JustPaste.it

مُؤسَّسَة البُشْرَيات
قِسْمُ التَّفْرِيغِ وَالنَّشْرِ


تفريغ

مسمى الإيمان والكفر عند الشيخ الألباني -رحمه الله-

 

للشيخ: أبي قتادة عمر بن محمود

تحقيق وتخريج:

أبو محمود الفلسطيني

من سلسلة دروس الشيخ أبي قتادة القديمة

/files/justpaste/d242/a9728221/bopsu2.png

 

مقدم اللقاء: سائل يسأل: فضيلة الشيخ، لقد تكلم الشيخ محمد ناصر الدين لألباني في أشرطة متعددة حول مسألة التكفير ثم أصدر كتاب (التحذير من فتنة التكفير)[1]؛ فهل قوله في هذا الباب هو قول أهل السنة والجماعة أم هو على خلاف ذلك، أرجو منك التفصيل وجزاكم الله خيرا .

الشيخ أبو قتادة:

الجواب على مثل هذه الأسئلة يكون بطريقين:

  • الطريق الأول: هو أن أطلق الحكم ثم أبين وأفصل هذا الحكم وأذكر أدلته.
  • والطريق الثاني: أن أفسر أولا، ثم أخَلص إلى الحكم.

ولكني أشعر ابتداءً أن الأفضل على مثل هذا السؤال الذي يعرض أن أطلق الحكم على الشيخ ناصر ثم أفصله.

أيها الأحبة، قيامًا بواجب هذا الدين علينا، وابتعادًا عن كل مؤثرات الأسماء العظيمة في هذا الزمان أو التي تعظم؛ فإن الشيخ ناصر الدين الألباني ليس على عقيدة أهل السنة والجماعة في موضوع التكفير، قد يسأل سائل لماذا قال الشيخ موضوع التكفير ولم يقل موضوع الإيمان؟
لأن أهل السنة والجماعة لهم دين ولهم اعتقاد في الإيمان ولهم اعتقاد فيما يضاده.

الشيخ ناصر الدين الألباني مرجئ في الإيمان ومرجئ في التكفير، وكل ما يقوله الشيخ ناصر في هذا الباب مخالف لأئمة السلف، مخالف لما يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية، مخالف لما يقوله أئمة الدعوة النجدية. الشيخ ناصر -أيها الأخ الحبيب وأيها الإخوة- مرجئ، بمعنى على عقيدة الإرجاء، فهو في هذا الباب ليس كما يقال لرجل: "عنده شيء من الإرجاء"، الشيخ ناصر مرجئ على عقيدة المرجئة فهو في هذا الباب مبتدع. قد يقول قائل: إنها لعظيمة! نقول: إنها لعظيمة منه أن يكون كذلك، وليست عظيمة منا أن نقرر الحق الذي أخذه الله -عز وجل علينا- أن نبينه للناس، قال تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران187)، هذا هو دين الله، ودين الله لا يعرف المحاباة. لماذا الشيخ ناصر مرجئ في موضوع الإيمان؟

الإيمان عند أهل السنة والجماعة بالرغم أني فصلت هذا بفضل الله سبحانه وتعالى كثيرا وخاصة في دورة مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة[2] -وهي مسجلة وأنا أنصح إخواني أن يستمعوا لها لا أن يسمعوا[3] ولكن يستمعوا لها المرة تلو المرة-، فإني اعتبرها بتوفيق الله وفضل الله سبحانه وتعالى وتحدثا بنعمته أنها تصلح لمنطلق المرء في فهمه هذه القضية العظيمة التي كثر حولها الجدل وخاض الناس فيها قديما وحديثا، وآليتُ فيها ألا أذكر شيئا إلا ما قاله السلف. ولكني وقد سألت عن هذا السؤال في هذا الموطن فسأحاول أن أبين باختصار يتماثل مع هذا اللقاء، وإن كان موضوع الإيمان موضوع طويل يحتاج إلى تفصيل طويل يرجع إليه في أشرطة دورة مسمى الإيمان.

ما هو الإيمان عند أهل السنة والجماعة؟

الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، وللذِكر فليس الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو كما يقول الناس ويردده كثير من طلبة العلم أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وتصديق بالجنان، هذا خطأ، لأن الجنان -أيها الأحبة- ليس الإيمان المكلف به فقط هو التصديق بل إن القلب مكلف بأقوال وأعمال، إذا قلنا أن الايمان هو تصديق الجنان فقط فأين نذهب بالحب القلبي وأين نذهب بالرجاء وأين نذهب بالخوف، أين نذهب بهذا كله وهي من أعمال القلوب وليست تصديقا بل هي أعمال للقلوب؛ ولذلك قول السلف بإجماعهم أن الإيمان قول وعمل.[4]
قول ماذا؟ وعمل ماذا؟
قول اللسان وعمل القلب، قول اللسان وقول القلب.

فالقلب يقول ويتحدث، ومن أحاديثه وأقواله التصديق، وعمل ماذا؟ عمل الأركان وعمل القلب، والحق أن القول عمل وإنما هذا التفصيل لتسمية ما يقوم به اللسان، فعمل اللسان هو القول، وقول القلب هو عمل؛ فالإيمان هو العمل.

