JustPaste.it

دفاع عن الرحمة المهداة لأمة الحبيب صلى الله عليه وسلم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى أصحابه أجمعين
أما بعد
مما غزي به العقل المسلم من ثقافة الصوفية الوافدة مفهوم الولاية كطبقة بشرية، يصل إليها المرء من خلال السلوك والترقي، ولذلك سمى ابو نعيم الأصفهاني كتابه طبقة الأولياء، ومما ذكر في متون السلوك كمنازل السائرين مفهوم الترقي في منازل التعبد، أي يدخل في منزلة فيتحصلها ،ويدخل بعد ذلك في منزلة أخرى حتى يصل إلى هذه الطبقة العالية التي تسمى بطبقة الأولياء، وهذا مفهوم وافد غريب على المعاني القرآنية.
ومما يحسم هذا الأمر رداً مع وجود عشرات الأدلة على إبطاله هو النظر إلى أعظم طبقة رقي أخلاقي إنساني في تاريخ البشرية وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،فهؤلاء هم الأولياء حقاً، وقد حققوا هذا الوصف على الوجه الصحيح، والجامع لمعنى الولاية مع الإنسانية، ولم يذكر عنهم أنهم مع تحققهم لوصف الولاية أي خروج عن الوصف بالبشر والإنسانية بكل ما في البشر من فطر إلهية ، فيها الإخفاق حينا كما حصل مع أبيهم آدم عليه السلام، ثم لولايتهم يستغفرون ويتوبون ثم يواصلون طريق الخياة، إخفاقاً سلوكياً حيناً، يعقبها توبة صادقة ليتحقق فيهم خلال هذا المسير الرضى الإلهي منه جل في علاه، وليتحقق فيهم مقصد الوجود البشري في الأرض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بأقوام يذنبون ويستغفرون فيغفر الله لهم، وهذا هو مفهوم التربية والمنزل الأكمل الذي يتحقق به كمال العبودية لله، لا كما يريده الصوفية ومن تنشق نشوقهم وهو الخروج عن الذنب بالكلية، والذي فيه معنى الخروج عن الإنسانية والبشرية.
ليس هناك منازل يأتيها العابد ثم يتحقق بها على المعنى الصوفي ليذهب إلى منزلة أخرى يتربى عليها، بل هو دين الله الذي يأمر بالشكر والتوبة والصبر، كل ذلك في حال واحد، وإنما يأتيها المسلم عند حضور موجبها، ويصيب منها بمقدار تحقق العلم فيه ، وبمقدار إقباله على الله، وقد تأتي عليه في حين واردات الحق من المعاني القلبية ما يفقدها في موقف آخر، وهو هو كما قال الصديق أبو بكر رضي الله عنه لما جاءه أهل اليمن فقرأ عليهم القرآن فبكوا، فقال هكذا كنا على زمن رسول الله ثم قست قلوبنا، وقد قال من فسر هذا اللفظ من الصديق أن هذا من باب غمط النفس وتواضعه، وهو يخبر عن نفسه وحاله، وهي في ذاتها دليل أن المرء لا يمكن مع ولايته أن يعيش حالة واحدة لا تتغير عليه، بل هو يقرأ القرآن فيبكي حينا، ثم يبحث عن قلبه في موطن آخر فلا يجده، فيستغفر ويتوب، لإعادة هذا الحال، وهكذا هو بين الطاعة والإستغفار حتى يأتيه اليقين .
انتشار المفهوم الصوفي لمعنى التربية هو الذي جعل البعض يرسم منهجه في التغيير على هذا التصور الباطل، فهو يريد قبل قذف الأمة في أتون الفعل أن يحصل لها مرتبة اليقين ومرتبة الولاية كما يتصورها،فإن وقع من عامل سلوك ما يستوجب الإستغفار والتوبة منه جعله حجة لمنهجه أن الناس استعجلوا الفعل قبل الوصول للولاية المتخيلة،وجعل هذا الأمر دليلاً أن الناس لم يتربوا بعد، والناس يعلمون أن العامل لا بد له من ادران تصيبه خلال سلوكه، وهو لا يجعل هذه الأدران مانعا من العودة لنفس السلوك في اليوم التالي، بل هو يعود من عمله غاسلاً هذه الأدران، ثم يواصل مسيرته.
