JustPaste.it

بسم الله الرحمن الرحيم



مُؤسَّسَة التَّحَايَا
قِسْمُ التَّفْرِيغِ وَالنَّشْرِ


تفريغ

اللقاء الثاني الخاص

مع الشيخ: أبي قتادة عمر بن محمود

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السائل: لو نبدأ شيخنا من السؤال الذي تركناه في اللقاء الماضي، وهو سؤال "المرجعية":

رب العالمين يقول: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا}.

ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.

مشكلة نجدها اليوم بين عامة الجماعات الإسلامية فضلًا عن عامة المسلمين؛ ألا وهي أنَّهُ لا يوجد رأس يرجعون إليه، وأهل التفسير ذكروا أنَّ أولي الأمر هم العلماء والأمراء، والآن لا يوجد أمراء.

ونحن سمعنا منكم في "دورة الإيمان" أنَّهُ في تاريخ الأمة كانت تسقط الدولة المسلمة ولكن لم تسقط الأمة، لعدم سقوط المكون الرئيسي للأمة، ألا وهُم العلماء.

ونحن الآن وصلنا إلى حالة من الجفاء وعدم الارتباط بين أبناء الجماعات الإسلامية وبين مَن يُفترض أن يتولوا القيادة؛ ألا وهُم العلماء، فما السبيل إلى إعادة هذه العلاقة؟

الشيخ: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

كما ترى، هذا السؤال متشعب وفيه قضايا متعددة، يُمكن بسهولة –ونقول: "بسهولة" لأنَّهُ شعار كُلِّ مُسلم– القول بأنه لا بد من العودة إلى الكتاب والسنة، ويُمكن أن نزيد عليها بقولنا: "على فهم سلف الأمة" كما هو مشهور–فلا تحلُّ الإشكال-.

ومع ذلك، حتى الذين يرفعون هذا الشعار لم يهتدوا للإجابة على النوازل واختلفوا مَعَ أنَّهم متفقون على هذا الشعار وعلى هذا المنهج؛ فأنت ترى في العمل السياسي أنَّ الجماعات التي ترفع هذا الشعار قد اختلفت وتضاربت، ولَمَّا جاء أمر الجهاد تضاربوا واختلفوا!

فإذًا الشعارات لا تقي البرد ولا تدفعُ الحرَّ، لا بدَّ للشعار من واقع، ومن قلبٍ يحمله، ومِن عقلٍ صحيحٍ يستطيعُ أن يُفعِّلَهُ للإجابة على نوازل العصر، وإلا لبقيت الشعارات تُلاك وتُطلق في كلِّ وقت، ولا تُجيب على الأسئلة، وهذا الذي نراهُ اليوم.

أعودُ فأقول: يمكن أن نقول أن الحل هو "العودة إلى الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة"، ولكن هذا لا يدفع المشكلة التي نعيشها -كما ثَبَت -.

نحن نتحدث عن الجماعات التي انتهجت طريق الإصلاح بإلغاء شرعية القائم واستبدالِهِ بشرعية الإسلام القادم، وهي التي تُسمى بالجماعات الجهادية.

الجماعات الأخرى منها من هوَ مُسلِّمٌ لمرجعيته تسليمًا تامًّا؛ كالصوفية والتبليغ، وحتى حزب التحرير، فأنتَ تعلمُ أنَّهُ مذهبٌ جديد يفرض لأول مرة الرؤية الفقهية!!

فالعالِم لم يكن يفرض رؤيته على تلاميذه، يقول "هذا رأيي فاجتهدوا"، ولكن نحن نرى أحزابًا تفرض رؤاها الفقهية والسياسية، وهيَ قائمة على الاجتهاد وقائمة على التحليل، وهذا يختلف فيه الناس، وتختلف فيه الأنظار.

فنحن نتحدثُ عن هذه الجماعات في قضية "مشكلة المرجعية"، وهي قضية مهمة تحتاج إلى تأصيل، ولو لم يكن في هذا اللقاء إلا الإجابة على هذا السؤال –بالتفصيل المطلوب- لكفى، وليس هذا هروبًا عن بقية الأسئلة، ولكن لأهميته.

نحنُ في الابتداء نقول: لسنا خارج الأمة-وهذه مهمة جدًّا بالنسبة لنا-، وبالتالي لا يجوز لنا أن نقول: "لنا مرجعيتنا الخاصة عن بقية الأمة"

وهذا الطرح يُريحنا ويوسع دائرة الحق واكتسابه ومظان وجوده، لأننا لو قُلنا بأنَّ الحق معَنا علمًا وفعلًا؛ فحينئذٍ نستبعدُ الكثير من الحق في واقع الأمر الذي يعيشه أهل الإسلام خارج إطار الجماعات الجهادية، وهذا من أكبر الشر، ولذلك الطريقة الأولى أن نُعلن أنَّ مرجعيتنا هي "الإسلام" وأننا نؤمن بعدم جواز خلوِّ الأرض من مُجتهد–كما قالَ أهل الأصول-، وهذا المُجتهد وهذا العالِم وهذه "المرجعية" ليست قاصرةً على طائفةٍ دونَ طائفة؛ فالحقُّ قد توَّزع، ونحنُ نبحثُ عنهُ حيثُ وجِد، وأنا قُلتُ في لقاءٍ سابق: لا نبحثُ عن الحق حيثُ يسهلُ وجوده وإنما نبحث عن الحق حيثُ وجد.

السائل: ضربتَ لذلكَ مثل البحث في الضوء.

الشيخ: إذَا بحثنا في أماكن الضوء فكأننا نستسهل، فعلينا أن نبحث عنه في مكانِهِ حتى لو كانَ هذا المكان ليس هو سبيله المعتاد له، أو حيثُ كانَ هذا الحق في مكانٍ يصعبُ وجودُهُ، فليست صعوبة الوجود مانعة من البحث عنه، وليسَ وجود الحق في غيرِ مكانِهِ المعهود مانعًا من البحث عنه حيثُ وجِد.

فهذه قضية يجب أن نحسمها: "من عُلماؤكم؟

علماء الأمة، قُدماء ومُحدثون، ونحنُ نبحثُ عن الحق حيث وُجِد، وبالتالي لا يوجد لنا علماء خاصة.

لكن هذه تستدعي أن نُراجع فترة سبقت في قضية نقد هذا التيار لعلماء خارج هذا التيار، هذه فترة كانت ضرورية من أجلِ تثبيت المنهج ومن أجل تمايز هذا المنهج عن غيرِهِ، وهذه فترات كانت لها ضرورات؛ وهو أن المنهج كان بحاجة إلى تثبيت وإلى الدفاع عن نفسه، وإلى "إسقاط شرعية الوضع القائم وتثبيت ما هوَ قادم" -كما قلت-، كان يحتاج إلى صراع منهجي، وكان مشايخ كُثُر في طوائف وجماعات مُختلفة وعلماء مُستقلون يُخالفون، فكانت مرحلة الصراع، ووَقَعَ فيها ما وَقَع مِن قِبلنا ومِن قِبَلِ خصومنا، وقعَ فيها ظُلم، وقعَ فيها سوء فهم، وقَعَ فيها تجاوز في حُدود اللفظ والأدب من كل الأطراف، لكنها كانت ضرورة.