إذًا، الإيمان عند أهل السنة قول وعمل والكفر قول وعمل[5].

ولكن الأقوال والأعمال الإيمانية ليست على مرتبة واحدة؛ فهناك أقوال إيمانية ركن في الإيمان، فإذا ذهبت هذه الأقوال ذهب الإيمان كله من أصله ليصبح الرجل كافرا، مثل قول اللسان "لا إله إلا الله"، فلو أن رجلا آمن بقلبه أي قال قلبه "لا إله إلا الله"، ولكن لم يقل لسانه -لغير عذر من الأعذار الشرعية- "لا إله إلا الله"؛ فهو كافر، وكذلك من الأقول القلبية هو التصديق، فالتصديق قول القلب، فلو ترك المرء التصديق لكفر.

إذًا، هناك أقوال إيمانية هي ركن في الإيمان ولو ذهب واحد من هذه الأركان ذهب الإيمان-لأن الركن عند العلماء هو ما كان داخلا في الشيء ولا يصح الشيء إلا به، يعني لو ذهب لذهب الشيء كله-. فهنالك أقوال إيمانية ركن من الإيمان، وهناك أقوال إيمانية واجبة -واجبة بمعنى أنه لو ذهب هذا العمل الواجب لا يذهب أصل الإيمان ولكن يذهب جزء من أجزائه مما يؤثر على تمامه الواجب ولكن لا يكفر المرء-، من هذه الأقوال التي هي واجب من واجبات الإيمان: التسبيح في الصلاة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من الأقوال الواجبة في القلب: محبة المسلمين، الشفقة عليهم، فهذا قول من أقوال القلب وهذا قول واجب، وهناك أقوال مستحبة للسان وهناك أقوال مستحبة للقلب مثل أن يسبح المرء ربه في غير الصلاة أن يقول "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وهناك أقوال قلبية مستحبة وهي أن يحب المرء لجاره ما يحب لنفسه، وأن ينام إذا نام وليس في قلبه غل على أحد من المسلمين، هذا عمل قد يتساوى بين الوجوب والاستحباب بحسب مرتبته.

إذًا، هناك كما رأيتم أن الإيمان قول، وهذا القول إما أن يكون ركنا وإما أن يكون واجبا وإما أن يكون مستحبا، وكذلك الأعمال هناك أعمال هي من أركان الإيمان، ومنها الصلاة، فمن تركها فقد كفر، وكذلك الالتزام الإجمالي بالشريعة[6]، وهناك أعمال واجبة من أعمال الإيمان - الإيمان قول وعمل- منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده وإن لم يستطع فبلسانه)[7]، والذهاب إلى المسجد إذا دعي إلى الصلاة، ومن ترك واجبا من واجبات الإيمان؛ نقصت مرتبة الإيمان الواجبة عنده ولكن بقي أصل الإيمان. لكن لو أن المرء ترك الصلاة لكفر، لو ترك الالتزام الإجمالي بالشريعة لكفر.

وهناك أعمال مستحبة –للقلب وللجوارح- وهي كثيرة. فهذا هو الإيمان عند أهل السنة والجماعة.

الإيمان والكفر عند الفرق البدعية:

الإيمان والكفر عند المرجئة:
المرجئة ليسوا مرتبة واحدة، هناك من المرجئة من يقول إن عمل الجوارح لا يدخل في مسمى الإيمان بحال من الأحوال، وهناك قسم من المرجئة من يقول إن العمل من الإيمان ولكن يدخل في قسم الواجب والمستحب ولا يدخل في قسم الأركان، -انتبهوا أيها الإخوة، الناس لا يفهمون من المرجئة إلا هذا القسم وهم الذين يقولون إن العمل ليس من الإيمان- فالمرجئة أقسام في هذا الباب:

  • قسم لا يرى العمل داخلا في مسمى الإيمان قط، الإيمان عندهم هو تصديق القلب وقول اللسان.
  • قسم يرى أن الإيمان هو التصديق فقط ولا يوجب على الناس أن يقولوا باللسان، وبعضهم يوجب ولا يجعله ركنا ولكنه للحكم عليه بالإسلام، يعني ممكن للرجل عندهم أن يكون مسلما ولا يقول "لا إله إلا الا الله"، ولكن لا نحكم عليه - في الحقيقة- بالإسلام إلا بالشهادة، فالشهادة من أجل الحكم عليه بالإسلام لا من أجل تحقق الإسلام[8] فيه أو تحقق الإيمان فيه، فهذا قسم آخر من المرجئة.
  • وهناك قسم من المرجئة منهم الشيخ ناصر الألباني، يقولون إن العمل من الإيمان، ولكن يفسرون ذلك بالعمل مطلقا، وجميع الأعمال هي قسم الواجب والمستحب عندهم، وليس هناك أعمال تدخل في قسم الركن[9]، وهذا مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب. وقد ذُكر بالدليل من أراد أن يرجع الى هذا الفرق بين أهل السنة والمرجئة في هذا الباب فليرجع إلى كلام شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه الإيمان الأوسط فإنه صرح أن من قال بهذا فهو مرجئ في هذا الباب [10].

