JustPaste.it

مقدمة شرح كتاب المحن لأبي العرب رحمه الله تعالى
كتبها ابو قتادة
عمر بن محمود ابو عمر


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
اما بعد
فكتاب المحن هو احدى كتب الإمام الجليل المحدث الفقيه المؤرخ أبي العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي القيرواني المتوفى سنة٣٣٣ للهجرة النبوية الشريفة، وميزة هذا الرجل الإمام أنه شهد قيام الدولة العبيدية في افريقية، وعاش وهو يشهد مذابح العلماء المالكية العظماء على يد الرافضة العبيديين الإسماعيلية إخوان الإثنى عشرية الجعفرية في الرفض وفي الدين والمذهب والسلوك، مع تغاير يسير بينهم يعرفه طلبة العلم، وقد شهد هذا المؤلف كذلك ثورة الخارجي أبي زيد صاحب الحمار على العبيديين وشارك فيها مع علماء السنة من المالكية، وحضر موقعة المهدية، وبعد أن حققوا بعض التقدم خذلهم الخارجي الخبيث وصار فيها من المآسي على أهل السنة الكثير، ولما كان عصرنا أشبه بعصره، وذلك في بزوغ الرفض وزندقته، فصار لهم الدول والتنظيمات والجيوش والقوة، وقابلهم أن ظهر الخوارج الجدد، في محنة أهل السنة بينهما، ووقعوا بين حديهما، لا يفرون من ذبح إلا إلى مثله، ولا طمعاً في نجاة إلا كانت المنية في العدوة الأخرى، وهكذا في هذا الجو الذي وقعت المحنة فيها على أبي العرب كما سأفصل قادماً إن شاء الله تعالى، كتب العالم الجليل كتابه هذا المعنون بالمحن، يؤنس نفسه وإخوانه من العلماء أن هذا هو الطريق، وأن ما يلاقيه ومن معه هو السبيل الذي سلكه العلماء والصالحون حين صدعوا بالحق وأبانوا المعالم ، والناس اليوم بحاجة لعبرة التاريخ،  ومعرفة ظروف الأحداث ليحصل لهم الفائدة، فيكون الصبر واليقين
ومع هذه التواريخ القديمة يبصر طالب العلم المعاصر أنه لا يعيش بدعاً من الحياة، ولا ما يلاقيه لم يمض مثله من الحوادث،فتضعف نفسه وتتغير بوصلته التي تشير إلى العمل وسط المحن، بل يعلم علم اليقين أن هذا الدين منصور من الله، وكل هذه الأوساخ ستمضي وتنقضي، فأين ذهبت دولة العبيديين وقد حكمت أغلب بلاد المسلمين، حيث امتد سلطانها في المغرب الإسلامي كله، وسيطرت على مصر والحرمين واليمن، ووصل تمكنها في بلاد الشام إلى حلب، حيث خطب في كل هذا البلاد على منابرها مشايخ الزندقة، وكان دعاؤهم للحاكم الفاطمي ، بألفاظ الكفر والزندقة الصريحة، ومع ذلك ذهبوا ومضوا وبقي الدين هو المستقر في هذه الأرض، وورث أهل السنة ديارهم وأموالهم ومعاهدهم، وكذلك جاء الغلاة من الخوارج، فثارت بهم ثوراتهم المتعاقبة،يقتلون أهل السنة، ويستبيحون نساءهم ورجالهم، وكانت مادة هذا الغلو جهل القبائل الذين انصموا إليهم، إذ لم يلحق بهم جاهل من أهل الجبال، فأبو يزيد الخارجي من فبيلة زناتة، وهي من قبائل البربر، وهي قبيلة لم تنفك منذ اسلامها على الثورة والرفض، وايتغل مفاسد العبيديين الإسماعيليين ومظالهم وكفرهم الأكبر بالله وبالدين، فكان الجهل بالدين، ومظالم ومفاسد وزندقة العبيديين هما مادة التحريض لأبي يزيد الخارجي هذا، وهي صورة كأنها تتكرر اليوم بكل معانيها، وقد وصف هذا بقول صاحب معالم الإيمان:(( كان يبح دم أهل القبلة ويستحل الفروج، ويفعل في الإسلام أشد مما يفعل في دار الحرب)) وفي البيان المغرب لابن عذارى قال فيهم وقد قتلوا أهل باجة وفعلوا فيهم الكثير(( وامتحن أهل باجة أبام أبي يزيد بالقتل والسبي))، فكما يقولون اجتمع على أهل السنة من علماء المالكية حلقتا البطان، يهربون من الكفر والزندقة التي يقولها