هل كانت جائزة؟ بلا شكَّ أنَّهُ كان فيها ما هو جائز وما هوَ غير جائز، ولذلك ينبغي الاستغفار من الجميع، وهذه إحدى مُراجعات هذا التيار حيثُ غَلَب، وهذه المراجعات لم تنشأ بسبب الضعف كما تنشأ عند بعض الجماعات، هذه المراجعات نشأت في وقت استطاع هذا التيار فيه أن يفرضَ إيقاعه على كُلِّ التيارات الأخرى.

فكل التيارات الأخرى الآن هيَ مُجاهدة وإن لم تعترف أنَّها لحقت بالتيار، ولذلك أسعدُ الناس بثبوت منهجهم هُم الذين لم يقولوا بالديمقراطية ولم يقولوا بالعملية الإصلاحية، ولكن آمنوا أنَّهُ لا بد من التغيير الجذري، وقالوا عن الطوائف أنها مرتدة، والأمة لحقت بهم، وقالوا أنه لا بد من جهادها، والأمة لحقت بهم، والجماعات لحقت بهم.

فهذه المراجعات ليست من قبيل التراجع، ولكن من قبيل رؤية ما كان وما نحنُ عليه الآن وما ينبغي أن يكون مستقبلًا.

ولذلك هذه قضية كان لها ضرورتها في الفترة السابقة، ولا يقول أحد: "غيَّرتم"، فنقول: لا، بل كانت ضرورة الوقت أن نثُبِّتَ المنهج، ولتثبيت المنهج ينبغي نقض الضد، والضد كانَ خصمًا شرسًا يُريد أن يُثبِّتَ نفسه على حسابنا، ونحن كذلك ثبَّتنا أنفسنا على حسابِهِ، كلٌ بما معه من دليل، والواقع أثبت من لحِقَ بالآخر، وإن لم يعترفوا.

ونحن لا نطلب منهم هذا الاعتراف، لا نطلب منهم أن يأتوا ويقولوا: "لقد ثبتت رؤيتكم"، وهم ما زالوا ينتقدون دعوى الغلو التي نحملها –مع أنهم الآن صاروا في التيار الجهادي-! وهذا كذب وخطأ.

بل في قضية الغلو ثبت أنه لم يصمد أمام الغلاة إلا هذا التيار، فهو الذي ردَّ غلو الغالين، ومع أن الآخرين قد يُطلقون التصريحات السياسية والصحفية، إلا أن الرد على المناهج علميًّا لم يقم له إلا هذا التيار.

نرجع:

إذًا نحن ندعو إلى تثبيت الراية، ولكن تثبيت الراية عندنا غير كافي، لا بدَّ من وضع أرجلٍ لها، لا بدَّ من تفعيلها عن طريقِ عقلٍ مُبدع كما هوَ مسمى "الحكمة" في الكتاب: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، و"الحكمة" هي تفعيل الكتاب، إعمال الكتاب في واقعٍ مضطرب متناقض ملتوٍ رمادي ليس أبيضًا ناصعًا وليس سوادًا كالحًا، هذه هي الحكمة، وما نحتاجه هو تفعيل هذا بتوسيع دائرة الحق كما هوَ في واقعها، وليس هذا من قبيل الغزل السياسي، نحنُ لا نقول هذا الكلام لأننا نريد أن نُغازل الآخرين، بل هذا ديننا الذي قالهُ سلفنا، فنحنُ نُعيدُهُ جديدًا، ونُعيدُ إليهِ الجِدَّة مع أنَّهُ قديم.

فإذا قيل: ما هي مرجعيتكم؟ هو الحق حيث وجد.

قد يقول قائل: ما هي آلية معرفة هذا الحق؟

هُنا يأتي دور المعاهد العلمية والدورات الشرعية والعلاقات العلمية، وهو أن نصنعَ عقلًا علميًّا قادرًا على التمييز بين المعروض، أن نصنعَ قادة عندهم العقلية المسلمة، عندهم المنهج السديد، وهو منهج أصول الفقه الذي قاله السلف في التمييز بين الصواب والخطأ، التمييز بين القول الضعيف والقول السديد، التمييز بين المقبول وبين المردود، التمييز بين ما جاز فيه الاجتهاد وما لا يجوز فيه الاجتهاد، التمييز بين ما جازَ فيه الاختلاف وما لا يجوز فيه الاختلاف، هذا منهجٌ أصولي عِلمي. ونحنُ لا نبني منهجًا –وهذه نقطة مهمة جداً-؛ وإنما نحنُ نعيد اكتشاف المنهج الذي كانَ عليه السلف، وهذا خطأٌ يُمارسهُ الضُلال من الغُلاة ومِن المتهالكين المنفلتين من الشريعة: يزعمون أنَّهم يكتشفون أشياء جديدة لا تُوجد في الكُتب! وهذا أولاً من جهلهم؛ هُم لم يقرؤوا، ولو قرؤوا لوجدوا، وثانيًا هذا من غرورهم؛ ظانين أنهم يكتشفون ما لم يعرفه السلف! وهذا في الحقيقة غير صحيح.

قد تقول: أينَ الإبداع؟ أينَ الاجتهاد؟

الاجتهاد في قضية معرفة المناط الملائم لكُلِّ قضية بما يُلحق بهذه المسألة أو بهذه المسألة، هذا اجتهاد، بل من عظيم الاجتهاد.

والقصد أننا لا نبني دينًا جديدًا من جهة علمية، ولكن نبني دينًا جديدًا من جِهة واقعية، وأما من ناحية العلم؛ فالعلم قد فرَغَ أمرُهُ بقول السلف وقول العلماء.

فالذي نُريدُ قولَهُ أنَّ الشعار ما زال صحيحًا: "العودة إلى الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة".

القضية الثانية: توسيع دائرة العلماء الذين نأخذ عنهم.

فإن قيل: لمَ هؤلاء العلماء أسقطتموهم في وقت من الأوقات؟ قد أجبنا، كانت ضرورة تثبيت المنهج والرد على الخصوم وتميزه عن غيره.

لكن الآن قالوا أن الجهاد في بلاد الشام واجب وقالوا أن الجهاد ضدَّ الحوثيين في اليمن واجب، وهكذا، والكل صارَ يُغني بنفس السياق الذي تُغني بِهِ الجماعات الجهادية قديمًا؛ فلذلك نحنُ نوسِّع الدائرة.

والذي أراه أن الدائرة تتوسع ذاتيًّا بفضل الله ورحمته؛ العلماء الذين يرجع إليهم الشباب قد كثروا، ولا أتكلم عن الغُلاة، وإنما أتحدث عن أهل الجهاد، تجدهم يُرسلون الرسائل للعلماء في المشرق والمغرب، ويُرسلون للعلماء التقليديين وغيرهم ممن له مُشاركة في دراسة الواقع وممن ليس له مشاركة، فيكشفون لهم الوقائع، ويُجيبونهم ويأخذون منهم الفتاوى.

