أين أخطأ الشيخ صالح المغامسي ؟
تحدث الشيخ الفاضل صالح المغامسي عن فكرة حاصلها : أن أهل السنة والشيعة والإسماعيلية والإباضية يؤمنون بالله ربا وبالرسول صلى الله عليه وسلم نبيا وبالإسلام دينا ويصلون ويضحون ويؤمنون بالقرآن كتابا ويؤمنون بالقيامة والجنة والنار .
ثم ذكر أن هؤلاء يجب عليهم ألا يقتتلوا في كل بلد من بلاد المسلمين , وأنه يجب عليهم جميعا أن قدرهم واحد ومآلهم واحد , فيجب عليهم ألا يكون بينهم اقتتال وسفك دماء .
ثم ذكر توضيحا لكلامه وأكد فيه على أنه يقصد بالإسماعلية الذين يعيشون في جنوب المملكة ولا يقصد كل الإسماعيلية , ثم أكد المعنى الذي ذكره في مقطعه الأول وهو أن تلك الطوائف بينها قدر مشترك وهو الإيمان بالله ربا والإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وبالقرآن والقيامة .
والحقيقة أن الشيخ الفاضل أخطأ عددا من الأخطاء في تقريره هذا , ويعد في بعضها خارجا عن إجماع العلماء , وفي بعضها خارجا عن فهم الواقع وحال المذاهب .
وقبل أن ندخل في تفاصيل ما يتعلق بذكر ما أخطأ في الشيخ لا بد من التذكير بأن هذا النقد لا يعني الاحتقار للشيخ ولا التقليل من مكانته ومنزلته , وإنما هو بيان للحق وكشف للخطأ وإزالة اللبس الذي وقع بكلامه .
وجملة ما وقع فيه الشيخ صالح من أخطاء يمكن تحصيلها في خمسة أمور :
الأمر الأول : أن كلام الشيخ الفاضل يشعر بأن المعين إذا اتصف بتلك الأمور التي ذكرها (الإيمان بالله ربا والإسلام دينا والنبي رسولا والقرآن كتابا ويوم القيامة والجنة والنار والصلاة إلى القبلة وعمل الأضحية) أنه لا يكفر ولا يصح يتعامل معه بأحكام الكفر مهما فعل من الأفعال .
وهذا خطأ كبير في تقرير أحكام الكفر , مخالف لإجماع أهل السنة والجماعة , فإن أهل السنة يعتقدون أن الاتصاف بتلك الأمور ليست أمورا مانعة من تكفير المسلم ولحوق أحكام الكفر به , بل هم مجمعون على أن من شروط بقاء وصف الإسلام للمعين ألا يقع في فعل موجب للكفر والشرك الأكبر , فلا يبق وصف الإسلام للمعين إلا بالالتزام بأركان الدين وترك كل ما ثبت أنه ناقض للدين .
نعم , يقرر أهل السنة بأن الواقع في الشرك أو الكفر إذا كان من المسلمين لا بد من الاحتياط في تكفيره ولا بد من التأكد من حاله , ولأجل هذا ذكروا شروط التكفير وموانعه , وهم إنما ذكروها طلبا منهم للتحقق والتبين في حال المعين , فالمسلم الواقع في الكفر أو الشرك يتعارض فيه أمران : أمر يوجب الكفر والخروج من الملة وأمر يوجب له حكم الإسلام , فلا بد من التحقق من حاله .
فإن كان فعل الكفر أو الشرك عالما مختار , فإنه يحكم عليهم بالخروج من الملة , وإن كان فعل الكفر أو الشرك جاهلا أم متأولا , فإنه يعذر بذلك إذا كان جهله وتأوله معتبر في الشريعة .
ولكن الشيخ صالح المغامسي لم يذكر شيئا من ذلك , بل ذكر كلاما يناقض هذه القواعد , فيفهم من كلامه أن العبرة بحصول ما يحقق وصف الإسلام , ولم يلتف للقيد الثاني , وهو عدم الوقوع في الأفعال المكفرة المناقضة للإسلام .
