::بسم الله الرحمن الرحيم::
مؤسسة البتار الإعلامية
سرية الأترجة
:: تقدم ::
﷽
[سلاحُ الخلافةِ الإسلاميةِ الاستراتيجيُّ]
للأخت الفاضلة
أحلام النصر
(1)
جاءتني إحدى النساء مرة ومعها صبي صغير، وقالت: "ابني هذا مصرّ أن تسمعي تلاوته للقرآن الكريم، فهل هذا ممكن؟ عمره فقط خمس سنوات"، قلت: "بكل سرور"، وبدأ الصغير بالتلاوة، كان صوته عذبًا وأخطاؤه في التجويد قليلة جدًّا، نظراته لا تفارق الأرض، ووجهه ينضح بحمرة الحياء، حتى إذا انتهى قلت لوالدته: "ما شاء الله بارك الله فيه، أسأل الله أن يجعله من المجاهدين الاستشهاديين"، قالت أمه: "أوه! لا أحب من هذا على قلبه؛ إنه مدمن على رؤية إصدارات الدولة الإسلامية، ويكاد يقفز حماسًا كلما رأى إعدامًا للكفار!".
****
(2)
كلما زرت أسرتي؛ وجدت لدى أختي الصغيرة (3 سنوات) أفكارًا جديدة لجهاد الكفار المحاربين، وتقول كلما سمعت صوت طائرة: "لن أخاف؛ لأن الله معنا نحن!"، كما أجد أشقائي الصغار غاضبين معظم الوقت؛ لأن سنهم الصغير لا يؤهلهم بعد لدخول المعسكرات كما دخلها أشقائي الكبار! وأحدهم – ويحمل اسم بطل كبير معاصر - كان معي، وكنا نسمع شريطًا فيه بعض القصص من كتاب "مشارع الأشواق إلى مصارع العشّاق"، وبعد أن انتهى الشريط من قصة "أم إبراهيم" التي أرسلت بابنها اليافع للجهاد، وطمعت بأن يتزوج من الحور العين، ثم قطعت ضفيرتها لتكون سرجًا لخيل المجاهدين، حتى بُشِّرت باستشهاد ابنها في سبيل الله - بإذن الله -، وكنت شاردة مع القصة الرائعة؛ إذا بصوت بكاء مر يوقظني من شرودي؛ كان أخي الصغير، سألته مستغربة: "لماذا تبكي؟ هل أنت بخير؟"، فقال: "أنا بخير، لكنني متأثر من القصة!".
****
(3)
إحدى الصغيرات من أسرة صديقة؛ تصرّ بأنها تريد أن تلبس الجعبة العسكرية، وتتقلد بندقية للذهاب إلى عين الشهداء، وتتحسر على حالها لأنها لا تملك من المستلزمات بعد إلا قناعًا أهداه أحد المجاهدين لها!
وصغيرة أخرى من أسرة ثانية؛ لا تخاف ولا يطرف لها جفن عند قدوم الطائرات، بل وتعاتب أمها إن رأتها خائفة!
****
(4)
الأطفال هنا في الخلافة صاروا يهزجون بتحرير روما وفتح البيت الأسود، ويكنّون أنفسهم بأسماء الصحابة، وتجدهم يحملون العصي على أنها رشاشات ويتدربون، ويتنافسون في تقليد حركات المجاهدين في الإصدارات، بل وبعضهم صار ذا خبرة في هذا؛ فيقول: "لا، هذا السلاح استخدموه في معركة كذا وليس في تحرير مدينة كذا".
****
(5)
لطالما صاح الأطفال حين يعلّق المجاهدون رأس كافر أو مرتد في الساحات: "نريد كافرًا طيبًا (حيًّا)؛ لنقتله نحن!".
أما حرق المرتد "معاذ الكساسبة"؛ فتلك قصة أخرى! صار الأطفال بعدها يطالبون بأن يحرقوا هم أيضًا الطيارين الكفرة والمرتدين، وكلما رأوا بيتًا مقصوفًا أو أبًا يبكي أطفاله الذين قضوا تحت قصف الكفار والمرتدين المجرمين؛ قالوا مواسين له: "لا عليك؛ غدًا تحرق الخلافة الإسلامية مَن فعل هذا بإذن الله!".
