس على نهج الشريعة سالكا ... ولكن على آراء كل ملدد
فأولها: العلم المنافي لضده ... من الجهل ، إن الجهل ليس بمسعد
فلو كان ذا علم كثير وجاهلا ... بمدلولها يوما فبالجهل مرتَدِ
....
وسادسها: وهو اليقين، وضده ... هو: الشك في الدين القويم المحمدي
ومن شك فليبقى على رفض دينه ... ويعلم أن قد جاء يوما بموئِدِ
بها قلبه مستيقنا جاء ذكره ... عن السيد المعصوم أكمل مرشد
ولا تنفع المرء الشهادة فاعلمن ... إذا لم يكن مستيقنا ذا تجرد .
الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1 / 582) .
_ ولتقريب معنى الشك والجهل هنا نقول :
هب ان زيدا يعبد بقرةويقول عنها هذه ربي والهي . فجاء عمرو وقال انا لا اعبد هذه البقرة ولكن لا اجزم بكون زيد مشركا ناقضا لأصل الدين , ويحتمل عندي انه مع حاله هذه انه محقق لأصل الدين وملة ابراهيم .
فهل عرف عمرو ما هو اصل الدين ؟؟ وهل حققه مع الجهل به ؟؟
هل عرف من هو الله وما هي صفاته يقينا جازما ؟؟
هل عرف ما هو الطاغوت والشرك يقينا جازما من غير شك ؟؟
وهل كفر عمرو بالطاغوت وبعابده يقينا من غير شك ؟؟ أم تراه سوغ وجوز ان يكون الطاغوت موحدا ؟؟ والمشرك موحدا , ومن اثبت خالقا مع الله موحدا ومن لم يكفر بالطاغوت موحدا ؟؟ أليس هو قطعاً في شك وريب من اصل الدين وما دل عليه ؟؟ أليس هو قطعا لم يفهم اصل الدين ولا علمه ولا حققه ولا دخل فيه ؟؟ بل هو جاهل به يقينا من غير شك ؟؟
فما حكم من جاء وقال : عمرو عندي موحد محقق لأصل الدين مع شكه وريبه في معناه وما دل عليه بل وجهله به ؟؟ فهل عرف هذا ايضا ما هو اصل الدين وما دل عليه من نفي الالهة والشرك والشركاء ؟؟ أليس من اثبت لعمرو انه موحد محقق لاصل الدين مع شكه وريبه في ما دل عليه اصل الدين هو أيضا جاهل بأصل الدين وشاك فيه و بما دل عليه من البراءة من المشركين وبمن يعبدونهم من دون الله ؟؟
إن اصل الدين ودعوة المرسلين لا تحقق إلا بالعلم واليقين الجازم بأربعة امور ومن شك في واحدة منها كان ناقضا لاصل الدين برمته لأن الاصل لا يتجزّأ فنقض بعضه نقض له كله . فقوله تعالى [ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ] دلت على وجوب أربعة امور :
1- معرفة الله بصفاته واسمائه وافعاله معرفة يقينية من غير شك.
2- تحقيق عبادة الله وحده خالصة من غير شرك .
3- معرفة الطاغوت معرفة يقينية من غير شك .
4- اجتناب الطاغوت وعابديه والكفر بهم يقينا من غير شك .
- فمن عبد الله من غير معرفة به لم يحقق أصل الدين , ومن عبد الله مع الشك في صفاته واسمائه وافعاله المتفرد بها فلم يحقق اصل الدين .
- ومن عرف الله ولكن لم يعبده فما حقق اصل الدين .
- ومن عبد الله ولكن لم يكفر بالشركاء من دونه يقينا من غير شك لم يحقق اصل الدين ولا دخل فيه ابتداءً .
ما قدمناه هو فيمن لم يكفر المشرك وهي الحلقة والسلسلة الاولى من حلقات السلسلة . فلقائل ان يقول فما دليل كفر من لم يكفر من لم يكفر الكافر والمشرك المقطوع بكفره وعدم تحقيقه لأصل الدين ؟؟؟ وهي الحلقة الثانية في السلسلة .
قلنا إذا عُلَمَ يقينا من غير شك من خلال الايات التي تتحدث عن اصل الدين والشرك والمشركين ان من عبد غير الله هو مشرك خارج من دين المرسلين وملة ابراهيم , وان من شك او تردد في ان المشرك خارج عن دعوة المرسلين وانه ليس من الموحدين , هو قطعا جاهل بأصل الدين وما دل عليه بكل يقين . فمن شك في هذا واثبت للشاك الثاني انه يفهم اصل الدين وانه قد حققه فهو مثله بلا ريب .
