JustPaste.it

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

مناط العلة في حكم الخوارج

كثر الحديث هذه الأيام عن الخوارج وصفاتهم ونسبة قوم إليهم من عدمها، ونظرا لخطورة هذا الأمر وما يترتب عليه من وجوب قتال الخوارج كما هو ثابت في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم واتفاق العلماء على هذا، والثواب العظيم المرصود لهذا القتال، فقد تعين بيان ما هي صفة أو صفات الخوارج التي لو وجدت في شخص أو قوم ألحق بهم ولحقته أحكامهم.

جدير بالذكر هنا ، أن نعيد توضيح هدف الدراسة  ألا وهو: بيان الصفة أو الصفات التي لو انطبقت على شخص أو قوم صار يُلحق بالخوارج حكما (أي في وجوب قتاهم وأحكام هذا القتال) ، وهذا بغض النظر عن إلحاقه بهم اسما من عدمه (القيد الأخير هذا فرارا من الجدل السفسطائي والخلاف اللفظي ، يعني لا يهمنا كثيرا ماذا نسيمهم بقدر ما يهمنا كيف نتعامل معهم ،وهل تتناولهم الأحكام التي في الأحاديث أم لا؟، ويتأكد هذا الأمر لو عرفنا أن الأحاديث الواردة فيهم لم تذكر تسميتهم بخوارج ،بل هو اسم اصطلح على تسميتهم به،وما يذكر في حديث"الخوارج كلاب  النار" فهناك اختلاف في تصحيحه وتضعيفه ،والأحاديث المتفق علي صحتها غيره –وهي كثيرة جدا- لم تذكر الاسم أبدا).

أشمل حديث في ذكر صفاتهم :

 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبية في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر " و فيه " فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس فقال : اتق الله يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن يطع الله إن عصيته ؟ أيأمنُني الله على أهل الارض و لا تأمنوني ؟ قال ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله( يرون أنه خالد بن الوليد) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ،يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان. يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد

أخرجه البخاري في صحيحه ، ومسلم في صحيحه   

في هذا الحديث صفات لهم وهي:

  • يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم.
  • يقتلون أهل الإسلام.
  • ويدعون أهل الأوثان

ثم في أحاديث أخري باقي صفات وهي:

  • فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم . و صيامه مع صيامهم (أخرجه البخاري ومسلم ).
  • آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدى المرأة أو مثل البضعة تدردر (أخرجه البخاري ومسلم ).
  • يخرجون على حين فرقة من الناس(أخرجه البخاري ومسلم ).
  • حدثاء الأسنان (البخاري ومسلم).
  • سفهاء الاحلام(البخاري ومسلم)
  • يقولون من خير قول البرية(البخاري ومسلم)
  • لا يجاوز إيمانهم حناجرهم(البخاري ومسلم)
  • قوم يحسنونَ القيلَ ، ويسيئون الفعلَ) صحيح أبى داود ).
  • يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء )صحيح أبى داود )
  • قالوا : يا رسول الله ! ما سيماهم ؟ قال : (( التحليق ,والتسبيد-وهو استئصال الشعر)) صحيح أبى داود ).
  • يتيه قوم قِبلَ المشرق محلّقة رؤسهمأخرجه مسلم ).
  • سيماهم التحالق(رواه مسلم).
  • يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق(رواه مسلم).
  • (( كلما خرج قرن قطع )) أكثر من عشرين مرة (( حتى يخرج في عراضهم الدجال ) . صحيح ابن ماجة).
  • وكان ابن عمر رضي الله عنهما يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين (البخاري في صحيحه).

هذه صفاتهم المجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة، وهنا سنتبع طريقة تُسمي السبر والتقسيم لمعرفة ما في هذه الأوصاف مؤثر في حكم التعامل مع الخوارج، وما منهما وصف طردي أو لا أثر له في حكم اعتبار شخص من الخوارج أو يقاس عليهم.