****
سلاحُ الخلافةِ الإسلاميةِ الاستراتيجيُّ
لطالما دأب الأعداء على إفساد أجيالنا وتلويث عقيدتها ومسخ فكرها؛ حتى لا تشكّل خطرًا عليه؛ إذ إنها إن عادت إلى الإسلام كما يجب: كان في ذلك فناؤه ونهايته غير مأسوف عليه!
الأطفال.. الجيل المسلم الناشئ في ظل الخلافة الإسلامية؛ هو رعبُ الكفرِ الحقيقيُّ! هو سلاح الخلافة الإسلامية الاستراتيجي؛ فكل الأمور يمكن تعويضها والاستبدال بها، لكن لا شيء أقوى ولا أهم ولا أبقى أثرًا من هذا الجيل، الذي شهد عودة الخلافة الإسلامية مبكرًا، وهو ذا يترعرع تحت سلطانها ويتلقى منهجها وتعليمها الإسلامي الحقيقي، ويرى بأم عينيه إنجازاتها على كل الأصعدة، ويعاين بنفسه إثخانها في الأعداء الذين لا يخفى عليه كفرهم وإجرامهم!
هذا الجيل يجب أن يكون كثير العدد، نقي العقيدة، قويًّا أبيًّا، وهذا أقل شيء يمكن أن نقدمه له؛ كي يكرمه الله تعالى بتحرير روما وأخواتها فعلاً، وبنشر الإسلام في ربوع الأرض، وإكمال أداء الواجب بعدنا.
ودائمًا كنت أقول لكل مَن ألقاه مِن أبناء جيل الخلافة هذا: "مسؤوليتكم أكبر من مسؤوليتنا، وواجبكم أعظم؛ لقد كان الطاغوت يحكمنا حين كنت في مثل سنكم، أما أنتم؛ فالخليفة حفيد النبي ﷺ يحكمكم، وكل شيء متوفر لكم؛ العقيدة الصحيحة، وسائر العلوم الشرعية الأخرى، والمجتمع الإسلامي الحقيقي، والبيئة المساعدة بإذن الله على الصلاح والاستقامة والإرهاب، والكبار الذين يفخرون بكم إن تكلمتم عن الجهاد والسلاح، والذين لن يأمروكم بالسكوت خوفًا من الطاغوت كما حصل معنا، يجب أن تنظروا لأنفسكم على أنكم الفاتحون القادمون، وتتعاملوا مع ذواتكم على هذا الأساس، كثير من الأعمال ينتظركم، كثير من الناس في العالم يتوقون إلى اليوم الذي ترفعون فيه عن كاهلهم الظلم والمأساة وسائر ما عانوه بسبب تسلط الكفر الأثيم، حذار أن تغفلوا عن هذا يومًا أو تسمحوا لأحد أن يصرفكم عنه كائنًا مَن كان ومهما كانت الأسباب، وإلا كان وزركم أعظم، وخسارتكم أكبر، والعياذ بالله؛ لأن كل شيء مهيأ لكم، ولم يبقَ إلا أن تقوموا بواجبكم مسددين بتوفيق الله عز وجل".
إذًا ماذا نصنع لكي يكون هذا الجيل كثير العدد بإذن الله تعالى؟!
أرى أن الأمر يحتاج إلى محاور ثلاثة؛ هي: 1- الزواج المبكر، 2- كثرة النسل، 3- التعدد والتسرّي.
****
1- الزواج المبكر:
هو أمر حث عليه الإسلام، وكان واقعًا موجودًا في زمن العزة الغابر، بحيث لا تكاد تسمع برجل أو امرأة دون زواج، حتى في حالات الطلاق أو الوفاة؛ فالكل دائمًا أو غالبًا متزوج، بينما هذا الأمر: رفضته المجتمعات التي لوّث الطواغيت أفكارها بتفاهات المسلسلات الخبيثة والإعلام المدمر، وتكثر القصص السخيفة عن الحرية والانطلاق والشخصية وسائر ما يلغيه الزواج من أمور (زعموا)! فمثلاً تجد الفتاة تريد أن تحقق ذاتها، وتظن أن هذا غير ممكن في ظل الزواج!! ولا أفهم أي تحقيق ذات أكبر من أن تنتج للأمة بشرًا صالحين علماء عاملين، لكنها تجد تحقيق ذاتها في توقيع أوراق على المكتب، أو في عمل البائعة في المتاجر!!! وفي المقابل: تجدهم لا يرون بأسًا في الصداقات بين الجنسين! ويصوّرون الحياة الزوجية على أنها مأساة وكارثة إنسانية، أما تلك الصداقات (المعلوم تحريمها) فهي جنة من الأحلام والعواطف والاحترام المتبادل!!! قاتلهم الله ما أشد فسادهم!
