بسم الله الرحمن الرحيم
___________________________________________________
تنويه: كنت قد أعددت رسالة من (١٤) صفحة لأرسلها للشيخ أبي محمد المقدسي حفظه الله في فترة "فتح الشام" ما قبل تشكيل "هيئة تحرير الشام"، بعد فشل (١٣) محاولة للتواصل مع الشيخ وشرح الأمر له، وقد حال دون نشرها أو إرسالها في وقت إعدادها أنا كنا قد طلبنا من أحد الإخوة الفضلاء ممن له تواصل مع الشيخ وحظوة عنده، أن يتكفل بمد جسور التواصل من جديد، وإعادة العلاقة المباشرة، لكن تطور الشيخ في تصريحاته وازدياد وتيرتها في الآونة الأخيرة، استدعى التبيان والتوضيح لأهم ما ورد في كلام الشيخ، وليس القصد هو الإسقاط أو النسف، بل التبيان للحقائق لمن يبحث عنها -وكما نراها-، والله الموفق.
___________________________________________________
إلى الشيخ الفاضل.. أبي محمد المقدسي..
إلى جميع الإخوة في جبهة فتح الشام (سابقًا)..
إلى جميع الإخوة في هيئة تحرير الشام..
إلى كل من يرقب مشروع هيئة تحرير الشام..
السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته
الحمد ﻟﻠﻪ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد؛
فإن احترام أهل العلم من الإيمان، ونحن نعمل جاهدين على تربية الشباب المجاهد على خصلة الإيمان تلك.. على احترام أهل العلم من الموافقين والمخالفين.. ما داموا من حملة هذا العلم، والاحترام لا يعني السكوت عن خطأ المخالف منهم أو قبوله أو تسويغه، كما لا يعني التعصب والتقديس.
وقد ساءنا في عديد المرات بعض "المهاترات التويترية" التي تحدث بين بعض أهل العلم، حيث كان الشباب المجاهد يلح في طلب توضيح موقفنا من ذلك، فكنا نوصي الشباب بضرورة احترام الطرفين كونهما من أهل العلم، بغض النظر عن درجة كل منهما في العلم أو سابقته أو قربه وبعده منا، مع تبيان موقفنا من المسألة المطروحة إن كان ثمة قضية، وكنا نقول للشباب دومًا أن "خلاف الأقران يطوى ولا يروى"، ومن الطبيعي أن يخرج فريق ليقول: كيف تعتبر فلانًا وفلانًا من الأقران؟! أو ينقسم الناس إلى فريقين: أحدهما يشجع الشيخ الفلاني، والثاني يشجع الآخر، وإنما قلت يشجع -ولا أقصد المصطفّين من طلبة العلم إلى هذه الجهة أو تلك-؛ لأن أغلب هؤلاء إنما يصطفّ إلى الجهة التي يجد نفسه فيها، دون أن تبنى المسائل على قواعد العلم، ناهيك عن أن في بعض المصطفّين -من طلبة العلم- من تكون قد احتملته حمية لهذا الشيخ أو ذاك، فيصطف إليه ظانًّا أنها الحمية للمنهج، والصحيح خلاف ذلك.
وكنت أقول للفريقين -ممن ذكرت-: ليس الشيخان المختلفان أقرانًا من كل ناحية، ولكنهم يشتركون ويقترنون في كونهما من أهل العلم عند جمهور العامة والناس، فلا نريد كسر منزلة أهل العلم التي صار لنا نبنيها لسنوات، بعد أن حطمها العدو عبر منظومة يطول شرحها، وبعد أن حطمتها العلمانية وذيولها، وبعد أن شارك البعض بتحطيمها ﺑﺎسم السلف -من حيث لا يدري- عبر الفهم الخطأ لمنهج السلف ومذهبهم، وبعد أن حطمها الخوارج في السنوات الأخيرة، أو لنقل حتى نكون دقيقين أكثر: بل ما كان خروج الخوارج إلا ثمرة للتربية الخاطئة لجيل من الشباب "العوام في العلم" على الأخذ المباشر من الدليل، دون احترام للعلماء، ولا للمذاهب، ولا لقواعد العلوم أو معرفة بها، بما يعني أننا ما لم نصحح هذه الطريقة في التلقي والتربية، فعلينا أن نستعد بين الفينة والأخرى لخروج نبتة الخوارج.
وكنت أقول أيضًا ولا زلت: إن خلافاتنا ضمن دائرة أهل السنة والجماعة في حربنا مع هؤلاء النصيرية والروافض ومَن وراءهم من الصليبيين غربيين كانوا أو شرقيين، يجب أن لا نستعلن بها حتى لا نشمت العدو بنا، خصوصًا وأن بين أصناف عدونا من الخلافات أضعاف أضعاف ما بيننا، وضمن الطائفة الواحدة منهم، فضلاً عن غيرها، ويكفر بعضهم بعضًا كما تكفر الرافضةُ النصيريةَ، فأحرى بنا أن لا تتخالف قلوبنا وإن اختلفت أقوالنا.
نحن نشكر للشيخ المقدسي جهوده المباركة -إن شاء الله- في الوقوف في وجه الطواغيت وصلابته وشدته على الكفار، وصبره على البلاء واللأواء في سبيل هذا الدين، وتوضيحه لمعالم كثيرة من معالم هذا الدين التي درست في هذا الوقت، وتصديه لأهل الغلو كما لأهل الإرجاء عبر كتاﺑﺎته القديمة، وإن كان لنا تحفظ على موقفه العام من جماعة الدولة، من حيث التأخر فيه، ومن حيث لينه أحيانًا.
نشكر له كل ذلك ونسأل الله أن يجعله في ميزانه، ولكنا نرى أن شدته على الكفار ربما أورثته أحيانًا شدة في غير محلها على إخوانه، كما أنا نرى أن كثيرًا من النوازل اليوم تستدعي من أمثاله أن يخطّ فيها المباحث التي لا تقل عن "الثلاثينية" أو "إمتاع النظر"، لا أن يكتفي لها ﺑﺎلتغريدة والتغريدتين، كما أنا نرى أن هناك بعض الحالات النفسية -التي لا عصمة لبشر منها- تتحول إلى سجالات مع المخالفين ﺑﺎسم المنهج، فيتم تفريغ الشحنة النفسية تجاه المخالف ﺑﺎسم الحفاظ على المنهج.
وقد بعثنا للشيخ ﺑﺎلنصائح بشكل مباشر أولاً، ثم عبر من يحبه ويأنس به، عله يكون أقرب لقلبه وأدعى للقبول عنده.. ولكنا لم نجنِ من كل ذلك أية نتيجة، كونه يعتبر هذا من الصدع ﺑﺎلحق، كما ذكر غير واحد ممن يعرفه جيدًا.
أحبتنا الكرام؛ في الوقت الذي كنا ننصح للشيخ ﺑﺈنصاف المخالفين، رأينا تغريداته في الأشهر الأخيرة ﺗﺄخذ طابع الطعن والاﺗﻬام، وتجاه الموافقين هذه المرة لا تجاه المخالفين، ثم ازدادت الوتيرة صعدًا عقب الإعلان عن تشكيل هيئة تحرير الشام.
وإني هنا أبين لكم بعض ما كان في فترة "فتح الشام" ثم ما قرأناه مؤخرًا سواء في فترة الحملة التي قمنا بها، أو بعد تشكيل الهيئة.
أولاً: فترة ما بعد الإعلان عن "فتح الشام"
تواصلت مع الشيخ شخصيًا لما يزيد على عشر مرات طالبًا منه الاستيضاح والاستفسار منا عن كل ما يلقى إليه عنا، قبل أن يحكم علينا ﺑﺎلانحراف والتمييع، أو الكذب والخداع والتدليس، ولكن دون جدوى، وإن كان البعض سيعتذر للشيخ ﺑﺄنه ربما غير حسابه أو لعلها لم تصله، فإني أؤكد هنا أني تواصلت مع أحد الفضلاء المقربين من الشيخ وسألته فيما لو كان الشيخ قد غير حسابه فأكد لي ذلك الفاضل أن الشيخ لا زال يعمل على نفس الحساب حينها.
وتتلخص معظم رسائلي حينها في أني طلبت إليه أن يستفسر منا حول ما يسمعه عنا من قوم من المخالفين لنا، لا أن يحكم علينا ﺑﺎلسماع منهم، وأن يبين لنا بعد السماع منا ما هي المبادئ التي حُرفت أو التي يخشى الشيخ تحريفها، وما هي جوانب التمييع إن وجدت، وبينت له أن معظم ما يسمعه عنا لا يمت للمنهج بصلة، بل هي الحالات النفسية المتشنجة من قِبل البعض تجاهنا لأنا استوعبنا البعض الآخر، وأن هناك صورًا مغلوطة تصله عن الجماعة نود تصحيحها لديه. وقد كررت طلبي هذا مرارًا دون جدوى.
وبعد رسائلي تلك، وعلى مدار قرابة الشهر، وحيث أنه لم يشأ الرد عليها، مكتفيًا ﺑﺄقوال من نقل إليه خليطًا من التحليلات النفسية المشحونة والبعيدة عن الواقع، والإشاعات المغرضة بل والأكاذيب، فإني هنا أحب أن أوضح لكم أن ما تم تصويره للشيخ -على يد الزمرة التي تتواصل معه ويقبل الشيخ ﺑﺎلتواصل معها- على أنه تقديم لمن وصفهم ﺑﺎلمميعة وأصحاب المنهج المنحرف، وتهميش لمن وصفهم ﺑﺄصحاب المنهج السليم، غير صحيح البتة، وأنا على استعداد لتبيان ذلك للشيخ إن كان مستعدًا للتواصل والاستيضاح بهذا الخصوص بعيدًا عن الإعلان بذلك أمام العدو والصديق في فضاء النت الرحيب.
لقد وصلنا أنه قد وصل للشيخ أن الجبهة تشارك بشكل سري في غرفة درع الفرات التركية ضد جماعة الدولة!!! وقد طلبت إليه التواصل معي مرارًا لأدحض له تلك الفرية، ولأذكره بقوله تعالى: ﴿فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات:٦]. ولن أبدأ بصدر الآية حتى لا أُفهم خطأً.