نحن لا نحتاج أن نوقف العمل والمطالب الشرعية من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو جهاد في سبيل الله تعالى حتى تتحق عندنا طبقات الأولياء، بل نحن نريد من الأمة أن تسلك سبيل عودتها لدينها الذي في الحديث: سلط الله عليهم ذلا لا يرفعه إلا أن تعودوا لدينكم، أي الجهاد، وأن تمارس حياتها، كما في قوله تعالى( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) فإن أصابها أدران الطريق غسلتها بالتوبة والإستغفار ، مع مواصلة العمل بلا توقف، لأن توقف العمل هو جريمة شرعية بحد ذاته، لا تتحقق التوبة منه إلا بالعودة إليه.
فعلى هؤلاء الذين نقموا على الجهاد أنه قد قام دون تحقق درجة الولاية في الأمة، أو بسبب وجود الدرن في العاملين به إنما يريدون تحقق أعظم الوسخ فيها وهو تركها لأعظم الواجبات وهو دفع الصائل الذي أفسد الدنيا والدين، فعليهم الدعوة لغسل هذه الأدران العالقة بما أمر الله تعالى من الندم والتوبة والإستغفار، والإصلاح، لا أن تقع منهم الدعوة لإبطال عمل الأمة الأعظم وهو الجهاد في سبيل الله تعالى.
أما أن واقع الجهاد أوجد حالات مرضية مشوهة من السلوك والإعتقاد والتصور فهذا افتراء هلى الجهاد في سبيل الله، فهذه شذوذات واقعة في هذه الأمة قبل الجهاد، وإنما كشفها الجهاد لأنه في واقعه أكثر وضوحاً في كشف أمراض الأمة، فهل الجهاد هو من أفرز ظاهرة الولاء للكافرين وعداء المسلمين كما وقع في حزب النور المصري، وهل الجهاد هو من صنع ظاهرة الفرح بقتل المسلمين في رابعة حتى تمنى بعض من ارتد من المشايخ أن قتلت المرتدون كل من حضر في رابعة، وهل الكهاد هو من أظهر ظاهرة مشايخ الردة الموالين للطواغيت ممن يفتون لهم بقتل المسلمين، وهل الجهاد هو الذي جعل غاضبين على جماعتهم ينحازوا بما قدروا عليه ضد هذه الجماعة حتى يريدون استئصالها، بأدواتهم المبذولة ولو وجد السلاح لحملوه ضدها، لكنها منطق الأدوات الحاضرة دون الغائبة، كل هؤلاء هم صور متطابقة مع الغلاة ممن يقتلون المسلمين ويكفرونهم دون خرم لهذا التطابق، لكن تسليط الضوء على جانب هو الذي صنع التضخيم لهذا الجانب دون سواه.
الامة اليوم وقد تفجرت فيها أمراضها التي عاشت معها طويلاً تمارس نفسها دور الإستشفاء من خلال صراعها ضد أعدائها،وهذا هو أفضل مسالك الطب، ذلك لأن تفجير الألم لازم للسلوك حتى تصل هذه الأمة إلى مطالبها الداخلية، أي إعادة رأس المال، وخلال ذلك بتم تطبيب الخراجات المرضية التي تعيشها على وفق قانون التوبة الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذه الكلمات لا تغير مفاهيم وإنما تكشف قدر الله تعالى الراعي لهذه الأمة، حيث قذفها إلى معارك النصر رحمة منه جل في علاه لها، رغم انوف هؤلاء الذين ملؤوا الدنيا صراخاً بوجوب التربية قبل هذا، فلم يكن لهم في خاتمة المطاف إلا أن سقطوا في الموبقات التي يربأ بها المسلم العامي لا أمثالهم من قادة التربية، فهذا مقال الدفاع عن هذه الرحمة الإلهية حتى لا يغتر بخصومها متألم فاجأته كل هذه الخراجات القيحية المتفجرة خلال سلوك طريق الجهاد، وهو رحمة من الله لنا.

الشيخ عمر محمود أبو عمر