أما في الخلافة الإسلامية؛ فالخليفة ثبته الله يشجع على الزواج ويساعد الشباب عليه أيضًا فعلَ الحاكم الحريص على رعيته ودينه – ولا أزكيه على الله[1] -، وبما أن مجتمع الخلافة مجتمع إسلامي حقيقي صالح؛ فإن التربية فيه أمر سهل جدًّا؛ لأن ابنك مثلاً: لن يرى متبرجة تعرض نفسها في الشارع كما تُعرَض البضاعة الرخيصة، ولن يتمكن من دخول أمكنة الوباء والخمر؛ لأن هذه الأمكنة ببساطة غير موجودة، كما أنه لن يجد مدخنًا يدخن ويأمر غيره بهذه الآفة؛ فهذا المدخن غير موجود، وإن وُجِد: فهو لا يجرؤ على المجاهرة، وإن جَرُؤ: وجد مَن يربيه ويعزّره! ولا قيمة لإحساسه المرهف ودموعه الثمينة؛ إذ مصلحة المجتمع ومصلحته هو أيضًا: مقدّمتان على بكائه وشعوره بالتعرض للقسوة!
إذًا: فما دام المجتمع صالحًا ويساعد على التربية الإسلامية؛ فإعداد الذكور والإناث للزواج المبكر أمر ميسور للغاية؛ لأن المسألة مسألة تربية وإعداد، وقيامهم هم أيضًا بتربية الأولاد من ثم: أمر سهل كذلك.
ثمة فتى يافع في الخلافة، يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة فقط، هذا اليافع متزوج! ويتصرف كالرجال تمامًا! كم هو رائع أن يعود هذا الأمر؛ فكذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم، بل والصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: لم يكن بينه وبين أبيه إلا إحدى عشرة سنة أو نحوها[2]! أي أنجبه أبوه قبل أن يبلغ هذه السن!
وانظروا إلى المجتمعات الأوربية والأمريكية، وكيف أصبحت مجتمعات عجوزًا بسبب ارتفاع سن الزواج – إن وُجِد أصلاً -، وبسبب انغماسهم في العلاقات المحرمة! بينما نريد لمجتمع الخلافة أن يكون مَصونًا يتحمل أفراده فيه المسؤولية مبكرًا، بدل أن يضيعوا أعمارهم فيما لا طائل منه! وكل الطموحات والأعمال الأخرى يمكن أداؤها مع الزواج، بل إن الزواج المبكر يعزز الشعور بالمسؤولية والإقبال على العمل والإنتاج في كافة الأصعدة؛ فليس الزواج بمقبرة للطموحات إلا في خيال المجتمعات الملوثة فكريًّا.
****
2- كثرة النسل:
أستغرب جدًّا ممن إن أرادوا الزواج لم يريدوا الإنجاب! معللين ذلك بتقييد الحرية، والحرص على الصحة، والبعد عن المسؤولية!!! وغيرها من الأسباب المضحكة، بينما لا أجمل من الحصول على أطفال رائعين، يملؤون حياتك ويشبعون عواطفك، ويكونون سندًا لك وعزًّا، ويغمرون ميزانك بالحسنات – بفضل الله – إذ تنشئهم على الإسلام والجهاد، بدل أن يمر العمر بك وقد عشت وحيدًا دون أن تقدم لدينك إنسانًا يخدمه في شتى المجالات! وهذا على صعيدك الشخصي، ناهيك عن صعيد الأمة الإسلامية، وما في الإنجاب عليها من فوائد جمة.
