JustPaste.it

مسيرة وفاء

للشيخ أبي قتادة الفلسطيني

 


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فعندما أفرغ من كلامي عن رجل ما فإني لا أبقي في نفسي أي أثارة من كلمة أخفيها، بل أقذف كل ما فيها حول هذا الشخص، سواء كانت من انفعالات نفس أو حوارات فكر أو تعقب سيرة، وعجزي يقوم فيما يقوم على عدم قدرتي أن أكتب ثانية ما كتبته ومضى، وكأن الكتابة عندي هي سلخ المعنى عني ليكون في الكلمات والورق، وحين أرجع إلى ما أكتب فإنما أرجع إليه غريباً لا مالكاً له، والذين يطلبون مني أن أكتب شيئا سبق لي أن تكلمت فيه ولو تعريضاً إنما يرمونني في بحار من الألم والرهق ما الله به عليم، ومن ذنوبي في الكتابة وهي كثيرة، أني لا أفرق بين ما هو مكتوب على وجه التعريض والتلميح وبين ما هو مشروح مبسوط، فكلاهما عندي بيان لا يحتاج لأضافة من الكاتب، والعودة لكتابة ما أشار به كاتب ما في كتاب أو مقال فإنما هو إعادة انتاج المنتج عندي، وهو ما لا أحبه ولا أرتاح إليه.
أقول هذا الكلام بمناسبة قيام عصبة حسن العهد كما نحسبهم في الدفاع عن الحكيم الظواهري، تحت عنوان: مسيرة وفاء، وهذا من فتق الكلمات الرائعة على الروائح الزكية، فللكلمات مسيرتها،وليست الشخوص وهي تسير مجتمعة تطالب وتشكر وتؤيد أو تندد بأولى من مسيرة الكلمات لهذا الشأن، ومن تفكر في كلمة الكتابة واجتماعها في الأصل والجذر مع الكتائب علم شرف هذه اللغة التي ترفع درجة الكلمة إلى قوة معاني الوجود الظاهر القوي، ثم من تفكر اجتماع جذر كلمة الكتابة مع كلمة القراءة في المعنى علم أن هذه لغة سماوية فيها الوضع الإلهي العظيم ، ذلك لأن الكتابة والقراءة دالان على الجمع، وفي الجمع قوة الاتفاق ، واتفاق القوة، وهكذا اشتق هؤلاء للكلمات معنى القوة فسموها مسيرة، تساق كلمات الحب لرجل يستحق كل الحب، وتهدى لرجل أهدى للأمة روحه وقلبه وعقله وحياته، وتقلد لرجل قلد جيد هذه الأمة المفاخر وحسن الفعال وطيب المقال ورجولة المواقف.
هذه مسيرة لم يجمعها إلا قرار القلوب، فهي حديث القلب دون سواه، ويا لحديث القلب من جمال وعظمة وثقل !، ويكفي أن يكون هذا الحديث هو وحده ما يوزن به العبد يوم القيامة،( وحصل ما في الصدور)
هناك حيث تجمعت شعرات الحكمة ، والعين تنظر الى الوجود كله نظرة الإرادة الإلهية بوجوب اسماع العالم صوت السماء، وتحريض الغافلين على لصوص النعمة الإلهية أن هبوا إلى مصارع العشاق، وبحب الجنود لهذه الهمسات يفقهون الخطاب، لأن هذا القائد من طينة الذاهبين من أسلاف هذه الأمة نحو الفعل الذي به يضبط العالم على وفق تاريخ الإيمان لا غير، فلم يعد لحركة التاريخ بسير الجنود ولا بقيام الدول ولا بسقوطها إلا ولاسم هذا الرجل وجود هو الأكبر لأنه النور ،ولأنه الإيمان، ولأنه والله حسيبه في كل ذلك يد القدر الإلهي الذي يقيم الحجة على الخلق، حيث تغيب صورته وتبقى أنفاسه حاضرة مستعلية.
من هذه العين العمياء التي لا ترى السر الإلهي في كل هذا! حيث يغيب فيبقى حاضراً، وحيث يسكت فتبقى كلماته الأقوى والأعلى، وحيث يحارب وهو الواحد المطارد الشريد فيثمر غرساً هي الحراب والجنود ورفقاء الشهادة على الخلق.
حقاً إنه العطاء الإلهي الذي لو نازعه البشر لغلبهم، ففي صورة من البياض يشرق بسمه ، وحيث شيبة الحكمة تلقي بكل الحب والعلم والصبر ، يقابلها هذا السواد من القبح والسعار والجهل والسفه، فهذه صورة لا تخاطب حتى من المخالف إلا بالأدب والإحترام، وهناك حيث صنعة الفجور والجهل لا تجد إلا كلمات وسمت وصنعة الفجور.
أنا لم أرد أن أكون مشاركاً في المسيرة لكن صخبها المطرب للنفس ساقني رغم أنفي، لأني أردت أن أجلس مراقباً كيف يضبط الغائب مسيرة القلوب إليه: حباً ووفاءً واعترافاً ، لأن للقلوب أسرارها وقوانينها ، وكذلك لها صوتها المجلجل حين تنفعل ، والذي يسكت كل أصوات الخفافيش التي تعيش على فضلات العظماء كهذا الحكيم.
لقد بقي لعالم القلوب مكانها في هذا الزمن الرديء، فالحمد لله وحده، والشكر موصول لوضيء الوجه وحكيم العقل وإمام الأدب في زمانه وجبل المهمات العظيمة ومجمع رجال صناعة التاريخ، فاللهم اغفر لنا وله ، وارزقنا وإياه الشهادة في سبيله، واجمعنا وإياه على منابر النور يوم القيامة، وألحقنا بمن مضى من طينة العظماء إيمانا وجهاداً و علماً.
إمين، والحمد لله وب العالمين