JustPaste.it

كليمة في كتاب: في مجال العقيدة، للأستاذ غازي التوبة.

فضيلة الشيخ ابو قتاده الفلسطيني حفظه الله

رصد تطور العقائد موضوعاً وأسلوباً علم مهم في تاريخنا، به قام كبار الأئمة، وهو نوع من عملية التجديد الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمة، وذلك يؤدي لزوماً إلى عملية الإحياء، ذلك لأن ارتباط التوحيد وعلم أصول الدين بنهضة الأمة، وتحولها من الغياب إلى الفاعلية حقيقة قدرية لا ينكرها منصف، وبها تحدث القرآن الكريم.
عوامل التبديل والتحريف ليست قاصرة على الأمم السابقة ولا على عقائدهم، بل هذه الأمة هي تكوين بشري سنني يصيبها ما يصيب كل أمة، وكما كان يبعث الأنبياء لتصحيح مسيرة الأمم السابقة، فهذا في هذه الأمة من مهمات العلماء والمجددين.

والعقائد لا يعتريها التحريف والتبديل في موضوعها فقط بل يقع هذا في الأسلوب، وفِي طرق الاحتجاج لها، ولذلك نهى علماء السنة الكبار من الفقهاء والمحدثين عن علم الكلام، حتى لو كان هذا العلم سبيلاً في تقرير العقائد أو الرد على المخالفين، ثقة منهم أن هذا الأسلوب يحمل جراثيم الباطل الخفية، والتي ستغزو العقيدة نفسها ، وهذا الذي وقع.

هذا الكتاب يقوم بمهمة الكشف لهذا الموضوع، وهو تغير العقيدة من خلال غزو الأسلوب، وهو مع تواضعه مقارنة بكتب كثيرة لكنه موجه للمثقف العادي، أو للشاب المبتدئ، ليعرفه هذا العالم المتلاطم، وشديد التعقيد ، فيبسط له بسيطاً هينا قضية تاريخية تشغل الصف الإسلامي، بل والفكر الإسلامي كله.
ولذلك يمكن للمبتدئ ، أو لمن لا خبرة له في هذه القضية أن يبدأ بهذا الكتاب، ليعرفه عمق هذه المشكلة.
الأستاذ غازي التوبة رجل مميز في أفكاره، فهو يبنيها بناءً رياضياً محكماً، وإذا حاورته وجدته على هذا المعنى، فلا يقبل جماهيرية الفكرة، ولا يغره الكثرة التي تصرخ، بل يذهب بنفسه ليصنع عالمه الفكري، ولكن مما يلاحظ في كتبه، غير كتابه الفكر الإسلامي المعاصر ، أنها أشبه بالكتب المدرسية، يخالها المرء لا عمق فيها، وذلك لأسلوبها ، مع أنها في داخلها فيها ما هو صناعة خاصة، تدل على قراءة خاصة، والأستاذ قارئ مميز، وناقد مميز كذلك.
الأسلوب الذي يمارسه الأستاذ كلاماً وكتابة لعل مرده لطول سنينه مع التدريس المدرسي، والذي يطيل النفس حديثاً عن القضايا البديهية، مما يجعل الكثيرين ينصرفون عنه، استماعاً ، وقراءة، بل ربما وجدوه غير مقنع في أحيان كثيرة.
الكتاب يعري كتب الكلام العقائدية، ويثبت خروجها عن الجادة، وفِي المقابل يشيد بطريقة المحدثين في هذه التقريرات، وينبه إلى قيام أهل العلم في ملء هذه الساحة بالعلم الضروري، وهو رد على الزاعمين أن علماء الفقه والحديث تَرَكُوا مهمة الدفاع عن العقائد للمتكلمين، ورصد عملية التحريف من خلال كتابين، هما مرجعا للأشعرية وألماتريدية،شرح العقائد النسفية للتفتازاني، وشرح جوهرة التوحيد للبيجوري،ويبين مزالق هذه الكتب، آسلوبا، وتغيرًا، وتبديلاً.

عندما حاول الأستاذ بيان طريقة القرآن في موضوع التوحيد شرح هذا من خلال آيات قرآنية، وهنا تستطيع ان ترى اُسلوب مدرس التلاميذ في ذلك، وكأنه يخاطب طلاب صف مدرسي، يقدمها لهم بأسلوب سهل، يخاف صاحبه الخروج عن هذا السهل، فلا يفهم الطلاب، فتقع الطامة.
هذا الشرح مع هذا الكتاب نفعه قليل، مع أن عبارات الأستاذ في شرح مهمات القرآن في توجيه الخطاب، وفِي اهتمامه بالنواحي البعيدة عن اهتمام علم الكلام، كالبناء النفسي والسلوكي قمة في الوعي والإدراك.
للأستاذ كلمات وتقريرات في الكتاب طيبة، وبعضها لا تسمعها من غيره، فموضوع عدم الاهتمام القرآني في إثبات وجود الرب لعلم الفطر بها مسبوق ومشهور، ولكن كلمته حول الخصومات الكبرى حول الصفات رائعة ومبدعة، وفيها التوفيق.
وأنت تسري مع هذا الكتاب، والكتاب قديم الطبع، ومضى على قراءته سنون طويلة، تشعر أن الكاتب ترك في نفسه بعض الكلام في بعض الرجال، وخاصة الكلام في أبي الحسن الأشعري، وكأن له فيه حكم خاص.

نشر المقال بتصرف - غرفة الفجر الاسلاميه وموقع العلم والمعرفه

www.ilmway.com