الإسلام حث كثيرًا على كثرة الإنجاب، وقد قال النبي ﷺ: "تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم"، كما أن كثرة الإنجاب تجعل تربية الأولاد أسهل خلافًا لما يتصوره البعض؛ فوجود أطفال كثر يتنافسون فيما بينهم منافسة شريفة على التخلّق بحميد الصفات، وعلى التسابق في حفظ القرآن الكريم، وعلى بر الوالدين، ويحمل الكبار منهم مسؤولية الصغار ويساعدون ذويهم فيهم مما يكسبهم الخبرة: كل هذا وغيره أفضل وأسهل من وجود طفل واحد مدلل لا يُرفَض له طلب، ولا يحرمه أبواه حتى مما يضره؛ إذ لا يملكان غيره، ولا يقويان على خصامه ولو فترة قصيرة ولو من أجل مصلحته! بينما في وجود أطفال كثر: لو أخطأ أحدهم؛ فسيتولى الآخرون نصحه وتوجيهه، ويكونون وسطاء الصلح مع والديه.
وطبعًا أنا لا أتحدث عمن حرمهم الله (لحكمة يعلمها سبحانه) من نعمة الإنجاب، أو قدّر عليهم أن يكون لديهم القليل من الأولاد لسبب ما، إنما أعترض على الفكر الرافض لكثرة الإنجاب؛ فالأمور كلها بيد الله تعالى، ولكننا كبشر نملك التفكير، هذا الفكر – الرافض لكثرة الإنجاب - والذي أصر الطواغيت على غرسه في عقولنا؛ لأنهم يدركون أي خطر عظيم عليهم أن يكون لدينا جيل راسخ العقيدة كبير العدد! ولا أنسى حين كنت طالبة؛ كيف كان منهج إحدى المواد يناقش موضوع الأسرة والأولاد، وسألتنا المعلمة: "ما هي الأسباب المهمة لقيام المجتمعات ونجاحها برأيكن؟"، رفعت يدي وقلت من جملة ما قلت: "مخالفة شعار: (أسرة أصغر لحياة أسهل!)"، فامتقع وجهها؛ إذ كانت شوارع الشام تمتلئ بلافتات كُتِب فيها ذلك الشعار الغبي الأحمق!
وكما أن الزواج نفسه لا يقوّض الطموحات ولا يعرقل الأعمال؛ فكذلك الأمر بالنسبة لكثرة الإنجاب، المسألة تحتاج فقط إلى تنسيق الأوقات وتنظيم الأعمال وترتيب الأولويات، بعيدًا عن الكسل والجو الرتيب، وأعداؤنا المجرمون؛ كما حرصوا على محاربة الزواج – لا سيما المبكر – والإنجاب عبر الإعلام الخبيث والغزو الفكري؛ فكذلك قاموا بهذه المحاربة عبر المباشرة الفعلية؛ من القتل للمسلمين، ومحاولة تعقيمهم عن الإنجاب؛ فنجد أنهم في ليبيا مثلاً، وفي عهد الهالك القذافي – أسكنه الله في جهنم -؛ قام هؤلاء المجرمون بتلقيح الكثير من الأطفال بفيروس الإيدز!! وفي المغرب أقاموا مركزًا للتنمية (زعموا)، مجهزًا بأحدث الوسائل، أنيقًا تزين مداخله الورود، وتجد فيه العناية والرعاية والمعاملة الحسنة، كل هذا لماذا؟ لأنه يهدف إلى تعقيم نساء المسلمين عن الإنجاب نهائيًّا، تحت ستار "تنظيم!!" النسل، بينما حقيقة هؤلاء الكذبة أنهم يقومون بتعقيم كامل قاتلهم الله! وطبعًا لا نكير! إذ إن هؤلاء المجرمين ليسوا مسلمين ليتم الاعتراض عليهم وتجريمهم كالمجاهدين!
أفليس على المسلمين أن يستيقظوا أخيرًا ويقفوا في وجه هذه المكايد – وليس المكائد[3] - الشريرة؟! الله الله في تكثير أمة الإسلام!
****
3- التعدد والتسرّي:
لا بد من الإقرار قبل كل شيء بأن كلا الأمرين من الشريعة الإسلامية، شاء من شاء وكابر من كابر، ولكل أمر منهما أحكامه في مظانها من كتب الفقه الإسلامي، اللهم اجعلنا مذعنين لشرعك الحنيف، ولا تجعلنا عبيد هوى محاربين لأي حكم شرعي.