 

 

ونذكر-بداية- بعض الملحوظات:

  • أولا: أن هناك بإجماع العلماء (بل والعقلاء) أوصاف من هذه الأوصاف طردية (يعني لا أثر لها في حكم اعتبارهم خوارج يجب قتالهم) مثل مثلا أن آيتهم التحليق .، يعني لو اجتمع في رجل كل صفات الخوارج المذكورة آنفا ولم يكن يحلق رأسه ،لا يسوغ دينا ولا عقلا عدم اعتباره من الخوارج لتخلف هذا الأمر.
  • ثانيا: أن الاحاديث الواردة عنه صلي الله عليه وسلم تصف-أغلبها- خوارج معينيين (وهم خوارج علي رضي الله عنه)، ولكن العلماء متفقون أن الأحاديث لا تنسحب على هؤلاء الخوارج فقط بل يقاس عليها غيرهم ، وفي الحديث الذي صححه الألباني واحتج به ابن تيمية و غيره يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم لا يزالون يخرجون حتي يخرج الدجال ، يقول ابن تيمية" وهذه العلامة التي ذكرها النبي هي علامة أول من يخرج منهم ليسوا مخصوصين بأولئك القوم فإنه قد أخبر في غير هذا الحديث أنهم لا يزالون يخرجون إلى زمن الدجال وقد اتفق المسلمون على أن الخوارج ليسوا مختصين بذلك العسكر "مجموع الفتاوى ( 28 / 495).
  • ثالثا:أن بعض العلماء وضع شروطا للخوارج ليست في الأحاديث التي تصفهم تحديدا (ولكن قد تكون في أحاديث أخري تصف عموم الخارجين عن الطاعة والجماعة ،فيُلحقون هذه بهذه ،أو يقيسون على أحاديث  الخوارج ويستنبطون العلة و يوسعون معني الحديث، مثل من يلحق كل خارج على الإمام العدل بالخوارج -كالسرخسي في السير الكبير  وغيره- ) وسواء اتفقنا معهم أو اختلفنا، فإنه لا يشك بأن هذه الزيادة وهذا التوسع لو لم يتحقق، وتحقق ما هو أولي منه بعينه المذكور في الأحاديث للزم دخوله في متناول الحكم.

نفسر اكثر بأنه لو اجتمع في قوم صفات الخوارج المذكورة في الأحاديث (أو وجدت العلة المستبطة مناط الحكم فيهم) ولم يوجد ما توسع فيه البعض من الخروج على العدل مثلا (لعدم وجود عدل يخرجوا عليه)، لا يصح أبدا أن نقول إنه يشترط توفر الخروج، وإلا خالفنا الشرع ومقصود العالم –المُوسع- نفسه .

يقول ابن كثير" وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو فإنهم يظهرون الإسلام وليسوا بغاة على الإمام فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه فقال الشيخ تقي الدين(ابن تيمية) هؤلاء من جنس الخوارج..."(البداية والنهاية)

  • رابعا: يضاف لثالث،أن بعض الخوارج اختص بصفات ليست في الأحاديث، مثل انكارهم الشفاعة أو قولهم بخلق القرءان مثلا، فأصبح العلماء يصفون الخوارج بأنهم قوم ينكرون الشفاعة ويقولون بخلق القرءان، فغني عن البيان أن نقول: أنه لو وجدت الشروط أو الشرط المؤثر مناط العلة في الأحاديث ولم يوجد ما زادوه ،لما ساغ نقلا ولا عقلا أن ننفي عنهم مناط الأحكام المترتبة لمجرد هذا. فهذا الذي زادوه ليس إلا زيادة ضلال على ضلال ولا يزيد الشروط شرطا.

سبر العلة المؤثرة:

الصفات المذكورة في الأحاديث يمكن تقسيمها ثلاثة أنواع:

صفات طردية (لا يعلق الشارع عليها أحكاما ابدا).