أرأيت لو ان احدا قال إن الله يلد ويولد . فجاء اخر فأثبت له مع حاله هذه انه موحد عارف بالله . وجاء ثالث فأثبت للثاني انه عارف بالله موحد له . وجاء رابع فأثبت للثالث أنه عارف بالله موحد لله . فهل عرف واحد منهم من هو الله ؟؟ وهل عرف واحد منهم ما هو التوحيد وما هو الجهل بأصل الدين ورب العالمين ؟؟ وهل عرف واحد منهم ربه ؟؟
أرأيت لو ان احدا تعبد طاغوتاً يدعي الغيب فجاء ثانٍ فأثبت للأول انه موحّد عارف بالله كافر بالطاغوت ؟؟ وجاء ثالث فأثبت للثاني انه موحد عارف بالله كافر بالطاغوت ؟ وجاء رابع فأثبت للثالث مثل ذلك ؟؟ فهل عرف واحد منهم من هو الله ؟؟ وهل كفر واحدٌ منهم بالطاغوت ؟؟ وهل حقق واحد منهم أصل الدين وعلمه وعمل به يقينا من غير شك ؟؟
من علم أصل الدين يقينا من غير شك او ريب فقد عرف أن واحدا من هؤلاء لم يعرف اصل الدين ولا حققه ولا عمل به ولا ايقن به . فالرابع كالثالث والثالث كالثاني والثاني كالاول كلهم في حلقة واحدة وسلسلة واحدة متصلة المعنى والمناط والسبب في كونهم لم يحققوا اصل الدين لأنهم كلهم جاهلون شاكون مرتابون في أصل الدين وما دل عليه وليس من شك وتردد فيه وفي معناه محقق له عالم به , ومن لا علم له بأمر لا يتحصل له تحقيقه والعمل به , ولا تقبل شهادة مع شك وريب فكيف يقال من جهل وتردد في معنى ودلالة شهادة التوحيد انه محقق لشهادة التوحيد و دعوة المرسلين ؟
وكيف يقال عنه انه موحد محق للحق مبطل للباطل وهو يشك في ما هو الحق وما هو الباطل ؟؟؟
وكيف يقال عنه انه محقق لأصل الدين وهو لم يفرق بعدُ بين من هو محقق لأصل الدين ممن هو ناقض له خارج عنه جاحد مكذب به ؟؟
الرد على من أنكر و جحد التسلسل :
إن مما يرد به على من انكر وجحد التسلسل أن يقال له ان من اثبت للطاغوت او عابده انه موحد محقق لأصل الدين او سوغ له ذلك فقد عبد الطاغوت من جهة انه سوغ وجوز للطاغوت ان يتصف بصفات الله وافعاله , وسوغ الاشراك مع الله في ذلك ايضا إذ لو عبد الله حق العبادة ووحده حق توحيده وافرده حق الافراد في اسمائه وصفاته وافعاله لجزم غير متردد ان من تلبس من المخلوقات بشيء من ذلك فقد شارك الله وتعدى الوهيته وربوبيته وطغى عليه وخرج من دائرة عبوديته . فلما اثبت التوحيد للطاغوت أوعابده فقد اثبت ما لله لغيره وجوز ان يشارك احد الله في شيء من خصائصه والوهيته من غير خروج وطغيان عليه . ومن كان حاله كذلك فهو في الحقيقة عابد لغير الله مشرك في اعتقاده وقوله فهو بمنزلة الطاغوت وعابده إذ انه وقع في الشرك اعتقادا كما هم وقعوا في الشرك عملا . فجميعهم مشرك باللهِ , الطاغوتُ وعابدُه ومن اثبت لهم او لواحد منهم انه موحد , وكذا في منزلتهم من شك فيهم جميعا او في واحد منهم لانه لن يخرج عن كونه شك في مشرك لم يحقق اصل الدين , والشك في ماهية الطغيان و الشرك هو شركٌ اعتقادي وتسويغ لان يشارك احدٌ الله فيما تفرد به سبحانه . وبإمكانك ان ترجع الى الامثلة السابقة وتتدبرها كمثال مَن شك في كون البقرة وعبادتها اشراك مع الله وطغيان عليه ,
لعله تبين لك الان ما وجه القول بالسلسلة والتسلسل في الحلقات المتصلة من هذه السلسلة , فكلها في الحقيقة حلقة واحدة ومسألة واحدة وهي الشك والجهل بأصل الدين وعدم العلم به واليقين , وعدم التفريق بين دين المرسلين ودين المشركين والاشراك برب العالمين , وتكذيب نصوص الوحي المبين وكله كفر وخروج عن اصل الدين ودعوة المرسلين .
من سلف الشيخ الحازمي - حفظه الله - في التسلسل ؟
الجواب : اذا تبين لك الحق في كتاب الله فاعلم انه لا تقديم لقول احد على وحي الله وكتابه .
ثم ان الحجة في أصل الدين ليست في قول بشر بل الحجة هي الايات التي تتحدث عن اصل الدين فمن بلغته بلغة يفهمها فقد قامت عليه الحجة واستحق الوعيد على عدم تحقيقه لهذا الاصل .
ثم قد علمت ان هذه الدعوة وما دلت عليه هي منهج اعظم سلف وامة وهي امة الانبياء والرسل جميعا وكفى بهم شهداء على اممهم .
فهل عندك ان الانبياء كانوا يقبلون احدا في دينهم يكون في شك وريب مما عيله المشركون وطواغيتهم ؟؟
وهل عندك ان الانبياء يقبلون احدا يسوّغ ويجوّز أن يكون العابد لغير الله موحداً ؟؟
وهل عندك ان الرسل يقبلون احدا يسوغ ويجوز أن يكون نقض اصل الدين هو تحقيق لأصل الدين ؟؟
وهل عندك ان الرسل يقبلون احدا يسوغ ويجوز أن يكون جاهل أصل الدين هوعالم به محقق له ؟؟
ثم ان كنت تسال عن السلف الصالح فهم لا يترددون ولا يمترون في ايات الله واصل دعوة المرسلين فيجب ان يكون السؤال : من هو الذي لم يقل بهذا ومن هو الذي خالف هذا الاصل من السلف الصالح ؟؟!!! هذا على فرَضِ أن يخالفه احد ويبقى له وصف موحد محقق لاصل الدين وانه من السلف الصالحين , وقد تبين لك استحالة تحققه مع مخالفته والشك فيه و في ما دل عليه .
ولكي تعلم ان السلف الصالح ما خالفوا هذا الأصل ولا شكوا ولا امتروا في تكفير من نقضه وعبد مع الله غيره , ولا شكوا ولا امتروا ايضاً في كفر من لم يكفر الكافر الذي كفره الله ورسوله فسننقل لك بعضا من اقوالهم ونصوصهم ليتبين لك ذلك بإذن الله .
_ قال القاضي عياض رحمه الله تعالى في الشفا بتعريف حقوق المصطفى - (2 / 286)
[ ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل أو وقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهموإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك ]
_ وقال ابن الوزير في الروض الباسم - (1 / 161)
في معرض كلامه عن مذهب من يقول بالتحسين والتقبيح العقلي :
[ ولو كانوا يجوّزون تعذيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وأنّ أبا لهب يكون صاحب الشّفاعة يوم القيامة؛ لكان كفرهم معلوماً من ضرورة الدّين وكفر من لم يكفّرهم كذلك, وكان يلزم كفر المعتزلة والزّيديّة, أمّا من لا يكفّرهم مثل السّيد الإمام المؤيّد بالله, والإمام يحيى بن حمزة وغيرهما فظاهر لأنّهم حينئذ يكونون بمنزلة من شكّ في كفر المشركين واليهود, والنصارى , وأمّا سائر المعتزلة والزّيدية فلأنّهم لا يكفّرون أئمتهم وشيوخهم الذين منعوا من تكفير الأشعرية , ولا شكّ أن من شكّ في كفر عابد الأصنام وجب تكفيره, ومن لم يكفّره, ولا علّة لذلك إلا أنّ كفره معلوم من الدّين ضرورة ... ]
_ وقال البقاعي في مصرع التصوف - (1 / 253)
[ .. ولا يسع أحدا أن يقول أنا واقف أو ساكت لا أثبت ولا أنفي لأن ذلك يقتضي الكفر لأن الكافر من أنكر ما علم من الدين بالضرورة
ومن شك في كفر مثل هذا كفر ولهذا قال ابن المقري في مختصر الروضة من شك في اليهود والنصارى وطائفة ابن عربي فهو كافر
وحكى القاضي عياض في الباب الثاني من القسم الرابع من الشفاء الإجماع على كفر من لم يكفرأحدا من النصارى واليهود وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك قال القاضي أبو بكر لأن التوقيف والإجماع اتفقا على كفرهم فمن وقف في ذلك فقد كذب النص أو التوقيف أو شك فيه والتكذيب أو الشك فيه لا يقع إلا من كافر انتهى , وقال الإمام حافظ الدين النسفي في كتابه العمدة في أصول الدين التوقف باطل لاقتضائه الشك والشك فيما يفترض اعتقاده كالإنكار ]
_ وقال رحمه الله في نظم الدرر - (8 / 267)
فلعنة الله عليه أي [ ابن الفارض ] وعلى من تبعه أو شك في كفره أو توقف في لعنه بعد ما نثر من الضلال الذي سعر به البلاد , وأردى كثيراً من العباد.
_ ومما جاء عند ابن تيمية قوله في الصارم المسلول - (1 / 590)
[ أما من اقترن بسبه [للصحابة ] دعوى أن عليا إله أو أنه كان هو النبي و إنما غلط جبرئيل في الرسالة فهذا لا شك في كفره بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره.....