ووصلنا أن له في الاندماج كلامًا في السر غير ما يعلنه في تويتر، فلم نغرد بهذا ولم نعلن به حفظًا لمكانه ولأننا لا نظن ذلك فيه، وكلنا رجاء أن يكون ما وصلنا غير صحيح، وكان الشيخ في الوقت نفسه يغرد غير مبالٍ بمكان جماعة جهادية كاملة، ﺑﺎسم الصدع ﺑﺎلحق والمناصحة، ولو أنه قبل التواصل مع من يبغي نصحهم -فضلاً عن أن يسر لهم بذلك- لكان أولى وأدعى للقبول والله أعلم، ولكنه رفض التواصل معنا، فهلا قدم حسن الظن فينا بعد أن رفض التواصل معنا؟!
وحتى عدم تواصله معنا ظنناه ابتداء بسبب وضعه الأمني تقديمًا لحسن الظن فيه، ثم تبين غير ذلك.
وصلنا الكثير ولا سبيل إلينا للتحقق مما وصلنا، كما أنه لا سبيل له للتحقق مما ذكر إلا بعد أن يتحقق منا، فلعل الذي نقل له قد أخطأ، أو لعله ذو غمر، أو لعله كذب وافترى، أو لعله فهم الأمر على غير وجهه... احتمالات كثيرة كلها واردة، فلِمَ استبعدها الشيخ جميعًا ورجح الاحتمال المستبعد تمامًا بحسب ما يظهر من حال الجماعة في تحريمها العمل -مع أو تحت- الجيش التركي لأنه جيش كفري علماني، ضد الخوارج لأنهم مسلمون؟!!
كنا نتمنى لو أمهلنا الشيخ قبل أن يحكم علينا عشر معشار ما أمهل جماعة الدولة، أو أنه قبل الاستماع إلينا بعد إلحاحنا في الطلب، عشر معشار حرصه على التواصل معهم.
* * * * *
ﺛﺎنيًا: فترة الحملة التي قمنا بها ردًا على مؤتمر الأستانا
نحب أن نلفت النظر إلى الأمور التالية:
الأمر الأول: نحن لم نتحرك بموجب أوامر أو تنظيرات أو فتاوى أحد من خارج الجماعة لا من مشايخ الداخل كالشيخ المحيسني وأبي الحارث وأمثالهما عندما أصدروا فتوى وجوب إتمام الاندماج الذي وقع عليه أمير الأحرار، ولا من مشايخ الخارج كالشيخ المقدسي، وإنما جرت دراسة الخطوة بشكل داخلي بحت في الجماعة، ودرست المسألة داخل اللجنة الشرعية وداخل مجلس الشورى، وجرى اعتمادها ووضع خطتها وتطبيقها بشكل داخلي كامل.
وجميع طلبة العلم داخل الجماعة من أعضاء اللجنة الشرعية العامة فمن دونهم، وكل الإخوة القيادات وكذا الجنود، يعلمون عدم تبعية الشيخ تنظيميًا لنا، وأن فتاويه غير ملزمة لنا، ولا تمثلنا ﺑﺎلضرورة، وقد كنا ولا زلنا نوصي الإخوة ﺑﺎحترام أهل العلم من الموافقين والمخالفين، ونسمع من الجميع ونأخذ منهم ونستفيد منهم، ونرفض أن يقال عن فلان أنه مرجعية الجبهة.
والجميع يعلم أن الممثل الشرعي الوحيد للآراء التي تتبناها الجبهة من الناحية الشرعية هو لجنتها الشرعية وقضاﺗﻬا وطلبة علمها، مع استئناسهم واستفتائهم لأهل العلم دون حصر ذلك بشيخ أو اثنين أو ثلاثة.
ومع كون بعض أهل العلم أقرب إلينا من بعض، ومع اختلاف درجاتهم، فإننا نسأل كل من تيسر سؤاله مع الاحترام للجميع، ودون تعصب للأشخاص.
وننبه شبابنا دومًا لضرورة عدم الالتفات لمجادلات تويتر.
ونؤكد لهم ولغيرهم أن الشيخ المقدسي رجل من أهل العلم له حسنات كثيرة من مثل كتاﺑﺎته القديمة ووقوفه ضد الطواغيت ونحو ذلك، ورغم أنه من أهل العلم فهذا لا يعني أنه المسؤول الشرعي العام لجماعتنا، وليس محسوبًا على الجبهة من الناحية التنظيمية، بحيث كلما صرح تصريحًا أو أفتى فتوى لزمنا الأخذ بها، أو كلما تجادل مع أحد فعلينا أن نصطف خلفه ونبدأ بجلد مخالفه، أو كلما سابه أحد أن نبدأ ﺑﺈنزال البيانات الرسمية في ذلك المخالف.
وإذا كان الشيخ من الدعاة إلى التوحيد فهذا لا يعني أن كل كلامه توحيد، والمرء لا يخلو من حالة نفسية ما.
وحتى لا يذهب الذاهبون ﺑﺄني أقصد ما حصل بين الشيخ المقدسي والشيخ أبي مارية أقول: الأمر لا يتوقف عند أبي مارية فحسب، بل الجميع يتذكر ما حصل بين الشيخ المقدسي والشيخ طارق عبد الحليم على سبيل المثال.
وأبو مارية رغم كل ما يقال فيه، لكن من الإنصاف أن يقال أن الرجل لا يزال من ٢٠٠٣ حتى الآن في سبيل الله، ما بين أسر وهجرة وجهاد، فضلا عن كونه أحد طلبة العلم في الساحة، ولئن اختلفنا معه في مسألة أو اثنتين أو عشر أو عشرين، فهذا لا يعني نسف جهاده وهجرته إذ من الإنصاف أن يوضع الخلاف في موضعه دون إغفال لقاعدة: "إن الحسنات يذهبن السيئات"، وأصول الرجل فيما أعلم سنية، وإن اختلفنا في عديد المسائل.
هنا أتحدث عن الأشخاص دون التعمق في المسائل التي دار حولها الخلاف أو موقفنا منها، فلهذا تفصيل يطول، والغالبية إن لم يكن الجميع يعلم موقفنا من تلك القضايا، كما يعلم موقفنا من المجادلات الحاصلة بين المشايخ، ولكن دون التعرض لذلك في الإعلام.
وإذا كان كثير من الشباب يتحدث عن فضل الشيخ المقدسي وسابقته، مما هو معلوم لا ينكر، فيجب أن لا يتخذ هذا سلمًا للطعن في الآخرين، وﺑﺎلمقابل يجب أن لا ننكر فضل وسابقة الآخرين وإن اختلفنا معهم.. ونحب أن ننبه الجميع إلى أن مواقف وتصريحات الشيخ المقدسي الأخيرة جعلت منزلته تهتز بشكل كبير بين صفوف المجاهدين هنا، وهذا مما لا نحبه له.
أقول هذا في وقت يعلم الجميع فيه خلافنا لأبي مارية في بعض المسائل، مما لا يفسد العلاقة بيننا وبينه رغم انتقاداتنا للعديد من تغريداته وتصريحاته، ولا بيننا وبين الشيخ المقدسي، ولكن بعض الناس لا يتحمل مثل هذا، ويعمل على قاعدة: إن كنت توالي أﺑﺎ مارية فأنت ضدي، ومن علامات أن تكون معي أن تعتبره من المميعة!!
يعلم الجميع أنه قد مرت فترة ليست ﺑﺎلقليلة، كان فيها الشيخ أبو مارية بعيدًا عنا وكانت مواقفه بعيدة أيضًا، وقد شهدت تلك الفترة منه تغريدًا خارج الإطار الذي تتبناه الجماعة، ولكن المشكلة تلاشت شيئًا فشيئًا حتى انتهت بعد مقدمه من جديد إلينا، حيث عقدت العديد من جلسات المصارحة، وكشفت العديد من الملابسات، ونحن لم نكن معنيين ﺑﺎلتعليق حينها على كل موقف من مواقف أبي مارية التي يعلم كثيرون أنا لا نوافقها، ومن هذا المنطلق فنحن لم نشأ أن نرد على أبي مارية في تصريحه حول نزول الحر للشرع أكثر من الإسلاميين، فهذا التصريح منه -غفر الله له- لا نوافقه فيه، ولم نر حاجة للرد عليه حينها، مثله مثل كثير من التغريدات له أو لغيره ممن لم نر الرد عليها مكتفين بوضوح الخط العام للجماعة تجاه عموم القضايا، وواقع حال الجماعة يشهد بحرصها على تحكيم الشريعة، بمعنى أننا ولو لم نرد حينها على أبي مارية فهذا لا يعني الموافقة، ولا يعني أن الجماعة لا تحكم الشرع أو لا تحتكم إليه.
الأمر الثاني: لقد قمنا بحملتنا بناء على معطيات واضحة ونحن لم نحكم على كل ذاهب للأستانا ﺑﺄنه عميل متآمر كما يوحي به كلام الشيخ، وقد بينا لشبابنا الباب في هذا القتال، وشرحنا لهم ذلك، وكان الإخوة الشرعيون مع الجنود خطوة بخطوة، حتى لا يحصل خلل أو شطط أو دماء، ونحن لم نكفر أيًّا ممن قاتلناهم لا بطائفتهم ولا ﺑﺄعيانهم ولا برؤوسهم، ومن هذا المنطلق ولاتضاح وجه قيامنا ﺑﺎلحملة المذكورة، فنحن نرفض ما ذكره الشيخ في أثناء حملتنا من التشبيه لطريقة معاملتهم ببني قريظة -ولو من بعض الوجوه- ونحن أعرف بحال هؤلاء، مع الاحترام للشيخ ومكانته.
وﺑﺎلمقابل: فليس ما قمنا به من ﺑﺎب التغلب، كما توهم البعض، بل دفاعًا عن التضحيات العظيمة أن يُقامر بها في أستانا، وتصحيحًا للمسار، ودفاعًا عن النفس والجهاد كما بيناه وغيره في حينه.