صفات محمودة (ذكرها صلي الله عليه وسلم حتي لا يغتر الناس بهم أو يشتبه عليهم أمرهم، مثلا:" يحقر أحدكم صلاته مع صلاته" دليل على شدة تعبدهم وهى صفة يمدحون عليها لولا تلبسهم ببدعهم الأخرى ،- وقد كان خوارج علي –رضي الله عنه- قبل خروجهم عليه يسمون القراء لشدة عبادتهم وطاعتهم- ، ولا شك أن عدم توفر صفات المدح فيهم أو بعضها لا يخرجهم أبدا عن كونهم خوارج أو لحوق أحكام الخوارج بهم ،و إلا كان نقص الطاعة أو تركها سببا لتخفيف العقوبة، وهو أمر لم يأت في شرعنا ولا يستسيغه العقل السليم، فلو فرضنا رجلا اجتمعت فيه شروط الخوارج إلا أنه مسيء في صلاته أو متهاون بها هل يسوغ شرعا أو عقلا أن نقول أنه حكمه أخف من حكم  الخوارج لأجل هذا؟؟ سبحانك اللهم!!!).

صفات مذمومة (وهذه التي لا تتعلق العقوبات إلا بها، هكذا أتت شريعتنا بترتيب العقوبة على الفعل المذموم لا غيره).

ذكرنا ثمانية عشر صفة من مجموع الأحاديث الواردة في الخوارج (وذكرنا في الملحوظات أسباب عدم تضميننا الصفات الأخرى التي توسع فيها العلماء وغير منصوص عليها في الأحاديث صراحة) ولنبدأ بوضع الصفات تحت التقسيم الذي ذكرنا.

أولا: الصفات الطردية:

  • آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدى المرأة أو مثل البضعة تدردر.
  • حدثاء الأسنان (فلو فرضنا أنهم شيوخا، هل يؤثر هذا شيئا؟ ).
  • سفهاء الأحلام (لو فرضنا أن أحدكم كان عاقلا لكنه انضم إليهم لدنيا أو لأي غرض آخر، فهل يفرق شيئا؟.).
  • التحليق ,والتسبيد-وهو استئصال الشعر(لو أطال بعضهم شعورهم شئيا، ما الفارق؛ يلاحظ هنا أن بعض العلماء –مثل أحمد-يروى عنه النهي عن الحلق ، وهذا لا يجعل الحلق وصف ذم، لأن علة نهي أحمد عدم التشبة بالخوارج وليس لكراهة الحلق في ذاته –فتدبر-،كما يروى عن احمد رواية أخري وهي الراجحة في مذهبه بعدم كراهة ذلك).
  • يتيه قوم قِبلَ المشرق (ولو كان من قبل المغرب؟).
  • يخرجون في فرقة من الناس(ولو خرجوا في حال اجتماع لكان قتالهم أولى بلا شك).
  • سيماهم التحالق.(نفس 4).
  • يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق.(ولو قتلهم أفسق الناس هل يخرجوا بهذا عن كونهم خوارج؟لا يقول بهذا عاقل).
  • كلما خرج قرن قطع  حتى يخرج في عراضهم الدجل ) . أمر قدري لا يبني عليه بالإجماع حكم).

 

ثانيا: صفات المدح:

نلاحظ أن صفات المدح هنا يقرن بها عادة الذم ،فسننظر للمدح فيها فقط لنرى عدم تعلق الحكم به ثم نذكرها مرة أخرى في الذم لنرى إمكانية تعلق الحكم به من عدمه.

  • يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم (فلو كانوا لا يقرئون القرآن لكان من باب أولى).
  • فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم . و صيامه مع صيامهم (ولو كانوا لا يصلون ولا يصومون فمن باب أولى أيضا).
  • يقولون من خير قول البرية (ولو قالوا بشرار اقوال البرية لزادوا ضلالا ليس إلا.).
  • قوم يحسنونَ القيلَ ، ويسيئون الفعلَ (وماذا لو أساءوا القول مع الفعل؟).
  • يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء (وماذا لو دعوا لغير كتاب الله؟).
  • ويدعون أهل الأوثان .(وكون هذه بالذات صفة مدح تحتاج لتفصيل مهم:
  • ما علة عدم قتلهم لأهل الأوثان؟ يقول العلماء أن العلة في هذا هي الوفاء بالذمة و العهد ، فهم لا يقتلون الذميين و المعاهدين و المستأمنين لحرمة هذا الأمر ، وهذا فعل يستحق المدح لأنه ترك محرم"

قال القرطبي في المفهم كما نقل عنه ابن حجر ( فتح الباري ): قال وفي الحديث علم من أعلام النبوة حيث أخبر بما وقع قبل أن يقع ، وذلك أن الخوارج لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دماءهم وتركوا أهل الذمة فقالوا نفي لهم بعهدهم ، وتركوا قتال المشركين واشتغلوا بقتال المسلمين..."

        وقال ابن حزم في الفصل "قالوا باستعراض كل من لقوه من غير أهل عسكرهم ويقتلونه إذا قال أنا مسلم ويحرمون قتل من انتمى إلى اليهود أو النصارى أوإلى المجوس وبهذا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمروق من الدين كما يمرق السهم من الرميه إذ قال عليه السلام أنهم يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم إذ أنذر بذلك وهو من جزئيات الغيب فخرج نصاً كما قال‏.‏"

ولهذا فلو قامت فرقة منهم بقتل أهل الأوثان أيضا، لاستوجب هذا زيادة ذمهم وإثمهم، وليس خروجهم قطعا من وصف الخوارج لما هو أقل منه. وهذا ما تحقق فعلا مع فرقة النجدات –وهي بالاتفاق فرقة من فرق الخوارج وكانت مع ذلك تقتل أهل الأوثان- يقول الشهرستاني وابن حزم (كليهما يقول نفس القول)" واستحل نجدة بن عامر دماء أهل العهد والذمة وأموالهم في دار التقية وحكم بالبراءة ممن حرمها " أهـ. فكان هذا مما أحدثه نجدة بن عامر في قول الخوارج بعد إذ كانوا على تحريمها “.

  • ومما يؤيد كون المقصود من الحديث عدم قتل أهل الذمة والعهد لحرمة ذلك،

أننا نجد معظم الأحاديث تقرن لهم صفات متناقضة تجمع الخير مع الشر، مثل يقرأون القرءان لا يجاوز حناجرهم، يحسنون القيل ويسئون الفعل، يدعون إلي كتاب الله وليسوا منه؛ فتكون هذه أيضا من المتقابلات ،

 كما أن خوارج علي(رضي الله عنه) اشتهر عنهم فعل هذا، كما يروي مثلا" فبينما هو (الصحابي عبدالله بن خبيب )يسير معهم إذ لقي بعضهم خنزيرا لبعض أهل الذمة فضربه بعضهم بسيفه فشق جلده، فقال له آخر: لم فعلت هذا وهو لذمي؟ فذهب إلى ذلك الذمي فاستحله وأرضاه..."،

ج- يزيد على هذا أيضا أن بعض الخوارج قاتلوا الكفار في وقائع لا تنكر مثل قتال الإباضية للفرنسين في الجزائر" حتى إن الخوارج الإباضية لعبت دورًا أساسيًّا ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر..." أه.  و ضد الانجليز في عمان " وإذا كان الإباضيون أصحاب أمجاد في الماضي فإنهم ما يزالون كذلك في عصرنا الحاضر، فهم الذين يخوضون الحرب الباسلة في عُمَان ضد الإنجليز"أه.

د- ولو فرضنا تنزلا أن هذه صفة ذم والمقصود بها تركهم قتال مستحقي القتال من الكفار، فتكون صفة غير مؤثرة في العلة، (علة اعتبارهم خوارج، أو لحوق أحكام الخوارج بهم قياسا عليهم) ،وذلك بدليل ما سبق عليه من اتفاق المسلمين على اعتبار النجدات خوارج مع قيامهم بقتل الكفار، وكذلك ما حدث من الإباضية الخوارج من قتال الانجليز و الفرنسيين وغيرهم وظلوا بعد هذا خوارج ايضا.

ثالثا: صفات الذم:

  • يقتلون أهل الإسلام.(وقال العلماء يقتلون أهل الإسلام لتكفيرهم إياهم)
  • لا يجاوز إيمانهم حناجرهم.
  • وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين .(وهذه من أقوال بن عمر عنهم وهي كالمفسرة لرقم 1)
  • يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم
  • قوم يحسنونَ القيلَ ، ويسيئون الفعلَ
  • يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء.

باستعراض الصفات الست الموجودة هنا، نجد أن الصفة الوحيدة الصالحة للإنفراد بمناط الحكم هي "يقتلون اهل الإسلام" بسبب تكفيرهم، وذلك للآتي:

  • بسبر الصفات ، فصفة "لا يجاوز ايمانهم حناجرهم" هي بيان حال ما في القلب، ولا نستطيع نحن الاطلاع عليه(فلا تصح إناطة أحكام يقاس عليها بها ،لأنه يتعذر تحقيق مناطها، وقد نقلنا الإجماع أن الحكم متعد ،مناط بعلة، فيجب أن يتمكن من تحقيقها، وحتى تنزيل الحكم على خوارج علي يستوجب تحقيق المناط فيهم ،وتحقيقه بأمر متعذر لا يأت به الشرع فثبت مما سبق عدم صحة تعليق أحكام به)، ثم هي قد تكون مترتبة علي أفعالهم السئية ، ناهيك أنه لم يُعلل بها أحد من العلماء، ونفس ما يُقال فيها يُقال في " يقرءون القرءان لا يجاوز حناجرهم" ويُقال ايضا في "يدعون إلي كتاب الله وليسوا منه في شىء" ولكن يزاد هنا بأن نفس تكفيرهم للمسلمين وقتلهم يطبق هذه الصفة عليهم ،وهو أيضا نفس الذي يقال في صفة " يحسنون القيل ويسيئون الفعل"،

 والصفة الثالثة "انطلقوا إلي آيات نزلت في الكفار فجعلوها علي المؤمنين" ليست إلا مؤكد ومفسر للأولي من ابن عمر رضي الله عنه، ويعد هذا التفسير منه  بمثابة دليل على أن هذه هي العلة المؤثرة.

 

  • أقوال العلماء التي تدل أن هذه هي العلة المؤثرة:
  1. يقول بن تيمية"والخوارج هم أول من كفر المسلمين ، يكفرون بالذنوب ويكفرون من خالفهم في بدعتهم ويستحلون دمه وماله ، وهذه حال أهل البدع، يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها ، وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة ويطيعون الله ورسوله فيتبعون الحق ويرحمون الخلق" ج3مجوع الفتاوي.
  2. وقال: “وهم أول من كفّر أهل القبلة بالذنوب بل بما يرونه هم من الذنوب ، واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك” (الفتاوى : ج7).
  • وقال" فلإظهار القول(بتكفير المسلمين) ومقاتلة المسلمين عليه جاء فيهم ما لا يجيء فيمن هم من جنس المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم” (منهاج السنة : ج3).
  1. ويقول أيضا " فالخوارج لما فارقوا جماعة المسلمين وكفروهم واستحلوا قتالهم جاءت السنة بما جاء فيهم" مجموع الفتاوى ج3 مسألة: وردت لابن تيمية أقوالا في الخوارج يذكر فيها صفات أخرى للخوارج تجمعهم ، أو اشتهروا بها، والرد أن هذه صفات يذكرها فيهم، أما العلة المؤثرة فهي ما ذكره (في قوليه السابقين الثالث والرابع) المترتب على فاء السببية –في الثاث،و"لما" الشرطية –في الرابع- ، ومفارقة الجماعة هنا ليست إلا تأكيد للتكفير ومترتبة عليه بدليل القول الذي نقلناه له في بداية المبحث عندما قاس التتار علي الخوارج بالرغم أن السائل استشكل عليه أنهم لم يخرجوا على إمام ،