الروافض الإسماعيلية العبيديين، وما يفعلونه من الذبح والتقتيل لعلمائهم، بل يأتون بغرائب الفعل في القتل والسلخ كما سيأتي، أقول يهربون من هذا إلى الخوارج الغلاة ممن لا يكفر بالله كفر الزنادقة، ويعلنون التوحيد والتشدد في الأحكام، فإذا جاؤوا إليهم لم يجدىا عندهم إلا نار القتل والحقد والذبح والتقتيل، فسياسة الحقد الرافضي الإسماعيلي رمت الناس في أحضان الغلاة الخوارج، وكان أصل ظهور هذا كله ولاة فسقة للعباسيين، ظلموا وأفسدوا وولوا القضاة الفجرةكما ذكر هذا صاحب المدارك، حيث ولى قضاة من الحنفية كابن عبدون ومن قبله الصديني الذي قال عنه عياض كان خبيثاً معتزليا، كانا يمتحنان علماء المالكية ويضطهدانهم ويقتلان بعضهم ، فما صنعته دولة تلأغالبة السنية من الظلم أورث فرصة للرافضة الإسماعيلية بالظهور، ثم هذا الرفض انتج غلو الخوارج، وهكذا تتكرر الصورة اليوم بكل تجلياتها ، يقابل هذا اجتهادات علماء بالمقارنة بين كراهية سماع الكفر كما قال العالم الكبير ربيع القطان وقد عوتب بالخروج مع الهارجبي صاحب الحمار(( وكيف لا أفعل وقد سمعت الكفر باذني))، فهكذا كان واقع اهل السنة في هذا البلاء العظيم، يحرضون لقتال الزنادقة ، ويجيشون لنصرة الدين، فيتلقفهم الخوارج الغلاة ، واسمع إلى ابن عذاري وهو يصف فن الخارجي الي يزيد وهو يجيش أهل السنة ضد الروافض ، وقد دخل القيروان برجاله ليحرض اهلها على الثورة ويسير بهم إلى المهدية فقال صاحب البيان المغرب(( وأظهر لأهلها خيراً، وترحم على ابي بكر وعمر، رضي الله عنهما،ودعا الناس إلى جهاد الشيعة، وأمرهم بقراءة مذهب مالك، فخرج الفقهاء والصلحاء في الأسواق بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه وازواجه)) دومع ذلك فإن أهل السنة قد اختلفوا في الجهاد معهم وتحت رايتهم، وكان لصاحب كتابنا هذا دور في حسم هذا النزاع، اذ وقف وحدث الناس يومها بحديث منكر لا يثبت في حق الرافضة، فكبر الناس وسارىا مسيرا أغلبياً إلى القتال مع الخارجي، ولكن بعد هذا الحدث في المهدية
وقد ثارت بالخبيث الخارجي كرهيته لأهل السنة وتركهم في العراء تحت سلطان الروافض، فكانت المأساة الكبرى، عوتب من عوتب على الخروج كما تقدم من كلام القطان، وعوتب من عوتب كذلك من لم يخرج، كما تجد هذا في معالم الإيمان ٣/٤٤، وإن وصف خروجهم بأنه إجماع تام، حيث فيل لم يتخلف منهم أحد أي من الفقهاءوالصلحاء، وقادهم ربيع القطان
وهو فرح قائلاً(( الحمد لله الذي أحياني حتى أدركت عصابة من المؤمنين اجتمعوا لجهاد أعدائك وأعداء نبيك))، وبعد الخيانة واقتراب الناس من فتح المهدية غدر الخارجي بالناس وتركهم ، فحصلت الغلبة للروافض، وفرح بهذا مشايخهم وزعيمهم المسمى بالقاضي النعمان، وقال(( فخرجوا بأسرهم فيمن خرج مع اللعين تادجال مخلد بن كيداد( أي أبي يزيد الخارجي)في فتنة إلى المهدية لينصروه فهزمهم الله فقتلوا كلهم وصيرهم الله إلى عذابه وعجل منهم انتقامه وأحل بهم بأسه)) كما غي رسالة افتتاح الدعوة،ولكن أبت حكمة الله إلا بالإمتقام من هذا الخارجي الخبيث، فإنه بعد ذلك طورد في الصحراء فقبض عليه وبعث به إلى المهدية عاصمة العبيديين في المغرب، وهناك مثّل به، بعد أن طيف به في أماكن عدة من بلاد إفريقية،وبعد الثورة هذه انتقم الخبيث الرافضي المسمى بالمنصور من أهل السنة كما يحدث في كل مرة من دفع أهل السنة الثمن لما يفعله الخوارج المجرمين، دون حماية لهم، فقد توجه إلى القيروان،فدخلها وأنزل بأهلها الويلات وقتل عدداً عظيماً من أهلها.