وهنا نقطة مهمة جدًّا: الخصوم يُريدون إسقاط الرموز ليسهل لهم اختراق هذا التيار، لأنك تعلم أنَّ كثيرًا ما يُصبح الرمز يمثل الفكرة؛ فدمار الرمز هو تدمير للفكرة، وهذه طريقة المنافقين: لما أرادوا إسقاط النبوة؛ أسقطوها من خلال زوجة النبي -صلى الله عليهِ وسلم-، لأنَّ اتهام الزوجة هو اتهام في عرضِهِ -صلى الله عليهِ وسلم-، وبالتالي رفعٌ لقيمة القداسة والتعظيم لَهُ، وبهذا ينتهي الدين، فهم أرادوا ضربَ الدين من خِلال ضرب زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا شيءٌ معروف، الضرب في الشخص يكونُ مقصودُهُ هو ضرب ما يحملُهُ من منهج –ولا نُشبِّهُ الحادثة ولا نُشبِّه الأشخاص-. والغُلاة اليوم –الحمد لله!!– شنوا غاراتهم لإسقاط المشايخ، لإسقاط علماء وقادة وقُدماء هذا المنهج، ولا يوجد في كلامهم إلا اتهامات: "هذا عميل، هذا مُخابرات، هذا باع دينه.. إلخ"، كلمات يستطيعُ أن يقولها كلُّ مُجرم، ولو سُئل يومَ القيامةِ عن دليلِه تحتَ قولِهِ سُبحانه وتعالى: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}؛ لما وجدتَ إلا الخزيَ والعار في وجوههم، ولو سألتهم اليوم؛ لما قالوا أي كلام سوى أنَّهم كذابون!

والحمد لله رب العالم، نحنُ نثق بمشايخنا وعلمائنا وقادتنا بأنَّهم امتحنوا أشد من ذلك فصبروا، وكان العلماء يردون عليهم ولا يُغيِّرونهم لقوة دليلهم، فأن يأتي هؤلاء السَقط من الناس لن يغيرهم، وأنت تعرف الحالة الإعلامية اليوم كم هي منتشرة ومفتوحة بحيث يستطيع أسفل الخلق أن يتكلم كلامًا فينتشر أكثر مما ينتشرُ ما يقولُهُ أتقى الخَلق؛ لوجود مُناصرين له، وليس عندهم إلا السب والشتم، وهذا شأن الضُلال والمنحرفين، وهو لا يهمنا.

فالمرجعية اليوم توسعت بفضل الله -عزَّ وجل– وثبتت وترسخت، وتُثبتُ كُلَّ يوم جِدَّتها وفعاليتها وقُدرتها على ردِّ الحوادث المنكرة التي تغزو هذا التيار، وأكبر دليل: تيار الغلو الذي حدَث؛ هذا تيار لو كان في طوائف أخرى لسحقها، ولكن -بفضل الله- استطاع هؤلاء الذين تسموهم بال"مرجعية" والمشايخ الوقوف بقوة أمام هذا التيار الغالي، أمام هذا الزلزال، لأنه كانَ زلزالًا! ومع ذلك استطاعوا أن يُوقفوه.

 

السائل: شيخ أنت ترى أنَّ علاقة ارتباط شباب التيارات الجهادية بشكل خاص بمشايخهم ومرجعياتهم يتحسن يومًا بعد يوم أم يزداد سوءً بسبب ما حدث؟

الشيخ: ليس هناك إحصاء، لكن حسب اطلاعي أجد أنَّ القادة خاصةً تزدادُ ثقَتهم بعلمائهم، تزدادُ ثقتهم بمشايخهم، ويُسلِّمون لهم الكثير من الأمور ويرجعون إليهم في أصغر القضايا وأدَّقِها وفي أعظم القضايا وأجلِّها، وهذا ما يهم، وبالنسبة لبقية الشباب وغيرهم؛ أنا مُتأكد أن الغد سيكون خيرًا من اليوم؛ لأنَّ الغد سيثبتُ صواب ما قالوا. لذلك أنا مُتفائل على كُلِّ حال.

 

السائل: شيخنا، هُناك سؤال عن حُكم عوام الشيعة، هل يختلف حُكمهم من بلدٍ لآخر؟ هل يُعذرون؟

وفي هذا السياق تأتي أيضًا رسالة الشيخ إبراهيم الربيش في استنكار عملية جماعة الدولة على مسجد للشيعة في اليمن.

الشيخ: أولًّا أنت تعرف أنَّ هامش الإعذار قد يتسع بسبب فشو الجهل، وقد يضيق بسبب انتشار العِلم؛ فهامش الإعذار ليسَ رقمًا ثابتًا -والرقم هي الآثار الثابتة، ومن ذلك "الرقيم"- فالرقم الثابت لا يُتصوَّر في هامش الإعذار بل هوَ مُتحوِّل، وذلك بسبب تنازع العِلم معَ الجهل؛ فحيثُ غلبَ أحدهما نقَضَ الآخر.

وبلا شك أنَّ الذين كانوا يتكلمون عن الشيعة في وقتٍ من الأوقات كانوا يعذرونهم لغَلَبة الجهلِ فيهم، وحتى أهل السنة فيهم جهل، حتى رأينا في بلاد مُسلمة فيها عُلماء والناس لا يعرفون دينهم ولا يعرفون الصلاة! بل واكتشفنا أنَّ بعض المسلمين لا يعرفون فريضة الصلاة! لا يعرفون أن هناك في الإسلام فريضة اسمها "الصلاة"

فلذلك –وهذه نقطة نبَّهتُ عليها في لقاء سابق- يجب علينا ألا نُعامل الناس بالوضوح الذي نعيشه، وإنما نُعامل الناس بالواقع الذي نعرفُهُ فيهم على الحقيقة ولا نتوهمه، لأنَّ الكثير من الناس تنتشر القضية في أذهانهم كأنَّ العالم يعرفها! وهذا جهل، ونحن نراهُ فينا: يتحدث بعض الناس عن قضية كل يوم، ويظنون أن الناس يسمعونهم! وفي الحقيقة هي بينهم فقط، "زوبعة في فنجان" كما يقولون!

ولذلك ينبغي النظر إلى القواعد، فلو سألتني: "هل هامش الإعذار في الروافض اليوم هامشٌ عريض أم هامش دقيقٌ صغير؟!"؛ لأجبتُ أنَّهُ هامشٌ دقيق صغير، وقد يصل في بعض المناطق إلى التلاشي. لماذا؟! لانتشار علمهم بدينهم، فهم علموا دينهم وعلموا ما يقولُهُ أئمتهم، فكم محطة تلفزيونية عندهم؟؟ الآن مشايخهم يُقابلونهم ويتكلمون معهم، مع أني لا أُلغي إمكانية الجهل عندهم ولا أقول مُستحيل.

كان الناس يسألونني: هل يوجد في هذا الزمان أهل فترة؟

لماذا أزعم أنه لا يوجد أهل فترة في هذا الزمان؟! قبل كم شهر اكتشفوا قبيلة في الأمازون لا تعرف إلا نفسها! فيها 130 إنسان، ولا تعرف شيئًا عن الحياة! فلماذا نُلغي؟!

شيء موجود في الشريعة، نقول لعلَّهُ موجود وأنا لا أعرف؛ "فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود"، هذه قاعدة يجب أن نتعلمها ونُعمِلها.

