JustPaste.it

غربة العلماء


كان للعلماء في زمان متقدم حالة من الغربة،يعيشونها طوراً باختيارهم وآخر قصراً،وكان من أهم معالمهم فيها الخلوص إلى أمثالهم العلماء وأهل الفضل. فلا يجالسون إلا من زادهم في دينهم وعلمهم،فتبرأ آذانهم من سماع الشر والكذب والجهل، وقد صاروا اليوم ابتلاءً من الله إلى حالة مواجهة مع العوام، يخترق فيه السفهاء والجهلة حجب الستر إليهم رغم أنوفهم، فيسمعون الخنا والزور والكذب والجهل،وهو ابتلاء يوجب الصبر والحكمة،والوعي على حقيقة هذه الحياة، وكيف هي، وما الذي يدور خلف أستار الناس،لأن عامة هذه المواجهة تكون وراء الستار، يقوم فيها أناس لا يراعون الله في الخفاء، بل يقتحمون معاصيه وحدوده، لأنهم مستورون، والواحد منهم يتكلم كما يتكلم غيره، وهو في حقيقة الحال لو حضر مجلس علم لكان حقه خدمة أحذية الحضور لا أكثر.
فواقع الحال : أنه قد اجتمع الجهل وقلة التقوى، فلا بد من الصبر، واجتمع مع هذا أمر كبير آخر، هو ضعف أو ذهاب موازين الناس في الحكم على الأقوال. فلو تكلم عندهم جاهل بجهل وحمق وغباء، لما فرق بينه وبين من تكلم بعلم ودين وفهم، والذي يعالج هذا أن تقول كلمتك لله وحده، فإن ذهبت قيمتها بين الناس ،فإن الله يعلم السر وأخفى، فأخلص كلمتك لربك،وزينها بزينة حب أداء الحق ليرضى عنك.
هذا زمان لم تذهب منه حدائق الخير المدلاة بالثواب، بل قد فتحت لك فيه كوة وراء كوة، وبستاناً وراء بستان، فلا تشكو هذا الذي تراه، بل اجعله سبيلاً لجني الحسنات ورفعة الدرجات، وإياك واليأس بأن يغزوك الشيطان أن الناس لا يميزون بين الحق والباطل،فمثل هؤلاء اصرف نظرك عنهم،واجعل وجهتك القلوب الصادقة والفهوم العالية،وهم كثير،تعرفهم حين ينزل مستوى خطابك بأن تكتب شيئا في يوم لتملأ به الفراغ، فيقولوا لك: ما لهذا أتيناك، وليس هذا ما نرجوه منك، حينها تعلم من يسمع لك ومن يرقب كلامك، وأما هؤلاء الذين يشتمونك حتى لو سبحت ربك،أو يمدحونك على كل حال بالحق والباطل،فهؤلاء عدتك للضلال إن سايرتهم،أو أحببت رضاهم.
اكتب كلمتك التي يحبها الله، وأغمض عينك عن كل ما يعيقك في سبيل دخولك في زمرة الدعاة والمصلحين، وارتفق الحكمة، وتأمل الحياة ومن أنت فيها.....

الشيخ عمر محمود أبو عمر