غي هذه الأجواء من حكم العبيديين الروافض لإفريفيا، وفي دخول الخوارج على خط الصراع، وفي جهاد أهل السنة المالكية لفكر كليهما، وقتال الحاكمين من العبيديين كتب أبو العرب كتابه هذا، فهذه أجواءكتابه، نعرضها هنا، لنعلم مقصد الإمام في تصنيف كتابه المحن، وهو كتاب مختصر، أجمل فيه الكثير من الأخبار، وذكرها تباعاً دون تفصيل الحوادث والوقائع، وابو العرب رحمه الله تعالى يكتب التاريخ على طريقة أهل الحديث، ونحن اليوم بحاجة أن نرجع لكتب التاريخ على طريقة المؤرخين، نستنطق الأخبار وتفصيلاتها، لأن في هذه التفصيلات الكثير من المنافع، وكتابه هذا لولا معرفة الباحث بسيرة أبي العرب كما في كتب التاريخ والتراجم، ولولا محاولات استنطاق الخبأ من المقاصد في التأليف لما علمنا أهمية هذا الكتاب ، ذلك لأنه نرك المقاصد مطوية في الثنايا على طريقة المحدثين كما ذكرت، حيث يكتفون بالخير في أدنى درجات اختصاره وتعريته الا منه فقط، دون احاطة بظروفه بل وأسبابه في مرات كثيرة، وأبو العرب كتب كتابه الشهير طبقات علماء افريقية وتونس على هذه الطريقة من الجمع بين علم التراجم مع علم التاريخ، أو إن شئت قلت: كتب التراجم تحت مسمى التاريخ، وهذا الإمام وصف أنه أول من أدخل هذا الفن في بلاد المغرب، كما ترى وثفه بهذا في معالم الإيمان.
كتاب المحن هذا حققه الدكتور يحيى بن وهيب الجبوري، وقد أجاد في ضبط النص على طريقة المحققين الكبار، ولأنه كما يظهر من صنيعه أنه صاحب تاريخ، ففاته الكثير من الخير، أهمها تقصيره في تخريج الأحاديث النبوية، وقد اشرح هذا في نهاية التعليق، ولم يأت الى الشرح للكتاب إلا قليلا، فبقي الكتاب مغلقاً في أخباره إذا نظر فيه لوحده.
وشرحي لبعض نصوص الكتاب سيكون بيانا لترجمة لأبي العرب خاصة أن من ترجم له سواء محقق كتاب المحن أو طبقات علماء افريقية فانه الكثير من اخباره، ثم سأختار بعض النصوص لبيان ما اغلقت عليه من الكتب الأخرى، اي كتب الناريخ والسير والأخبار، سائلاً الله رب العرش العظيم أن يعين ويوفق، وأن يقدم غذاءً لطلبة العلم والصابرين على جمر البلاء في عصرنا وما بعدنا، والله الموفق
والحمد لله رب العالمين