JustPaste.it

بسم الله الرحمن الرحيم

التعقيب على بيان "هيئة تحرير الشام" حول تصريحات المتحدث باسم الحكومة التركية

الحمد لله معز أهل الإيمان، والصلاة والسلام على النبي الرحيم صاحب الحكمة والبيان وبعد:
لقد استند البيان التوضيحي لهيئة تحرير الشام على التصريحات التركية التي تتحدث عن التدخل التركي، وأكد البيان على رفض قاطع لنقل الصراع الدولي إلى الداخل السوري ولأي تدخل خارجي يقسّم البلاد إلى مناطق نفوذ لدولٍ شتى. كما رفض البيان تحول سوريا إلى جملة مصالح من طرف واحد على حساب الشعب السوري لينتهي الأمر بتسليمه للنظام المجرم.
.
وعبر البيان عن رفضه الالتزام بما نص عليه اتفاق أستانة لأنها لم تكن جزءا منه ابتداءً، ثم لما تضمنه الاتفاق من شرعيّة لروسيا الشريكة في إجرام نظام الأسد مع إيران المجرمة والمتورطة أيضا بدعم النظام المجرم.
.
وتضمن البيان التزامات لهيئة تحرير الشام:
1. حماية المناطق المحررة كآفّة من أي تدخّل خارجيّ ومن أي قصف وضرب، من خلال تعهدها بعدم ترك الألم الذي تعاني منه المناطق المحاصرة والمناطق الشرقية، في مقابل هدوء مناطق الشمال المحرر الشرقية والغربية.
2. تحرير كامل سوريا.
3. إطلاق سراح كآفّة الأسرى والمعتقلين.
4. فك الحصار عن كآفّة المناطق المحاصرة.
.
واستند بيان هيئة تحرير الشام في توضيحه إلى جملة أمور طرحها على شكل حقائق:
1. أن تصريح الرئاسة التركية تضمن دخول قوات روسية وتركية إلى مناطق إدلب، وأنها تطبيق لاتفاقية أستانة الموقعة بين "إيران ـ روسيا ـ تركيا".
2. أعطت اتفاقية الأستانة الفرصة للنظام التفرّد بالمناطق الواحدة تلو الأخرى من خلال تجميد منطقة إدلب وما اتصل بها، في مقابل العمليات العسكرية والقصف الممنهج والهستيري من قبل الروس والإيرانيين على مناطق درعا وريف حمص الشمالي وغيرها من المناطق المحررة في الجنوب ومناطق شرق سوريا، بالتزامن مع عمليات تهجير، والنتيجة توسّع النظام.
.

وأقول مستعينا بالله:
لا جديد أتى به بيان تحرير الشام حول موقفه من مؤتمر أستانة ونتائجه، فقد عبرت الثورة بكآفّة قواها العسكرية والسياسية والمستقلة عن رفضها لشرعنة الروس والإيرانيين في أي اتفاق ولم يوقّع عليها أي جهة لا من التي حضرت ولا من التي رفضت الحضور، بل كان هناك بيان مشترك من قبل الفصائل "الحاضرة وغير الحاضرة لمؤتمر أستانة 4" يرفض فيها ذلك.
.
كما أن جميع القوى الثورية العسكرية والسياسية رفضت تقسيم سوريا وتجزئتها ونصت على "تحرير كامل التراب السوري" و "إطلاق سراح كآفّة الأسرى المعتقلين" و "فك الحصار عن جميع المناطق المحاصرة في سوريا" كما أوضحت جميع القوى الثورية السياسية منها والعسكرية موقفها الرافض لنتائج هذا الاتفاق المتمثل في إطلاق يد النظام المجرم وإيران وروسيا في قصف مناطق ريف حمص والغوطة ودرعا ودير الزور والرقة، بل واستنكر الجميع الغارات التي أدت إلى مقتل المدنيين والسوريين في مناطق الرقة ودير الزور وغيرها.
.
واضح تماماً أن جوهر البيان يتعلق برفض تصريحات الناطق باسم الرئاسة التركية حول دخول قوات روسية وتركية إلى إدلب، هذه التصريحات كان من المفترض أن تؤخذ كاملة حتى تتبين حقيقة المفاوضات التي تحصل بين الأطراف الموقعة في أستانة، نقلت وكالة الأناضول وهي وكالة تركية رسمية معتمدة عن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن قوله:
"تبحث الوفود، وفق قالن، مسألة القوات التي سيتم نشرها بين مناطق قوات النظام وقوات المعارضة، والجهات التي ستتكون منها تلك القوات، وتعدادها، وآلياتها". اه.

وجاء في تصريحاته أيضا:
"يتم العمل حالياً على آلية تقضي بوجود قوات روسية وتركية في منطقة إدلب (شمال غرب) ... إلخ" اهـ.