وإذا كنا قد رفضنا ما صدر عن مشايخ المجلس الإسلامي السوري حينها من وصفنا ﺑﺎلخارجية وترتيب تحريم الانضمام لنا على ذلك التوصيف، مع بقاء احترامنا قائمًا لشخصيات معروفة من المشايخ، فبالمقابل نرفض ما ورد على لسان الشيخ من أن الخيار مع أولئك هو قريظة، ولا نقره على هذا -في ذلك السياق- مع بقاء احترامنا له.
* * * * *
ﺛﺎلثًا: فترة ما بعد تشكيل هيئة تحرير الشام:
لقد ازدادت في هذه الفترة تصريحات الشيخ -ﺑﺎسم المناصحة التي حقها أن يسر ﺑﻬا لا أن يجهر-، والتي تتحدث عن ازدياد نفوذ المميعة وﺗﺄثيرهم في الكيان الجديد على حساب أهل المنهج السليم ممن أسماهم أنصار الشريعة.
ونقف فيما يلي على أهم ما ورد في كلماته في هذه الفترة، لا من ﺑﺎب الإسقاط للشيخ وليس لقصد الرد نكتب، ولسنا مولعين بذلك، وإنما لتبيان بعض الحقائق، وإزالة اللبس الحاصل في بعض الأمور، وتذكيرًا ﺑﺎلمحكمات ودفعًا للمتشاﺑﻬات، وذلك عبر الوقفات التالية:
الوقفة الأولى مع: مسارات النصيحة
ذكر الشيخ أكثر من مرة أنه إنما يقول ما يقول من ﺑﺎب المناصحة، وكله أمل أن تجد النصيحة طريقها إلى سمع وقلب من ينصحهم، ووصفها ﺑﺄنها نصيحة مشفق، فنحب في هذا السياق أن نسجل الملحوظات التالية:
- الأصل في النصيحة أن تكون سرية ما كان لها من سبيل، والشيخ بدل أن يعمد إلى المناصحة سرًا عمد إلى المناصحة علنًا، وعندما طلبنا إليه أن يتواصل معنا لنبين له ما قد التبس عليه بفعل البعض رفض، ومن كان يروم النصح فلا يأبى ذلك.
- النصيحة منها ما يكون للعموم فلا حرج من بثها أمام الجميع، ومنها ما يكون للخصوص كما هي معظم نصائح الشيخ، فلا يليق والحالة هذه أن ينصح الخصوص على الملأ وأمام العموم، فما ينصح به الخصوص من القيادات أو نحوهم لا يسلك به نفس مسلك العموم من الإعلان والإشهار بل يكون عبر القنوات السرية المعروفة للنصيحة، لأن الإشهار لما حقه الإسرار فتنة وإن لم يقصده صاحبه.
- إن كان قصد الشيخ بكلامه أن يقول: قد قلت ونصحت ولم يسمعوا لي فهذا له، كما قد صرح به مؤخرًا، وإن كان قصده أن تصل النصيحة إلى القلب فليس وسيلتها الإشهار، لأنه أسماها نصيحة ولم يسمها إقامة حجة.
- قول الشيخ: "هذه نصيحة مشفقٍ حريص على الجهاد وتضحيات اﻟﻤﺠاهدين وثمراتها".
النصيحة تكون نصيحة مشفق عندما يرسلها صاحبها عبر الطرق السرية وﺑﺄسلوب محبب، كما هو المعتاد من سلوك المشفقين.. نصيحة المشفق لا تكون على الملأ، خصوصًا بعد رفض الشيخ التواصل معنا، أي أن الناصح المشفق يحرص على إيصال نصيحته لمن يشفق عليهم ولو لم يكونوا يقبلون التواصل معه، فكيف والحال أنه هو الذي يرفض؟! وبناء على هذا فكيف سيقتنع حينها الطرف الذي ينصحه الشيخ ﺑﺄن الشيخ عليه مشفق، علمًا ﺑﺄني عندما كنت أتواصل مع الشيخ لم أكن أتواصل لشخصي، بل كنت أتواصل ﺑﺎلنيابة عن جماعة تعد ﺑﺎلآلاف.. هذه الجماعة التي تقوم على حدث ضخم وتقف وقفات عظيمة في وجه النصيرية والرافضة وأحلافهم -دون إغفال لجهود الآخرين-، فبدل أن يقبل الشيخ التواصل مع من يعطيه حقيقة الحدث من داخل دائرة القرار، راح يعلق على ظواهر الأمور مكتفيًا ﺑﺎلتواصل مع بعض المخالفين.
من يكون ناصحًا لإخوانه مشفقًا عليهم لا يرفض الاستماع لهم، ولا يخاطبهم بمثل هذه الكلمات: "وليس لي من الأمر شيء قبلوا مني نصحي وتنبيهي أم ردوه واتبعوا المصفقين والمطبلين؛ فكثير من الناس لا يحبون الناصحين؛ ويفرحون ﺑﺎلمصفقين والمطبلين.. وأما أنا فأعتقد أني قد أديت ما يجب علي في هذا اﻟﻤﺠال؛ ولا يهمني أرضاهم أم أسخطهم؛ ولن أُصدم إن أهملوا مناصحتي بعد أن أهملوا رسائل مَنْ هم أهمّ مني عندهم وأعلى؛ نَصَحَتْ وتحدّثتْ عن الواقع المزري والقرارات الخاطئة؛ فلم يرفعوا ﺑﻬا رأسا".
الناصح المشفق لا يقول: "ولا يهمني أرضاهم أم أسخطهم"؟ ولقد أتي الشيخ من مصادره، ولو أنه قبل التواصل معنا لفندنا له كل ما أﺛﺎره المشغبون مما لا يصح، ونحن على استعداد لتبيان ذلك بمجرد أن يسلك السبيل المعهودة في بحث مثل هذه الأشياء، وعندها سنطالبه ﺑﺎلأسماء والوقائع بعيدًا عن العمومات التي يذهب ﺑﻬا كل أحد ويفهمها كما يشاء.
* * * * *
الوقفة الثانية مع: ضبط المصطلحات (المميعة وأنصار الشريعة نموذجًا)
لقد أطلق الشيخ هذين المصطلحين ثم لم يبين من هم المميعة ومن هم أنصار الشريعة، وسنوضح الأمر بناء على فهمنا لمجموع كلام الشيخ ولطبيعة تواصلاته.
- أما أنصار الشريعة فأول من ينطبق عليهم هذا الوصف عند الشيخ هم الزمرة التي تركت العمل مع الجبهة لأسباب نفسية لا علاقة لها ﺑﺎلمنهج، وراحت تغطي على ذلك برفع شعار المنهج، وهؤلاء هم من خاصة من يتواصل الشيخ معهم، يضاف إليهم "جند الأقصى" سابقًا، و"لواء الأقصى" حاليًا، ويدخل في هذا الوصف كذلك عند الشيخ جملة من الشباب ممن لا ينضبطون ﺑﺎلضوابط التنظيمية للجماعة ويحبون العمل الفوضوي دومًا، فإذا ما طبقت عليهم الضوابط نفروا وانصرفوا عنك، وحتى لا يقعوا في الحرج يرفعون لواء المنهج ويتواصلون مع الشيخ.
ولا ننسى أن نؤكد وجود عدد من الصادقين المخلصين ممن يتواصل مع الشيخ.
وبعبارة أخرى نقول: إن أنصار الشريعة الذين يقصدهم الشيخ هم الجند وحزب "الزعلانين" -إن صحت التسمية- سواء كان انكفاؤهم وتركهم ناجمًا عن حالة نفسية إثر العزل لأحدهم، أو كانوا ممن لا يطيقون الانضباط ﺑﺎلضوابط، مع وجود بعض عوام المجاهدين الصادقين.
وأما مصطلح المميعة: فيطلقه الشيخ على بعض الفصائل، كتلك التي شاركت في درع الفرات، ولما تزل، كما على بعض الأشخاص داخل الجبهة، كالشيخ أبي مارية.
ونحن هنا نحب أن نحاور الشيخ حول هذين المصطلحين:
أما مصطلح "المميعة" فهو مصطلح غير منضبط من الناحية الشرعية التأصيلية بما يتيح للمرء بناء الأحكام المنضبطة عليه، والسامع لهذا الإطلاق قد يُدخل فيه كل من يراه هو مميعًا، وإن لم يقصد الشيخ إدخاله، بحيث لو روجع فيه لقال: لا أقصد أن فلانًا منهم، ولكن إطلاقه لهذا المصطلح في جو عام وبين العوام، ودون تبيان حدوده الشرعية، يدخل الشباب في متاهات قد توصلهم إلى توسيع النطاق والحكم على كل مميع ﺑﺎلكفر كما توسع مفهوم الصحوات سابقًا، وعندها نبدأ في محاربة موجة الغلو تلك، ويبدأ الشيخ بوضع الضوابط لإطلاقاته، ويقول في كل مرة: من قرأ كتبنا يعلم أنا نقصد كذا ولا نقصد كذا، فما تطلقه قاعدة تقيده أخرى كما هو معلوم في أبواب أصول الفقه، ولو أن الشيخ أطلق المصطلح بين طلبة العلم لوسعه أن يحتج عليهم بكتبه، أما وأنه أطلقه للجميع، فليس الجميع قد قرأ الثلاثينية ولا الجميع لو قرأها يفهمها، ولا الجميع من طلبة الأصول، لأننا نتحدث عن شريحة واسعة من العوام.
وهذا المصطلح: "التمييع" لا تنطبق عليه القاعدة: "لا مشاحة في الاصطلاح" نظرًا لما تترتب عليه من الأحكام، ولذا يجب العدول عنه إلى التسمية ﺑﺎلأسماء الشرعية المعروفة في ﺑﺎب الأسماء والأحكام، ثم إطلاق الأحكام بناء على تلك الأسماء بشكل جزئي لمن دخل فيها دخولا جزئيًّا، وبشكل كلي لمن دخل فيها دخولا كليًّا، مع مراعاة الشروط والموانع مما يتعلق بهذا الباب، وكل هذا حتى لا يقع الشباب في ورطات شبيهة ﺑﺈطلاق مصطلح الصحوات على كل مخالف.