فلو قلتَ لي أن هامش الإعذار قد ضاق بل دقَّ بل لُغيَ في بعض المناطق فقد يكون صحيحًا، أما أن يكون أُلغيَ كُليًّا فلا أستطيع أن أقولها، قد يوجد، لكن كونه ألغي في بعض المناطق؛ فهذا صحيح.

ولذلك إذا وجِدَ هذا المعنى الذي قلتُهُ؛ فمن نُقاتلهم اليوم من الروافض هُم كُفار، نُقاتلهم قتال الزنادقة المشركين.

 

السائل: تبعًا لهذا شيخنا، ما هو حكم تفجير مساجدهم التي تنتشر فيها المظاهر الشركية؟

الشيخ: "قضية المساجد" التي حدثت في اليمن، مما ذكره الإخوة أن المساجد في اليمن مُختلطة، هذه قضية انتهينا منها.

القضية الثانية: أحيانًا لا نتكلم عن التكفير اللازم له القتل والقتال، القتل والقتال والجهاد فيه مصالح، فلو فُتِحَ باب تدمير الحُسينيات ووجدَ القواد والعُلماء أنَّ فتح هذا الباب يؤدي إلى مفسدة عظيمة في دينِ الله، فهي عند الشارع مفسدة ليست مُلغاة؛ كأن يُصبح القتل كذلك في مساجد أهل السنة لأنها مفتوحة: أنتَ لا تُقاتل معسكرًا محميًّا أو مكانًا مخفيًّا لقائد أو جماعة مُقاتلة مُختبئة في الجبال، أنت تتكلم عن مسجد مطروق للناس، فلو فُتِحَ هذا الباب؛ ربما كان ضرره أشد من نفعه، فلذلك أمر الجهاد منوطٌ بمصلحة الجهاد.

فالذي أدعو له: إخراج المساجد من أبواب الصراع؛ لأنها غير مفهومة.

 

السائل: يعني شيخ أنت تمنع التفجير في مساجدهم من ناحية السياسة الشرعية وليس من ناحية الجواز؟

الشيخ: عندما يتحقق إلغاء العُذر، وحكمنا عليهم بالكُفر، إذا وجدَ هذا، لأننا نتكلم عن خلاف، وقد يقول واحد أن فيهم الجهَلة، فلا يُعمل فيهم التكفير. فهؤلاء الذين يُقاتلوننا من الروافض، لو كانوا في غير مسجد وكانوا صفوفًا للصلاة؛ فهل يجوز الانغماس فيهم لقتلهم؟

الجواب: نعم، رأينا قبل مُدة المالكي يُصلي بهم، يُصلي بالحشد الشعبي، فلو سُئلت أنا:"أيُنغمس فيهم، أيُقصفون؟"؛ لأجبتُ: نعم، هذا جائز بلا شك، فهذه قضية انتهينا منها.

ولكن نحن نتحدث الآن ما لو تحقق هذا المعنى من القتال في داخل مسجد.

الذي أراه: استبعاد المساجد من الصراع من باب السياسة الشرعية لا من حيث الجواز الشرعي؛ لأننا في الحقيقة –في هذا الباب- نحن أضعف منهم.

 

السائل: شيخنا، ما هو حكم أموال المرتدين؟ وهل هي غنائم أم فيء؟ وما ضابط الفيء؟

الشيخ: مال المرتد مسألة فقهية طويلة، أما إذا تكلمنا عن أموال المُرتدين الممتنعين -يعني مرتد وممتنع ويُقاتل-؛ فهذا حُكمه حُكم الكافر الأصلي، لأنَّهُ أُخذِ على جهة الغنيمة.

ولكن إذا تحدثنا عن أموال المرتدين المقدور عليها، كأن تؤخذ على جهة التلصص أو تؤخذ على جهة الفيء –بأن يكون أخذها بغير قتال-؛ فهذه مسألة خلافية ينبغي أن تُدرس في أماكنها وفي مظانها، والذي عندي أنَّ الأموال التي تؤخذ على هذا الوجه هي في نفس معنى أموال الكفار التي تؤخذ على جهة "الاختصاص" كما يقول المالكية أو "الاحتطاب" كما يقول الأحناف، يعني هي خاصة لمن أخذها، إن لم تؤخذ على جهة القتال، أمّا إن أخذت بالقتال فحكمها حُكم الغنائم.

 

السائل: والفيء؛ ما ضابطه؟

الشيخ: الفيء هو أن يؤخذ مال الكافر بغير إيجاف خيلٍ ولا ركاب، فيهربون أو تؤخذ على جهة الكسب الذي نجده من مالهم مرميًّا أو أن يصل إليهم فيهربون.

والفيء حكمه أنه لا يجوز أن يأخذ منه آخذه شيء، ولكن كلُّهُ يُصار بيد الإمام يضعه حيث شاء في شؤون المسلمين، ولا يُخمَّس.

 

السائل: شيخنا، سمعنا عن الفصائل المقاتلة والمجاهدة في سوريا أنها يكون عندها مُعتقلين، ومما بلغنا أنهم يستخدمون أساليب تحقيق قد تصل إلى وصف "التعذيب"؛ فما هو الضابط في هذه المسألة؟

الشيخ: الذي أعتقده: عدم جواز التعذيب إلا لاستخراج ما ثبَتَ شرعًا بالطرق الشرعية المعروفة غير التعذيب والضرب.

ما معنى هذا الكلام؟ رجلٌ ثبتت عليه السرقة، هل يجوز أن نضربه قبل ثبوت السرقة لنأخذ منه الاعتراف؟ الجواب: لا يجوز. لكن لو ثبتت عليه السرقة بطريقة شرعية -كالرؤية والشهادة ...إلخ- فأنكرَ وجود المال، بالنهاية سرق المال ويجب أن يرجعه، نريد أن نقطع يده ولكن نريد أن نُرجع المال؛ فيجوز تعذيبه لاسترجاع المال بعد الثبوتِ بالطرق الشرعية المُعتبرة.

لا يجوز أن يُعذَّب رجل ليعترف بأنَّهُ عميل، لكن لو ثبَتَ بالطرق الشرعية أنَّهُ عميل، فعذبناه لنعرف المعلومات التي تخصُّه؛ فالجواب حينئذ: نعم، يجوز، أما قبل ذلك فلا يجوز.

السائل: بمجرد الشكوك؛ لا يجوز؟

الشيخ: لا يجوز.

السائل: ما هو حد التعذيب الذي يُستخدم في هذه الحالة؟

الشيخ: لو أدى إلى قتلِهِ، رجل ثبتت عمالته ثبوتًا شرعيًّا، فعُذِّبَ حتى الموت؛ قتلنا نفسًا غير معصومة.

لو أن رجلًا سرق مالًا، والمال كثير يستحق التعذيب –مش دينار ودينارين-، فأنكره، لو عُذِّبَ فاشتدَّ التعذيب من أجل أن يُقرَّ المال؛ حتى لو أدى لقتلِهِ فيجوز.

السائل: ولكن هو لا يستحق القتل؟!

الشيخ: الآن نحن نتكلم عن قضية أخذه للمال، بأنه يجوز للمرء أن يستنقذ ماله ولو أدى لقتل صاحِبِه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من قتل دون ماله فهو شهيد)، وهذا الآن صالَ على مالِهِ.

ولكن الذي أقوله لإخواني: لا يجوز التعذيب من أجل أخذ الأدلة لإثبات التُهمة.

