JustPaste.it

تساقط عمائم التويجري
عبد الله عبد العزيز المنصور
الجمعة 10/ربيع الآخر/ 1436

كل مفسد يريد إفساد عقائد الناس، وحرفهم عن صراط الله المستقيم فهو محتاج ولا بد إلى عمائم شرعية تسوغ له إفساده، وتقنع الناس به، وقد فعل ذلك الإنجليز لما استعمروا الهند ثم مصر، وفعله الفرنسيون في استعمارهم لدول المغرب العربي، وفي حملتهم على مصر، وفعله الطليان في استعمارهم لليبيا، وفعله الهولنديون في استعمارهم لشرق آسيا، وفعله غيرهم من المستعمرين.
كما فعله العلمانيون العرب في أرجاء العالم الإسلامي، فتغيير القضاء من التحاكم لشريعة الله تعالى إلى سن القوانين الوضعية إنما كان بدعايات عمائم السوء التي زينت للحكام فعل ذلك في أرجاء العالم الإسلامي، وقد كان يحكم قبل الاستعمار بشريعة الله تعالى، وكذلك إفساد التعليم والأسرة والمرأة، والقضاء على الدعوة. كله ما كان ليتحقق إلا عبر المرور على عمائم ظاهرها المشيخة وباطنها الإذعان والطاعة المطلقة لما يريد السيد المستعمر أو السيد العلماني الذي وظفها.
والبارحة أعلن عن تغيير وزاري كبير، طال جملة من المسخوط عليهم شعبيا، ومنهم الثلاثي الذي بلغ كرههم عند الناس مداه: العيسى وزير العدل، وآل الشيخ رئيس الهيئات، وأبا الخيل وزير الشئون الإسلامية. ومقالتي ستكون فيهم لا في غيرهم من الوزراء الذي غيروا؛ لأن التويجري استخدم لحاهم في تغيير شريعة الله سبحانه، وتبديل أحكامه، والقضاء على تدين الناس.
وأولهم: الدكتور محمد العيسى الذي عين وزيرا للعدل، فجند كل إمكاناته لنقل القضاء من محله الشرعي إلى القانون الوضعي، تحت مسمى إصلاح القضاء. وليته كان إصلاحا حقيقيا بتكثير عدد القضاة، وفتح محاكم جديدة، وإنجاز المعاملات، وكف أيدي القضاة المتلاعبين وغير المؤهلين، فلو كان كذلك لكان إصلاحا حقيقا، ولكنه كان على العكس من ذلك، حتى تذمر عدد من القضاة المميزين، وكتبوا عرائض للملك ولولي العهد وللأمراء والمشايخ يطالبونهم بإدراك القضاء قبل أن يدمره العيسى.
وأقال العيسى كل من وقف في وجهه، أو عاقبه بالنقل ليشغله في نفسه عن الإنكار عليه، وكان انتقاميا من الدرجة الأولى، وحادا في قراراته، وكأنه مدير مدرسة ابتدائه والقضاة أمامه طلاب صغار.
ولما كان مجلس القضاء الأعلى عقبة كأداء في تمرير كثير من القرارات؛ للتشابك الكبير بين وزارة العدل والمجلس في الصلاحيات، وكون أكثر ما يخص القضاء والقضاة هو من صلاحيات المجلس، فإن التويجري بعد تجربته للمطيع العيسى ضم إليه المجلس مع العدل، ليسرح ويمرح فيهما كيف يشاء، ويهيمن على القضاء بأجمعه، ويقصي كل من يعارضه.
ولشرعنة هذه الخطوة عند الناس كتب عيسى الغيث -وهو بوق محمد العيسى- مقالة يسوغ فيها القرار الجاني على القضاء والقضاة، واستحضر تجارب سابقة جُمع فيها المجلس مع الوزارة لشخص واحد.