ثم مَنْ هم هؤلاء المميعة؟ وما درجات التمييع.. هل هو رتبة واحدة أم مراتب؟ وهل... وهل؟.. أسئلة كثيرة تحتاج لإجابة ﺗﺄصيلية منضبطة، وإني وإن كنت أفهم مقصد الشيخ، وأن الأمر على مراتب، لكن إطلاقه للمصطلح سيفهمه كل أحد كما يحلو له، وسينزله على كل مخالف، ولو فيما يستساغ.
- أما أنصار الشريعة: فالجند -وطبعًا نحن لا نقصد كل الجند بل القسم الموجود في حماة والذين صار اسمهم "لواء الأقصى"- لم يلتزموا ﺑﺄي بند من بنود البيعة التي ﺑﺎيعوها، بل لم يعترفوا بتلك البيعة أصلاً، وقالوا أن أميرهم إنما ﺑﺎيع بشخصه، ولا زال هؤلاء "لواء الأقصى" المنشقون عن الجند، يمارسون الاغتيالات للمسلمين ممن يرونهم مرتدين، ويرفضون تسليم أكابر مجرميهم -ممن ثبت تورطهم في الدماء وبيعتهم لخوارج البغدادي- للقضاء، ويروعون المسلمين ويقتلونهم، ويدرّسون في معسكراﺗﻬم تكفير الفصائل وعلى رأسها الجبهة التي كان أميرهم قد ﺑﺎيعها، ويطلبون من شبابنا في بعض المناطق الخروج منها، ويرفضون مشاركتنا والعمل تحت رايتنا في أية عملية عسكرية ضد النظام، فهل هذا سلوك أنصار الشريعة أم سلوك الخوارج أنصار البغدادي وحزبه.
لم يلتزم أو لم يعترف هؤلاء ﺑﺎلبيعة رغم كونها تعين -لو التزموا ﺑﻬا- على نصرة الشريعة، ثم جاء مشروع الهيئة ليمثل نصرة حقيقية للشريعة، ووقوفًا في وجه المشاريع الأخرى سواء مشروع الخوارج، أو مشروع الاستسلام عبر الأستانا ونحوها، ولكن أنصار الشريعة من "لواء الأقصى" لم ينحازوا لهذا المشروع، بل راحوا يتحرشون ﺑﺄهله ويعلنون تكفير الهيئة ويقول بعضهم عنها: هيئة تحرير الشاي، رغم أنهم ﺑﺎركوها إعلاميًا من ﺑﺎب ذر الرماد في العيون، وبدل أن يرشدهم الشيخ علنًا للانضمام إلى هذا المشروع راح يدندن حول المشروع نفسه.
وإذا كان الشيخ يعتبر هؤلاء من أنصار الشريعة ومن الصنف الأقرب للحق، والذين علينا تحمل أخطائهم فهلا عامل غيرهم ممن دخل في الهيئة ممن لديه أخطاء -وكلنا أصحاب أخطاء- بمثل ذلك؟
وإذا كان الشيخ يوصينا بعدم التقوقع والعناد فقد قمنا بقبول بيعة الجند رغم كل ما قيل فينا، ولم نتقوقع، فماذا كان؟
وفي نفس سياق عدم التقوقع جاء مشروع الهيئة، فهلا نصح الشيخ أنصار الشريعة من أولئك بعدم التقوقع والعناد وﺑﺎلانضمام لهذا المشروع؟ حتى يزداد رصيد أنصار الشريعة على أقل تقدير.
وأما القسم الثاني من أنصار الشريعة من خُلَّص المتواصلين مع الشيخ، فلم يرقهم المشروع أيضًا، ووقفوا منه موقف المشكك، وراحوا يثيرون الشبهات حوله رغم أنه لا يزال في مهده. بل إن منهم من راح يعلن الانشقاق عنه رغم أنه منشق أصلاً عن الجبهة.
وأما أنصار الشريعة في مفهومنا: فنحن نعتبر كل من حمل السلاح دافعًا لهذا الصائل عن أهل الشام، وإن كان فيه ما فيه من التقصير والمعاصي -وأينا المعصوم؟!- نعتبره من أنصار الشريعة.
نحن نقاتل لتحكيم الشريعة على المعنى الذي يتبادر إلى ذهن الجميع ابتداء عند إطلاق هذا المصطلح، بل نحن نحكم الشريعة، حيث أننا نجاهد في سبيل الله.. هذا الجهاد الذي يمثل في واقعنا ذروة سنام تحكيم الشريعة، لأن أعلى صور الولاء للمؤمنين أن تقاتل ﺑﺎذلاً روحك دفاعًا عنهم، وأعلى صور البراء من الكافرين أن تقاتل الكافرين، فضلاً عن أننا نقيم القضاء الإسلامي ونبسط الأمن والعدل، ونحارب المشاريع التي تريد حرف هذا الجهاد، وهذا رأس الأمر ﺑﺎلمعروف والنهي عن المنكر، ونقيم شرع الله ودينه بحسب القدرة الشرعية.
نحن يكفينا في ﺑﺎب الحديث عن أنصار الشريعة أن شيخ الإسلام اعتبر مجموع أهل الشام ومصر أثناء قتالهم للتتار من الطائفة المنصورة.. يكفينا أن أهل السنة كتبوا في عقائدهم: "ونرى الغزو مع كل بر وفاجر" أي من الأمراء، وهذا في جهاد الطلب، والدفع لا شك أولى، ونحسب أن أمراءنا -بما نعلم من حالهم- ليس فيهم من هو فاجر، ولا نزكي على الله أحدًا.
وإذا كنا نفتي المسلم من أهل العراق أن يقاتل تحت راية الخوارج لأنه ما من سبيل أمامه إلا ذلك، فأحرى أن نقول بوجوب القتال تحت راية من نرى رايته سنية وغايته شرعية، ولا يبرح يصرح أنه إنما يقاتل لإعلاء كلمة الله.
ولسنا في موضع الذي يطلب شهادة حسن سلوك من أحد، فنحن نجاهد في الله ولله -نسأل الله الإخلاص والقبول-، ولسنا في موقع المتهم بحيث كلما أحب أحد أن يطعن فينا، فنذهب نقسم الأيمان ﺑﺄننا إنما نجاهد لإعلاء كلمة الله عله يرضى عنا ويقتنع.
ومن درس المسطور من كلامنا والمنشور وطابقه بواقع حالنا رأى ذلك رأي العين، وإني والله لا أقول هذا فخرًا ولا رياء ولا سمعة، بل والله ما أدري ما يُفعل بي، وهل يقبل الله مني أم لا، ولكن أقوله ذبًّا عن عرض مجاهدين أراهم يظلمون ليل نهار، وأسال الله أن يقبلني فيهم، ويكتب لي الأجر بذبي عنهم.
كما أني أعيد التذكير ﺑﺄني لا أذكر كل هذا من ﺑﺎب الرد على الشيخ أو نسفه أو إسقاطه، ولكن أعلم أن الخلل في المصادر التي يتلقى منها الشيخ، ومن حقنا أن نعتب عليه، إذ أنه ما من حيلة أمامنا إلا أن نبين للناس حتى لا يتحدث الناس ويقولوا لو كان عندهم كلام لتكلموا، أو حجة لأخرجوها، فاللهم أنت تعلم كراهيتنا لمثل هذه الأمور ولولا اضطرارنا إليها لما دخلنا فيها.
وما دمنا في سياق الحديث عن المميعة وأنصار الشريعة نقول:
نريد أن يبين لنا الشيخ أين تمييع التوحيد وأين تشويه عرى الإسلام الوثقى؟! ما دام كلامه ذاك يأتي في سياق خطاب المناصحة للهيئة، وإن كان سيقول: أنا لا أقصد الهيئة، فليبين قصده ولا يتركه مطلقًا ليفهمه كل أحد كما يريد، وإن كان يقصد أن التمييع والتشويه المذكور يجري في الهيئة فليبينه ولا يكتفي ﺑﺎلعمومات.. هذا أمر.
أمر آخر: إن التعميم في قضية الطواغيت العلمانيين ﺑﺎلشكل الذي عرضه الشيخ خطأ، ولا اشتغال لنا أصلاً بمن لا يكفر الطواغيت، إذ أن الحديث ينصب على حاكم تركيا، والجدل حوله يدور، فالناس في الساحة بين من يرى كفره وحكومته وجيشه، وبين من يرى إسلامه وإسلام حكومته وجيشه، وبين من يرى كفر جيشه دون شخصه ويعذره ﺑﺄعذار معينة، فالخلاف حول شخص أردوغان لا يعني التعميم على الجميع، وكثيرون -ممن يرون عذره كشخص- لا يرون إسلام جيشه وحكومته، ونحن وإن اختلفنا مع البعض حول التوصيف والحكم، إلا أن المتفق عليه عدم الاشتراك في درع الفرات، ومنع مثل تلك المشاريع، وأعتقد أن مجرد التوافق على المنع كاف في مثل حالتنا، إذ ليس من الممكن أن تطلب من جميع طلبة العلم في الساحة أن يتبنوا نفس اجتهادك، ولكن من الممكن أن تجمع الكيان على طريقة في التعاطي مع جهة ما، لا تخلّ بدينك ولا تتعارض مع مصالحك الشرعية والدنيوية في هذا الجهاد، وإلا فلا داعي لأن نتبجح بمشاريع الوحدة والاعتصام.
وههنا مسألة: فتكفير أعيان الطواغيت مسألة لها تعلق ﺑﺎلتوحيد والاعتقاد كما لها تعلق ﺑﺎلفقه والاجتهاد، ومن سلمت أصوله على قواعد أهل السنة في ﺑﺎب الأسماء والأحكام وهو الشق العقدي للمسألة، ثم اختلف معنا في معين من الحكام فلم ير تكفيره لعدم انطباق شرط ما أو لوجود مانع معتبر عنده في ﺑﺎب الاجتهاد في إنزال ذلك على الأعيان، لا يعدّ من المميعة.. ولا ممن شوه معالم الولاء والبراء وعرى التوحيد الوثقى، ومن هذا الباب نقول: لا يمكن اتهام الشيخ عبد الله عزام رحمه الله ﺑﺎلتمييع كونه لم يكن يكفر نجيب، ولا يمكن اتهام الشيخ أسامة رحمه الله ﺑﺎلتمييع لعدم تكفيره حكومة بلاده في سنوات جهاده الأولى، واليوم ليس ﺑﺎلضرورة أن يكون من لا يكفر أردوغان من المميعة.