 

السائل: شيخنا، هناك رؤية تقول أنَّ المجاهدين رفعوا راية مشروع أمة، ومشروع الأمة هذا لا بدَّ أن يكون لهُ أكثر من رافد، فمنه القتال، ومن الجانب السياسي، وأنَّ المجاهدين عندهم نقص في قضية الجانب السياسي، وهو ما يلزم للاستفادة من تحصيل الجهود العسكرية وتوظيفها في تحصيل المكاسب.

فهناك رؤية تقول أننا قد نستفيد من حزب كحزب الأمة، ومن كتابات حزب التحرير؛ فما رأيك بهتين الجماعتين ومدى إمكانية الاستفادة منهما؟

الشيخ: في البداية عندما سألتني عن المرجعية قلنا أنَّهُ ينبغي أن نوسع: حيثما وُجدَ الحق نأخذه، وحتى لو كانَ صعبًا نبحث عنه.. إلخ.

أما حزب التحرير؛ فأرى أنَّهُ مُعوَّق ولا ينبغي الانتفاع بِهِ لعدم وجود النفعِ في داخلِهِ، هو حزب معوَّق يعيش بصورة التقليد التام للفقه الذي أفرزه الشيخ تقي الدين النبهاني.

أما التحليلات السياسية؛ للأسف هي تحليلات رؤيوية، أغلبها قائمة على الانتقاء بالنظر إلى الأحداث، ولذلك يخطؤون كثيرًا، وثبتَ خطؤهم كثيرًا، حيثُ يصورون كل صراع في الدنيا على أساس ما تعلم، وهذا ينبغي التوقف فيه؛ فقد وصل إلى درجة الاستهزاء، وبلا شك هي رؤية طفولية قديمة، بأن يتحدثوا عن الصراع الذين كانَ بين أمريكا وبريطانيا في قضية "استبدال الاستعمار"، واليوم انتهى هذا.

فلذلك أنا لا أعتقد أن حزب التحرير يُمكن أن يُنتفعَ به، وأنا أتكلم عن الحزب؛ لأن الحزب للأسف رؤيته تقليدية، يعني يجب على الفرد أن يُردد ما يقوله الحزب وقيادته!!

ولذلك لا يوجد حزبي ذكي، والقول بأن الحزبي مُثقف سياسيًّا غير صحيح، هو يردد فقط، وضعوا فيه الشريط، فقط تكبس عليه فلا يستطيع إلا أن يُخرج الألفاظ التي يقولها القادة! ولذلك ليس هو من الذكاء في شيء، لذلك أنا أستبعد الحزب لوجود كثرة الأخطاء له، ولا ينبغي الاهتمام بما يقوله.

ونحن نتكلم ليس فقط عن حزب الأمة؛ الدراسات السياسية والعسكرية مبثوثة يتكلم فيها الجميع، فحيث جاءت نأخذها، حتى لو جاءت من كافر، بعض المحللين الكفار يقولون كلامًا في فهم الصراع والتدافع في منطقة من المناطق أكثر مما يقوله أهل الإسلام.

 

السائل: أنا قصدت يا شيخ أن يكون حزب مثل حزب الأمة يُمثِّل واجهة سياسية للجماعات الجهادية.

الشيخ: لا ينبغي هذا. والسبب: لأنَّ هذه الأحزاب ليست فقط رؤية سياسية، لكنها مناهج عملية؛ فهل هيَ على استعداد لتحملنا في صراعنا وضربنا لرأس الباطل؟! هل هي مستعدة أن تصل لما وصلنا إليه؟!

الجواب معروف: هم أصلًا لا يريدون ولا يعتبرون أن هذه هي الطريقة الصحيحة، يُناصرونها بقَدَر، لكن لا يذهبون معكَ إلى النهاية. والسياسي ينبغي أن يكونَ حاميًا لواقعك العسكري، وهم لا يقبلون هذا، فبالتالي لا ينبغي.

نحن نقبل أن نتعلم منهم ومن غيرِهم، فهذا ليس قاصرًا عليهم، لهم دراسات –نتكلم عن حزب الأمة- وغيره له دراسات، وهُناك باحثين في العالم أجمع من المسلمين وغير المسلمين، وأغلب من يصيب يكون من غير المسلمين، يصيبون أكثر مما نصيب في هذا الباب.

أما اتخاذهم كواجهات سياسية للأعمال الجهادية؛ فهم لا يتحملون ذلك.

السائل: طيب شيخنا بالنسبة لحزب التحرير؛ أنتَ ذكرتَ عدم إمكانية الاستفادة منه كحزب، ولكن السؤال: ما إمكانية الاستفادة مما أنتجه حزب التحرير مما كتبه الشيخ تقي الدين النبهاني وغيره.

الشيخ: لا ينبغي النظر إلى الحزب كحزب، ينبغي النظر إليه ك"تقي الدين النبهاني".

تقي الدين النبهاني قالوا أنه عالم؛ فنضعه على الميزان كما نضع أي عالم آخر: نقبلُ منه ونَرد. هو كتبَ كتابات، وتبَّنى فقهًا في "الشخصية الإسلامية"؛ فندرسهُ كما ندرس أي عالم: نقبل منهُ ونرد، ولا نتعامل مع الشيخ تقي الدين النبهاني باعتباره "حزب" ورفضناه! هو مثل بقية الأحزاب.

لو تكلمنا عن نور الدين النورسي؛ هل نتعامل الآن مع النورسي كما نتعامل مع حزبه أو جماعته في تركيا؟!

هو رجل عالم، قال أقوالًا أصاب فيها وأخطأ.

أبو الأعلى المودوي؛ لماذا نتعامل مع أبي الأعلى المودوي كما نتعامل مع حزبِهِ؟! هو عالم تكلم كلامًا، أصاب وأخطأ. وهكذا.

 

السائل: شيخنا، هناك دعاوى للتوحد بين الأحرار وجبهة النصرة، وأنا سألت أحد الدعاة المهتمين بهذا الشأن؛ ففاجئني أنه ليس متشجعًا كثيرًا لمسألة التوحد!

الشيخ: لماذا؟

السائل: لأنه يرى أن هذه الحالة الفسيفسائية في سوريا هي أفضل لمصلحة الجهاد في الشام؛ لأنها تُربك نظر الغرب في التعامل. فما رأيك بهذا؟

الشيخ: بلا شك أن كل شيء أرضي له مفاسده وله محاسنه، فما ذكره هذا المراقب أن الفسيفسائية مصلحة للجهاد دون الوحدة؛ فهذا أولًّا مناقض للنص، هذه مصلحة ملغية في الشرع مُقابل مصلحة الوحدة، وأنَّ الوحدة فيها من المصالح العظيمة ما تُلغي مثل هذه المصلحة الضعيفة، وإذا كان في الاجتماع مفاسد فهي لا تُقارن بمفاسد الافتراق؛ فالذي ندعو إليه هو الوحدة، ولكن الوحدة على أسس صحيحة، ولا نريد أن تكون دراسات الوحدة القادمة مُنتجة لملف جديد للافتراق وللسّب ولتوسيع الهوة بين الناس.