وأعظم جناية قام بها محمد العيسى هي أنه أول عمامة شرعية في السعودية أباحت الاختلاط، حين تلاعب بقضيته بادعاء أن الاختلاط مصطلح مبتدع لا يعرف في الفقه، وكان ذلك إبان تشييد التويجري جامعة الملك عبد الله في ثول، وبنائها منهجيا وسلوكيا على الأنموذج الغربي، لتكون بوابة الاختلاط في بقية الجامعات وقطاعات التعليم والعمل في المملكة.
وثارت حفيظة المشايخ لهذه الجرأة القولية والفعلية، فأنكر الشيخ سعد الشثري هذا الفعل إنكارا رقيقا في برنامج إفتاء على المجد، ومدح الملك عبد الله في مقدمة فتواه وفي وسطها وفي آخرها، ولم يشفع ذلك له عند التويجري لأنه عارض أجندته في التغريب والاختلاط، فأوعز للصحفيين المأجورين بالهجوم الكاسح على الشثري، ذلك الهجوم الذي افتتحه البوق جمال خاشقجي ويبوء بإثمه، وسُطرت عشرات المقالات لتأليب الرأي العام ضد الشثري، وتهيئة الأجواء لطرده من هيئة كبار العلماء، وأمضى التويجري قرار الطرد باسم الملك.
وحصل وقتها عملية استقطاب واسعة في المجتمع، فمن المشايخ من سار في ركاب قرار الاختلاط، وشرعنه بطريقة أو أخرى ليرضي التويجري ويحافظ على منصبه، ومنهم من كف عن الكلام في القضية اتقاء لإثم الشرعنه، وخوفا من نتائج الإنكار. ومنهم من صدع بالحق -وأكثر من صدع بإنكار الاختلاط هم ممن لا يقدر عليهم التويجري والعيسى وعصابتهما لأنهم ليسوا أهل مناصب- فسلط العيسى على هؤلاء المستقلين القلم الأحمق المأجور عيسى الغيث الذي كتب ملحمة متناقضة يدافع فيها عن تشريع العيسى للاختلاط، ويحرض الدولة ضد المنكرين، ويدعو إلى سجنهم، لكن تصدت له أقلام محتسبة بينت تهافت مقاله، وتناقضه فيه، فأسكته العيسى لأنه فضحه برده الهزيل على المنكرين رغم أنه وعد في ملحمته الأولى التي كتبها في الدفاع عن العيسى أنه سيتبعها بأخرى، ولم يفعل ذلك.
وما عيسى الغيث الذي تسلط على كبار المشايخ ببجاحته وبذاءته وسوء أخلاقه إلا سيئة من سيئات العيسى، كما أن العيسى سيئة من سيئات التويجري.
وثانيهم: الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ فكان من قبل في إمارة الرياض، وكان الملك سلمان يعرفه جيدا، وقيل إنه طرده من منصبه آنذاك، ولم يخرج له ذكر حتى تفتقت حيلة التويجري بأن يهدم الهيئة من داخلها عبر عبد اللطيف آل الشيخ، وكان ذلك بعد أن استعصى عليه الشيخ الحمين، فتربع عبد اللطيف على كرسي رئاسة الهيئة، وليس عنده مشروع سوى إرضاء التويجري بتقويض الهيئة من داخلها، فموله لهذه المهمة القذرة الدكتور سليمان أبا الخيل ببعض جامية ومرتزقة جامعة الإمام، وسار في حربه على الهيئات على قدم وساق، وصار الضيف المفضل من ذوي اللحى والعمائم للفضائيات والصحف التي تحارب الحسبة والاحتساب، بل تحارب أكثر شعائر الإسلام الظاهرة. وفي كل وسيلة إعلامية يظهر فيها يرضي التويجري والتيار العلماني بتهديد أعضاء الهيئة وإرعابهم واتهامهم بشتى التهم، حتى جعل الهيئات كأنها قلاع للإرهاب وهو البطل الذي سيجتث الإرهاب منها، وذلك لتهيئة الرأي العام لإقالة المخلصين في الهيئة وتبديدهم بالنقل الجائر، وفعل ذلك مع عدد منهم ليعطل باقيهم عن العمل الاحتسابي.