فلا يمكن قراءة هذه الجملة الأخيرة بمعزل عن الجملة السابقة، فواضح تماماً أن المفاوضات هي حول نشر قوات بين مناطق "النظام" و "المعارضة"، وبالتالي فالمفهوم والمتوقع من الخبر انتشار القوات التركية من طرف "المعارضة" والقوات الروسية من طرفة "النظام". هذا بما يخص منطقة إدلب، وكذلك في سائر المناطق المذكورة في التصريح.
.
رابط الخبر من وكالة الأناضول التركية:

http://aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%86-%D9%86%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A2%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B7%D9%82-%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6%D8%A9/847388

.

وكما تعلمون فإن موضوع احتمال دخول القوات التركية إلى منطقة إدلب مطروح منذ توقيع اتفاقية أستانة بنسختها الرابعة، وهو مثار جدل واسع في الأوساط الثورية بسبب تعقيد الحسابات، وبسبب استباحة الأرض السورية من قبل جميع القوى الخارجية؛ "فرنسا ـ بريطانيا ـ أمريكا ـ إيران ـ روسيا" وكان وجود القوات التركية ودخولها في منطقة الريف الحلبي الشمالي أخيرا بعد أن أصبحت سوريا مرتعا لقواعد وقوى عسكرية لتلك الدول برعاية قوات سوريا الديمقراطية من جهة والنظام المجرم من جهة أخرى والأردن من جهة رابعة من خلال الحدود الأردنية، فكان دخول القوات التركية قطعا للطريق على اتصال مناطق النفوذ الدولية التي تدعم إنشاء الدولة الكردية بعد انهيار داعش في تلك المناطق من جهة وانهيار قوى الثورة بين مطرقة قوات سوريا الديمقراطية من جهة وسندان داعش، ناهيك عن انسحاب جبهة النصرة سابقا "هيئة تحرير الشام حاليا" من مناطق رباطها في ريف حلب الشمالي لأسباب واهية لا خطام لها من شرع ولا عقل، فكان الدخول التركي قرارا للحفاظ على أمن تركيا "وهي الرئة الأهم والحليف الأفضل لثورة الشعب السوري ولن أقول للفصائل حتى لا ندخل في جدل عقيم".
.
ويأتي الحديث الآن عن الدخول المحتمل التركي إلى إدلب في ظل الآتي:
1. فشل القوى الثورية كآفّة لأسباب ذاتية تتعلق بضعف البنية العسكرية لقوى الثورة بسبب الاقتتال الداخلي "غير المبرر والمفهوم" ولأسباب الصراع الإقليمي والدولي العنيف على سوريا الذي أدى إلى إضعاف تزويد الثورة ودعمها بما يعين قواها على تحقيق هدفها المتمثل في إنهاء النظام وتمكين الشعب من استبداله بنظام عادل يضمن ويحفظ الكرامة والحرية لشعب سوريا الصابر.
2. غياب المنصة الجامعة للقوى السياسية وغياب توحيد قواها العسكرية الرادفة للمفاوض السياسي بالأساس، مما جعل من موقف الدول التي من مصلحتها دعم الثورة ضعيفاً وغير فاعلٍ.
3. الحرب على الإرهاب الذي ابتليت به الساحة بعد دخول داعش والقاعدة إلى سوريا، هذه الأولوية الكبرى للدول كآفّة التي غطّت على كل الأوليات الأخرى حتى للدول التي ترغب في دعم الثورة السورية، نظرا لحساسية هذا الملف وانتقاله ليشمل حتى التيارات السياسية المعتدلة ذات التوجهات الإسلامية كأمثال جماعة الإخوان المسلمين.
4. غياب أي قدرة تركية على إيجاد بديل حقيقي في داخل إدلب لمنع محرقة كبرى على الشمال الغربي المحرر من سوريا الذي يشمل إدلب وما اتصال بها من ريفي اللاذقية وحماة وحلب والسبب كما مر معنا تشرذم الفصائل وغياب المشروع الجامع وسياسات هيئة تحرير الشام الساعية إلى البغي والإنهاء لكل الفصائل الأخرى، ناهيك عن شماعة القاعدة وداعش التي يستغلها النظام والروس والإيرانيين لضرب المناطق المحاصرة في ريف دمشق وريف حمص، وأخيرا درعا التي قامت فصائلها بعمليتها البطولية الأخيرة التي أطلقتها على حي المنشية، فكانت بعده الهجمة الهستيرية للنظام وحلفائه في محاولات لإيقاف تقدم المجاهدين الثوار في تلك المناطق ولا تزال المعركة سجالا.
5. عدم وجود أي مؤشرات "حسابية" لصمود القوى الثورية في حال بدء هجوم شامل على إدلب من قبل النظام والروس والإيرانيين من محاور وحشودات ثلاثة، وأيضا عدم وجود أي مؤشرات "إيمانية ـ اجتماعية ـ توافقية" في داخل النسيج الثوري في داخل المناطق المحررة، بسبب النزاع والمشاكل والاقتتال الذي ينشب بين الفصائل بشكل انعكس على الحياة الاجتماعية بشكل سلبي جدا، واستلاب الأثر الإيماني لجنود الحق بسبب عصيان أمر الله سبحانه "حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ..." الآية. مع ملاحظة أن امتلاك أسباب الصمود والفاعلية للقوى الثورية ممكن فيما لو قررت أن تسلك المسالك الكونية والشرعية التي لم تنجح حتى الآن قوى الثورة في اتخاذ القرار وامتلاك الوعي الكافي للشروع في ذلك.
.
وكما لا يخفى عليكم أن السبب الحقيقي لتوقف القصف في منطقة إدلب ليس هو اتفاق أستانة 4 بل بسبب ملف "المدن الأربعة" الذي جرى التفاوض فيه بين الإيراني وغرفة عمليات جيش الفتح، الذي تدخلت فيه يهئة تحرير الشام بطريقة سلبية جداً، ليس هنا مجال الحديث عنها، وهذا الاتفاق لا يشمل الروس وبالتالي فإن توقف الروس عن القصف هو لتفاهمات معينة مع المفاوض الإيراني أو التركي وليس لذات الاتفاقية، بسبب وجود سكان الفوعة وكفريا وبسبب استراتيجية إدلب بالنسبة لتركيا. كل ما سبق هو حيثيات الحديث عن تدخل تركيّ محتمل قادم.
.
إلا أن بيان هيئة تحرير الشام تجاهل كل ما سبق، واكتفى بالقول بأنه يرفض بشكل قاطع نقل الصراع الدولي إلى الداخل السوري، دون أن يعيَ أن البلد أصبحت كلأً مباحا للصراع الدولي وأصبح فيها من القواعد والحاميات والقوى العسكرية للدول المختلفة التي بدأت منذ أكثر من سنتين، ودون أن يستوعبوا قراءة الواقع الذاتي للثورة وقواها "إيمانيا ـ وحسابيا كونيا" ولا تقدير القوى الأخرى بما يُحتم ـ بلا شك ـ سياسة تحييد الأعداء وكسب الحلفاء في معركة صارت خارجة عن نطاق عدوّين "النظام المجرم X الثورة".
.

كان بيان هيئة تحرير الشام ـ للأسف ـ يحمل من الضعف الآتي:
1. عدم قراءة التصريحات التركية بشكل صحيح ومن مصادرها المعتمدة وفهمها بشكل خاطئ.
2. تكراره لما ترفضه جميع القوى الثورية "مع حالة العجز الحالية للأسباب سابقة الذكر" من بنود اتفاقية أستانة ونتائجها.
3. غياب أي رؤية أو مبادرة تجنّب إدلب ابتداءً التوقعات المستقبلية لتدميرها، وتفتح انبثاقات لحلول بما يخص جميع المناطق السورية المحررة المحاصرة.
.
ختاماً فإن الحل الوحيد لتجنب الدخول التركي موجود في ثنايا ما كتبناه أعلاه، ويتمثل بالآتي:
1. توحيد القوى العسكرية على قيادة مشتركة "بسقف وطني قابل للوجود في ظل الوضع والصراع الدولي الراهن"
2. توحيد التمثيل السياسي للثورة، بما يحقق تجانس القوى السياسية المختلفة في الثورة "الوطنية التي تلتزم بميثاق الشرف الثوري وبالمبادئ الخمسة للثورة السورية" بغض النظر عن اختلافنا معهم في مقارباتهم لكيفية تحقيق ذلك أو لتفكيرهم بسوريا المستقبل.
3. حل جبهة فتح الشام لنفسها ـ رضا لله ورحمة بالمسلمين في سوريا ـ وترك الساحة لأهل البلد ودخول أهلها في هذا المشروع الوطني الجامع
4. حشد القوى العسكرية والسياسية لتحقيق الأهداف التي في وثيقتي الشرف الثوري والمبادئ الخمسة للثورة السورية.
فإن ما سبق سيمكن الشعب السوري من امتلاك أسباب تفجير الطاقة الكامنة الكبرى وسيكون لذلك بعون الله أثره في تغير خارطة التحالفات وفي فتح سبل الجهاد والكفاح العسكري والسياسي للثورة وصولا إلى أهدافها.
.

كتبه:
م. حسام طرشة
فجر الإثنين
02 | شوال 10| 1438هـ
26 |يونيو 06| 2017م

.