وحين حكمنا على كلام الشيخ صالح بالخطأ ليس ردا لقوله بمجرد أقوال الرجال , وإنما هو بإجماع أهل السنة , الذي قرروه في مسائل الإيمان , وذلك الإجماع قائم على الجمع بين النصوص الشرعية كلها , فكما أن هناك نصوص شرعية حكمت بالإسلام لمن أقر بالإسلام , فهناك نصوص أخرى بينهم أن ذلك الإقرار ليس مانعا من خروج المعين من الإسلام , وبينهم أن المعين قد يخرج من بالإسلام بأعمال يفعلها او يتركها , فجمع أهل السنة بين كل النصوص وبنوا مذهبهم على ذلك .
فالعلماء الذين حكموا على من وقع في الكفر والشرك من طوائف المسلمين بأنهم خارجون عن الإسلام لم يغفلوا عن النصوص التي فيها يبان ضابط الدخول في الإسلام , وإنما جمعوا بينها وبين النصوص الأخرى التي تبين ضابط الخروج من الإسلام .
فبحث مسألة الخروج من الإسلام لا يصح أن يعتمد فيه على نصوص ثبوت وصف الإسلام فقط , وإنما لا بد من اعتبار النصوص الأخرى التي فيها بيان الخروج من الإسلام .
والشيخ صالح لم يعتمد إلا على نوع واحد فقط , وهذا خطأ كبير مخالف لمناهج العلماء في بحث هذه المسألة العظيمة .
الأمر الثاني : يلزم من كلام الشيح صالح المغامسي أن تلك الفرق- الشيعة(الرافضة) والإسماعيلية والإباضية- ليس لديهم ما ينقض الإسلام ولا ما يعد في حكم الإسلام كفرا أكبر.
وهذا خطأ ظاهر , بل كل تلك الطوائف واقعة فيما هو كفر أكبر مخرج من الملة , على تفاوت فيما بينها , فالرافضة واقعون في أصناف من المكفرات الظاهرة , كالاستغاثة بالقبور وعبادتها والخضوع لها , والإباضية كذلك , فإنهم لا يثبوت صفة العلو الذاتي لله تعالى وصفة الاستواء ويقولون بخلق القرآن , وهي أمور مخرجة من الملة عند أئمة السلف , وأما الإسماعيلية , فأمرها ظاهر فهي قائمة على الكفر والضلال .
والشيخ صالح حفظه الله في توضيحه اللاحق ذكر أنه لا يبرئ هؤلاء من وجود الأخطاء عندهم , ولكن هذا غير كافٍ لأن البحث ليس في وجود مجرد أخطأ فقط , وإنما البحث في وجود أمور موجبة للكفر الأكبر عند تلك الطوائف , وهذا ما لم يذكره الشيح صالح , وكلامه يشعر بنقضيه .
الأمر الثالث : ساوى الشيخ صالح بين الإسماعيلية وبين الإباضية والرافضة في الحكم بالتكفير , وهذه المساواة باطلة مخالفة للإجماع , فقد أجمع العلماء على أن الإسماعيلية طائفة كافرة , وأنها لا تأخذ حكم الطوائف الأخرى التي وقعت في المكفرات ؛ لأن مذهبهم يقوم على اعتقاد أمور مناقضة لأصل الإسلام ولبه ولا يقبل فيها تأويل ولا جهل , وذلك بخلاف الطوائف الأخرى , فما وقعوا فيه من المكفرات مع مناضته للإسلام إلا أنه يمكن أن يعذر فيه بالجهل والتأويل , وهذه قضية يطول شرحها , وقد فصلتها في مقال بعنوان (فلسفة أهل السنة والجماعة في الإعذار بالجهل والتأويل) .
وقد نقل عدد من الشيوخ وطلبة العلم أقوال العلماء التي نقلوا فيها إجماع العلماء على كفر الإسماعيلية وأنها خارجة عن طوائف المسلمين .
وقد أقر الشيخ صالح في توضيحه الأخير بإجماع العلماء على كفر الإسماعيلية , ولكن ذكر أنه يقصد الإسماعيلية الذين في جنوب المملكة لأنهم زاروه وشرحوا له مذبهم .
وهذا التصريح غير كاف في أن يطلق الشيخ حكمه الجازم ذلك ؛ لأنه لا يملك دليلا جازما على صدق من حدثه يجعله يصرح بمخالفة إجماع العلماء , فما الذي يدريه أن من حدثه كانوا يمارسون معه التقية؟ وهو أصل من أصول مذهبهم .