وفي كل قضية من قضايا الهيئة، وقبل أن يعلم عن ملابساتها يصرح مباشرة لوسائل الإعلام بإدانة أعضاء الهيئة وإنزال أشد العقوبات بهم، ليتضح بعد التحقيق أن أعضاء الهيئة كانوا محقين فيما قاموا به، ومع ذلك لا يرد لهم اعتبارهم، ولا يعتذر لهم في الصحف التي خرج يشوه سمعتهم فيها، ويتهمهم بما هم منه برءاء، وتكرر ذلك مرات ومرات، حتى عزف المخلصون عن الهيئة، وصاروا يبحثون عن نقل منها، ومن عجز عن النقل توقف عن العمل خوفا من رئيسها وشراسته، وآخر قضية رأيتها كانت قضية البريطاني التي اتهم فيها أعضاء الهيئة فكان الحق فيها معهم، وكم سجن أعضاء الهيئة بسبب تأليب رئيسهم السلطة عليهم، واتهامهم بتهم هم منها برءاء.
وثالثهم: الدكتور سليمان أبا الخيل فقد دمر جامعة الإمام التي هي أعرق جامعة شرعية في البلاد، وأقواها في العصر الحاضر على مستوى العالم الإسلامي، وخرجت ألوفا من العلماء وطلبة العلم والدعاة، فنصب فيها أبا الخيل محاكم التفتيش، ونشر فيها عيونه من الجامية والمرتزقة، وجعل الأصل في قبول الدراسات العليا أو في وظائفها عدم سلامة الشخص المتقدم للدراسة أو الوظيفة حتى يمتحن في عقيدته على المنهج الجامي.
بل قبل أبا الخيل شهادة الليبرالي -ولو كانت في مقالة مفتراة على طالب علم أو داعية- ولم يقبل تزكية العالم وطالب العلم والداعية للشخص إلا أن تكون التزكية من حزب الجامية؛ فقد عقدوا الولاء والبراء فيه. وحدثني قريب من أبا الخيل أنه يزور رأس الفرقة الجامية في المدينة الدكتور ربيع المدخلي ليثبت بزيارته أنه على عقيدة سليمة؛ ذلك أن محمد المدخلي ذكر في أحد أشرطته أن كل من يزور المدينة ولا يزور ربيع المدخلي ففي عقيدته شيء، فأصبحت زيارة المدخلي تزكية لصاحبها، وصار حزب الجامية دولة داخل الدولة، وإن كان الجامية في كل ما يفعلون يظنون أنهم يخدمون مصالح الدولة ويرسخون الولاء لها، وهم في الواقع يفرقون جماعة المسلمين، ويكرهون الناس في الدولة شعروا بذلك أم لم يشعروا، وهم على الحقيقة يعملون لأنفسهم ومصالحهم لا للدولة إلا الحمقى منهم.
وكم آذت محاكم التفتيش، ودواوين التحقيق التي نصبها أبا الخيل في جامعة الإمام عبر اللجان الفكرية من علماء وطلبة علم ودعاة صادقين ناصحين للحكومة وللشعب. وأضحى التعيين في وظائف الجامعة ليس بكفاءة المتقدم للوظيفة، وإنما بحسب محسوبيته ومنهجه الفكري، ولو كان أجهل من حمار أهله، فحرمت الجامعة من كوادر متألقة جدا، واجتمع فيها المتردية والنطيحة.
وقد حوّل أبا الخيل الجامعة إلى أداة دعاية فجة لشخصه بالمؤتمرات التي تستنزف موارد الجامعة وطاقاتها وأوقات كوادرها لأجل إقامتها؛ ظنا منه أنه يرضي الدولة بذلك، ويثبت ولاءه لها، وينصب نفسه أمام المسئولين رأس حربة في الهجوم على الخوارج والإخوان والسرورين والدواعش والقاعدة... مع أن الصحيح أنه وحزب الجامية هم من أهم أسباب وجود الانقسام في المجتمع الذي يضر الدولة والشعب على حد سواء، بالتصنيفات الجائرة، وبناء الأحكام عليها.