ولذلك ينبغي أن يتم الحوار بصراحة، وتُفتح الملفات بوضوح، ويُعرف المستقبل والقرارات على أيِّ هديٍ تسير وتُعرف كيفية الاختيار.

وأعظم ذلك هو تصور هذه الفرقة وتلك عن مفهوم "الجهاد": ما مفهوم "الجهاد" لديكم اعتقادًا وممارسةً؟

هذه كلمة كبيرة، وأنا أعرف أنهم ربما يقولون أن هذه مفهومة. لا، بل واقعها مُختلف بين التيارات الجهادية؛ هُناك من يرى بأنَّ الجهاد هو جهاد وطني، من أجل إقامة دولة إسلامية وطنية –كما يقولون- والاعتراف بحقوق الجوار للآخرين والدخول في النُظُم العالمية والمؤسسات الدولية.. إلخ، وكلُّ هذا كلام فارغ لا يلتقي مع مقاصد الجهاد الشرعي في شيء.

فينبغي تحديد هذا الموقف: ما معنى "الجهاد"؟

النقطة الثانية التي يجب الكلام عليها هي: النظرة إلى المهاجرين والأنصار.

أنا أعتقد بأنَّ هذا المفهوم غير موجود اليوم ويجب أن يُلغى، لا يوجد "مهاجرين وأنصار"، كلُّها بلاد الإسلام، ما الفارق بين هذه القرية وتلك؟ مجرد الحدود الدولية تجعل "هذا مهاجر" و"هذا أنصاري" ولذلك هذا مفهوم ينبغي أن يُلغى، لا وجود ل"مهاجرين وأنصار"، كُلُّنا أهلُ هذا البلد.

وهذا لا يُعجب البعض؛ لأنَّ جهاده محكوم بأيدي أخرى تُريد أن تفرض إيقاعًا مُعينًا للجهاد –وهذه من ضمن النقطة الأولى-؛ فينبغي تحديد العلاقة مع الآخر: هناك دعمـ والأموال ينبغي تحديد موقف الجماعات منها: هل نقبل أو لا نقبل؟ هل الأصل المنع أم الأصل الجواز؟ وهكذا، هذه الأمور يجب حسمها.

الأمر الآخر: هي القضية التي تكلمنا عليها في الأول، وهي قضية "المرجعية"، يعني لما تأتي جماعة وتقول: أنا لا أقبل فلان وفلان، وتحدد أسماءً وتقول هذه الأسماء من هيئة كذا هي التي أقبلها، فهذا يطرح تصورًا واضحًا عند الأطراف: تدخل أو لا تدخل.

القصد أن الوحدة واجبة شرعيًّا، لكن كل واجب له شروطه.

فكما نقول أن الصلاة واجبة، ولها شروطها؛ فكذلك الوحدة واجبة، ولها شروطها لتنجح ويتم بها الصحة لا الفساد والبطلان.

السائل: يعني يا شيخ، هل نعتبر هذه دعوةً منك لقادة الجماعات في الشام أن يجلسوا ويفتحوا الملفات بكل صراحة ووضوح؟

الشيخ: نعم، و"البيان يطرد الشيطان"، يعني نقول له: أنت تريد الوحدة؟ نعم. نُريد أن نعرف هذه الكأس من أين جئتَ بها: عندما اختاروكم للقيادة؛ أنتم اُختِرتم بضغوط خارجية أم ذاك إنتاج داخلي؟

عندما توحدتم بعد أن كنتم جماعتين، والآن صرتم جماعةً واحدة؛ هل اتحدتم اتحادًا طبيعيًّا أم مفروضًا من الخارج؟

وهذه قضايا معروفة.

ولذلك الدعوة للتوحد واجبة ولكن على أساس متين وواضح ليس فيه خفاء وليس فيهِ تلعب وليس فيهِ ملفات تحت الطاولة!

 

السائل: شيخنا، سمعنا أنباءً من بعض الصُحف وبعض وسائل الإعلام عن إمكانية لحل تنظيم القاعدة؛ فما تعليقكم؟

الشيخ: من يُراقب الإعلام الغربي والإعلام العربي -الذي هوَ صدى للإعلام الغربي– يعرف أنه يُرسل بالونات اختبار وفقاعات من أجلِ قياس شيءٍ ما، فهذه من ضمنِ بالونات الاختبار، وهي إخراج الخصم لمعرفةِ ردِّك، وهي ليست إنتاجًا داخليًّا.

السائل: بعيدًا عن صدق ذلك أو كذبه..

الشيخ: هيَ كذب مئة بالمئة، هي فقط بالون اختبار.

السائل: لو افترضنا جدلًا أنها صحيحة؛ هل ترى فيها مصلحة أو أنَّ الأمر متروك للقادة؟

الشيخ: بلا شك أنَّ حلّ هذا التنظيم اليوم مفسدةٌ عظيمة، وليسَ هناك من حسنةٍ واحدة في ذلك، وكل ما يزعمونه من حسنات هي أكاذيب، بدعوى أنَّ الجهاد توسع، وكذا!

أصلًا، ما الذي حمى الجهاد في سوريا من أن يتلاشى ويبتلعه الغلاة؟ تنظيم القاعدة. لو لم يوجد لَبقِيَ الجولاني في العراء، والذي حماه من البقاء في العراء هو التصاقه بتنظيم القاعدة.

وعلى كُلِّ حال هذا حديث يطول، وربما في المستقبل يكون لي مقال موَّسع حول هذا الموضوع.

 

السائل: شيخنا، سمعتم عن الخلاف الذي حدث مؤخرًا داخل جماعة المسلمين في الأردن، وهو كانَ حدَثًا كبير على مستوى الجماعة، وجماعة الإخوان المسلمين لا شكَّ أنَّها جماعة لها وزنها داخل الأردن وفي بلدان أخرى. كيف ترى هذا الخلاف، وما هي مآلاته على الساحة؟

الشيخ: أولًّا: لماذا ينشأ الخلاف! هذا يدل على أنَّ هذه التنظيمات فيها عوامل ضعف ينبغي تداركها، وأنت تعرف أنَّ من أسباب الخلاف –للأسف- قضايا منهجية، ومن أسباب الخلاف قضايا نفسية، ومن أسباب الخلاف كذلك قبول الآخر لأن يكونَ لعبة بأيدي خفية خارجية.

فهذا يدل على الضعف الذي أصاب التنظيمات، وربما هذا طريق لتلاشيها وتوحدها إن شاء الله.

لكن في الظرف الحالي، أنا قرأتُ كما قرأتَ أنت، وسمعتُ كما سمعتَ أنت، وسألت؛ فالذي عليهِ الأكثرون أنَّ تأثير هذا الافتراق لن يكونَ كبيرًا في داخل الصف الإخواني، لأنَّ هؤلاء الذين خرجوا ليسَ لهم قواعد كافية لإحداث شرخ حقيقي في داخل الصف الإخواني.

لكن المشكلة في الوجود القانوني؛ أين سينتهي؟! هذا متروك للدولة، ستبقى الدولة رافعة هذه الهراوة فوق رأس الإخوان لاستخدامها متى شاءت، من أجل مصادرة الأموال كما صادروا مراكزهم (جمعية المركز الإسلامي)، فمصادرة مراكزهم قد تُفعِّلها الدولة يومًا ما تحت هذه الحُجة، إلى غير ذلك.

ولكن التأثير على القواعد ضعيف، لأن هؤلاء الذين خرجوا ورخَّصوا باسم "جمعية الإخوان المسلمين "، وليس لهم قيمة حقيقية ووقعوا في أخطاء أخلاقية نفَّرت الناس منهم.

ولذلك قال بعضهم "لقد بطلَ جهادكَ يا فُلان"

السائل: لو تصورنا أن هذا الخلاف تطوَّر إلى شرخ حقيقي داخل الجماعة؛ هل تعتقد أن ذلك سيكون في مصلحة عامة أهل الإسلام في الأردن، أم أنه ليس من مصلحتهم أن يحدث شرخ في هذه الجماعة؟

الشيخ: هذا سؤالٌ صعب لم أفكِّر فيهِ من قبل، ولا أحبُّ أن أُجيب عن شيء لم يدُر في ذهني مدة طويلة ولم أناقش فيه نفسي والآخرين. ولستُ شابًّا أتمنى موت مخالفي ظانًّا أنَّ وجوده يُعوِّق حركتي، هذه قضايا طفولية خرجتُ منها منذ زمن. يعني أنني ليس لمجرد مُخالفة الإخوان أتمنى زوالهم، هذه لا بد أن تُقرأ بحسب مصلحة الشرع، وليس بحسب الهوى والنفس وما ترغب وما لا ترغب.

لكن أتمنى بلا شك أن ترتقي أفكار الإخوان، أن يعرفوا فريضة الوقت، أن يتخلوا عن تخوفاتهم في مواجهة الجاهلية كما ينبغي.

فالوضع في مصر -كما ترى- وضعٌ لا يقبله مُسلم، بل لا يقبله عاقل، الوقوف داخل الخندق القديم بعد كل ما رأوه من خوصمهم! بلا شك أن هذه رؤية غير شرعية وغير منطقية وغير سننية!

فالذي أتمناه هو أن تهتدي جماعة الإخوان باعتبار أنها هي الأكبر في كثير من البلدان، ولا شك أنهم في الأردن هم الأكثر تنظيمًا والأكثر عددًا، فالذي أتمناه أن يهديَ الله قادتهم.

 

السائل: شيخنا، سأذكر الآن لكَ أسماء أشخاص، وأنتَ تُعلِّقُ بما شئت:

"الشيخ أبو خالد السوري"

الشيخ: رجلٌ طافَ مجاهدًا في المشرق والمغرب، قابلتُهُ في لندن، أخٌ دمِث الأخلاق، صاحب قلب وهمة لنصرة الدين، لم يتوقف لحظة في الاستجابة لنداء الجهاد، كانَ كُلمَّا سمعَ هيعةً طارَ إليها، مفارقًا أهله، راصدًا نفسه وقفًا من أجل الجهاد والمجاهدين، ثمَّ كانت خاتمته أن يموتَ كما ماتَ علي –رضي الله عنه- على يدِّ الغلاة، فنسأل الله أن يرفعَ شأنه في الآخرة.

وماذا نقول عن قاتِلِهِ؟!

السائل: "الشيخ أبو الوليد الأنصاري".

الشيخ: أخٌ قديم عرفته في بيشاور، ثمَّ عشنا مدة في لندن، كانَ يشتغل في الدعوة ويشتغل في الخِطابة، ثمَّ هاجر إلى أفغانستان أيام الطالبان، وبعد ذلك لا أعرفُ كثيرًا عنه، إلا أن ابنه أرسل إليَّ بعض الرسائل يكشفُ لي حالهُ أنه مسجون في باكستان عند المخابرات الباكستانية.

السائل: ولكن هو يصدر رسائل بين فترة وأخرى؟!

الشيخ: هذا ليس هوَ، وإنما ابنه، رسائل قديمة عنده.

السائل: منها رسائل إلى أهل الشام!

الشيخ: هذه أُرسلت قديمًا.

السائل: إذًا هو ليس مسجونًا منذ زمن؟

الشيخ: هو مسجون بعد الجهاد السوري بلا شك. جزاهُ الله خيرًا، هو صاحب خير إن شاء الله.

السائل: "الشيخ أبو مصعب السوري".

الشيخ: رحمه الله حيًّا وميتًا.

السائل: هناك سؤال عن شخصية كانت تُعتبر علمًا من أعلام التيار الجهادي، ليسَ لشخصه، ولكن للاستفادة من هذا الموقف والاعتبار لأنه كان موقفًا جللًا، وهو الشيخ الفزازي.

الشيخ الفزازي كان يُعتبر في المغرب قامة من قامات التيار الجهادي.

الشيخ: أنا أعرفه، وزارني في لندن، وقابلتُه وجلستُ معه الأسبوع والأسبوعين، والسقوط أمرٌ قدري طبيعي في الدعوات.

ولا أريد أن أقول أنني قرأت مُقدمات وأدعي وأتكلم كلامًا قد يُقبل وقد لا يُقبل، لا أريد أن أتكلم في هذا، لكنَّ السقوط أمر قدري في الدعوات، قد يكبو الفرس فيُكسر، وقد يكبو فيقوم ويسبق مرةً أخرى، والحقيقة هناك من سقطَ سقوطًا أشد من الفزازي، حتى كفر وارتد!

يعني الفزازي ما أدري ماذا أقول عنه سوى أنه سقط، لكن عندنا "قادة" كفروا وخرجوا من الملة وصاروا من عُتاة العلمانيين!! مثل "نُعمان بن عثمان" الليبي، كان الناطق الرسمي باسم الجماعة المقاتلة، وهو الآن عدو من أعداء الإسلام!

ولكن هذه لم تصل إلى درجة القول بأنها "ظاهرة"، إنما هي أفراد، ولذلِكَ لماذا ندرسُها إذا كانت على هذه الشاكلة، حتى إذا صارت ظاهرة قد كثر فيها الساقطون؛ حينئذٍ نهتم لها ونُقيم لها الشأن.

وأما إذا أردت أن أتكلم أنا شخصيًّا عن حالة "محمد الفزازي"؛ فلي كلام:

محمد الفزازي هكذا كان: قُدِّرَ لهُ أن يشتهر في ظروف استثنائية بأن قُدِّم في الجزيرة، هذا واحد، وأنت تعرف أن الشيخ يوسف القرضاوي صار إمامًا للمسلمين من خلال الجزيرة، وهكذا الإعلام يصنع، هذه قوة الإعلام، محمد الفزازي عُرِفَ من خلال الإعلام، الإعلام له دور، مناظرة عدنان العرعور لها دور.

لكن هل الفزازي بمثل هذا التمكن الذي يُقال له –علميًّا- "طالب علم"؟ الجواب: لا.

هل الفزازي مؤهل نفسيًّا؟ أنا عرفته قديمًا، ومن الغلط الآن أن نتكلم، يقولون كيف أبو قتادة يتكلم على الناس؟!

لو كل واحد لي رأي أنه لو وقعت الفتنة سقط نبهتُ عليه، ولستُ قائد تنظيم حتى أُستشار فأقول: لا تضعوه، ولا إمام جماعة لو اُستشرت أقول: لا تضعوه إماما! فوجود واحد داعية إلى الله، ماذا نصنع فيه؟! رؤيتي فيه لا تُغيِّر شيئا، وقد يموت قبلَ أن يُبتلى؛ فيمضي.

فالقصد؛ الحقيقة الفزازي من علمَ نفسيته أيام الرخاء؛ علِمَ أنه لا يصلحُ للابتلاء، هذا رأيي، وهذا رأي بعض إخواني لما قابَلَهُ عرف هذا منه.

وهو لم يؤثر، يعني الفزازي خرجَ ولم يخرج معه الناس.

السائل: شيخنا، آخر شخصية أود أن أسألك عنها هي شخصية الشيخ رفاعي سرور –رحمه الله-.

الشيخ: بلا شك أن الشيخ رفاعي سرور كانت لديه مُقدّمات الرؤية المُستقبلية الجيدة، وعنده مُقدّمات القراءة الواعية، ولكن ظرفه الاجتماعي والمالي لم يدفعهُ للترقي أكثر مما ينبغي، ولذلك أنتجَ كُتبًا في الابتداء دلَّت على منهجية جميلة ورائعة ومكينة، ولما بدأ يكتب بعد ذلك، لما قرأت له ما كان يكتبه في "نداء الإسلام"، وبعض المسائل الرؤيوية؛ علمتُ أنَّ الرجل لم يقم على شأنِهِ بالبناء الصناعي والتكميلي.

لأن الناس هكذا: في البداية يكون جيدًّا، لكنه يحتاج إلى صناعة بعد ذلك؛ كالموهبة (موهبة اللاعب). في الأول لا بد من موهبة، لكنها ليست كافية، عندما تتعقد الأمور وتنزل في المعركة وتنزل في الميدان؛ لا بدَّ من الصناعة، وإلا تشتغل على قدَّك!

ولذلك الشيخ رفاعي سرور كتبه رائعة: (عندما ترعى الذئاب الغنم) هذا كتاب رائع، (قدر الدعوة) رائع، معَ ما فيه، يعني هو محاولة لرؤية القدر ومسار الدعوة السنني، كذلك كتابهُ (أصحاب الأخدود) كان فيه لفتات رائعة.

لكن الشيخ لم يواصل، والسبب هو ظرفه، فهو معذور.

وسيكون كتابه (عندما ترعى الذئاب الغنم) من ضمن مشروع "ألف كتاب قبل الممات" إن شاء الله.

السائل: شيخنا آخر سؤال، قضية عدنان إبراهيم، كثير من الناس تأثروا به، ما هو السبيل الأمثل الذي تنصحنا به لمحاربة هذا الفكر الذي يدعو إليه؟

الشيخ: نشر العلم. أتعجب والله من هذا الحال؛ يأتي أُناس يمدحون لي أشخاصًا أنهم على خير ويتكلمون كلامًا وعظيًّا، ولما أستمع لهم لا أستطيع أن أرى إلا أنهم وعاظ قصاص! لماذا الناس يمدحونهم؟!

وأنت تعرف أنَّ المشايخ أصبحوا لهم فصول، كل شيخ له فصل، ثم يذهب ويأتي غيره! كان عمرو خالد وكان طارق سويدان.. إلخ، كل ما يأتي شيخ يأخذ فصله ثم يذهب!

وهذه من طامات الجهل التي تعيشها الأمة.

الآن عدنان إبراهيم، أنا إلى الآن ما سمعتُ لهُ شيئًا، ولكن أحيانًا أرى تعليقات أنه يُنكر كذا ويقول كذا، ولا أدري هل له حضور عند الناس أم لا. بعضُ الناس يقول لي أن له حضورًا كبيرًا، والبعض ينفي، ربَّما يأتي يوم -إن شاء الله- أقرأ فيه لهذا الرجل قراءة مُستوعبة وأعرف ماذا يقول.

 

السائل: شيخنا، نختم هذا اللقاء بما ختمنا به اللقاء الماضي، إن كانَ من وصية عامة؟

الشيخ: الوصية العامة هيَ أنَّ هذا الدين سينتصر، وهو مركبتنا شئنا أم أبينا. بالبلاء هو مركبتنا؛ لأنه هو الذي سيوصلنا إلى المستقر، وبالفرح هو مركبتنا. والجهاد هو أرجل هذه المركبة، ودواليب هذه المركبة؛ فرغم أنوفنا سنصلح العجلات مرةً بعد مرة، والدواليب مرةً بعد مرة، وهكذا، هذا قدرنا.

والذي ننصح به أنَّ هذا الدين سينتصر، وسعيدٌ من بقيَ جالسًا في هذه المركبة ولم يُستبدل؛ لأنَّ غيرك ينتظر ليجلس مكانك: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ}.

بمعنى: "الزق" بكرسيك واثبت، لا تبِع دينكَ لأحد، فهو أغلى عليكَ من نفسك وأهلكَ ومالك وولدك والناس أجمعين. لا تُضحي به، لأنك لو خرجت؛ فسيملأ المكان آلاف جالسين ينتظرون: {ثمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}، بل أحسن منكم.

فلذلك إذا أقام الله المرء منا في مكانة داخل هذه المركبة –التي هيَ الدين-؛ فلْيلتصق بها حتى الممات، ولْيُصلحها متى ما حدث شرخ، ولْيمدّها متى ما حدث الابتلاء، ولْيعش معها إلى آخر نفس، لا يتركها في آخر لحظة، لأنها هي ماشية وواصلة؛ لكن العبرة بنا نحن: أنثبتُ أم لا نثبت؟ أنصبر أم لا نصبر؟

فالذي أدعو الأمة إليه: أن تركب هذه المركبة، أن تتدافع إليها، وحينها تنجو، أما الدين سينتصر، وهذه الغربة ستزول، وإن لم تزل فنحن سنزول، والملتقى عند رب العزة والجلال.

والذي أقوله: والله ثم والله ثم والله، على ما عاهدتُ الله عليه منذُ أن سلكتُ هذا الطريق ألا أقول كلمةَ الباطل، دونها الموت. أن أسكت عن كلمة الحق؟ ربما، أن أمررها -لظرفٍ ما- بطريقة الاختفاء لتصل؟ ربما، أما أن أقول باطلًا؛ فأعوذ بالله من ذلك. والله إني أُجيز لنفسي –أنا أبو قتادة- أن أبيع المخدرات ولا أقول كلمة الباطل؛ لأنني أعلم أن الذي يشتري المخدرات يعلمُ أنَّها معصية، أما أن أخبرَ الناس الباطل، وأعلم أنه سيأخذها على أنها الحق، هو يدخل الجنة وأنا أدخل النار! فهذه أنا مرتاح منها.

ولذلك أدعو الأمة أن يركبوا هذه المركبة، أن يلتصقوا بها، ومن أقامه الله فيها مجاهدًا داعيًا عابدًا عالِمًا واعظًا، ككلب أهلِ الكهف؛ فلْيلتصق في مكانه، ولْيشدَّ على قلبه وعلى نفسه حتى يأتيه الموت وهو على ذلك، وأما الدين فسيصل إلى مستقره، بنا أو بغيرنا.

والله تعالى أعلم، وجزاكم الله خيرا.

السائل: جزاكم الله خيرا.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

http://s04.justpaste.it/files/justpaste/d241/a9678478/0o4arp22.gif