بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوة النجدية والحركة الجهادية
تويتر - الشريف الحسن الكتاني :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
الفصل الأول :
من أقوى الحركات الاسلامية التي ظهرت في القرون المتأخرة هي الحركة النجدية التي أسسها الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي في بلاد نجد وسط الجزيرة العربية . و قد تأثرت هذه الحركة بكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية و تلاميذه، مع أخذها بالمذهب الحنبلي في الفروع الفقهية. غير أن الناظر لأدبيات هذه الدعوة و حركتها التاريخية يلاحظ جملة من الاختلافات بينها و بين الدعوة الشامية التي قادها ابن تيمية، سأذكرها بعد أن أذكر محاسن الدعوة و الحركة و تأثيرها على الواقع.
وذلك أن الدعوة جاءت في العصور المتأخرة التي ظهر فيها تخلف كبير للمسلمين على جميع الأصعدة و دخن كبير في عقائدهم و تصوراتهم مما أوقعهم في أعمال شركية و بدع كبيرة شوهت جمال الدين ، فدعت الحركة للعودة للتوحيد الصافي من الشرك و تطبيق الشريعة و نبذ البدع و المحدثات التي شوهت جمال الإسلام، و ألزمت الناس بذلك بحد السيف ، وقد ساعد الدعوة على نشر أفكارها تبني آل سعود لها و تأسيسهم لدولتهم على ضوء تلك الأفكار و إطلاقهم يد علماء الدعوة، و بالمقابل نعهد العلماء بالولاء لآل سعود و اعتبارهم ولاة أمرهم و أئمة المسلمين.
و قد كان للدولة السعودية ثلاثة أدوار، الأول بلغت فيه أوجها و انتهى بتدخل الدولة العثمانية و تدميرها لعاصمة النجديين الدرعية سنة 1233، و الثاني تميز بالنزاع بين آل سعود و تقاتلهم مما أرجع الدولة العثمانية وأنصارها لبلادهم و الثالثة و هي الدولة الحالية التي ألقت السلاح و رسمت الحدود سنة 1350 و سميت المملكة العربية السعودية و تميزت بنشر كتب السلف و إنشاء الجامعات و دعم فكرتها خارج بلادها.
وقد كان من نتيجة هذا كله انتشار المنهج السلفي بشكل عام و عودة كبيرة للسنة و نبذ للبدع ، إلا أن الدعوة و الحركة النجدية تميزت عن الدعوة الشامية بأمور خطيرة و أخطاء غير مقبولة و هي التي ينبغي للعلماء تسليط الضوء عليها و نقدها ، هذه الأخطاء هي: عدم العذر بالجهل فيما يعدونه من أصل الدين، و كل من وقع في الشرك فهو مشرك غير مسلم قبل إقامة الحجة فإن مات فهو في مشيئة الله تعالى مثل أهل الفترة، و من أقيمت عليه الحجة فهو كافر مرتد مثل من قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه، و الحجة تقام على الناس بمجرد بلوغهم خبرها و لو لم يفهموها.
وكل مؤلي الصفات جهمية و الجهمية كفار بشهادة 500 من أئمة السلف كما نقل اللالكائي. وكل من سمع بالدعوة فعاداها أو عارضها أو لم يأبه لها فهو مرتد، أما من والى أعداءها و لو خوفا فهو مرتد أيضا. و من جهل التوحيد فهو كافر. و نتيجة لهذه القواعد فالأعراب الجهال كفار و الصوفية ز الأشاعرة و الزيدية والشيعة و الإباضية كلهم كفار، و العلماء الحنابلة السلفيونممن عارض غلو الدعوة كفار و الخلافة العثمانية حامية الشرك فهي كافرة و جنودها و أنصارها و علماؤها و من والاها كلهم كفار. و لك أن تتعجب إن علمت أن النجديين لم يقاتلوا كفارا أصليين أبدا بل كل قتالهم كان ل(مرتدين)، و أن جميع كلامهم عن موالاة الكفار فالمقصود بهم الدولة العثمانية. و لما احتل سواحل الجزيرة العربية سالموهم ، ومن العجيب عند النجديين تكفير من خالف ملوكهم و لو كان مسلما سلفيا، فقد كفروا آل رشيد و كفروا إخوان من أطاع الله لخروجهم على الملك عبد العزيز. و استحلوا دماءهم. بل تذكر لنا كتبهم التاريخية لابن غنام وابن بشر أنهم كانوا يدخلون القرية فيقتلون كل من في طريقم و يغنمون الأموال و في تواريخ أخرى أنهم كانوا يسبون النساء.
وقد بدأت رؤية النجديين تعتدل في أواخر دولتهم الثانية غيرهم و درسوا على أيديهم، و هذا مما يفسر لك سبب غضب إسحق بن عبد الرحمن في رسالته (تكفير المعين). ثم في الدولة الحديثة تغيروا كثيرا لمنهج ابن تيمية و دعوته الشامية و كان من أسباب ذلك أمثال الشيخ السعدي و مدرسته و الاختلاط بالاخوان المسلمين و رجالات الحركة الاسلامية ودعوة الشيخ الألباني المعارضة للغلو غي التكفير. و قد حدث تلاقح بين أفكار الإخوان المسلمين و الفكر السلفي عبر مراحل. فالامام البنا نفسه تأثر بالفكر السلفي كما يظهر ذلكفي الاصول العشرين له، ثم بعد محنة الاخوان ظهر جيل جديد من الشباب يحمل الفكرة الاسلامية مع الأخذ بالنهج السلفي، و ظهر ذلك جليا في الجماعات الجهادية في مصر التي اعتمدت كثيرا على كتب ابن تيمية و أخذت من الكتب النجدية بعض المسائل دون معرفة المسائل التي خالفوا فيها منهج ابن تيمية. فكانوا يفهمون كتب النجديين من خلال منهج ابن تيمية. اللهم إلا بعض مسائل العذر بالجهل والولاء و البراء، خاصة عند الغلاة الذين كانوا على هامش الحركة الإسلامية، و لم يتبن أحد من قيادات العمل الجهادي المنظومة النجدية كلها ولا كان لهم اطلاع عميق عليها. بل قام الفكر الجهادي على كتابات رجالات الحركة الاسلامية المعاصرة الكبار وكتابات ابن تيمية و تلاميذه.
الفصل الثاني:
علاقة التيار الجهادي بأفكار الدعوة النجدية : تقدم معنا أن الدعوة النجدية تميزت عن المنهج السلفي العام بأمور خاصة بها و لهذا ميزت الدعوة النجدية عن الدعوة الشامية لشيخ الإسلام ابن تيمية و أصحابه التي كانت امتدادا لمنهج أئمة السلف رحمهم الله تعالى وعليه فنقول :
إن بدايات الحركة الجهادية المعاصرة و التي شكلت ما يعرف بالتيار الجهادي، يمكن أن نعتبرها النظام الخاص لدى الإخوان المسلمين هذا النظام الذي أسسه الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، و كان الداخلون فيه يقسمون على المصحف و المسدس، و كان الهدف منه جهاد المحتل و حماية الدعوة، و لذلك أبلى البلاء الحسن ضد الإنجليز و ضد المحتل اليهودي في فلسطين لولا خيانات حكام العرب. و قد هدد الامام الشهيد في بعض رسائله حكام مصر بالجهاد إذا لم يطبقوا الشريع الاسلامية، و فعلا قام هذا الجهاز باغتيال بعض الوزراء الذين آذوا الدعوة و بدأ يخرج عن السيطرة، و لذلك تخلى عنه الاخوان لاحقا بعد محنتهم الاولى. غير أن تلك المحنة جعلت الاستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله يكتب كتابات عميقة في في الحاكمية و الولاء و البراء و التصور الاسلامي أعمق مما كتبه حسن البنا، و كذلك كتب قبله الاستاذ الشهيد عبد القادر عودة، غير ان سيدا كتب عن وجوب وجود جناح مسلح لحماية الدعوة من بطش الحكام و ربى مجموعة من أصحابه على ذلك. و بهذا تكونت المجموعات الجهادية على أفكار سيد قطب.