والحقيقة التي تخفى على كثير من الناس أن أصل منهج الجامية هو أصل الخوارج، وهو عدم الاعتراف بعدالة المسلم حتى يتبين لهم حاله، فيعامل بناء على ذلك. وحاله لا بد أن يكون وفق منهجهم وإلا كان منحرفا عن الجادة. والجامية في سائر المناطق وفي الدول العربية بل وفي المراكز الإسلامية في أوربا وأمريكا إذا جاءهم من لا يعرفون من الدعاة ليلقي عليهم محاضرة أو درسا أو أي منشط دعوي لا يسمحون له حتى يرسلوا لمشايخهم في المدينة يسألوهم عنه، فإن زكوه سمحوا له، وإن قدحوا فيه طردوه، وإن توقفوا في أمره ابتلوه واختبروه أو لم يسمحوا له.
وهذا هو منهج جماعة التكفير والهجرة فإنهم كانوا يتوقفون في المسلمين حتى يعرضوا دعوتهم المنحرفة عليهم فإن قبلوها قبلوهم وإلا رفضوهم. وما توقفت كثير من الأنشطة الدعوية داخل المملكة إلا بسبب هذا الأصل الفاسد عندهم، فلعل الوزير القديم الجديد الشيخ صالح آل الشيخ أن يحجم نفوذهم في الوزارة فإنهم قد أضروا بالدعوة كثيرا، خاصة وأنهم يصنفون الشيخ صالحا من الإخوان، ويجاهرون بذلك.
وكان أبا الخيل يتقرب إلى التويجري بأنواع الإنجازات التي ترضيه، حتى فتح الجامعة لعتاة الغربيين المحاربين للإسلام لزيارتها، واستقبلهم فيها، ودنس الجامعة بهم، وأطلق اسم عبد العزيز التويجري على قاعة في الجامعة تزلفا لابنه خالد.
ولما رأى التويجري كفاءة أبا الخيل في حرب الدعوة والدعاة باسم محاربة التطرف والإرهاب نقله لوزارة الشئون الإسلامية لينصب فيها محاكم التفتيش للدعاة والوعاظ والخطباء وأئمة المساجد؛ ذلك أن التويجري كان منزعجا جدا من الدعاة والخطباء بسبب إنكارهم مشروعاته التغريبية، وتحصين الناس ضد الفساد. ولكن الله تعالى أسقط التويجري فسقط بقية أركانه من أهل اللحى الشرعية.
واليوم طالعت تويتر ورأيت فرحة عارمة في أوساط الدعاة وطلبة العلم وعامة الناس بسقوط هذا الثلاثي الذي سخر دينه لخدمة مآرب التويجري ومشروعاته، وقد طردوا شر طرد، وأضحوا شماتة للقاصي والداني.
وإني في ختام مقالي هذا أذكرهم بالله تعالى أن يعودوا إليه، ويتوبوا من الظلم، ويتحللوا ممن أوقعوا عليهم ظلمهم قبل الموت، وليعتبروا بما حل بهم من خزي أفرح الناس عليهم، خاصة أنهم يرون انفضاض المطبلين لهم عنهم، والناس شهداء الله عز وجل في أرضه، ولا يمكن أن يجمعوا على ضلالة، فلعل هذه النكبة التي حلت بهم تذكرة وموعظة من الله سبحانه لهم ليراجعوا دينهم، فيكون ذلك خيرا لهم.
وإني أذكر نفسي وإخواني من الظلم وعواقبه، ومن التعلق بغير الله تعالى، فإن المتعلق بالله تعالى إذا أوذي بسبب ذلك أعانه الله تعالى في ابتلائه، ونصره على أعدائه، فتكون العاقبة له، مع ما يدخر له من عظيم الأجر في الآخرة، وأما المتعلق بغير الله تعالى فإنه إذا سقط أصيب بهم وغم وحزن لا يعلم مداه إلا الله عز وجل.
وأختم مقالي مذكرا الجميع بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أجدر أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم». وقوله صلى الله عليه وسلم: "من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله تعالى عنه وأرضى الناس عنه ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس".