JustPaste.it

 

 

غلبت عليك نفسك واضطربت يا أستاذ
العلم أنصف 

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فمنذ مدة وأنا معرض عن الردود المباشرة، ذلك لأن الكثير مما يقال لا تنطبق عليه إلا صفة حزازات نفوس، ومخالفة من أجل المخالفة، وكون الرجل لا يرضاك في باب من العلم فهو مهتم أن يسقطك كلية في كل ما تقول، ذلك لانتشار المذهبية الجديدة، والتي تؤطر الناس في زمر تحبك لحزبها وطريقتها وتيارها، وتكرهك لكرهها لما تنسب إليه من تيار أو اختيار علمي وعملي، وهذا قد كثر، ثم إن المرء ليرى أن الناس لا يقرؤون كما تكتب، ولا يناقشون ما تقول، بل هم يذهبون إلى خاصة نفسك فيما يزعمون ويتوهمون، فلا يخلو مقال من قولك: أنت كذا وكذا، وهذا أمرك وشأنك، بكلام لو وجد سيف الشرع لكان مكان قولهم في أروقة محاكم الشرع، يجلدون ويهانون، والمرء لم يعد في عمر يسمح لمثل هذا ، لا كلاً ولا بعضاً.

والذين لا يذهبون لخاصة نفسك يذهبون لما يحبون رؤيته فيك، تخطيء وتهم وتجهل ليصح لهم قولهم فيك من الجهل وقلة الدين وغير ذلك، ولذلك يحملون كلامك لا على أسوأ ما يحمل، بل يقسرونه بالقطع والبتر والتزييف بما لا يمكن أن يحمل عليه، والمرء حقاً قد تعود الجلوس مع كتب العلماء؛ يوحون لقارئهم باللمحة العابرة الجميلة فتفهم عليه، ويسير بينكما بسمة حب أن وصلت رسالتك الرائعة بهذه اللمحة، واليوم أنت تضع عشرات الكلمات الضابطة والمؤثرة في الاختيار العلمي ومع ذلك يعرضون عنها، ويأتون هم بها ليسقطوا كلامك بهذا التقييد، وأنت قد أتيت به، وهذا صنيع هذا الأستاذ سلطان، لم يخطيء من هذا الوصف حرفاً.
ثم إن عالم القلم قد انتشر، وصار بإمكان كل من علم رسم الحروف فقط أن يتكلم ويكتب، وينتشر مقاله كانتشار أعلم الناس سواء، ويجد هؤلاء أمثالهم وأشباه صنفهم يطربون لكلامهم لأن الناس كأسراب القطا يتبع بعضهم بعضاً، فأنت لا تستطيع أن تتابع أحدا يرد عليك، بل ويجهل عليك لمجرد أن طائراً على شاكلته رقص لكلماته الجاهلة تلك، وذلك احتراماً لنفسك عندما تخلو معها ليس معك إلا الله تعالى، فالمرء لا يهمه أن يرتاح له الناس أكثر من اهتمامه أن يسكن لنفسه غير غضبان عليها لجهل أتته أو معصية وقع فيها.
فهذا عالم جديد يحتاج إلى فقه نفس جديد، عماده الصبر والاحتساب، وتعلم الخلوة مع حضور كل كلام الناس بين يديك وأنت في خلوتك، تراقب قلبك، وتراقب أنفاس الناس من كلامهم وحروفهم، والمرء حين يتكلم باسمه الصريح ليس هو كمن تخفى وراء ستر، يعلم من حاله أنه لو خلا لأتى بالموبقات، لأنه بينه وبين الناس حجاب، هو حجاب الإسم الذي تستر به، ولذلك لقلة التقوى يقول الكثيرون من الشر والكذب والافتراء، والرد عليهم ليس من الخير ولا من العقل، لأنك إن فعلت إنما ترد على جهالات النفوس وفسادها حين تخلو لنفسها وهي فاجرة، وهذا لا ينفع معه العقل بل الزجر والعصا، وانت مسكين لا تملك شيئا إلا الكلمات.
اعتذر لهذه المقدمة والتي لها بعض علاقة مع كلام الأستاذ سلطان، وليس كل العلاقة ، لكن أرجو أن يكون فيها النفع وكشف الحال والنفس .
الأستاذ سلطان( وسأقتصر على كلمة الأستاذ فقط عند ذكره مرة أخرى للاختصار والمرء يكتب بأصبع واحد فقط) عندما كتب رده في موضوع الحكم على بيان من حضر المؤتمر إياه، إنما كتبه بنفس غير سديدة ولا منصفة، بل وأستطيع القول : بنفس مضطربة، هذا إن سمح لي أن أناقشه مناقشة الكاتب الذي يعلم ما يريد، وعنده أدوات الوصول لما يريد، وأنا لا أعرفه ، ولم يحصل لي قط أن قرأت له كلمة في الوجود وأنا أعلم أنها له، ولذلك سأتكلم عن كلامه هنا فقط، وهي مدار الكلام والبحث الوجيز لا غير.
الأستاذ يأتي بكلام لي من كتب ومقالات لي سابقة فدل هذا أن الرجل قد قرأ لي قراءة كافية في ظنه أن يتهمني بالغلو المعاصر كما سماه، وخاصة في موضوع الإيمان ومسائله، وفي أبحاث الحكم على المعين، وفي طريقة إنزال الأصول على الحوادث والأشخاص والنوازل.
هذا من بديهة العقل كما يعلم الناس.
ولكن الأستاذ لم يفعل من ذلك شيئا، بل بتر وأخفى وأساء جداً في قراءته لما أكتب ، وهي الكتابة الدالة عليّ يقينا ، والرجل لو قرأ جؤنة المطيبين ، وهو مشهور متداول ( والمرء سيعاتب نفسه لهذه الكلمة التي فيها نوع مدح كون كتابه مشهوراً، لكن الضرورة تعذره) ، أقول لو قرأ هذا الكتاب، وأنا يغلب على ظني أنه قرأه لما حشى كتابه بكلمات طويلة لا ضرورة لها في التفريق بين الديمقراطية كطريقة وبين الديمقراطية كعقيدة.
هذا تزيّد من الأستاذ، وهو معذور عندي لأنه في شرخ الشباب، فبفضل الله وحده كنت مع أساتذتي من نشرنا هذا الفقه من أجل الرد على الغلاة حقاً في تكفير كل من قال: أنا ديمقراطي.
أنا أظن ظنا قوياً أن الأستاذ يعلم هذا مني ومن كتابي جؤنة المطيبين، لكن لماذا فعل هذا الأمر؟
أنا أجيب عن الإستاذ :
الأستاذ أراد تطويل بحثه فقط، حتى ينسي الكلام بعضه بعضاً، فبعض القراء يستسمنون الكبير ، حتى لو كان لا شيء، والدليل على ما أقول هو التالي: لا يوجد أحد حكم على وثيقة المؤتمر أنها كفرية لورود كلمة الديمقراطية.
أقول لا أحد من طلبة العلم ممن قال إنها وثيقة كفرية
إذاً لماذا يذهب الأستاذ ضارباً في التية بعيداً ليعلمنا أن الديمقراطية بهذا الإطلاق ليست كفرا، بل فيها وفيها.
الجواب هو التزيّد يا أستاذ.
ولو سألت لم التزيًد؟ لقلت لك لأنك تريد أموراً أهمها أن توحي لقاريء كلامك أن الغلاة كما تصفني لا يفهمون إلا العمومات، وأنت في حقيقة نفسك تعلم أنك ظالم لي، هذا إن كنت تقرأ كلامي ، ونقبته لتجعلني من الغلاة، وأنا الآن لو ذهبت أفعل فعلك لعلمتك كثيراً مما يقال في هذا الباب، أي باب المذهب الليبرالي وطريقته في العمل السياسي، لكني لست فاعلاً هذا معك، ويكفيك أن تحترم كلمتي فيك أنك دارس فتذهب فتقرأ جيدا وبعناية وإنصاف.
ودعني أقول لك جهالات من وقع على البيان، وأنهم خدعوك أنت لا أنا، وأنك لأنك صاحب عمومات تقف عند الكلمات الكبيرة التي يريد واضعها استغفالك فيحصل مراده، وبعدها يخفي الكلمات المهمة على وجه ما يضعه أصحاب الشروط في عقود التأمين إن كنت قد رإيتها يوماً.
هل رأيت أيها الأستاذ فن كاتب البيان وهو يضع كلمة ( آلية الديمقراطية) وذلك ليقول لمن يقرأ قراءة الجهل ممن يكفر للفظ من الجهلة والغلاة والمغفلين كذلك يا أستاذ:نحن نتبنى آلية الديمقراطية...
انتبهوا....
نحن لا نؤمن بالديمقراطية ، ولكن نعمل بآلياتها.
هذا جيد....
بل ورائع.....
لكنه خداع مضل خبيث، لأنه أراد أن يسرق أمثالك أيها الأستاذ، ليقل لك : الديمقراطية عندنا وسيلة لا اعتقاد، فاطمئن ولا تكفر، وقد وقعت فيه ، ولم يكن لمثلك أن يقع، ودليل وقوعك فيه أنك ذهبت تصرخ بكلام طويل تدافع عنهم دفاعك عمن يتنبنى وسيلة الديمقراطية لا عقيدتها، وأنت عد إلى مقالك لنرى كمية ما طرقت على لوحة المفاتيح لشرح هذه المسألة، مع أنها ليست بشيء البتة ، ولم يجر حولها نقاش أبدا، إنما كان البحث وعظيم الأمر فيما بعدها يا أستاذنا.
هذا الذي بعدها لم تمر عليه إلا بتعمية من الفعل ، وطريقة أرجو أن لا تمارسها مرة ثانية لا معي ولا مع غيري لأنها من الخيانة في العلم، ذلك بأنك بدأت في بحث موانع التكفير دون أن تعذر إلى الله أن ما في البيان كفر صريح، وأصل العلم ( وهذه هنا شرح لما قدمت من كلامي فيك أنك اضطربت وهو دليل على نفسية متسرعة ، دافعها جريان الإرادة للرد فقط ما دام أن المتكلم هو فلان وفلان وأبو قتادة)، وأقول: وأصل العلم، وأمانة الكلمة لا أن تتزيّد على العبد الفقير لله بأن تعلمه أجزاء الديمقراطية، وتنقل لي كلام فلان وعلان من أمثال الغنوشي وغيره، بل أن تقول للمسلمين ما حكم من جعل الناس في أحكامهم وأقضيتهم على حال واحد لا فرق بين مسلم وكافر ، ومن جعل للكافر حقاً كحق المسلم في اختيار حكّامه وأحكامه على نفسه وعلى المسلمين كما تقول وثيقة البيان.
لو أنك أطلت النفس في هذه لعلمت أنك منصف وصاحب دين يهمه دين الناس، ويشغله أن يمنع سقوط الناس بالكفر، وذلك من جهة اعتقادهم ممن لا يقع عليه معنى الاضطرار الذي افترضته مانعاً للتكفير في حق الموقعين.