و أما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة و السلام إلا نفرا قليلا يبلغون بضعة عشر نفسا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب أيضا في كفره لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع : من الرضى عنهم و الثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب و السنة كفار أو فساق و أن هذه الآية التي هي { كنتم خير أمة أخرجت للناس } [ آل عمران : 110 ] و خيرها هو القرآن الأول كان عامتهم كفارا أو فساقا ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم و أن سابقي هذه الأمة هم شرارهم و كفر هذا مما يعلم باضطرار من دين الإسلام ]
_ وقال رحمه الله في موضع اخر - (3 / 2)
[ وقال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر". ] وانظر الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض - (2 / 215)
_ وعنه ايضا في مجموع الفتاوى في معرض كلامه عن الحلوليين والاتحاديين - (2 / 368)
[ وَلِهَذَا يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ تَارَةً وَبِالِاتِّحَادِ أُخْرَى وَبِالْوَحْدَةِ تَارَةً فَإِنَّهُ مَذْهَبٌ مُتَنَاقِضٌ فِي نَفْسِهِ ؛ وَلِهَذَا يَلْبِسُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ . فَهَذَا كُلُّهُ كُفْرٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِإِجْمَاعِ كُلِّ مُسْلِمٍ وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِ هَؤُلَاءِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ قَوْلِهِمْ وَمَعْرِفَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَافِرٌ كَمَنْ يَشُكُّ فِي كُفْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ
_ ومما ورد في كلام أئمة الدعوة النجدية رحمهم الله تعالى ما جاء في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية - (1 / 659)
قال ابو بطين رحمه الله تعالى [ وأمّا مَن يقول إنّ مَن تكلّم بالشّهادتين ما يجوز تكفيره، فقائل هذا القول لا بدّ أن يتناقض، ولا يمكنه طرد قوله في مثل مَن أنكر البعث أو شكّ فيه مع إتيانه بالشّهادتين، أو أنكر نبوّة أحد من الأنبياء الذين سَمّاهم الله تعالى في كتابه.أو قال: الزّنا حلال، أو اللّواط، أو الرّبا، ونحو ذلك ، أو أنكر مشروعية الأذان أو الإقامة أو أنكر الوتر أو السّواك، ونحو ذلك، فلا أظنّه يتوقّف في كفر هؤلاء ومثالهم إلاّ أن يكابر أو يعاند، فإن كابر أو عاند فقال لا يضرّ شيء من ذلك ولا يكفر به مَن أتى بالشّهادتين فلا شكّ في كفره ولا في كفر مَن شكّ في كفره؛ لأنّه بقوله هذا مكذِّب لله ولرسوله ولجميع المسلمين . والأدلّة على كفره ظاهره من الكتاب والسّنة والإجماع.... قال القاضي عياض في كتابه: (الشّفاء): (فصل: في بيان ما هو من المقالات كفر) إلى أن قال:
والفصل البيّن في هذا أنّ كلّ مقالةٍ صرحت بنفي الرّبوبية أو الوحدانية أو عبادة غير الله أو مع الله فهي كفر إلى أن قال:
والذين أشركوا بعبادة الأوثان أو أحد الملائكة أو الشّياطين أو الشّمس أو النّجوم أو النّار أو أحد غير الله من مشركي العرب أو أهل الهند أو السّودان أو غيرهم إلى أن قال: أو أن ثَمَّ للعالم صانعاً سوى الله أو مدبِّراً فذلك كلّه كفر بإجماع المسلمين". فانظر حكاية إجماع المسلمين على كفر مَن عبد غير الله من الملائكة وغيرهم، وهذا ظاهر ولله الحمد.
ونصوص القرآن في ذلك كثيرة، فمَن قال إنّ مَن أتى بالشّهادتين وصلّى وصام لا يجوز تكفيره أو عبد غير الله، فهذا كافر، ومَن شكّ في كفره فهو كافر. إلى أن قال:على هذا القول: فهو مكذِّب لله ولرسوله وللإجماع القطعي الذي لا يستريب فيه مَن له أدنى نظر في كلام العلماء ]
وفي الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين لابي بطين رحمه الله تعالى - (1 / 34)
[ وقد أجمع العلماء على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو يشك في كفرهم، ونحن نتيقن أن أكثرهم جهال .
وقال الشيخ تقي الدين : من سب الصحابة و واحدا منهم، واقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي , أو أن جبرائيل غلط . فلا شك في كفر هذا , بل لا يُشكُّ في كفر من توقف في تكفيره .
