JustPaste.it

من كلام الشوكاني:


من هو الولي
من كتابه قطر الولي على حديث الولي
واعلم أن من أعظم ما يتبين به من هو من أولياء الله سبحانه أن يكون مجاب الدعوة راضيا عن الله عز وجل في كل حال قائما بفرائض الله سبحانه تاركا لمناهيه زاهدا فيما يتكالب عليه الناس من طلب العلو في الدنيا والحرص على رئاستها لا يكون لنفسه شغل بملاذ الدنيا ولا بالتكاثر منها ولا بتحصيل أسباب الغنى وكثرة اكتساب الأموال والعروض إذا وصل إليه القليل صبر وإن وصل إليه الكثير شكر يستوي عنده المدح والذم والفقر والغنى والظهور والخمول غير معجب بما من الله به عليه من خصال الولاية إذا زاده الله رفعة زاد في نفسه تواضعا وخضوعا حسن الأخلاق كريم الصحبة عظيم الحلم كثير الاحتمال وبالجملة فمعظم اشتغاله بما رغب الله فيه وندب عباده إليه فمن كملت له هذه الخصال واتصف بهذه الصفات واتسم بهذه السمات فهو ولي الله الأكبر.
قلت هذه قطعة حسنة من كلامه في الكتاب المذكور، وأحسن ما فيها قوله: "راضياً عن الله" فهذه كلمة ذوق وحياة، لا تأتي على قلب العبد ألا أن يكون محباً لله أشد الحب، عالماً بالله تعالى، وأنه ارحم من نفسه على نفسه،بل لو خير أن يقضي عليه أمه وأبوه أم ربه ذهب لقضاء الله لأنه الأرحم والأحكم،كما قال بعض السلف،وعلم الله بالله هو ما يحقق الرضى القلبي عن ربه، فإن أكثر معاصي الناس في تركهم عبودية التسليم لرب العالمين، وهذا إنما يكون بتقلب العبد بين حدي العطاءوالبلاء، والعسر واليسر، وهو بهذا كله يرى يد الله تعالى تجري هذه الأقدار ، ابتلاءلرفع الدرجات، وفتنة لمغفرة الذنوب، وتبصيراً لقلبه لمعاني الوجود،وبهذا يحصل درجات العلم والإيمان، وهما عدة الجنان، لا يدخلها الناس إلا بهما، كما قال تعالى: وقال الذين أوتوا العلم والإيمان، فبفقهه وبصيرة قلبه يرضى عن الله ويسلم له، فيحبه حب العالم ، ويحبه حب الشاكر، ويحبه حب الصابر.
ولا يحصل الرضى للقدر الذي يجريه رب العباد عليه حتى يكون عالماً بعواقب الأقدار ، سواء في الدنبا أم الأخرى،فهو لا يرى إلا أن كل فعل في هذه الدنيا إنما جرى لحكمة إلهية، يدرك هذا من خلال النظر والتبصر، وعدم نسيان المقدمات بعد ذهاب زمنها، وعدم إعفال النتائج قبل حلول أجلها.
وهذا الرضى هو ما يحقق الحمد والشكر في قلب العبد، وهما أعظم مطايا الرضى الإلهي والقبول الرباني.
غفر الله لنا ولصاحب الكلمة ولقارئها.
والحمد لله رب العالمين

الشيخ عمر محمود أبو عمر