والإعلام الخبيث الغبي؛ لطالما شنّ الحرب الشعواء على التعدد، بل وصلت به الوقاحة إلى درجة لَيّ أذهان النساء حول هذا الأمر، وتصوير أنه لا يحدث إلا لنقص أو عيب في الزوجة الأولى!! مما يجعلها تحارب بكل وسيلة كي لا يقع التعدد عليها؛ من أجل أن تبرهن لنفسها الهزيلة وتثبت لشخصيتها الضعيفة أنه لا عيب فيها!! وفي الحقيقة: لو كانت شخصيتها قوية فعلاً: لَما سمحت للإعلام الهابط أن يشكّل لها تفكيرها ويملي عليها تصوراته وسمومه! بل أي تفكير أحمق مِن أن تظن امرأة بأن الرجل هو الذي يحدد هويتها ويقوّم مميزاتها؟! أهذه هي الاستقلالية التي يزعمونها؟! أم أنها تجعل من المرأة وشخصيتها رهنًا لتفكير الرجل ونظرته؟! ينبغي أن تكون النساء أقوى وأوعى من ذلك! لا سيما وأنه ليس في شرع الله عز وجل ما يسيء للمرأة أو يهينها، وهو الذي لم يعزها ويكرمها سواه!
والأشد صفاقة من هذا: أن يعمد هذا الإعلام الماجن إلى تزويق العلاقات المحرمة على حساب التعدد! ولطالما نعق العَلكانيون (العَلمانيون) بأنه لا بأس مِن أن (يصاحب) الرجل على امرأته! أما أن يتزوج عليها: فلا!!! بل ويبررون هذا بالحرص على المرأة وشعورها! وحقيقة الأمر أنهم لم يقيموا أي وزن لا للمرأة المتزوجة ولا حتى للساقطة! فالساقطة ستبذل كل ما تبذله دون أي حق مكفول لها، ثم تُرمى كأي شيء مستهلَك رخيص! والمتزوجة سيفضل زوجها ساقطة عليها، ثم يعود إليها محملاً بالخزي والعار والأمراض، وقبل هذا وذاك: بسخط الله عز وجل!! فأين هو احترام المرأة هذا عندهم؟! بل هذا مجرد تقديس منهم لنزوات الرجل وشهواته على حساب النساء وكرامتهن!!
لا سيما وأن الحرام: تتحكم فيه النزوات حصرًا ولا شيء آخر أبدًا؛ فلا أحد يقصد الساقطة إلا لشهوته، أما التعدد؛ فله من الحِكَم الكثيرة ما لا يخفى - وقد يقع ولو كانت الزوجة الأولى من أحسن ما يكون في كل شيء، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أكبر مثال على هذا -؛ كرعاية الأرامل والأيتام، وهدف تكثير أمة الإسلام، وغير ذلك، فحقيقة: مَن تفضّل أن يقع زوجها في الحرام على أن يعدد ويتزوج عليها: امرأة لا تحترم أنوثتها! بل وتقر بشكل أو بآخر بأنها مقصرة في حقوق زوجها، وأنها هي حقيقة – لا مَن يتزوج زوجها عليها - التي لا تملأ عينه!
والرجل شاء أم أبى مطالَب بأداء الحق إلى نسائه جميعًا، وإلا فالحكم الإسلامي له بالمرصاد، وعليه لينال الراحة في بيته: أن يكد ويتعب، وينفق ويعطي، بينما المرأة غير مطالَبة بأي تعب في المقابل! والحمقاء فقط مَن تظن بأن ثمة أحكامًا في الشريعة تنتقص منها ومن قدرها كامرأة، وعلى مَن تظن ذلك: ألا تغطي ضعف شخصيتها واهتزاز ثقتها بنفسها: بستار محاربة الأحكام الشرعية، هذه المحاربة التي لا يجوز أن تقع من أحد في حق أي حكم شرعي! وإلا طعن إسلامه بنفسه، وحارب ربه، والعياذ بالله تعالى من ذلك.
ثم إن التعدد موجود حتى في الجنة التي ليس فيها إلا السعادة والهناء، بل وليس أربع نساء فقط، إنما قد يتجاوز العدد سبعين ألفًا، فهل يعني ستسعى بعض النساء إلى دخول النار هربًا من ذلك مثلاً؟!! بل يجب أن يكون لدى النساء وعي ورقي في مستوى التفكير؛ فلا ينظرن إلى التعدد على أنه وصمة عار بحقهن، ولا على أنه بعبع مخيف!
وتتأكد الحاجة إلى هذين الحكمين – التعدد والتسرّي - في عصر عادت فيه الخلافة، وكثرت فيه الحروب، وفي تاريخنا الإسلامي: أكثر الخلفاء والأمراء والقادة والجنود من الزوجات والسبايا لتكثير النسل، ونحن في عصرنا أحوج منهم لهذه الكثرة؛ إذ يُقتل يوميًّا من المجاهدين العشرات، عدا عمن يُقتل من المسلمين كل يوم في شتى أنحاء المعمورة، ولا بد أن نفكر جميعًا في تعويض هذه الأعداد الهائلة، وفي المسح على جراح الأرامل والكبيرات والمطلقات؛ فهذا كله جزء من مسؤوليتنا كمسلمين، ولو أن كل امرأة قالت: "صحيح ولكنني سأنأى بنفسي" فالأمر لن يتم! إذ معظم النساء يردن أن يكنّ بمعزل عن هذه الأحكام، وكأنها سم خطير وشر مستطير!
تصوروا لو أن لكل أخ أربع زوجات عدا عن السبايا، فإنه من الممكن جدًّا – بإذن الله ومشيئته – أن يكون لديه في العام الواحد أربعة أطفال!
فكّرن يا أخواتي بالأمر جيدًا؛ فأنتن لستن خيرًا من أمهات المؤمنين ولا من الصحابيات، وإذا لم يكن الرجال في عصرنا صحابة: فنحن النساء أيضًا لسنا صحابيات! وإن كان مِن الرجال الظالم المستغل ومِن النساء مَن لا تستحق الكرم والنبل: فالدنيا لم تخلُ في المقابل من الصالحين والصالحات، وخسئ كل ظالم وظالمة أن يجعل نظرتنا للأحكام الشرعية تتبدل بسبب شر أفعاله؛ إذ سوء التطبيق الحاصل من البعض: لا يعني وجود الخطأ في أصل الحكم الشرعي، حاشا لله، ولتتأمل كل واحدة منكن في حال المطلقات والأرامل، خاصة أرامل الشهداء، أذنبها أن زوجها قضى شهيدًا بإذن الله من أجل حماية المسلمين ومنهم أنت وزوجك وأولادك؟! لو أنك مكانها فهل سترضين بأن تعيشي وحيدة تسفحين دموع الذكريات، وأن يمضي أطفالك حياتهم دون رجل يقوم على شؤونهم ويرعاهم؟! فمهما تمت كفالة اليتيم؛ إلا أن الأثر لن يكون هو نفسه فيما إذا كان يعيش مع رجل هو كأبيه؛ يرعاه ويربيه على عينه وتحت إشرافه المباشر، وهذه الأرملة المكسورة الخاطر؛ ستكون سعيدة إن فكرتِ بها، وستكون أختًا لن تنسى لك ما فعلته لها، وستنجب أطفالاً للإسلام والخلافة بإذن الله تعالى، وهؤلاء الأطفال سيكبرون، وكلما حفظوا آية، أو درسوا حديثًا، أو فقهوا مسألة، أو دخلوا معسكرًا، أو قتلوا كافرًا، أو فتحوا مدينة، أو تسببوا بعد فضل الله تعالى في هداية ضال وإسلام كافر: كان لك في كل شيء نصيب من الأجر والثواب بإذن الله، فهل تضيعين كل هذا الثواب من أجل لحظات عابرة من الغيرة؟ أم تظنين أنك حينما تفكرين بهذا الشكل بأن الله عز وجل سيخذلك ويتعسك ولن يسعدك ويثيبك؟! حاشا لله.
غاري يا أختي؛ فأنت امرأة، وقد غارت مَن هن خير منا جميعًا؛ أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن؛ إذ ضربت إحداهن وأمام جمع من الناس صفحة الطعام التي أرسلت بها أم أخرى من أمهات المؤمنين، وكان النبي ﷺ في غاية الحلم والتفهم والحكمة (لينتبه الرجال إلى هذا)؛ فلم يوبخها على تصرفها، ولم يقل لها مثلاً: "أهدرتِ النعمة"، ولم يلمها بشيء، بل قال بكل تفهّم: "غارت أمكم"[4]، ولأن أم المؤمنين رضي الله عنها امرأة: غارت وضربت الصفحة، لكن ولأنها مسلمة مؤمنة تقية: بادرت بالسؤال عن كفارة ما صنعتْ.
إذًا فالغيرة موجودة، لكن الإيمان يجب أن يكون موجودًا هو أيضًا، وأن يتم تحويل الغيرة إلى طاقة إيجابية ومنافسة شريفة، ولتعلم كل امرأة أن السعادة الزوجية ليست منوطة بالتعدد من عدمه؛ فكم من امرأة تعيسة وليس لزوجها سواها، وكم من امرأة سعيدة ولديها ضرائر، بل وتراها ترفض تسميتهن بالضرائر، وتستبدل بذلك لفظَ: "أخواتي"، إذًا فالأمر متعلق بتقوى الله ومدى وجودها في النفوس، ولا شيء آخر.
شجعي زوجك أن يقتدي بالنبي ﷺ، الذي ورغم أنه أشرف الخلق وأميز الرجال؛ إلا أنه تزوج الكثيرات من المطلقات والأرامل، ولم يستنكف عن تربية أولاد غيره، وكان يحث الصحابة العزّاب على الزواج من الأبكار، ولم يكن له إلا بكر صغيرة واحدة، مع أنه كان يستطيع خطبة مَن شاء فتوافق وتغبط نفسها أيضًا، وهذا مما يؤكد أن للتعدد نعمًا وحكمًا متعددة، والله عز وجل يثيب مَن نوى خيرًا وعمل خيرًا، وثقي بأن الله تعالى لن يضيّع مَن تفكر بمصلحة الإسلام وبسعادة أخواتها وبتكثير عدد جنود الخلافة، وأن الرجل إن سعى وراء حظ نفسه مستغلاً لك ولنواياك هذه: فلن يكون سعيدًا، وهو إن ظلم أو قصّر: ففي الخلافة الإسلامية محاكم تحكم بما أنزل الله تعالى، فالمكسب معك أنت في كل حال بإذن الله، والرجل يتحمل النفقة والغرم وعظم المسؤولية في مقابل بعض الغنم.
أما بالنسبة للسبايا؛ فقد أجادت الأخت الفاضلة "أم سمية المهاجرة" في الحديث عن موضوعهن في مقالها الماتع "أسبايا أم بغايا؟"[5]، وليخسأ كل مَن يتشدق بالإنسانية والمهلبية ولا أدري ماذا؛ فنحن نتبع الإسلام وليس الإنسانية، هذا أولاً وليصافحوا الجدران برؤوسهم، كما أننا لا ننسى أبدًا ما صنع الكفر بفتياتنا المسلمات في السجون الأثيمة الظالمة المظلمة! بينما نحن المسلمون نسبي الكافرات عزًّا للإسلام، بعد أن قتلنا الكفار ثأرًا لفتاة مسلمة واحدة[6]؛ إذ مكانة المرأة في الإسلام عالية رفيعة، ولعزها نجندل الحراب ونقص الرقاب، وهؤلاء السبايا: ينعمن بالمأكل والمشرب والملبس، وحسن العشرة والمعاملة وتوفير الأمان، بل ولا يجوز شرعًا الإساءة إليهن ولا تكليفهن ما لا يطقن، فأين سبينا الشرعي هذا مِن سبي الكفار؟! وبعد هذا يتشدقون بصفاقتهم المعهودة بحقوق الإنسان! اذهبوا يا هؤلاء الكفار ولمّوا بناتكم من الخمارات والشوارع قبل أن نشرفهن بالسبي!
****
إذًا فتلك كانت محاور رأيتُ أنها تصب في صالح السلاح الاستراتيجي للخلافة الإسلامية، والذي إن تعهدناه فسيكون التهديد الدائم للكفر؛ يخلع رقبته، ويبدد أمانيه، ويقف له بالمرصاد دائمًا وأبدًا بإذن الله تعالى؛ فلا ينبغي لركب الخلافة أن يتوقف، ولا لنبع الجيل المسلم المجاهد أن ينضب، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وكتبته من ربوع الخلافة الإسلامية:
أحلام النصر
(أم أسامة الدمشقية)