قال: ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر, أو أنهم فسقوا. فلا ريب في كفر قائل ذلك, بل من شك في كفره فهو كافر ] و قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فيالرسائل الشخصية - (1 / 147)
[ انظروا افي متن (الإقناع) في باب حكم المرتد هل صرح أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم أنه كافر بإجماع الأمة، وذكر فيمن اعتقد في علي بن أبي طالب دون ما يعتقد طالب في حسين وإدريس أنه لا شك في كفره بل لا يشك في كفر من شك في كفره، وأنا ألزم عليكم أنكم تحققون النظر في عبارات (الإقناع) وتقرءونها قراءة تفهم وتعرفون ما ذكر في هذا... ]
وفي الانتصار لحزب الله الموحدين ايضا - (جـ 1/ 37)
فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولا, أو مجتهدا مخطئا , أو مقلدا، أو جاهلا: معذور. مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك، مع أنه لا بد أن ينقض أصله: فلو طرد أصله كفر بلا ريب ، كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك .
و في الدرر السنية في الأجوبة النجدية - (8 / 160)
[ وأما قول السائل: فإن كان ما يقدر من نفسه أن يتلفظ بكفرهم وسبهم، ما حكمه؟
فالجواب: لا يخلو ذلك عن أن يكون شاكاً في كفرهم أو جاهلاً به ، أو يقر بأنهم كفرة هم وأشباههم ، ولكن لا يقدر على مواجهتهم وتكفيرهم، أو يقول: غيرهم كفار، لا أقول إنهم كفار; فإن كان شاكاً في كفرهم أو جاهلاً بكفرهم ، بينت له الأدلة من كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كفرهم، فإن شك بعد ذلك أو تردد، فإنه كافر بإجماع العلماء: على أن من شك في كفر الكافر ، فهو كافر .
وإن كان يقرّ بكفرهم ، ولا يقدر على مواجهتهم بتكفيرهم ، فهو مداهن لهم ، ويدخل في قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [سورة القلم آية: 9]، وله حكم أمثاله من أهل الذنوب. وإن كان يقول : أقول غيرهم كفار، ولا أقول هم كفار، فهذا حكم منه بإسلامهم، إذ لا واسطة بين الكفر والإسلام، فإن لم يكونوا كفاراً فهم مسلمون; وحينئذ فمن سمى الكفر إسلاماً، أو سمى الكفار مسلمين، فهو كافر، فيكون هذا كافراً.
وفي الدرر السنية في الأجوبة النجدية - (4 / 407)
[ وسئل الشيخ عبد اللطيف، رحمه الله: عما نسب عن شيخ الإسلام، أنه ذكر: أن الإمام أحمد كان يصلي خلف الجهمية ؟
فأجاب: هذا لو سلم ، من أوضح الواضحات عند طلبة العلم وأهل الأثر، وذلك أن الإمام أحمد وأمثاله من أهل العلم والحديث لا يختلفون في تكفير الجهمية، وأنهم ضلال زنادقة؛ وقد ذكر من صنف في السنة تكفيرهم عن عامة أهل العلم والأثر، وعد اللالكائي منهم عدداً يتعذر ذكرهم في هذه الرسالة، وكذلك عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة، والخلال في كتاب السنة، وابن أبي مليكة في كتاب السنة له; وإمام الأئمة ابن خزيمة قرر كفرهم، ونقله عن أساطين الأئمة. وقد حكى كفرهم شمس الدين ابن القيم في كافيته، عن خمسمائة من أئمة المسلمين وعلمائهم . والصلاة خلفهم لا سيما صلاة الجمعة، لا تنافي القول بتكفيرهم ، لكن تجب الإعادة حيث لا تمكن الصلاة خلف غيرهم ؛ والرواية المشهورة عن الإمام أحمد، هي المنع من الصلاة خلفهم ، وقد يفرق بين من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها، وبين من لا شعور له بذلك؛وهذا القوليميل إليه شيخ الإسلام،في المسائل التي قد يخفى دليلها على بعض الناس. وعلى هذا القول : فالجهمية في هذه الأزمنة قد بلغتهم الحجة ، وظهر الدليل ، وعرفوا ما عليه أهل السنة، واشتهرت الأحاديث النبوية وظهرت ظهوراً ليس بعده إلا المكابرة والعناد، وهذا حقيقة الكفر والإلحاد، كيف وقولهم: يقتضي من تعطيل الذات والصفات، والكفر بما اتفقت عليه الرسالة والنبوات ، وشهدت به الفطر السليمات، ما لا يبقى معه حقيقة للربوبية والإلهية، ولا وجود للذات المقدسة المتصفة بجميل الصفات. وهم إنما يعبدون عدماً لا حقيقة لوجوده، ويعتمدون من الخيالات والشبه ما يعلم فساده بضرورة العقل وبالضرورة من دين الإسلام عند من عرفه، وعرف ما جاءت به الرسل من الإثبات. ولبشر المريسي وأمثاله من الشبه والكلام في نفي الصفات، ما هو من جنس هذا المذكور عند الجهمية المتأخرين؛ بل كل أمة أخف إلحاداً من بعض هؤلاء الضلال ، ومع ذلك فأهل العلم متفقون على تكفيره، وعلى أن الصلاة لا تصح خلف كافر جهمي أو غيره . وقد صرح الإمام أحمد فيما نقل عنه ابنه عبد الله وغيره، أنه كان يعيد صلاة الجمعة وغيرها، وقد يفعله المؤمن مع غيرهم من المرتدين، إذا كانت لهم شوكة ودولة؛ والنصوص في ذلك معروفة مشهورة، نحيل طالب العلم على أماكنها ومظانها.
وأجاب الشيخ عبد الله والشيخ إبراهيم: ابنا الشيخ عبد اللطيف، والشيخ سليمان بن سحمان: لا تصح إمامة من لا يكفر الجهمية والقبوريين أو يشك في كفرهم؛ وهذه المسألة من أوضح الواضحات عند طلبة العلم وأهل الأثر، وذكروا نحواً مما تقدم من كلام الشيخ عبد اللطيف، ثم قالوا: وكذلك القبوريون لا يشك في كفرهم من شم رائحة الإيمان؛ وقد ذكر شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، رحمهما الله، في غير موضع: أن نفي التكفير بالمكفرات قوليها وفعليها، فيما يخفى دليله ولم تقم الحجة على فاعله، وأن النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه قبل قيام الحجة عليه، وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النّزاع بين الأمة. وأما دعاء الصالحين، والاستغاثة بهم، وقصدهم في الملمات والشدائد، فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه، والحكم بأنه من الشرك الأكبر؛ فليس في تكفيرهم، وتكفير الجهمية قولان. وأما الإباضية في هذه الأزمان، فليسوا كفرقة من أسلافهم، والذي بلغنا أنهم على دين عباد القبور، وانتحلوا أموراً كفرية لا يتسع ذكرها هنا، ومن كان بهذه المثابة، فلا شك في كفره؛ فلا يقول بإسلامهم إلا مصاب في عقله ودينه، ولا تصح خلف من لا يرى كفر هؤلاء الملاحدة، أو يشك في كفرهم . ]
وفيها أيضا - (9 / 291)
[ الأمر الثاني: مما يوجب الجهاد لمن اتصف به: عدم تكفير المشركين، أو الشك في كفرهم، فإن ذلك من نواقض الإسلام ومبطلاته، فمن اتصف به فقد كفر، وحل دمه وماله، ووجب قتاله حتى يكفر المشركين، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه "1،علق عصمة المال والدم بأمرين:
الأمر الأول: قول: لا إله إلا الله;.
الثاني: الكفر بما يعبد من دون الله.
فلا يعصم دم العبد وماله، حتى يأتي بهذين الأمرين:
الأول: قوله: لا إله إلا الله، والمراد معناها لا مجرد لفظها، ومعناها هو توحيد الله بجميع أنواع العبادة.
الأمر الثاني: الكفر بما يعبد من دون الله، والمراد بذلك تكفير المشركين، والبراءة منهم، ومما يعبدون مع الله. فمن لم يكفر المشركين من الدولة التركية، وعباد القبور، كأهل مكة وغيرهم، ممن عبد الصالحين، وعدل عن توحيد الله إلى الشرك، وبدّل سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم بالبدع، فهو كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم، ويبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين ; فإن الذي لا يكفر المشركين، غير مصدق بالقرآن، فإن القرآن قد كفر المشركين، وأمر بتكفيرهم، وعداوتهم وقتالهم . قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله نواقض الإسلام: الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر; وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من دعا علي بن أبي طالب، فقد كفر، ومن شك في كفره، فقد كفر. ]
وفي الدرر السنية أيضا - (10 / 365)
فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبلغه القرآن ، فقد قامت عليه الحجة، فلا يعذر في عدم الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل. وقد أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار، مع تصريحه بكفرهم، ووصف النصارى بالجهل، مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم; ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون، فنعتقد كفرهم، وكفر من شك في كفرهم. وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر؛ والشك هو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا كذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ونحو ذلك.... ]
وفيها أيضا - (10 / 429)
[ وسئل الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، عمن لم يكفر الدولة ، ومن جرهم على المسلمين، واختار ولايتهم وأنه يلزمهم الجهاد معه; والآخر لا يرى ذلك كله، بل الدولة ومن جرهم بغاة ، ولا يحل منهم إلا ما يحل من البغاة، وأن ما يغنم من الأعراب حرام؟
فأجاب: من لم يعرف كفر الدولة، ولم يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين، لم يعرف معنى لا إله إلا الله، ؛ فإن اعتقد مع ذلك: أن الدولة مسلمون، فهو أشد وأعظم، وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله، وأشرك به ; ومن جرهم وأعانهم على المسلمين، بأي إعانة، فهي ردة صريحة. ]
وفي أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي - (3 / 259)...
بعد كلامه وايراده الادلة على كون التشريع مع الله شرك وكفر وكذا التحاكم الى الطاغوت فقال :
[ وَبِهَذِهِ النُّصُوصِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا يَظْهَرُ غَايَةَ الظُّهُورِ : أَنَّ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْقَوَانِينَ الْوَضْعِيَّةَ الَّتِي شَرَعَهَا الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَوْلِيَائِهِ مُخَالَفَةً لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ إِلَّا مَنْ طَمَسَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ ، وَأَعْمَاهُ عَنْ نُورِ الْوَحْيِ مِثْلَهُمْ . ] اهـ
الرد على مقولة المعترض ( انا اعرف ان من تبرا من الشرك و المشركين دخل في الاسلام ابتداءا لكن ما زاد عن هذا لا بد من اقامة الحجة ) .
فالجواب : كلامك حق ولكن ألم تعلم ان البراءة من الشرك والمشركين تعني الجزم من غير شك أنهم ليسوا في دين الله وتعني بالضرورة تكفيرهم وتكفير من لم يتبرأ منهم , وتكفير من شك في كونهم مشركين خارجين عن دين رب العالمين .
إن كنت تقر بأن البراءة من المشركين من أصل الدين وأن نفي الاسلام عنهم ووصفهم بانهم مشركين خارجين عن ملة ابراهيم انه من اصل الدين كذلك وان من لم يأت بهذا فما حقق اصل الدين والبراءة من الشرك و المشركين , فكيف يكون بعد ذلك الشك والتردد فيمن لم يكفرهم ولم يتبرأ منهم ؟؟ أليس من لم يكفرهم ويتبرأ منهم لم يحقق الاصل قطعا ويقينا من غير شك ؟؟ وهل هذا القطع واليقين يدخله الريب والشك ؟؟ فما بالك تستسيغ الشك في ذلك والشك في الشاك كونه غير محقق لأصل الدين وغير فاهم له ولا جازم ولا عالم ولا متيقن .
أخيرا أنقل نص وتفسير كلام الشيخ الحازمي :
[من الكفر ما هو مجمع عليه، ومن الكفر ما هو مختلفٌ عليه، تارك الصلاة مجمع عليه، عند كثير من العلماء مختلف فيه، حينئذ إذا رجح زيدٌ من الناس أن تارك الصلاة كافر، ورجح عمرٌو أنه ليس بكافر، حينئذ هل يصح لهذا أن نقول: من لم يكفر تارك الصلاة فهو كافر؟ هل يصح؟ لا يصح بالإجماع.
حينئذ هو في نفسه إذا ظهر له وتحقق أن زيدًا من الناس لا يصلى مطلقًا، وهو رجح أن أو دل الدليل عنده أن من لم يصلى فهو كافر هو في نفسه إذا لم يكفره صار مكذبًا للنص، فيكون ماذا؟ يكون كافرًا. لكن لا يتعدى الحكم إلي غيره، ولذلك هذه المسائل: من لم يكفر المشركين فهو كافر، من لم يكفر الكفار فهو كافر، هذه مسائل مجمع عليها، معلومة من الدين بالضرورة؛ وحينئذ ما لم يكن مجمعًا عليه يُنظر في كل ناقضٍ بحسبه، ولا يتعدى الحكم ألبتة، ولا يستلزم التسلسل كذلك] انتهى من المقطع الصوتي المنقول من اليوتيوب بعنوان التسلسل في التكفير.
وكلامه وتفصيله في أن قاعدة من لم يكفر المشركين لا تُطبّق في الكفر غير المجمع عليه، بل تطبق في الكفر المجمع عليه، وهذا حقٌ وندين به لله، ومن يقولون بالتسلسل في التكفير لا يختلفون مع الشيخ في كلامه هذا.
لكن بعضًا من الناس عندما يسمع كلمة التسلسل يطير بها فرحًا وكأنه وجد نصًّا قرآنيًّا ينهى عن التكفير بالتسلسل، أو كأن الشيخ استنكر التكفير بالتسلسل، أو أنه نفاه بإطلاق وذكر الأدلة على ذلك.
فالشيخ في هذا الكلام لم يخالف الكتاب والسنة وفهم السلف لهذا الأمر، فهو أخرج الكفر المختلف فيه من قاعدة من لم يكفر الكافر، ومما يسمى بالتسلسل، وهذا حق، إذ مناط القاعدة ليس في الكفر المختلف فيه؛ لأن الكفر المختلف فيه أدلته ظنية من حيث ثبوتها أو دلالاتها، وعند ظنية الأدلة يوجد الاجتهاد، ولكن عند قطعية الأدلة فلا يوجد خلاف ألبتة.