أستاذي الكريم: أنصحك بأن تزيل كل كلامك الذي شرحته لمعانى الديمقراطية في بحثك هذا إن كنت منصفا وصادقا وطالب علم أصيل، ثم انشره في مكان آخر ، لأنه ولا شك مهم، لكنه ليس له نفع الآن في خصومتك حول من قال بكفر وثيقة البيان، ثم أذهب وقل للناس حكم الله فيما تقدم الكلام حوله مما تضمنته وثيقة البيان، ثم بعد ذلك أعذر أو لا تعذر فهذه مسألة نازلة ، تذهب إليها بحسب علمك من دينك وعلمك، تقول فيها ويقع فيها الخلاف خارج دائرة الغلو الذي سببت به أبا قتادة ومن معه، ذلك بأن عنوانك لا يمت إلى العلم كما تبين لك هنا بصلة.
لقد كفّر أبو قتادة الوثيقة لهذا الأمر، وهو حكم مجمع عليه، وأعلم أنك لو خالفت أبا قتادة في هذا كنت كافرا بالله بلا مثنوية، لا لمخالفتك لرجل يخطيء ويصيب لكن لمخالفتك معلوما من دين التوحيد ضرورة لمثلك.
( الغلو المعاصر) صدقاً لقد ظلمت يا أستاذ، فليس كاتب هذه الكلمات مكفراً كل ديمقراطي على ما فصله في جؤنة المطيبين، وليس هو من لا يعذر بالإكراه ( ومن أدخل الإضطرار كإدخالك فإنما لحملهم معاني الإضطرار على معنى الإكراه الذي في آية سورة النحل ، ولست داخلا معك ولا مع غيرك في خلاف حولها، لأن سبيلها العلم والبحث والمخالفة بين الناس بحب وتوافق)، فمن أين أوتي هذا الرجل بالغلو يا أستاذ!؟
حقاً عنوان فاقع، لكن لا حقيقة تحته، وهذا له اسم في الشرع والقدر.
قال أبو فتادة: بيان كفري، وطرحك لمانع التكفير بالاضطرار اعتراف من سيادتك ( كأستاذيتك) أن ما في البيان مما تقدم كفر، وأنت رجل تحب للمؤتمرين أن لا يكفروا، وهذا دين ولا شك، وتحب الإعذار للناس، وهذا خلق المؤمنين، ذهبت تبحث عن إعذارهم.
لكن مما ليس من خلق المؤمنين أن تستر عنهم حكم ما قالوا، وأن تستر هذا عن المسلمين، وأن تطلق بالونات الدخان أن الخلاف حول مفهوم الديمقراطية، وأن فيها ما هو من المباحات من وسائل، سماها المؤتمرون:( آلية) لا تدخل في حكم الكفر الذي يقوله أهل الغلو أمثالي!!
لن أناقش حضرتك في إنزال الحكم على المعينين، فهذا ذكرته قبل حضرتك وانتشر، ولقد ذكرت أن بعض المؤتمرين على الدين الذي كانوا عليه، ففيهم العلماني الصريح ممن لا يجهلهم أمثالك، فليس كل من ذهب للمؤتمر ووقع الوثيقة هو على دين الإسلام وقبول أحكامه ، بل فيهم من هو كافر بالله قبل التوقيع، وأما أنهم مضطرون فأرجو أن يجيبوا هم لا أنت ممن ليس لك صفة اعتبار عند أي جماعة من الجماعات، ولم تذكر لنا نحن المساكين حد الاضطرار، ولا واقعه فيهم، وأرجو أن لا تخرج لنا بأن الموقعين وضعوا في السجون ليوقعوا على البيان، أما إن الاضطرار حال الناس في الشام، فالحمد لله إذ كذب هذا جماعات مجاهدة كثيرة، ولم تر رؤيتك هذه.
كان يمكن أن أطيل النفس معك أكثر، لكنك باحث ومثلك يكفيك البعض لتعلم الآخر، والله يهدينا وإياك سواء السبيل.

هذا آخر العهد بك، وكنت أتمنى أن أرى في كلامك الكثير من العلم والقليل من النفس،لأنشط مرة ومرة لمباحثتك، لكن قد رأيت رأيي في مقالك، والحمد لله رب العالمين.