أقول هذا في حق من اختلف معنا في إسلام أو كفر الرئيس التركي أو الرئيس المصري السجين، وليس معنى هذا أن يتوصل من القول ﺑﺈسلام شخص أردوغان إلى الدخول في درع الفرات أو غيره مما قلنا بتحريمه بكل وضوح، سواء كان هذا التحريم من نوع الكفر أو من نوع المحرم لكونه كبيرة من كبائر الذنوب، بمعنى أن اجتهادنا في مسألة درع الفرات (ما قبل التنسيق التركي مع كل من الروس والأمريكان) لو لم يؤد إلا إلى القول ﺑﺎلتحريم لكفى في منع ذلك والتعبد ﺑﺎجتنابه. ومن الذي قال أن الأمر لا يترك إلا عندما يكون كفرًا؟ مع ملاحظة أنا الآن لسنا في ﺑﺎب ﺗﺄصيل هذه النازلة أو الحكم على الفعل بكونه كفرًا من عدمه فضلاً عن الحكم على المتورطين فيه من الفصائل (طوائف وأعيانًا)، وأنا أزعم أن أحدًا لم يوف هذه المسألة حقها من البحث والنظر والكتابة والتأليف حتى الآن، وحري بمن كتب مئات الصفحات في التحذير من الغلو في التكفير أن لا يطلق حكم الردة في مثل هذه النوازل عبر تغريدتين، وهو وإن كان لا يقصد الفاعلين بل الفعل نفسه، فعليه أن يعلم أن معظم من يقرأ كلامه لا يميز بين هذا وذاك، ويطبق حكم الفعل على الفاعل فورًا ودونما تردد.
وبخصوص الشيخين أبي مارية والدكتور مظهر اللذين يدندن الكثيرون حول تمييعهما، فموقفهما من درع الفرات (ما قبل التنسيق التركي مع الروس أو مع الأمريكان) لا يختلف عما أصله عدد من أهل العلم كالشيخ أبي قتادة مثلاً، ولا يختلف عما تتبناه اللجنة الشرعية العامة في الجبهة، من القول بتحريمها وﺗﺄثيمها وتجريمها، وأنها ليست استعانة جائزة، غير أنهما كما اللجنة الشرعية لا يكفرون المشتركين فيها.
* * * * *
الوقفة الثالثة مع: المحكمات والمتشابهات
ينصح الشيخ المقدسي الشباب -بخصوص مشروع الهيئة- ﺑﺄن تكون اختياراتهم مقابل التخوفات من التمييع والانحراف إيجابية لا سلبية، وهي نصيحة يشكر عليها، إلا أنه بهذا يكرس لديهم أن هناك مميعة وأن نفوذهم سيزداد من جهة كما أعلنها غير مرة، وتراه بدل أن يكتفي بتلك النصيحة يبدأ ﺑﺈﺛﺎرة التخوفات، وقد كان بمقدوره الاستفسار عن كل ما يتعلق بدرع الفرات وملابساته وموقفنا منه، خصوصًا وأننا طلبنا منه أن يستوضح حول ذلك قبل الحكم فلم يفعل، ومن أمثلة ذلك قوله: "كتاﺑﺎتُنا منذ زمن كانت واضحة في انتقاد تعاظم ﺗﺄثير المميعة في الجبهة في مقابل تهميش المناهجة!" ويضيف: "وظنُّنا أن ﺗﺄثير المميعة الآن بعد تشكيل الهيئة سيتعاظم أكثر!" فهذا القول من الشيخ ينقض عند الشباب قوله: "فننصحهم: ﺑﺄن تكون اختياراتهم مقابل هذه التخوّفات إيجابية لا سلبية"، إذ كيف ستكون الاختيارات إيجابية في الوقت الذي يقول لهم فيه أن المميعة من أيام الجبهة بدأ أثرهم يتعاظم، وأما اليوم في ظل الهيئة فأكثر وأكثر..
يا شيخ من هم هؤلاء المميعة الذين يتعاظم أثرهم؟ ومن هم المناهجة؟
يا شيخ نسألك ﺑﺎﻟﻠﻪ أن تكف عن السماع لتلك الجهة التي لا يعجبها شيء رغم وثوقك بها، أو أن تستمع لغيرها كما تستمع لها على أقل الأحوال حتى ترى الصورة من أكثر من زاوية. لأن سماعك من تلك الجهة يبني عندك تصورًا خطأ وﺑﺎلتالي حكمًا خطأ.
وقد كنت كتبت للشيخ رسالة مفصلة أبين له وﺑﺎلأسماء ماذا يعمل من يعتبرهم مميعة وماذا يستلمون في الجماعة، وماذا يعمل من يراهم مناهجة، وماذا يستلمون وكيف قرر معظمهم ترك الجماعة من تلقاء أنفسهم.
وردًا على شبهة تعاظم نفوذ من وصفهم الشيخ ﺑﺎلمميعة في الهيئة وقبلها في الجبهة في شهورها الأخيرة وتحديدًا منذ الانتقال من جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام، -وكأن الاسم القديم وإعلان البيعة لجماعة قاعدة الجهاد هي العاصم من الضلال!!!-، نقول:
لقد بني هذا الكيان "هيئة تحرير الشام" على نفس المبادئ التي كنا ولا زلنا نطرحها في مقدمة كل جلسة من جلسات الاندماج منذ سنوات، وتم التوافق عليها مسبقًا، وقد درّسناها لشبابنا، وهي بمجملها تدور حول جملة من المعاني:
- إيضاح مبدأ حاكمية الشريعة وأنه غاية جهادنا، وأننا لا نرضى لهذا الجهاد إلا بهذه الغاية، ولا نسلك له طرقًا غير شرعية، فطريق إقامة الشريعة والدين هو الجهاد والدعوة، لا المفاوضات المذلة، ولا المصالحة مع المجرمين.
وأن الحل هو مواصلة الجهاد حتى إسقاط النظام المجرم، وإقامة نظام حكم إسلامي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يقوم على الشورى "أهل الحل والعقد".
وعدم السماح ﺑﺈعادة إنتاج أنظمة طاغوتية جديدة بمسميات جديدة.
- إقامة علاقة متوازنة مع الجهات المؤثرة (أطرافًا حكومية أو غيرها)، وقصرها على حد الضرورة، ودون التبعية لتلك الدول، بحيث لا نستعديهم ولا نستجديهم، وتكون لنا شخصيتنا المستقلة تمامًا، وقرارنا المستقل والداخلي، فما يناسبنا أخذناه وما لا يناسبنا تركناه، وكل ذلك ضمن إطار ديننا، ومن غير أن يتحول جهادنا لخدمة مصالحهم.
- عدم السماح لأي أحد كائنًا من كان بفتح ملف "المهاجرين" أو الحديث فيه أو تسويته بما يتوافق مع هوى الغرب.
هذه أهم المبادئ التي توافقنا فيها مع الآخرين، وكل من دخل الهيئة قابل بها ولله الحمد والمنة.
وأما قضية إعلانها من عدمه أو ﺗﺄخره فمسألة إجرائية لا علاقة لها ﺑﺎلأصل المحكم والمعروف للجميع، والأصل هو رد المتشابه إلى المحكم، لا إبراز المتشابه وجعله هو الأصل ونسيان المحكم، ومن قواعد الحكم على الأشخاص وكذا الجماعات النظر إلى الحالة العامة، وتغليب جانب حسن الظن ﺑﺎلمسلمين، خصوصًا وأننا لم نبدأ العمل للتو، بل صار لنا نعمل لسنوات وإن كان الكيان الجديد وليدًا.
وانطلاقًا من تلك المبادئ والتزامًا بها نقول:
لقد تعثرت الكثير من الجلسات السابقة مع بعض الفصائل بسبب إخلالهم ﺑﺄحد المبادئ المتفق عليها من عدم إقامة علاقات مع الدول المحيطة إلا على أساس الندّيّة، وقصرها على حد الضرورة، وليس على أساس التبعية لتلك الدول، بحيث لا تملى علينا شروطهم ونصائحهم المعلبة، بل تكون لنا شخصيتنا المستقلة تمامًا، وقرارنا المستقل والداخلي، فما يناسبنا أخذناه وما لا يناسبنا تركناه، وكل ذلك ضمن إطار ديننا، ومن غير أن يؤثر علينا ولو أدنى ﺗﺄثير؛ مناوراتهم ودعمهم ونصائحهم، ومن غير أن يتحول جهادنا لخدمة مصالحهم، فاعتبرنا دخولهم في غرفة درع الفرات إخلالاً بما اتفقنا عليه، وتم التركيز على ضرورة بيان الموقف العملي تجاه "درع الفرات" بمعزل عن الخلاف في الأحكام والتوصيفات، وهل سيتم الخروج من تلك الغرفة أم لا، وبينت حينها للشيخ المحيسني أن طريقة تعامل بعض الفصائل مع بعض الدول هي أساس الإشكال وتعثر المشروع، وليست قضية الكراسي والإمارة، ولكنه غفر الله له أبى إلا أن يراها كذلك.
وحتى في التوقيع الذي وقع عليه الأحرار والزنكي سابقًا ثم تنصل منه أمير الأحرار، كنا قد اتفقنا على قضية درع الفرات عبر الانسحاب منها وعدم البقاء فيها ضمن تفاصيل وآلية عمل علمها غالب الناس، وكنت قد راسلت الشيخ حينها برسالة لأبين له لكنه لم يرد علي.
واليوم قام مشروع الهيئة على ذات الأسس، بل إن هذا المشروع ما هو إلا ثمرة لجلسات الاندماج السابقة، وقد التزم الداخلون ضمن الهيئة بذلك جزاهم الله خيرًا، ونسأل الله لنا ولهم الهداية والسداد.