وقد استشهد الشيخ بتارك الصلاة تكاسلًا، وهذه الواقعة هي فيمن ترك الفريضة حتى ذهب وقتها من غير عذر شرعي، هذا هو الاجتهاد منهم في التكفير أو عدمه، وأما من تركها أيامًا وليالي فهذا لم يختلفوا فيه، راجع كلام ابن القيم رحمه الله في رسالته "حكم تارك الصلاة".
فكفر من لم يكفر الكافر هذا مُناط الكفر الأكبر، وهذا أيضًا ما قرره الشيخ، وليس في الكفر الأصغر أو في الكفر دون كفر، وهو في الكفر المتفق عليه وليس في الكفر المختلف فيه، وفي كفر الحال وليس في كفر المآل .
وأما خلط الأمور بعضها ببعض فهذا يسبب هدمًا للدين، كمن لا يريد أن يكفر المشركين بحجة عدم قيام الحجة، لكنه في الواقع لا يكفرهم وإن قامت، وأن قيام الحجة على المخالف فيما هو دونه حق وندين به لله، وكمن يريد أن يثبت العذر بالجهل في أصل المعتقد من حيث كونه عذرًا، وهو في الحقيقة فيما دونه، فقد يكون المرء معذورًا بجهله في بعض المسائل، وكذلك اجتماع الشروط وانتفاء الموانع.
وهكذا تجد بعض الناس أحيانًا يضعون ضوابط شرعية في غير محلها؛ مما يؤدي إلى ضرب الأصول بالفروع، فتخرج النتيجة بعد ذلك إما بجواز الشرك في بعض صوره، كالتحاكم إلى الطاغوت بداعي الضرورة، أو بجواز عدم تكفير المشركين، ومناسبب ذلك الإنحراف والله أعلم هو سبق البناء التشريعي على البناء العقدي عند الكثيرين، ومن ذلك قياس حكم تارك التوحيد على حكم تارك الصلاة.
فيصبح أصل دين الإسلام الذي هو معنى لا إله إلا الله الذي يعلم بالفطرة وبالآيات المرئية والسمعية، الذي لا شك في كفر من لم يحققه، أو توقف في تكفير من انهدم عنده؛ يصبح كالمسألة التي تعلم بالخبر فقط، فيصبح له ما للمسألة النقلية من ضوابط، وعليه ما عليها.
فتجدهم يتخبطون في أصل المعتقد، مرة بأنه لابد من قيام الحجة، ومرة بأنه لابد من اجتماع شروط وانتفاء موانع، ومرة بأن العذر بالجهل مسألة خلافيه، ومرة يعذرون بالتأويل. لماذا؟
لأنهم ضبطوا أصل الدين بالفروع وليس العكس، فأصل الدين هو الحاكم على غيره لا العكس، فإن ظَن التعارض بين أصل الدين وفروعه كما يظن من يظن بسبب بعض الأدلة المتشابهة، فيجب عليه حمل المتشابه على المحكم لا أن يهدم الأصل بالفرع!!
وأما عن مسألة تكفير المشركين الذين عُلم من حالهم أنهم قد جعلوا مع الله إلهًا آخر فهم المشركون الكافرون، وهم أولياء الشيطان وحزبه، ونحن بفضل الله أولياء الرحمن وجنده، فمن لم يكفر المشركين الذين قطعت الأدلة بتكفيرهم مع علمه بحالهم فقد كفر، ويلحق بهم، ويكون من زمرتهم وفي جماعتهم؛ لأنه مقطوع بكفره.
فهؤلاء حزب الرحمن وهؤلاء حزب الشيطان، هؤلاء يقاتلون في سبيل الله وهؤلاء يقاتلون في سبيل الطاغوت، فمن لم يفرق بينهم، أو لم يكفر أفراد المشركين، أو صحح مذهبهم فهو منهم.
وأما من يريد أن يعمل استقراءً، أو أن يجعل للكافرين أرقامًا، أو يرتّبهم ويصنفهم بالدور، أو غير ذلك فهذا شأنه، ولم يكلفنا الله بذلك ، وهذا الدفاع عن المشركين يهدم عقيدة الولاء و البراء.
نسأل الله تعالى ان يشرح صدورنا للحق والهدى وسلوك سبيل اهل العلم و التقى . وان يحيينا على ملة ابراهيم الحنيف وان لا نموت الا ونحن مسلمون موحدون , كافرون بالالهة والشركاء والانداد علما وعملا واعتقادا ..... امين .
------------------------------------------------
منقول من بحث أبو أسيد الأنصاري و أبو عمر .