ثم كما أن هناك أناسا حدثوه فهناك أناس آخرين من الطائفة نفسها ذكروا خلاف ما ذكر له , وكلامهم مشهور منشور , ألا يدعوه هذا الاختلاف والتباين إلى التردد والشك , هل يصح شرعا وعقلا مع وجود هذا التباين أن يتوقف في الحزم بمخالفة ما أجمع عليه العلماء ؟
ثم إن الإسماعلية طائفة قديمة كبيرة لها كتب معتمدة وأصول مقررة وتاريخ مشهور هل يصح أن يعرض الناظر عن هذه الأمور ويعتمد على نفر التقى بهم ويجزم بمناقضة إجماع منقول عن العلماء ؟
وحاول الشيخ صالح أن يقدح في الإجماع - مع أنه أقر به أولا - بأنه لا يعرف أن حاكما منع أحدا من المسلمين من حج بين الله الحرام , فلو كان ثمة إجماع لمنعوا الإسماعيلية من حج بين الله الحرام .
وهذا الاعتراض غير صحيح , ولا يقدح في الإجماع المنقول ؛ لأن لا دليل لديه على أن طائفة الإسماعيلية تقصد إلى الحج مع المسلمين , ثم إجماع العلماء المنقول عن العلماء بكفرهم يتضمن بالضرورة منعهم من دخول الحرم وإن لم يصرحوا بذلك , وأما كون الامراء والملوك لم يلتزموا بذلك , فليس دليلا على بطلان ذلك الإجماع , فأفعال الأمراء والملوك ليس من قوادح الإجماع .
وأما الرافضة , فالمحققون من أهل العلم –كابن تيمية وغيره كثير- يفرقون في وصفهم بين حكم الفعل وحكم الفاعل , ويصرحون بأن الجاهل المتأول منهم معذور لا يصح أن يحكم عليه بالكفر , وقد بينت ذلك في خصوص الرافضة بكلام منشور بعنوان (تحرير مذهب ابن تيمية في حكم الرافضة) .
الأمر الرابع : يدل كلام الشيخ صالح أن من الإقرار بتلك الأمور يعد مانعا من الاقتتال بين المسلمين , وهذا خلل ظاهر , بل موجبات الاقتتال متنوعة في حكم الشريعة , فقد تكون طائفة مسلمة ومع ذلك يجب قتالها , إما لبغيها وإما لفسادها أو لغير ذلك , فقد أجمع العلماء على وجود قتال الطائفة الممتنعة عن شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة , ولم يقل أحد منهم إن تلك الطائفة تقر بالله ربا والإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا .
فقضية القتال والاقتتال بين المسلمين لا يصح منهجيا أن تناقش بالطريقة التي سلكها الشيخ صالح , وإنما يجب أن تحرر فيها المناطات بصورة واضحة لا لبس فيه ولا غموض , وأما الاعتماد على العمومات – كما صنع الشيخ صالح- فلا يفيد , بل يزيد اللبس والغموض .
الأمر الخامس : يوهم كلام الشيخ أن تلك الطوائف كلها متساوية في الخطاب , وأنها متساوية في حجم القتال وسفك الدماء .
وهذا الإيهام خطأ كبير , بل هو في الحقيقة شنيع في حق الأمة , فكيف يسوي بين مذهب تقوم أصوله على العداء والبغضاء للأمة وبين ما ليس كذلك , فمذهب الرافضة والإسماعلية يقوم على الكراهية والحقد على الأمة , فلم توجد لهم دولة وقوة إلا سفكوا دماء الأمة وانتهكوا أعراضها , فكيف يساوي بينها وبين أهل السنة من عموم الأمة ؟!
وكيف يصح أن يتعامل مع طائفة الشيعة التي انشقت عن الأمة وأسست الحشود لقتل الأمة على أنها مجرد طائفة لديها من الأخطاء ما لدى غيرها , وأنه يمكن أن تتصالح مع عموم المسلمين؟!
فالشيخ صالح أعرض على أصول الشيعة القائمة على الكراهية والحقد على الأمة , وأعرض عن تاريخهم الأسود مع الأمة , والأغرب من ذلك أنه أعرض عن واقعهم الدموي مع المسلمين , ويتعامل معهم على أنهم مجرد طائفة من الأمة لا تختلف عن عموم أهل السنة في سفك الدماء وتخريب الديار .
وفي ختام هذه المقالة أكرر إعلان احترامي وتقديري للشيخ صالح , وأسأل الله لي وله التوفيق والسداد في الدارين .
سلطان العميري
مكة المكرمة