ومع غياب قيادات الاخوان في السجون فقد استفاد الشباب من المشايخ السافيين في جماعة أنصار السنة و منهم الشيخ خليل الهراس الذي تتلمذ عليه الدكتور أيمن الظواهري، و في الجامعات المصرية تكونت الجماعة الإسلامية التي تربت على كتب قيادات الاخوان و كتابات و رسائل المشايخ السلفيين في المملكة السعودية و الذين غطوا الجانب العقدي و الفقهي للشباب، و لذلك ظهرت في مصر في أواخر القرن الماضي ( 14 هجري) صحوة سلفية قوية ، و تتلمذ كثير من شباب الجامعات على الشيخ الأزهري عمر عبد الرحمن فك الله أسره الذي يعد عالما سلفيا، فبدأ تطهر مظاهر السنة على الشباب من اللحية الكثة و القميص و اللباس الشرعي الواسع و النقاب مع محاربة البدع و الشركيات و ما إلى ذلك، مما لم يكن معروفا عند الاخوان المسلمين وهنا اطلع الشباب على كتابات شيخ الاسلام ابن تيمية و أصحابه، و ظهرت رسالة (الفريضة الغائبة) للشهيد محمد عبد السلام فرج رحمه الله وأغلب نقولها عن ابن تيمية، ثم تلتها أبحاث أخرى مثل (حكم الطوائف الممتنعة) للجماعة الاسلامية و فيها نقولات ضافية عن شيخ الاسلام.
وظهر النزاع الشهير بين تنظيم الجهاد و الجماعة الاسلامية في مسألة العذر بالجهل و حكم أنصار الطواغيت، حيث استعان تنظيم الجهاد ببعض كتابات النجديين في (مجموعة التوحيد) و (فتح المجيد) دون توسع. فمال الجهاد للتشديد في المسألتين و خالفتهما الجماعة. و هذه المسألة ستظهر بوضوح في كتابات الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز (سيد إمام) التي بالغ فيها في التكفير بالموالاة و عدم العذر بالجهل في مسائل التوحيد و كان كتابه (الجامع في طلب العلم) مصدرا لذلك. و في بداية القرن هذا القرن 15هه نفر كثير من الشباب للجهاد الأفغاني و كان للشيخ الشهيد عبد الله عزام دور كبير في ذلك و كان لشباب الجزيرة العربية نجدا و حجازا و يمنا دور كبير فيه كما أن التيار الجهادي المصري أفتى بوجوب الجهاد فنفرت قياداتهم الكبيرة لأفغانستان وتلاقحت الأفكار هناك بين الجميع.
ومن المشايخ الذين اهتموا بالكتابات النجدية الشيخ مدحت بن حسن الفراج رحمه الله و قد كان لكتابه (العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي) تأثير كبير على الشباب ثم جمع كتابا في 4 مجلدات كبيرة سماه (أقوال ائمة الدعوة النجدية في المسائل العصرية). و في بدايات العقد الثاني من القرن (1410) استفاد الشباب في مسائل الولاء و البراء من كتاب القحطاني و الجلعود وكلاهما ينقلان كلاما كثيرا عن النجديين في تلك الأبواب. ثم ظهرت كتابات الشيخ أبي محمد المقدسي حفظه الله الذي كان شديد التأثر ب(الدرر السنية في الفتاوى النجدي) فلا يوجد كتاب من كتبه إلا و فيه نقول منه بل و فيه مصطلحات كتب النجديين مثل (الموحد) و أشباهها، وطبق قواعدهم على المسائل المعاصرة مثل الحكم بغير الشريعة و الانتخابات و المشاركة في البرلمانات و العمل في أنظمة لا تحكم بالشرع، فاختار عدم العذر بالجهل في التوحيد و كفر جميع جنود الحكومات التي لا تحكم بالشرع و البرلمانيين المشاركين في الانتخابات التشريعية. و كتب في ذلك كتابات أصبحت مرجعا للشباب الجهادي في العالم. غير أن الشيخ توسع في المسائل الخفية بخلاف النجديين و لم يطبق أصولهم بحرفية بل ولا طبقها على الشيع و الصوفية و المتكلمين مؤولي الصفات بل سار في ذلك كله على نهج ابن تيمية، و قد فصل ذلك في رسالته (الثلاثينية)، فظن قوم أنه تراجع والحق أنه كان فكره منذ البداية. و فيه نشوء فكر جماعة الدولة.
الفصل الثالث والأخير:
تبين لنا فيما سلف أن التيار الجهادي بدأ بأصول إخوانية سلفية، و ان الفكر النجدي طرأ عليه تدريجيا، بداية ببعض تنظيم الجهاد المصري و أميره السابق عبد القادر بن عبد العزيز، ثم بكتابات علماء الجزيرة العربية المعاصرين في مسائل الحاكمية و الولاء و البراء و ما أشبهها و خاصة كتابات تيار الصحوة، و إن كان تيار الصحوة في جميع أموره بعيدا عن النهج النجدي بل هو متأثر جدا بكتب شيخ الاسلام و أصحابه مع تأثر بالعلامة السعدي و تلميذه ابن عثيمين رحمهم الله جميعا، و تيار العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي متأثر بالشيخ إبراهيم الجاسر الذي كان معارضا لغلو النجديين سلفيا أثريا فسرى ذلك لتلاميذه. ثم كتابات الشيخ أبي محمد المقدسي حفظه الله الذي تأثر كثيرا بكتاب "الدرر السنية". و قد تأثر به كثير من الشباب في الأردن و خارجه و ظهر ذلك على أكبر أصحابه الشيخ الشهيد أبي مصعب الزرقاوي رحمه الله.
و بعد ضربات أمريكا سنة 1421 و ظهور القاعدة بقوة و هجوم أمريكا على أفغانستان ظهر مشايخ في الجزيرة العربية وخاصة في نجد عارضوا التعاون بقوة مع الامريكان و ناصروا الامارة الاسلامية بأفغانستان ثم واجهوا المبتدعة و العلمانيين بقوة، و على رأس أولئك حمود بن عقلاء الشعيبي رحمه الله و أصحابه: علي الخضير و ناصر الفهد و أحمد الخالدي فك الله أسرهم. فكان لهم تأثير كبير على شباب الجزيرة العربية ثم على كثير من الشباب المحب للجهاد. و كان من هدف هؤلاء المشايخ إحياء الدعوة النجدية من جديد. فألف الخضير شرحا على كتاب (التوحيد) و أنزل ما فيه على نوازل العصر، و ألف (المتممة لكلام أئمة الدعوة) قرر فيه بدعية العذر بالجهل في مسائل الشركيات، و رسالة (حقائق التوحيد) التي تعتبر متنا في المنهج النجدي و شرحها، كما أن الفهد صنف كتابا في تكفير الدولة العثمانية والانتصار للدعوة النجدية، و حقق الخالدي رسالة (تكفير المعين) لإسحق بن عبد الرحمن آل الشيخ، و نشرت هذه الكتب في منبر التوحيد و الجهاد، فطارت في الآفاق و أصبحت منهجا لكثير من الجهاديين في العالم.
ولما اندلع الجهاد العراقي كان للشهيد الزرقاوي قصب السبق فيه وقد انضم للقاعدة مع اختلاف منهجه عن منهجها كما قال تقديما لمصلحة الإسلام على مصلحة المنهج، فكانت كتب الخضير و أصحابه كالمنهج لمجاهدي قاعدة العراق و الجزيرة العربية في الجملة ، وهي ما يمكن تسميته ب(الدعوة النجدية الحديثة)، لكن أولئك المشايخ تميزوا عن النجديين القدامى بالتسامح مع مخالفيهم المجاهدين كالطالبان الديوبندية و غيرهم ولم يكونوا متسرعين في تنزيل أحكام الكفر على مخالفيهم أو معارضيهم. لكنهم تشددوا في تكفير أنصار الحكامالذين لا يحكمون بالشرع وكذلك توسعوا في التكفير بالموالاة ، و لما ظهر الجهاد الشامي و تدخلت فيه قاعدة العراق ممثلة في (دولة العراق الاسلامية) نشرت فكرها بين الشباب ثم لما حصل الخلاف بينها و بين مجاهدي الشام أفصحت مخالفة منهجها لنهج القاعدة و بقية مجاهدي الشام، و غلت في نهجها و طبقته بحرفيته ، وفعلا ، فمنهج (داعش) يخالف المنهج القديم الأصلي للتيار الجهادي مخالفة كبيرة . و الله المستعان وعليه التكلان.
هذا ما ظهر لي حسب التتبع و الاطلاع ، فإن أصبت فمن الله ورسوله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله صلى الله عليه وسلم منهما براء. والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
ملاحظة: حاشى لله أن أقصد الطعن في عالم مجاهد صدع بالحق ودافع عن شرع الله و أوذي في الله فصبر أو لا زال في المحنة، و لكني أبين وأحلل الواقع