فلا داعي للدندنة على مسائل يعلم الجميع أننا أحرص من غيرنا عليها، لأن ديننا عندنا أغلى من كل شيء، ولا داعي لأن يزاود علينا أحد ولا أن نزاود على أحد، ولكن البعض يعتبرنا قد انحرفنا بمجرد تغيير للاسم وإعلاننا عن فتح الشام، وأكرر أني لا أقصد الشيخ بكلامي، بل مصادره المشككة بكل خطوة نخطوها، ولنا الحق أن نعتب على الشيخ حيث لم يقبل السماع منا، ثم حكم علينا من كلام المخالفين.
وقد رأينا في كلام الشيخ دندنة مستمرة حول مسألة الأستانا ودرع الفرات.
وللبراءة من درع الفرات لمن كان قد دخلها: ألا يكفي أن الخروج منها كان شرطًا ابتدائيًا في مشروع الاندماج ووافق عليه؟ ألا يكفي الخروج؟ ثم إن واقع الفصيل المقصود بذلك معلوم لنا حتى قبل خروجهم، ومن علم دواخل الأمور يختلف عمن لم يعلم إلا ظاهرها.
أما أستانا: فإن لم تمثل الحملة على فصائلها براءة منها فما هي البراءة؟ ثم ألا يمثل الدخول في مشروع الهيئة والذي جاء لإحباط أستانا براءة من أستانا؟ فإن لم يكن هذا ولا ذاك فعلمونا ﺑﺎﻟﻠﻪ عليكم كيف تكون البراءة؟
أما شبهة وجود شخصيات ممن دخل في الهيئة وكان على علاقة ﺑﺎلداعمين:
فنحن كنا ولا زلنا نقول: إن مجرد تلقي الدعم أمر مباح في أصله ولكننا نخشى أن يتحول إلى دعم مشروط أو مضغوط، ورغم وجود بعض الفصائل ممن يشترط عليها الداعم ويضغط عليها حتى ترضخ كما رأينا في الأستانا وتغيير الموقف من الاندماج، إلا أن من الظلم تعميم الحكم على الجميع بنفس المستوى، ونحن نعلم وجود بعض الفصائل ممن لم تقبل ولم ترضخ، وحافظت على أن يكون قرارها داخليًّا لم تسلمه للداعم، برغم الضغوط والشروط وقطع الدعم، وعندما ضغط على هذه الفصائل في قضية الاندماج لم ﺗﺄبه بذلك واستمرت فيه حتى وصلنا إلى مشروع الهيئة، نسأل الله لها ولنا الثبات.
وإذا كان الشيخ يريد أن ينصح دون مداهنة كما ذكر، فليس من المداهنة في شيء أن يسلك في نصيحة القيادات سبيل الإسرار لا الإشهار، لأن ما تُنصح به القيادة لا يكون على الملأ وأمام الجميع، كما سبق وأشرنا.
وبما أن الشيخ ذكر أن أكثر جند الكيان الجديد قلقون مشوشون وأنه يقلقه ما يقلقهم ويشوشه ما يشوشهم، فإن جنودنا عندما يقلقون لأمر أو يتشوشون يقومون بسؤالنا فنجيبهم، بينما عرضنا على الشيخ أن يقبل مجرد الاستماع إلينا فلم يقبل، وإذا كان جنود جبهة فتح الشام الأوفياء هم أكثر جنود الكيان كما ذكر الشيخ فهذا مدعاة للاطمئنان لا للتخوف والقلق، ونحن أحرص على هؤلاء من أي أحد، وما يقلقهم يقلقنا ﺑﺎلضرورة من جهتين على الأقل: الأولى أننا جزء من هذا الجند المذكور فمن الطبيعي أن يقلقنا ما يقلقهم، والثانية أنهم أمانة في أعناقنا سنسأل عنها أمام الله سبحانه، ولن نخونهم ﺑﺈذن الله ونسأل الله الثبات والإخلاص. لكنا لا نرى مدعاة للقلق أصلاً، بل إن عموم الجنود مطمئنون مستبشرون فرحون بهذا المشروع، وليس كما يرى الشيخ من كونهم قلقين مشوشين.
وعندما نرى ما يشوشهم أو يقلقهم من ملابسات أو شبهات، فنحن نتشرف بكشفها لهؤلاء الأوفياء الصادقين، ونعد هذا من أقل الواجب في حقهم، ونحب أن نذكر الشيخ ﺑﺄن تصريحاته تزعجهم، وتجعل منزلته تهتز بينهم، لما يرونه من تصريحات جارحة في حق جماعتهم.
وإلى جميع جنود الهيئة نقول: اطمئنوا فنحن لم نقم بما قمنا به من الحملة أولا إلا لإفشال أستانا ومثيلاتها، ثم من مشروع الاندماج في الهيئة ﺛﺎنيًا إلا لنقيم كيانًا لأهل السنة يبقى من بعدنا إن شاء الله حيث أن العمر مهما طال قصير، ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ ﺑِﺄَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان:٣٤]. ونستغرب بعد هذا كيف نُطالب ﺑﺈيضاح موقفنا من الأستانا أو درع الفرات؟!
ويكفيكم أيها الأحبة في المعلن من نهج الهيئة حتى الآن أمور محكمة تعلمونها جميعًا، فلا تلتفتوا للشبهات ولا للمتشابهات. ومن هذه المحكمات:
- قيام مشروع الاندماج على المبادئ المعروفة للجميع من تحكيم الشريعة ونبذ العلمانية والديمقراطية، والمضي في طريق الجهاد حتى تتحقق الغايات، وحماية المهاجرين، وعدم التبعية للدول ومصالحها.
- كون أغلبية الفصائل المشكلة للهيئة سواء على صعيد تعداد القيادات والجنود، أو عدد الفصائل المشكلة للمشروع، أو عدد أعضاء الشورى المشكلة للكيان ممن لم يسبق لهم الدخول أصلاً في مثل تلك الأشياء التي يحوم حولها الكلام، فمثلاً الجبهة وأنصار الدين لم يدخلا أي مؤتمر، ولم يدخلا درع الفرات، ومواقفهم الرسمية المعلنة وكذا العملية على الأرض واضحة تجاه تلك الأشياء، ولواء الحق لم يشترك في أستانا ولم يدخل درع الفرات، ومثله من دخل معنا من جيش السنة، وأما الزنكي فلم يشارك في الأستانا وخرج من درع الفرات.
- عدم اعتراف أي من الفصائل الداخلة لمشروع الهيئة ﺑﺎلأستانا، وخروج من كان منها في درع الفرات من تلك الغرفة.
- الكلمة المرئية التي تفضل ﺑﻬا أمير هذا الكيان الشيخ أبو جابر حفظه الله.
أحبتي في الله؛ إن مجرد النظر إلى هذا المشروع المبارك -إن شاء الله- وتصويره منذ البداية على أنه صراع بين من أسماهم الشيخ ﺑﺄنصار الشريعة وبين المميعة على حد وصفه، هو أكبر عامل هدم لهذا الجسم.
ولقد نصح الشيخ من استنصحوه حول البقاء في الهيئة أو غيره من الخيارات بقوله: "فلم يبق إلا أحد خيارين: إما أن يبقى مع الهيئة يُكثّر سواد أنصار الشريعة فيها، ويجاهد لتحكيمها، ويتعاون على إصلاح الانحراف وسد الخلل؛ فإن أُغلق هذا الباب في وجهه؛ وطال صبره ووصل إلى مرحلة يرى أنه يُستعمل لإقامة غير شرع الله. فليلتحق ﺑﺄقرب الجماعات إلى الحق التي يرى فيها جدية السعي لتحكيم شرع الله ودفع العدو الصائل على المسلمين وحرماتهم؛ سواء في ساحة الشام أو غيرها فإن لم يجدها تعاون مع إخوانه على إيجادها. والله يتولاه ولن يضيعه إن كان صادقا".
ولو أن الشيخ قال: ليقم أهل العلم من الداخلين في الهيئة بتعليم الناس داخلها والرفق في دعوتهم ونشر الدين والتوحيد فهذا المشروع فرصة كبيرة لتعليم الناس من الجنود المنضمين للهيئة أو لعوام أهل الشام المتعاطفين مع هذا المشروع الوليد، وليتكاتف الجميع على إنجاح هذا المشروع السني الذي يمثل ﺑﺎرقة أمل بعد طول انتظار...
لو قال هذا لنزلت بذور النصح أرض القلوب، ولهطل عليها مطر القبول، وأنتجت الجنى المأمول والله أعلم. وأنا لا أقصد أن نحول الدعوة للناس إلى إيديولوجيا معينة، بل أن نعلمهم أمور دينهم فعلاً.
ولكن حقًا إن قول الشيخ: "فإن لم يجدها تعاون مع إخوانه على إيجادها" غير سديد البتة، لأن أولئك الذين لا يروقهم مشروع الهيئة سيعملون من الآن بموجب ذلك القول على الانشقاق ويعملون على دعوة الجنود إليه من خلال التركيز على المتشابهات وإﺛﺎرة الشبه ﺑﺎستمرار، سواء قصد الشيخ ذلك أم لم يقصده، علمه أم لم يعلمه.
لقد نصح الشيخ "ﺑﺈبعاد المميعة والمنحرفين عن التوجيه والتأثير والتعليم والإعلام؛ كما نصح بعدم تهميش أنصار الشريعة ودعاة التوحيد".
والمشكلة أن الشيخ نصح بهذا حتى قبل أن يتم تعيين أحد بشكل رسمي، فلِمَ هذه العجلة؟ وكان يسعه الانتظار والحكم على ما يحدث لا على ما يتوقعه بحسب ما ينقله له بعض من يسميهم أنصار الشريعة.
