JustPaste.it

بسم الله الرحمن الرحيم


تعليقة على كلمة لابن تيمية رحمه الله تعالى


( قد فتح الله علي في هذا الحصن في هذه المرة من معاني القرآن، ومن أصول العلم بأشياء، كان كثير من العلماء يتمنونها، وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القران)
هذه كلمة لابن تيمية، ذكرها ابن عبد الهادي في العقود الدرية من غير كلمة الحصن، وذكرها بهذا اللفظ ابن رجب في طبقات الحنابلة.
وهذه لمن تأملها يجد أنه قيد الفتح الإلهي له بعلوم جمة من القرآن في موطن معين، فقال( في هذا الحصن في هذه المرة) وهو دليل أن هذه المعاني لم تكن لديه، ولم يبصرها من قبل، والشيخ يعلم عنه خرصه على القران والتفسير، وقد مكث في تفسير سورة نوح أربع سنين يفسرها بعد صلاة الجمعة على كرسي له تحت المنبر، ومع ذلك لم يكن يحس بما أعطاه الله في محبسه في القلعة في الفترة التي مات فيها.
ومن تأمل هذا المعنى علم أن العلم ليس فقط ما يأخذه المرء من الكتب بل أعظمه وأجله ، بل هو ما يحس المرء بأهميته في حياته وقلبه وسلوكه هو ما يعطاه من خلال المجاهدة والصبر والتفكر بعيداً عن حياة اللهو والغفلة وكذلك الخصومات،ولذلك قال ابن تيمية هذه الكلمة( وندمت على تضييعي إكثر أوقاتي في غير معاني القرآن) فهذه كلمة لا يجوز أن توضع في باب غمط النفس فقط، بل يجب الإعتناء بها، فإن من فتح عليه معاني القرآن علم قيمة العلوم الأخرى مقابلها، فيجد أنها أشبه بالتراب معه، واعظم ما فيها انارة القلب ، وتغيير المسار، وشعور القرب من الله بالقرب من كتابه.
هذا الذي قاله ابن تيمية كذلك يدل أن الرجل تفرغ في آخر عمره للقرآن، ولم يشغله عنه شيء، ورأى فيه غذاءه ونوره وقوام عقله وقلبه وحياته، وبهذا التفرغ مصل الفتح والقرب، فلا يقال ما الأول، بل هما معاً، التفرغ للقرآن يفتح باب العلوم، وفتح باب العلوم من القرآن يسرق القلب للإنشغال به دون سواه.
وهناك قول لا بد من النظر إليه: إذا رأيت الرجل منشغلا بالقرآن والنظر فيه، وتأمل معانيه وقراءته على ورد الصحابة فاعلم أنه مهدي موفق، وإن رأيت إعراضاً عنه وعن علومه وعن قراءته فاعلم أنه محجوب.
ثم اعلم انك إن رأيت اقبالاً للمرء في اخر عمره بالقرآن فاعلم انه متشوق للقاء ربه، بخلاف الهاجر له.
وإن سألت : كيف أحس بالقرآن، وكيف أشعر بما فيه من خير ونور وهدى، فالجواب: حافظ على تلاوته والنظر فيه وقراءته، واعلم أن أعظم أوقات تنزل نور القرآن وهدايته أن تقرأه في قيام الليل.
جاهل من جهل القرآن، ومغبون من هجره، وشقي من اهتدى بغيره.
رحم الله ابن تيمية، فقد كان فيما نحسبه من أهل القرآن، شأنه شأن الأئمة الكبار ، رحمهم الله ووفقنا لسيرتهم.

الشيخ عمر محمود أبو عمر