ترمب والإخوان المسلمون
حمد الماجد
أغلبية خصوم الإخوان المسلمين تكاد تتفق على أن عهد الرئيس المنتخب ترمب سيكون زمناً قاتماً صعباً ينتظر هذا التيار الكبير داخل العالم العربي والغربي ، لأن تيار الإخوان المسلمين العريض ، كما يتصور خصومه ، هو الرافد للتيارات الجهادية والإرهابية ويتقاطع معها في المرجعية العقدية والفكرية ، وهذا في الحقيقة ما تسرب من أقوال وتصريحات لعدد من مستشاري الرئيس ترمب ، وإن كنت لم أقف على تصريح صريح يتحدث فيه الرئيس الأميركي الجديد عن استراتيجيته المنتظرة مع حركات الإسلام السياسي التي لا تنزع للعنف والسلاح طريقاً للتغيير، وتركزت تصريحاته على خطة جادة حازمة مع تنظيم داعش والقاعدة والنصرة وبقية التيارات الجهادية.
الكل يدرك أن أحد أبجديات الحملات الانتخابية الأميريكية وتصريحاتها ووعودها وشراسة مصطلحاتها لا تؤخذ كلها مأخذ الجد ، وأن كلام الليل الانتخابي الأميركي يمحوه نهار المكتب البيضاوي ، وفي ذات الوقت ثمة شبه إجماع على أن الرئيس المنتخب هذه المرة "غير" مهما قيدته الخطوط العامة لسياسة الحزب والدولة ، وهذا يشمل سياسة تعامل ترمب مع التيارات الإسلامية السياسية وفي مقدمتها وأكبرها تنظيم الإخوان المسلمون الذي تمتد أذرعته المؤسساتية طول العالم الغربي وعرضه.
وفي تقديري أن الرئيس ترمب سيكون بالتأكيد أكثر حزماً في تعامله مع التيارات الإسلامية السياسية السلمية في بلاده والعالم العربي والإسلامي من أسلافه من الرؤساء الأميركيين السابقين ، لكن ليس إلى الحد الذي يصل به إلى إدراجها في التنظيمات الإرهابية او حظرها كما يبشر بذلك أو يطمح إليه خصوم التيار الإسلامي السياسي ، فدون ذلك عقبات قانونية وعملية وسياسية وقضائية معقدة تجعل من استصدار حكم بإراهابية تنظيم الإخوان أو تعطيل مؤسساته البريطانية المرخصة لها تبعات سياسية محرجة للرئيس ترمب نفسه قبل غيره ، ولعل الرئيس ترمب سيأخذ في الاعتبار تجربة بريطانيا الأكثر خبرة في هذا الشأن ، فقد مورست ضغوط على الحكومة البريطانية لإدراج حركة الإخوان ومؤسساتها في الغرب تحت بند الإرهاب وانتهى مطاف الحملة بقرار من لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني بتبرئة تنظيم الإخوان من تهمة الإرهاب ، مع أن التقرير انتقد كلاً من الحكومة البريطانية وحركة الإخوان لعدم شفافيتهما.
كما لا زلنا نذكر محاولات الحكومات البريطانية المتعاقبة المستميتة في التسعينات لترحيل أبي قتادة الذي كان يصرح بتأييده للقاعدة ويدعم عملياتها وما بُذل من وقت وجهد وتكلفة مالية باهظة قدمتها الحكومة البريطانية من خلال دافعي الضرائب ، تخيل لو أن حكومة ترمب الجديدة عمدت إلى حظر المؤسسات الإسلامية الثقافية والفكرية والإغاثية والاجتماعية والتربوية والأكاديمية التي تسيطر عليها توجهات إسلامية سياسية مثل حركة الإخوان أو أفراد متعاطفون معها ، كم من الجهد والمبالغ الضخمة التي سينفقها دافعو الضرائب؟ هذا فقط لحظرها ، فما بالك بالإجراءات القانونية لترحيل المسؤولين عنها وأعضائها والمتعاونين وهم بعشرات الآلاف؟
كما أن إدراج حكومة ترمب حركة الإخوان على قائمة الإرهاب أو حظر مؤسساتها في أميركا، لو صدر، دونه عقبات كؤود ، فمن الصعوبة أن يحدد أحد في الإدارة الأميركية الجديدة المقصود بالإخوان، هل هو الانتماء إليهم فكراً أم تنظيما؟ فإن كان المقصود التنظيم فهناك أضعاف أضعافهم يحملون الفكرة ولا ينتمون للتنظيم ، فإن لم يشمل القرار الحاملين للفكرة وليس المنتمين للتنظيم كان ثغرة في القرار تماماً كما لو أن قرار إدراج "القاعدة+ في قائمة الإرهاب محصور في تنظيم القاعدة وخلاياها المستيقظة والنائمة ولا يشمل من يحمل فكره.
وإن شمل قرار ترمب المفترض كل من يحمل فكر الإخوان استحال تطبيقه ، فعشرات الألوف الذين يحملون الجنسية الأميركية في أميركا يحملون فكر الإخوان أو متعاطفون معها ، وأختم بهذا التساؤل : هب أن الرئيس ترمب تنكب الطريق الأصعب وأدرج "الإخوان" في لائحة الإرهاب، كيف ستتعامل حكومة ترمب مع حلفائها من الدول التي يشارك في حكوماتها من يحمل الفكر الإخواني كتركيا والمغرب ، أو يتسنم مناصبها الوزارية والبرلمانية من يحمل أيدولوجية الإخوان مثل الكويت والبحرين والأردن؟