وأما المهمشون من أنصار الشريعة فليسألهم الشيخ: من الذي همشهم؟ أليسوا أنفسهم من انزووا في بيوتهم وانحازوا لبعضهم وجلسوا يترصدون ويترقبون؟ ثم أليس من أنصار للشريعة ودعاة للتوحيد -في هذا السياق الذي يتحدث به الشيخ هنا- في طول هذا الكيان وعرضه إلا أولئك الإخوة الذين ينقلون للشيخ ويستمع لهم دون غيرهم؟
أليس المشايخ المستقلون كأبي الحارث والمحيسني والمهدي والعلياني وأبي يوسف الحموي وغيرهم الكثير، والذين دخل معظمهم الهيئة -رغم خلافنا مع بعضهم في جملة من الأمور- أليسوا من أنصار الشريعة ودعاة التوحيد؟!!
أليس أعضاء اللجنة الشرعية للجبهة ولغيرها من الفصائل المشكلة للهيئة كأبي محمد الصادق وأبي الفتح الفرغلي وغيرهم وغيرهم، من أنصار الشريعة ودعاة التوحيد؟!
أليس القضاة القائمون على مشروع دور القضاء وعددهم ﺑﺎلعشرات، والذين يرفض أخص أصحاب الشيخ ممن يتواصل معه أن يمتثل لقضائهم على تجاوزاته ومخالفاته بل وجناياته على حد وصف أحد القضاة.. أليس هؤلاء من أنصار الشريعة ودعاة التوحيد؟!
أليس العشرات من المشايخ وطلبة العلم والشرعيين من حملة الشهادات ومن ذوي الكفاءات وذوي الدين والأمانة داخل الجبهة وخارجها -ممن انضموا للهيئة- من أنصار الشريعة ودعاة التوحيد؟!
أليس عموم الجنود الذين يقفون في وجه أعداء الشريعة من النصيرية والرافضة ومن يقف وراءهم، مجاهدين مرابطين ﺛﺎبتين، وهم ألوف مؤلفة، يقدمون أرواحهم ذودًا عن الشريعة، ولا يعرفون شقشقات أولئك المتشدقين ممن يتواصلون مع الشيخ متباكين على الشريعة، أليس هؤلاء -ممن يتشرف المرء بخدمتهم والله- هم أنصار الشريعة الحقيقيون؟!!
أم أن أنصار الشريعة الذين يؤخذ بقولهم هم فقط تلك الزمرة التي تتواصل مع الشيخ متباكية على التوحيد، مضافًا إليهم جماعة الجند سابقًا ولواء الأقصى لاحقًا؟! رغم كون الشيخ يعتبر جمهور جنود الجبهة من أنصار الشريعة.
كما نصح الشيخ "بتعليم الناس في المناطق المحررة وتوجيههم وأمرهم ﺑﺎلالتزام بدين الله، وترك المجاهرة ﺑﺎلمحرمات والفسق والفجور؛ الذي يشتكي منه الصادقون".
ولو أن الشيخ كلف نفسه البحث عن عمل مكتب الدعوة والإرشاد العام في الجبهة فقط -فضلاً عن غيره- في هذا المضمار وترك عنه تشغيب المشغبين لعلم من الذي يعمل ويتحرق على الدعوة، ومن الذي يتباكى -وهو يجلس في بيته-رافضًا أن يعمل أي عمل ما لم يكن أميرًا أو مقدّمًا.
ومن ﺑﺎب التحدث بنعمة الله أقول: لقد وزع مكتب الدعوة أثناء حملة "رمضان شهر الفتوحات" من الكتيبات والملصقات والقصاصات والمطويات ما مقداره ٢٨ طنًا من الورق، عدا أنشطة المساجد والخطابة فيها، وعدا جهود المكاتب الدعوية المنتشرة في معظم مدن الشمال المحرر.
وما دام أن أولئك يتباكون على الدعوة، فلماذا رفض بعضهم التدريس في معهد إعداد الدعاة؟ ولماذا لا يتواضع بعضهم ﺑﺎلنزول إلى مكاتب الدعوة لممارسة الدعوة ضمن الخطة الدعوية الموضوعة والتي يسير العاملون في حقل الدعوة بموجبها، أم أن الدعوة والحسبة لا تسمى دعوة ما لم تكن فوضوية وعشوائية أو كما يقال هنا: "كل واحد على كيفو".
كما أضاف الشيخ ناصحًا: "إظهار الجدية في السعي لتحكيم شرع الله بصورته المشرقة؛ وعدم التساهل مع المتجاوزين لحدود الله".
فنحب أن نبين للشيخ أنه لا يوجد تساهل مع المتجاوزين لحدود الله، ولكنا نقوم بتحكيم الشريعة بما يتناسب مع القدرة الشرعية التي نقدرها هنا من خلال دراسة الموضوع بين طلبة العلم والمشايخ من مختلف الفصائل والمستقلين، وﺑﺎلتواصل مع عدد غير قليل من أهل العلم خارج الساحة، ثم نعمل بموجب ما أدانا إليه اجتهادنا في ظروف الحرب القائمة، ونتعبد الله بهذا الاجتهاد، ولسنا مضطرين لأن نوجب على أنفسنا ما لم يوجبه الله علينا، وليس ﺑﺎلضرورة أن نعلن بتطبيق الحدود أمام الكاميرا حتى نكون ممن يحكم الشريعة في نظر البعض، بل قد منّ الله علينا ﺑﺈقامة المحاكم التي تحكم بشرع الله في كل الأمور منذ بداية تحرر المناطق، ومن شاء الاطلاع فنتشرف به.
كل هذا نقوله بما نعلمه من حال الجبهة لوحدها في الفترة السابقة على صعيد القضاء والدعوة والحسبة، ولا شك أن مشروع الهيئة سيكون أوسع وأكبر ﺑﺈذن الله، وسنرى أضعاف ما كنا نراه داخل الجبهة أو غيرها من الفصائل حيث كنا نعمل بشكل منفرد، أما اليوم فلا شك أن الله سيبارك في الجماعة.
وفي سياق الحديث عن الدعوة والحاكمية والقضاء نسأل الشيخ: لماذا لا ينصح من قال له: "لم نعد نثق بمشروع الهيئة وقادﺗﻬا والأكثر من هذا نحس معهم أننا مؤجّرين ببلاش، وأنا شخصيًا لن أطلق معهم طلقة حتى أرى شرع الله يحكم الأرض ويتبرؤوا من الطواغيت والداعمين".
لماذا لا يقول لهم: إن أعلى صورة من صور تحكيم الشريعة في الشام هو لزوم غرز الجهاد وأهله؟ حيث أن هذا الجهاد هو الذي أﺗﺎح لنا ممارسة القضاء والحسبة اللذين هما في خلد الكثيرين يمثلان تحكيم الشريعة، والجهاد هو سبب هذا الخير، ولو لزمنا غرزه فسيأتي الخير كاملاً رغم ما يعتري مسيرة الجهاد من تعب ونصب وشدة وبلاء وقلة وأخطاء.
وإني أنصح إخواني ممن يريد الاستزادة في هذا الباب أن يراجع كتاب الشيخ أبي الحسن البليدي رحمه الله "الشريعة الإسلامية وفقه التطبيق"، وقد كنت اختصرت القول في المسألة على نحو ما في كتاب "في ظلال دوحة الجهاد" تحت المعلَم الثامن بعنوان: "إقامة الدين أم تحكيم الشريعة" فمن أحب فليراجعه مشكورًا غير مأمور.
أيها الأحبة الجنود.. أنصار الشريعة الحقيقيون.. قولوا للشيخ: تعال وادخل بين جنود الهيئة من مختلف الفصائل لترى الأمل والإقدام، وإن كنت لا تستطيع المجيء بحكم ظرفك، فلا أقل من أن تغير مصادر معلوماتك لتتأكد حينها أن العاملين هنا هم أنصار الشريعة، وليسوا من المميعة، ولتعلم حينها أن الصورة السوداوية التي رسمت في مخيلتك عن الوضع في الشام، ما هي إلا ظلال للنفوس التي نقلت لك المعلومات كما رأتها بنظارتها السوداء مما دعاك للظن ﺑﺄن "الثورة السورية ﺑﺎلنسبة لقطف الثمرة ومصير المهاجرين تسير ﺑﺎتجاه التجارب السابقة في الساحات الأخرى التي انتهت بمشاريع مُشوّهة أو جاهلية".
فأقول: كان ينبغي للشيخ -حتى لو تيقن ذلك- أن لا ينشره، لأنه يبعث اليأس والقنوط ويؤدي للإحباط، ولو أنه بشر الناس كما فعل حبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم أثناء اشتداد محنة الخندق إذ بشر أصحابه رضي الله عنهم بفتح فارس والروم لكان أولى وأحرى.
ونحب أن نسأل -عبر الشيخ- سؤالاً لمن قال له: "سلّمنا الجولاني لأناس لا نثق ﺑﻬم ولا بمآلاتهم ولم نعد نستطيع الوقوف في صفهم".
هل يثق معظم هؤلاء ﺑﺎلشيخ الجولاني أولا حتى يثقوا بمن ذكروا؟ ولماذا لم يعترضوا على قرار الشورى ﺑﺎلإجماع تفويض الأمر للشيخ في مسألة الاندماج ولو ﺑﺎلتنازل عن الإمارة؟!
وكلامهم يحمل نوع تلبيس كان على الشيخ أن يكشفه، إذ الحقيقة ليست تسليم الشيخ الجولاني لهم أو لغيرهم، ولو صدقوا لوجدوا أن الجولاني ومن معه يمثلون جزءًا مهمًا من المشروع الجديد، فإن كانوا يثقون ﺑﺎلجبهة -ابتداء- فوجودها مع أنصار الدين ونحوهم في الهيئة كاف لديهم لحصول الثقة، وإن كانوا لا يثقون ﺑﺎلجبهة على قاعدة تزايد نفوذ المميعة فيها على حساب المناهجة، فالأمر هنا يستدعي وضع النقاط على الحروف وتسمية أسماء المميعة في الجبهة وجوانب تمييعهم ومستواه، ومن أي نوع ودرجة هو، كما تسمية أسماء أولئك الذين تتقرح أكبادهم حزنًا على المنهج الذي يذبح داخل الجبهة، وعندها يتم تشكيل لجنة أو فريق من القضاة أو النظّار حتى تنكشف الدعاوى النفسية التي لا تصمد أمام البحث العلمي الموضوعي أو التحقيق القضائي، وعندها نتكلم حتى لا نبقى نتستر وراء العمومات والإطلاقات والتسميات الجديدة من مميعة وأهل ثوابت، ومناهجة ولا مناهجة وغيرها من المصطلحات التي تثير المقت وتضيع الوقت.