يقول ابن كثير" وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو فإنهم يظهرون الإسلام وليسوا بغاة على الإمام فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه فقال الشيخ تقي الدين(ابن تيمية) هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على عليّ - رضي الله عنه - ـ وقال لهم: إن كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه ـ يجب قتالها، وإن تكلموا بالشهادتين..."(البداية والنهاية)"

 وبدليل القول (الثالث) :مقاتلة المسلمين عليه" يفسر قصده بمفارقة الجماعة.

  1. ويقول ابن تيمية أيضا" وقال: “وهذه النصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج قد أدخل فيها العلماء لفظا أو معنى من كان في معناهم من أهل الأهواء الخارجين عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين" ج 28مجموع الفتاوي، ومن كان في معناهم هؤلاء لا يوجد جامع يجمع بينهم إلا تكفير المسلمين، فكل له صفات وبدع مختلفة.(راجع قوله الأول لتأكيد هذا والقول القادم).
  2. ويقول" فالذييعتقد حل دماء المسلمين وأموالهم ويستحل قتالهم . أولى بأن يكون محاربا لله ورسوله ساعيا في الأرض فسادا من هؤلاء . كما أن الكافر الحربي الذي يستحل دماء المسلمين وأموالهم ويرى جواز قتالهم : أولى بالمحاربة من الفاسق الذي يعتقد تحريم ذلك . وكذلك المبتدع الذي خرج عن بعض شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته واستحل دماء المسلمين المتمسكين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته وأموالهم : هو أولى بالمحاربة من الفاسق وإن اتخذ ذلك دينا يتقرب به إلى الله . كما أن اليهود والنصارى تتخذ محاربة المسلمين دينا تتقرب به إلى الله"مجموع الفتاوي ج 28
  • ويقول ابن حزم في الفصل "وقالوا باستعراض كل من  لقوه من غير أهل عسكرهم ويقتلونه إذا قال: أنا مسلم، ويحرمون قتل من انتمى إلى اليهود أو إلى النصارى أو المجوس، وبهذا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم بالمروق من الدين كما يمرق السهم من الرمية..." نلاحظ قوله "وبهذا"، يعني علة مروقهم من الدين،وغني عن البيان ما أشرنا إليه سابقا إلي أن تخلف ترك أهل الأوثان ليس بمؤثر في العلة وخصوصا عند ابن حزم نفسه الذي يثبت أن النجدات من الخوارج، ولكن نلاحظ أن ابن حزم قام بتعريف الخوارج تعريفا يشترط فيهم اجتماع أمور كثيرة ليطلق عليهم اسم خوارج، وهنا نبين أن مقصود البحث ليس في الاسم و اطلاقه لكن –وكما ذكرنا في بداية البحث- المقصود بيان مناط العلة سواء اطلقنا عليه لقب خوارج أو لم نطلق.

مسالة مهمة:

قد يتفق البعض أن العلة تكفير المسلمين، لكن يشترطون أن يكون هذا التكفير بالكبائر ، وهذا الكلام مردود بالآتي:

  • لم يذكر هذا في أي حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
  • أن الذين خرجوا على علي- رضي الله عنه -لم يكفروه ويكفروا معاوية رضى الله عنه بسبب كبائر ارتكبوها بل كفروهم بطاعات لهما فيها إما أجر أو أجرين، يقول ابن تيمية" وكان سبب خروجهم ما فعله أمير المؤمنينعثمان وعلي ومن معهما من الأنواع التي فيها تأويل فلم يحتملوا ذلك وجعلوا موارد الاجتهاد . بل الحسنات ذنوبا وجعلوا الذنوب كفرا " بل لو صح تاولهم بأن عليا ومعاوية عارضوا حكم الله بآرائهم وأعرضوا عن شرعه سبحانه مستبدلين متعمدين، لصح التكفير- حاشاهما من ذلك-، بل ما فعلا إلا ما أمر الله به.
  • أن من لم يكفر بالكبيرة ،فهو إما سيكفر بصغيرة أو مكروه أو مباح أو مستحب أو واجب (ولا يوجد في أفعال العباد غير هذا قطعا)، وغني عن البيان أن التكفير بأي مما سبق أشد من التكفير بالكبائر فيلحق الحكم فاعله من باب أولى، أما لو كفر بمكفر فقد فعل ما أمره الله به فيمدح على تكفيره ويذم مخالفه،

لكن ينبغي هنا بيان أنه لو كفر بمكفر ولم يستوف الشروط وينفي الموانع، مثل من يكفر بمكفر ولا يعذر بالجهل مطلقا، فيلحقه الحكم (حكم الخوارج) ، لأن فاعل المكفر هذا (المعذور بالجهل ، كمن ينكر صفة العلو لله جهلا يعذر فيه مثله) ليس واقعا في معصية أصلا، فيكون مكفره أشد جرما ممن يكفر بالكبيرة.

فثبت مما سبق بيانه بفضل الله ومنته ، أن الأحكام المتعلقة بالتعامل مع الخوارج –من وجوب قتالهم وصور و طريقة هذا القتال- معللة يقاس عليها من تتوفر فيه هذه العلة في أي زمان ومكان، وأن هذه العلة هي تكفير المسلمين و قتالهم و قتلهم بناء على هذا التكفير.

فمن يكفر المسلمين لمجرد استعانتهم بكافر في قتال كافر آخر ، وهو الفعل الذي فعله صلى الله عليه وسلم عندما استعان بصفوان بن امية في حنين،واستدل بهذا أحمد و غيره على جواز الاستعانة بالكفالر في قتال الكفار؛ أو من يكفر المسلمين بناء على أقوال لهم فيها أكثر من تاويل، ويسهل –وبلا تعنت- حملها على محمل غير كفري، ولا يعذر بعدم القصد ولا بالتأويل ولا بالجهل؛ ومن يشترط للتوبة من الكفر شروطا ما أتزل الله بها من سلطان، ويصر على استصحاب حكم الكفر على من لم يستوف هذه الشروط المبتدعة (مبتدعة في اشتراط قبول الرجوع عن الردة)؛ ومن يسم ما ليس بموالاة للكفار بمولاة (كمن يسم شراء السلاح من الكفار موالاة، أو قبول مال أو سلاح –مجانا- منهم موالاة) و يبني على هذا تكفير المسلمين ، من يفعل أيا مما سبق و يُقاتل المسلمين على أساسه مستحلا دماءهم و أموالهم ، فلا يًشك في لحوقه بالخوارج حكما.

وجدير بالذكر أن الروافض الذين يكفرون الصحابة وعموم أهل السنة  ويزيدون على ذلك بدعا كثيرة أولى بأحكام الخوارج من الخوارج أنفسهم ، حيث زادوا على مناط علة الخوارج مناطات أخري زادتهم شرا على شر، يقول ابن تيمية" وحال الجهمية والرافضة شر من حال الخوارج ، فإن الخوارج كانوا يقاتلون المسلمين ، ويَدَعُون قتال الكفار ، وهؤلاء أعانوا الكفار على قتال المسلمين ، وذلوا للكفار ، فصاروا معاونين للكفار أذلاء لهم ، معادين للمؤمنين أعزاء عليهم.." وغير هذا من الأقوال كثير.

 

والحمد لله تعالى، وما كان في كلامي هذا من صواب ففضلا من الله ونعمة ، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان.

تم الفراغ منه في الأول من ذي الحجة 1435ه