ثم هب أن الشيخ الجولاني سلمهم على حد وصفهم، فنحن لا نسلم بكون أولئك من المميعة، وما ذكره الشيخ من أوصاف في القيادة الجديدة للكيان ممثلاً ﺑﺄميرها الشيخ أبي جابر حفظه الله ومجلس شوراه، غير دقيق البتة.. لا نسلم ﺑﺎجتماع ما ذكره من الأوصاف في القيادة، ولا نسلم أن القيادة هي عند من ذكرهم الشيخ، والأصل أن يقال: قد كان في فلان وفلان من المحسوبين على القيادة الجديدة كذا وكذا، ولكن الدخول في هذا المشروع وبناء على قواعده وأسسه يعني وبشكل واضح تركهم لما كانوا عليه وقبولهم للجديد.
ثم كيف يمكن من الناحية العملية أن نقيم كيانًا لأهل السنة يدافع عنهم؟ هل يكون ذلك ﺑﺄن يبايعنا الناس وينزلوا على كامل شروطنا حتى التنظيمية منها؟ أم يكتفى لإقامة هذا المشروع السني الاتفاق على الخطوط العريضة والمبادئ العامة ويتسامح فيه ما لا يتسامح في غيره؟
لو أننا نريد أن نأتي ﺑﺎلناس على خياراتنا التنظيمية وكامل اختياراتنا الفقهية والاجتهادية لكنا قلنا لهم: هلموا إلى بيعتنا وعليكم السمع والطاعة في كل اختياراتنا الاجتهادية، وسيخرج من يشكرنا على سلامة المنهج، وسيقول حينها من يقول: من فيه خير فسيأتي الله به، ولسان حاله يقول: نحن الطائفة المنصورة.
أما وأن المشروع أكبر من كونه تنظيمًا أو جماعة بعينها فعلينا عدم الخلط بين بيعة الآخرين لنا والتي لا تجمع الناس في كيان واحد بحسب المتاح فيما رأينا، وبين دخولنا نحن والآخرين بشكل حقيقي في مشروع سني جهادي منبثق عن الثورة المباركة، يقوم على الثوابت العامة لهذا الدين ويراعي اختلاف الرؤى الموجود داخل الصف المسلم مما تسعه قواعد أهل السنة والجماعة وأصولهم، خصوصًا في مثل واقع الجهاد في الشام، وﺗﺂمر الأعداء.
وإني هنا أذكر نفسي وإخواني ممن لم يتعودوا بعد على استيعاب كل أطياف المسلمين -بعيدًا عن شعارات سلامة المنهج- بقول شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (٢٨/٥٠٧): "ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر؛ فإن الله يؤيد هذا الدين ﺑﺎلرجل الفاجر وﺑﺄقوام لا خلاق لهم كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار أو مع عسكر كثير الفجور؛ فإنه لا بد من أحد أمرين: إما ترك الغزو معهم فيلزم من ذلك استيلاء الآخرين الذين هم أعظم ضررًا في الدين والدنيا، وإما الغزو مع الأمير الفاجر فيحصل بذلك دفع الأفجرين وإقامة أكثر شرائع الإسلام؛ وإن لم يمكن إقامة جميعها. فهذا هو الواجب في هذه الصورة وكل ما أشبهها؛ بل كثير من الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا على هذا الوجه". اهـ
وإذا كان الشيخ يسأل: "هل ستستقيم تركيبة الكيان الجديد وينسجم المأمورون المتضحة عقيدتهم مع أمرائهم المشوشة عقائدهم والمعكرة مناهجهم والمتخبطة مواقفهم؛ دون بيان صريح يُبيّن تغيّر ذلك كله، ويوضحه ليُطَمْئنهم ويثبتهم!".
فالجواب على هذا يتوقف على ما سبق، من ضرورة مراعاة كون المشروع إطارًا سنيًّا يجمع أصحاب الرؤى المختلفة ضمن سياق واحد دون إخلال بثوابت العقيدة في ظل ما قدمناه من أسس..
ومن هذا المنطلق فإننا -في الوقت الذي نشكر فيه الشيخ على تفصيله فيما يتعلق ﺑﺎلمشروع الوطني- نؤكد أننا لا نقر ولا نوافق ولا نقبل بما صدر عن بعض الإخوة من تصريحات بهذا الخصوص.
وندعو في الوقت نفسه إلى مراعاة كون الهيئة -في هذه المرحلة- تعيش حالة الدمج وبناء المشروع، وقد أعلن عن المشروع ابتداء، ثم يأتي بعد ذلك الدمج وتشكيل المكاتب وترتيب كامل الأوراق، نظرًا لضخامة المشروع، ومن الطبيعي في هكذا ظرف أن تخرج بعض التصريحات التي لا تزال مصبوغة بصبغة أصحابها دون أن تعبر عن المشروع وشخصيته، إذ أن الكيان الجديد لن تكون شخصيته هي شخصية الجبهة ولا الزنكي ولا الألوية المنضمة من الأحرار ولا أنصار الدين ولا لواء الحق ولا غيرهم ممن دخل الكيان، بل هو كيان سني يسعى لحشد جهود كل من سبق وغيرهم من أهل السنة في هذه المعركة العظيمة، ويتسامح في هكذا كيان بما لا يتسامح فيه في حالتنا التنظيمية التي كنا عليها، ما دام الأمر ضمن المشروع في ديننا، وعلينا التفريق بين خياراتنا التنظيمية وبين الحلال والحرام في ديننا.
وكنا نتمنى على الشيخ لو أنه وصف من يعمل على "مشروع سوري محلي يهدف إلى إسقاط الطاغية وتحرير الأسارى في سجون سوريا ورفع الظلم عن المستضعفين السوريين، وتحكيم الشريعة مع تَقَيُّد المشروع ﺑﺎلحدود السورية فقط ومطالب السوريين المشروعة؛ وإن كان لا يمثل طموح خلاصة اﻟﻤﺠاهدين" ﺑﺄنه مجاهد، وعمله جهاد شرعي، لا أن يقال: أن المشروع على ذلك الوصف "ليس سببًا للتكفير إن وقف عند هذا الحد".
وإذا كان الشيخ يحتج علينا بكلمات خرجت من صفوفنا على حد وصفه فنقول: أما أنها من صفوفنا فنعم، والصف فيه وفيه، ولكن كم تمثل؟ وأما أنها صادقة وحقيقية فليس ﺑﺎلضرورة، إذ أن صاحبها أحد شخصين:
إما أنه من النوع الذي لا يعلم مثل هذه الأمور ويحتاج من يعلمه، فخطؤه ناتج عن تصور الأمور على غير صورتها -وهذا معذور- نظرًا لكثرة المشغبين على المشروع.
وإما أنه جالس في بيته لا يعمل رغم أنه يطلب إليه العمل والجهاد، ويورثه جلوسه في بيته تضخم الأفكار في رأسه حيث تتناوشه الهواجس حتى يصاب ﺑﺎليأس والإحباط، ولو أنه استقبل عمله المطلوب منه لما خطر بباله مثل تلك الأفكار أصلاً.
ومن يشعر من هؤلاء أنه غريب فهو من هذا النوع الثاني حصرًا، لأنه لا يعمل ولا يقتنع، بخلاف القسم الأول من الصادقين الذين تنتهي مشكلتهم ﺑﺎلتبيان.
وفي كل الأحوال فليس من شرط إظهار المعتقد لهؤلاء الذين يشعرون ﺑﺎلغربة التغريد في تويتر، كما أن هناك فرقًا بين إظهار المعتقد وبين الالتزام برأي أغلبية أعضاء اللجنة الشرعية في المسائل الاجتهادية.
وأما الوضع المادي فنسأل الله أن يبرم لنا من لدنه أمرًا، وأن يكشف الشدة عنا، ولكني أطمئن الجميع بقوله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَة حَقٌّ عَلَى الله عَوْنُهمْ: المُجَاهدُ فِي سَبِيلِ الله، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
كما أذكر الإخوة بقوله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحمِلُكُمْ عَلَيْه تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ [التوبة:٩٢]. وكان هذا في تبوك، ومعلوم أنها من آخر غزواته صلى الله عليه وسلم، أي بعد الهجرة بتسع سنوات، وبعد بداية الدعوة بعشرات السنين.
* * * * *
وقبل الختام نطمئن الجميع إلى أن منهج الهيئة منهج سني بفضل الله وقياداتها تعاهدت على إنجاح هذا المشروع والدفاع عنه.. هذا المشروع الذي سيعمل جاهدًا على حماية أهل السنة ودينهم وعرضهم وأرضهم، وستأتي المواثيق المكتوبة لاحقًا، ولكن العبرة بحال الكيان وتوجهه لا ﺑﺎلمسطور من المواثيق، ويكفي للثقة فيه حتى ذلك الوقت أن على رأسه زمرة من القيادات وطلبة العلم ممن تعرفونهم وتعرفون مناهجهم وصار لهم في الميدان سنوات، وهؤلاء وإن اختلفوا مع الشيخ المقدسي -مع احترامهم له-، فخلافهم له ليس قادحًا في منهجهم إن شاء الله.
وفي الختام ننصح أنفسنا وإخواننا والشيخ المقدسي كما ننصح المخالفين: بتقوى الله في السر والعلن، وأن نخرج من حظ أنفسنا، وأن نقدم حسن الظن في المسلمين، وأن نتبين حتى لا نصيب قومًا بجهالة فنندم كما أمرنا ربنا سبحانه وتعالى، وأن نركز -دون تنازل عن المبادئ- على ما يجمع كلمة المسلمين والمجاهدين، وأن ننصف المخالفين وإن انتقدناهم وخالفناهم.
اللهم ﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هذِه الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
الجمعة ١٣ جمادى الأولى ١٤٣٨ ه
الموافق لِـ ١٠ شباط ٢٠١٧
كتبه
أبو عبد الله الشامي