الآن فهمنا ما هو إرجاء الشيخ ناصر الألباني في باب الإيمان، وهذا صرح به الشيخ ناصر الألباني في أشرطته، ذكر هذا في شريطه "التحذير من فتنة التكفير" للرد على منهج الخوارج[11] وكأن الاخوة الذين يقولون أن هناك أعمال ركنية في الإيمان هم خوارج بالرغم أن الخوارج ليسوا هؤلاء، بل هؤلاء هم أهل السنة وسنبين من هم الخوارج. الخوارج يتفقون مع أهل السنة في أن الأعمال من الإيمان، ولكن أين يختلف أهل السنة مع الخوارج؟

الجواب: في تقسيم الأعمال إلى المراتب التي ذكرناها، الخوارج لا يرون فرقا بين الواجب والركن ويجعلون الواجبات والأركان أركانا، فهم يكفرون على ترك الواجبات[12] ونحن لا نكفر على ترك الأعمال الواجبة، نحن نكفر على ترك الأعمال التي سمّاها الله ركنا وسمّى تاركها كافرا .

الآن، كيف الشيخ ناصر الألباني مرجئ في التكفير؟

إذا فهمنا هذا علمنا كيف أن الشيخ ناصر مرجئ في التكفير. إذًا هو لا يكفر من ترك ركنا من أركان الإيمان هذا واحد ، وهذا إرجاء، ولكنه عنده إرجاء زائد في باب التكفير غير هذه المسالة وهي أوضح عنده من هذه المسألة –عدم تكفير من ترك ركنا من أركان الإيمان-، وهي بالتفصيل واضحة عنده في باب الإيمان ومسمى الإيمان لأنه لا يجعل هناك أي عمل من الأعمال يمكن أن يكون ركنا من أركان الإيمان، فبالتالي هو لا يكفر من ترك أركان الإيمان وهي التي إذا تركها المرء بطل أصل إيمانه .

الآن النقطة الثانية[13] عنده في قضية الإرجاء، وهي واضحة كل الوضوح عند الشيخ ناصر الألباني وصرح الأئمة بأن من قال بهذا هو مرجئ:
يقول تبعا لهذه النقطة أن الاعمال التي سماها الله سبحانه وتعالى كفرا لا يجوز أن نكفر أحدا بها حتى نعلم ما في قلبه[14]، وهذا شرط زائد على كتاب الله سبحانه وتعالى، الشارع كفر بالأقوال، قال سبحانه: {وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ} (التوبة74)، فسمى الكلمة كفرا، ولم يقل أن قلوبهم كافرة، بلا شك أنهم لم يصدر منهم الكفر العملي بعمل حتى كفر القلب ولذلك أهل السنة حين يكفرون الرجل لعمله يكفرونه...[15]

 

أنقطع التسجيل وبقية الكلام كتبه أبو محمود:

 

لأن العمل كفر بذاته وليس لأنه دليل على ما في القلب كما تقول المرجئة، أو لأن الكفر العملي يستلزم الكفر الاعتقادي ولا بد، مثل السجود للصنم والاستهانة بالكتاب وسب الرسول والهزل بالدين، أو لارتباط الباطن بالظاهر وصرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقلت كلامه آنفا في الحاشية وكذلك قوله -رحمه الله-: " كما لو أخذ يلقي المصحف فى الحش ويقول أشهد أن ما فيه كلام الله أو جعل يقتل نبيا من الأنبياء ويقول أشهد أنه رسول الله ونحو ذلك من الأفعال التى تنافي إيمان القلب، فإذا قال أنا مؤمن بقلبى مع هذه الحال كان كاذبا فيما أظهره من القول فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة فى هذا الباب" .مجموع الفتاوى(7\616).

وقال ابن القيم: "وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح ولا سيما إذا كان ملزوما لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره"[16].

وكذلك قال: "وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده؛ فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان، وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعا ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه؛ فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرا ويسمى رسول الله تارك الصلاة كافرا ولا يطلق عليهما اسم كافر، وقد نفى رسول الله الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر وعمن لا يأمن جاره بوائقه، وإذا نفي عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد"[17].

وقال ابن حزم: "وأما قولهم إن شتم الله تعالى ليس كفرا وكذلك شتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو دعوى لأن الله تعالى قال: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} (التوبة 74)، فنص تعالى على أن من الكلام ما هو كفر وقال تعالى: {إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ}، فنص تعالى أن من الكلام في آيات الله تعالى ما هو كفر بعينه مسموع. وقال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً}، فنص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر فخرج عن الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك أني علمت أن في قلوبكم كفرا بل جعلهم كفارا بنفس الاستهزاء ومن ادعى غير هذا فقد قول الله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى"[18].

وكذلك قال ابن حزم مستنكرا على المرجئة قولهم أن شتم الله سبحانه وشتم رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليس كفرا بذاته: "وقال هؤلاء: إن شتم الله -عز وجل- وشتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس كفرا لكنه دليل على أن في قلبه كفرا "[19].

وكذلك قال ابن حزم: "وأما قولهم أن أخبار الله تعالى بأن هؤلاء كلهم كفار دليل على أن في قلوبهم كفرا وإن شتم الله تعالى ليس كفر ولكنه دليل على أن في القلب كفرا وأن كان كافرا لم يعرف الله تعالى قط؛ فهذه منهم دعاوى كاذبة مفتراة لا دليل لهم عليها ولا برهان لا من نص ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من حجة عقل أصلا ولا من إجماع ولا من قياس ولا من قول أحد من السلف قبل اللعين جهم بن صفوان وما كان هكذا فهو باطل وإفك وزور فسقط قولهم هذا من قرب ولله الحمد رب العالمين"[20].

وسُأل الحكمي: إذا قيل لنا: هل السجود للصنم والاستهانة بالكتاب وسب الرسول والهزل بالدين ونحو ذلك هذا كله من الكفر العملي فيما يظهر، فلم كان مخرجا من الدين وقد عرفتم الكفر الأصغر بالعملي؟

فأجاب -رحمه الله-: "اعلم أن هذه الأربعة وما شاكلها ليس هي من الكفر العملي إلا من جهة كونها واقعة بعمل الجوارح فيما يظهر للناس، ولكنها لا تقع إلا مع ذهاب عمل القلب من نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده، لا يبقى معها شيء من ذلك، فهي وإن كانت عملية في الظاهر فإنها مستلزمة للكفر الاعتقادي ولا بد، ولم تكن هذه لتقع إلا من منافق مارق، أو معاند مارد، وهل حمل المنافقين في غزوة تبوك على أن {قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} إلا ذلك؟ مع قولهم لما سئلوا: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}.

قال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}"[21].

وكما هو واضح من كلام الحكمي أن عند أهل السنة أعمال مكفرة، فقد أوضح أن عند أهل السنة هناك كفر عملي أصغر وكفر عملي أكبر وجعل هذه الأعمال التي هي كفر مستلزمة للاعتقادي ولم يجعل الاعتقادي دليلا عليها.

وقال سليمان بن عبد الله في رده على من فهم كلام ابن القيم أن ترك الصلاة والحكم بغير ما أنزل الله كفر عملي لا يوجب الردة إلا مع اقترانه بالاعتقاد لأن الكفر الصريح لا يكون إلا اعتقاديا:

"وأما قولكم وقول العلامة ابن القيم في كتابه في (الصلاة) الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة كفر عملي، وتحقيقه أن الكفر كفر عملي كفر جحود، فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا، فهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه؛ إذ حقيقة الإيمان التصديق، وأما الكفر العملي فهو نوعان: نوع يضاد الإيمان ويصير فاعله في حكم الكفر الاعتقادي؛ كالسجود للصنم وسب الرسول وقتله والاستهزاء والاستهانة بالمصحف، والذي يقوي عندي أن يكون هذا من الكفر الاعتقادي والعملي معا؛ فإنه لا يسجد للصنم وهو مؤمن بالله ولا يهين المصحف أو يسب نبيا أو يقتله وهو مصدق أنه نبي، ألا ترى إلى قريش في صلح الحديبية لم يرضوا أن يكتب "هذا ما صالح عليه رسول الله"، وقالوا: "اكتب محمد بن عبد الله، لو نعلم أنك رسول الله لما صددناك عن البيت" الحديث، ونوع لا يضاده؛ كالحكم بغير ما أنزل الله، فإن الله سمى فاعله كافرا، ومثله تارك الصلاة سماه رسول الله كافرا كما سمعته آنفا ولكن هذا كفر عملي لا كفر اعتقاد .
فنقول: أنتم إنما فهمتم من كلام ابن القيم ان الكفر الصريح لا يصرن عمليا بل هو خاص بالاعتقادي أو مع اقترانه بالعملي فأما مجرد العملي فلا يكون كفرا موجبا للردة حقيقة وفهمتم منه أيضا أن مراده بالكفر العملي عمل الجوارح الخاص بها وهذا فهم باطل وتعليل عاطل من وجوه:
أحدها: أن ابن القيم -رحمه الله تعالى- قد شنع في كلامه التشنيع الكلي على من شك في كفر تارك الصلاة كفرا موجبا للردة والخلود في النار والحالة هذه وعبارته ما نصه: "ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها ودُعي إلى فعلها على رؤوس الملأ وهو يرى بارقة السيف على رأسه وشد للقتل وعصبت عيناه وقيل له: تصلي وإلا قتلناك، فيقول: اقتلوني ولا أصلي أبدا، ومن لا يكفر تارك الصلاة يقول هذا مؤمن مسلم يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، وبعضهم يقول هو مؤمن كامل الإيمان إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل، أفلا يستحي من هذا قوله، من إنكاره تكفير من شهد بتكفير الكتاب والسنة واتفاق الصحابة.
الثاني: أنه جعل في كتابه في الصلاة شعب الإيمان قسمين: قولية، وفعلية، وكذلك شعب الكفر نوعان: قولية، وفعلية، فكما أن من شعب الإيمان القولية شعبة يوجب زوالها زوال الإيمان؛ فكذلك من شعبه الفعلية ما يوجب زوالها زوال الإيمان كالصلاة، وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية فكما يكفر بكلمة الكفر اختيارا وهي شعبة من شعب الكفر؛ كذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف والصلاة وقتل الأنبياء، فإنه كفر عملي.
الثالث: أنه جعل حقيقة الإيمان مركبة (من قول) وقسمه إلى قسمين: قول القلب -وهو الاعتقاد-، وقول اللسان -وهو التكلم بكلمة الإسلام-، (ومن عمل) وقسمه إلى قسمين أيضا: عمل القلب -وهو نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده-، وعمل الجوارح، ورتب زوال الإيمان بكماله على زوال هذه الأربعة، فإن زال بعضها، فإن كان التصديق؛ لم ينفع باقي ما أتى به، وإن كان غيره؛ فإن كان عمل القلب فقط أو مع الجوارح؛ فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب وهو محبته وانقياده للأوامر وإن عملت الجوارح ظاهرا ومع انتفاء عملها اللازم منه انتفاء عمل القلب وعبارته ما نصها: ومنها أصل آخر وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب وهو اعتقاده وتصديقه، وقول اللسان وهو التكلم بكلمة الإسلام والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله وإذا زال تصديق القلب لم تنفعه بقية الأشياء؛ فإن تصديق القلب شرط في اعتبارها لكونها نافعة صحيحة، وإذا زال عمل القلب فقط مع وجود اعتقاد الصدق أو زال عمل الجوارح أيضا؛ فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع مجرد التصديق مع انتفاء عمل القلب وهو محبته وانقياده للأوامر سواء عملت الجوارح ظاهرا أو لم تعمل ووجد التصديق، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول بل ويقرون به سرا وجهرا ويقولون ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم عمل الجوارح، ولاسيما إذا كان ملزوما لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره، فإنه يلزم من عدم طاعة الجوارح عدم طاعة القلب؛ إذ لو أطاع القلب وانقاد لأطاعته الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعة القلب وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة وهو حقيقة الإيمان، فإنه ليس مجرد التصديق كما تقدم كلامنا فيه ودلائلنا عليه، وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد، وهكذا الهدى ليس مجرد معرفة الحق وتثبيته، بل هو معرفة المستلزمة لإتباعه والعمل بموجبه، وان سمي الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء، كما أن التصديق وان سمي تصديقا فليس هو التصديق المستلزم للإيمان.
الرابع: قوله: وههنا أصل آخر وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد، فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكام دينه وما جاءت به رسله، وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه، وأما كفر العمل، فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده، فالأول: كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه والاستهزاء بما جاء به والحكم بغير ما أنزل الله حيث كان فيه رد لنص حكم الله عيانا راضيا بذلك وترك الصلاة عنادا وبغيا"[22].انتهى

وقال بن باز: "الكفر العملي يخرج من الملة: مثل السجود لغير الله، والذبح لغير الله، هذا كفر عملي يخرج من الملة، الذي يذبح للأصنام أو إلى الكواكب، أو إلى الجن كفر عملي أكبر، وهكذا لو صلى لهم أو سجد لهم، يكفر كفرا عمليا أكبر، وهكذا لو سب الدين أو سب الرسول أو استهزأ بالله أو بالرسول هذا كفر عملي أكبر، عند جميع أهل السنة والجماعة". انتهى

قال الشيخ عبد العزيز الراجحي: "ويكون الكفر في العمل أيضا، كما لو سجد للصنم؛ فالسجود للصنم كفر عمل، ويكون الكفر أيضا بالإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعبد الله. فالكفر يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالعمل، ويكون بالرفض والترك والإعراض عن دين الله، أما المرجئة فإنهم يرون أن الكفر لا يكون إلا بالقلب، وأن السجود للصنم أو السب إنما هو دليل على ما في القلب، والصواب أنه كفر مستقل بنفسه، فالسجود للصنم كفر بنفسه، والسب والاستهزاء لله ولكتابه ولرسول دينه كفر بنفسه". انتهى.

وكما هو واضح من كلام العلماء من السلف والخلف أن الكفر العملي منه ما هو أكبر مخرج من الملة والعمل الذي هو كفر يكون كفر بذاته ليس دليلا على ما في القلب.

وبهذا يتضح خطأ الشيخ الألباني -رحمه الله- في مسمى الإيمان ومسمى الكفر وأنه خالف ما عليه أهل السنة ولو قال أن الإيمان يزيد وينقص، لأنه أخرج العمل من الإيمان في بعض أقواله وجعله شرط صحة، وفي أقوال أخرى جعل العمل -أي جنس العمل- ليس ركنًا في الإيمان بل واجب أو مستحب، وكذلك صرح أنه لا يرى إلا الكفر الاعتقادي المخرج من الملة.

وحقيقة الشيخ الألباني أن اجتهاده هو ما أوصله لهذه الأقوال ولم يبتغ بها إرضاء حاكم أو طاغوت، بل الشيخ عرف بزهده وورعه في المناصب والأموال وعرف ببعده عن الطواغيت الحكام ولم يكن مقربا من حاكم قط بل لاقى منهم الأذى، فالشيخ الألباني لم يتقلد منصبًا رسمي بحياته كلها وهذه تحسب للشيخ وصدقه، وكذلك الشيخ -رحمه الله- له جهود جبارة في محاربة المذهبية وأعاد للدليل قيمته بعد أن اختفى من كتب المذاعب الفقهية وحارب التعصب للمذاهب، وكذلك الشيخ الألباني خدم السنة كل حياته تحقيقا وتخريجا وتصحيحا وتضعيفا، فمكانة الشيخ عظيمة عند كل الحركات الإسلامية عامة والجهادية خاصة، وقال شيخنا المقدسي -حفظه الله-: " أنه كان يقبل يد الشيخ الألباني عندما يقابله ويقول له اليد التي تدافع عن سنة رسول الله أولى أن تُقبل". ولكن الحق أحق أن يتبع إذا استغل أفراخ المرجئة اجتهاد الشيخ وزلته وراحوا ينصرون الطواغيت على الحركات الإسلامية التي تسعى لتحكيم الشريعة رافعين عصاة الشيخ الألباني ليضربوا بها من يخالفهم، فكان لزاما على مشايخنا أن يردوا على زلة الشيخ هذه كي يبطلوا مذهب أفراخ المرجئة في إضفاء الشرعية على هؤلاء الحكام.

غفر الله للشيخ الألباني فهو من الأئمة الأعلام الذين يُرفع عنهم الملام فيما أخطؤوا به لأنه أراد الحق فأخطأه، ورحم الله الإمام مالك حينما قال: " كل يأخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر"، وبناء على قول مالك لا بد من رد قول الشيخ الألباني -رحمه الله- في مسمى الإيمان والكفر والتمسك بقول أهل السنة المعلوم: "الإيمان تصديق وقول وعمل، والعمل ركن في الإيمان، وهناك كفر عملي مخرج من الملة فمن ترك عمل هو ركن في الإيمان فقد ذهب الإيمان بالكلية أي كفر بتركه".

والحمد لله رب العالمين.

 

تحقيق وتخريج: أبو محمود الفلسطيني

_____________________

[1] - أصل الكتاب كلمة صوتية للشيخ الألباني جوابا على سؤال حول التكفير وأعدها أبو أنس علي بن حسين أبو لوز وأضاف عليه بعض تقريض الشيخ بن باز عليها وتعليق الشيخ العثيمين، وكذلك أضاف المعد بعض الأقوال عن الحكم بغير ما أنزل الله.

[2] - تعتبر هذه الدورة العلمية من أهم نتاج الشيخ العلمي وأثنى عليها جل العلماء والمشايخ وقد شرحها الشيخ أكثر من ثلاث مرات في بيشاور ولندن، وقد اعتبرها البعض أنها أفضل ما قيل في موضوع الإيمان في هذا العصر، وفيها رد على الفرق البدعية كالأشاعرة والمعتزلة والصوفية، وتعتبر هذه الدورة لطلبة العلم لمستواها العالي والأسلوب الأكاديمي. والدورة منشورة على اليوتيوب بجودة عالية وكذلك تم نفريغها كتابة ومنشور التفريغ على النت.

[3] - هناك فرق بين السمع والاستماع، السمع يكون بقصد وغير قصد وغالبا يكون بغير قصد، بينما الاستماع يكون قصد السماع والإصغاء للمتكلم فيكون التركيز أكبر والفهم أفضل.

[4] - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، ولا بد فيه من شيئين:
تصديق القلب، وإقراره ومعرفته، ويقال لهذا قول القلب. ولابد فيه من عمل القلب، مثل حب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. وغير ذلك من أعمال القلوب، التي أوجبها الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وجعلها من الإيمان. (الإيمان 176)

يقول ابن تيمية: وكذلك قول من قال: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان وعمل بالجوارح، جعل القول والعمل اسما لما يظهر، فاحتاج أن يضم إلى ذلك اعتقاد القلب، ولا بد أن يدخل في قوله: اعتقاد القلب، أعمال القلب المقارنة لتصديقه، مثل حب الله، وخشية الله والتوكل عليه، ونحو ذلك، فإن دخول أعمال القلب في الإيمان أولى من دخول أعمال الجوارح باتفاق الطوائف كلها.(الفتاوى 7\506)

[5] - قال ابن القيم -رحمه الله-: "الكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود، ...، وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاد الإيمان، فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان" كتاب الصلاة ص55.

قال ابن تيمية في (الصارم المسلول) معلقا على آية: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ...}: فبين أنهم كفارٌ بالقول، مع أنهم لم يعتقدوا صحته.

وقال ابن تيمية: وعامة من كذب الرسل علموا أن الحق معهم وأنهم صادقون، ...، فيكذبونهم ويعادونهم، فيكونون من أكفر الناس، كإبليس، وفرعون، مع علمهم بأنهم على الباطل، والرسل على الحق. (الفتاوى 7\191).

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة الفتوى رقم (20212) وتاريخ 7/2/1419هـ: وأنَّ الكفر يكون بالقول والفعل والتَّرك والاعتقاد والشكِّ كما قامت على ذلك الدَّلائل من الكتاب والسُّنَّة.

وجاء في الموسوعة العقدية موقع الدرر السنية أن ابن عيينة والشافعي والحميدي وأحمد وابن حزم وابن تيمية كلهم صدر منهم ردودٌ أو إنكارٌ على الجهميّة والمرجئة الذين يشترطونَ الاعتقاد أو الاستحلال.

[6] - ترك الالتزام الإجمالي هو الناقض لأصل الإيمان، لأن الالتزام الإجمالي يكون في الظاهر والباطن فالظاهر يتحقق بالإتيان بجنس العمل وبما جاء الدليل على أن تركه كفر كالصلاة، والباطن يتحقق بأعمال القلب مثل الخضوع والانقياد. وأما الالتزام التفصيلي يُنقص الإيمان ولا ينقض أصله لأن الالتزام التفصيلي يكون بفعل كل الواجبات واجبا واجبا وكل المستحبات وترك كل المحرمات محرما محرما، فكل من أتى بواجب أو ترك محرما زاد أيمانه ومن فعل محرما نقص إيمانه.

[7] - رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه مسلم في صحيحه وأبي داود في سننه وسكت عنه (أي صالح الحديث) وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح أبي داود وصحيح ابن ماجه، وأخرجه ابن حبان في صحيحه.

[8] - الله سبحانه جعل الشهادتين باب الدخول إلى الإسلام، وجعل النطق بالشهادتين هو مناط عصمة الدماء والأموال والأعراض. وأصل الدين يتحقق بالإقرار المجمل بكل ما صح به الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تصديقًا وانقيادًا، وهذا هو معنى الشهادتين. وهذا ما أطلق عليه ابن تيمية في كتابه (الإيمان) "الإيمان المجمل".

قال الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم): "ومن المعلوم بالضرورة أن النبي -صلى الله عليه وسلم-كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، ويجعله مسلما. فقد أنكر على أسامه بن زيد قتله لمن قال: لا إله إلا الله لما رفع عليه السيف، واشتد نكيره عليه. ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يشترط على من جاءه يريد الإسلام، أن يلتزم الصلاة والزكاة".

والإسلام يتحقق بشروط غير النطق بالشهادتين مثل الالتزام بالشرائع مثل الصلاة والزكاة ولم يأت بما ينقض الشهادتين من قول أو عمل أو اعتقاد. قال ابن تيمية بعد أن أثبت الإيمان المجمل: "ولكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم إنما يحصل شيئا فشيئا إن أعطاهم الله ذلك". وقال بن باز في جوابه على سؤال بما يتحقق الإسلام: "شروط الإسلام شرطان: الأول: الإخلاص لله في العمل، والثاني: الموافقة للشريعة، هذا هو الذي به تنتفع بعباداتك، ويقبل الله منك عباداتك إذا كنت مسلما".

[9] - قال الشيخ الألباني: "السلف فرقوا بين الإيمان وبين العمل فجعلوا العمل شرط كمال في الإيمان ولم يجعلوه شرط صحة خلافا للخوارج، واضح هذا الجواب؟!"، (موسوعة الألباني في العقيدة 5\636). وهنا واصح أن الشيخ الألباني جعل العمل شرط وكمال ليس صحة، وقال السلف من أخرج العمل من الإيمان هم المرجئة والشرط خارج عن المشروط، وبهذا قال الشيخ الفوزان واتهم قائل العمل شرط أنه جاهل في مسمى الإيمان.

[10] - قال ابن تيمية: "وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجبا ظاهرا، لا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات، ولو قدّر أن يؤدي الواجبات لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة ويصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر؛ فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد -صلى الله عليه وسلم-. ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات، سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له أو جزءا منه- فهذا نزاع لفظي- كان مخطئا خطئا بينا، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف. والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها" (الإيمان الأوسط)، الفتاوى (7\621).

وهنا يقرر ابن تيمة من لم يأت بالعمل فهو كافر: "وأيضا فان الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل كما دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه السلف، وعلى ما هو مقرر في موضعه، فالقول تصديق الرسول، والعمل تصديق القول، فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا. والقول الذي يصير به مؤمنا قول مخصوص وهو الشهادتان، فكذلك العمل هو الصلاة. وأيضا فإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط، فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا، ومن لا دين له فهو كافر" (شرح العمدة2\86).

وهنا يصرح أن انتفاء عمل الجوارح لا يكون إلا مع نفاق في القلب أو زندقة: "وهذه المسألة لها طرفان: أحدهما: في إثبات الكفر الظاهر. والثاني: في إثبات الكفر الباطن.
فأما الطرف الثاني فهو مبني على مسألة كون الإيمان قولا وعملا كما تقدم، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح"، (الإيمان الأوسط، الفتاوى 7\616).

ويقرر انتفاء الإيمان بانتفاء الواحبات التي أوجبها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد -صلى الله عليه وسلم-. ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات، سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له أو جزء منه- فهذا نزاع لفظي- كان مخطئا خطئا بينا، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف. والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها" (الإيمان الأوسط، الفتاوى 7\621).

انتفاء أعمال الجوارح يتلازم مع انتفاء الإيمان في القلب، قال -رحمه الله-: "وللجهمية هنا سؤال ذكره أبو الحسن في كتاب (الموجز)، وهو أن القرآن نفى الإيمان عن غير هؤلاء كقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2]، ولم يقل: إن هذه الأعمال من الإيمان. قالوا: فنحن نقول: من لم يعمل هذه الأعمال لم يكن مؤمنا لأن انتفاءها دليل على انتفاء العلم من قلبه.
 
والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أنكم سلمتم أن هذه الأعمال لازمة لإيمان القلب فإذا انتفت لم يبق في القلب إيمان وهذا هو المطلوب، وبعد هذا فكونها لازمة أو جزءا نزاع لفظي" (الفتاوى 7\202).

ما سبق يثبت التلازم بين أعمال الجوارح والإيمان في القلب وبانتفاء اللزم ينتفي الملزوم.

[11] - ويقصد الشيخ الألباني بالخوارج أهل الجهاد الذين كفروا بالطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل الله واستبدلوا الشريعة بالقوانين الوضعية، وحملوا لواء تحكيم الشريعة ونادوا بالخروج على هؤلاء الطواغيت الجاثيمين على صدر الأمة وباعوا البلاد والعباد للهيود والصليبيين وخلعهم.

[12] - قال ابن تيمية: "وأما قول القائل: إن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله، فهذا ممنوع، وهذا هو الأصل الذي تفرعت عنه البدع في الإيمان، فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله، لم يبق منه شيء، ثم قالت الخوارج والمعتزلة: هو مجموع ما أمر الله به ورسوله، وهو الإيمان المطلق، كما قال أهل الحديث، قالوا: فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء، فيخلد في النار"، (الإيمان ص 186).

قال ابن حزم عن الخوارج:" لأنهم يقولون بذهاب الإيمان جملة بإضاعة الأعمال"، (كتاب الفصل باب الكلام في هل لله تعالى نعمة على الكفار أم لا).

وقال ابن تيمية: "وخالف الخوارج والمعتزلة فقالوا: إن من أتى كبيرة استحق العقوبة حتما، فتحبط جميع حسناته بتلك الكبيرة، ويستحق التخليد في النار، لا يخرج منها بشفاعة ولا غيرها"، (مختصر الفتاوى المصرية ص 561)

[13] - أي الأمر الثاني الذي عند الشيخ الألباني وبسببه وقع في الإرجاء في التكفير.

[14] - فالشيخ الألباني لا يرى إلا الكفر الاعتقادي ولذلك لا يحكم بتكفير أي أحد حتى يعلم ما في قلبه اي ما يعتقده، والشيخ الألباني لا يقول بكفر ساب الله سبحانه أو ساب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا يقول بكفر من يستهزئ بالله أو الرسول أو آيات الله حتي يعلم ما يعتقده الساب.

قال الشيخ الألباني: " أن الكفر قسمان: اعتقادي وعملي. فالاعتقادي مقره القلب. والعملي محله الجوارح. فمن كان عمله كفرا لمخالفته للشرع، وكان مطابقا لما وقر في قلبه من الكفر به؛ فهو الكفر الاعتقادي، وهو الكفر الذي لا يغفره الله، ويخلد صاحبه في النار أبدا.. وأما إذا كان مخالفا لما وقر في قلبه، فهو مؤمن بحكم ربه، ولكنه يخالفه بعمله، فكفره كفر عملي فقط، وليس كفرا اعتقاديا، فهو تحت مشيئة الله إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له"، (الصحيحة [2552] (ج6/112)). وهذا تصريح واضح من الشيخ أنه يحصر الكفر المخرج من الملة بالكفر الاعتقادي فقط.

وقال: "ليست المولاة في حد ذاتها كفرا، كفر ردة، ولكنه معصية كبيرة، فمن استحلها بقلبه كالذي استحل الربا بقلبه، كلاهما ارتد عن الإسلام، ومن لم يستحل بقلبه هذه المعصية أو تلك فلا يزال في دائرة الإسلام......، ليس كل موالاة كفرَ ردة، واضح إلى هنا، [الردة] هو الذي اقترن بالاستحلال القلبي"، (موسعة الألباني في العقيدة 5\655). وهنا واضح اشتراط الاستحلال للتكفير، وكذلك في نفس المصدر اشترط الشيخ الألباني الاستحلال على كفر من لم يحكم بما أنزل الله.

وقال في رده على سؤال عن كفر دون كفر: "هو هذا الكفر الاعتقادي والكفر العملي، الكفر الاعتقادي والكفر العملي، فمن قام في قلبه كفر اعتقادي فهذا الذي يخرج عن الملة، من قام في ذاته كفر عملي عمله يخالف اعتقاده فهذا هو الكفر الدون الذي لا يكفر به"، (موسعة الألباني في العقيدة 4\298)

قال الشيخ الألباني: "من يسب الله – عز وجل – أو يسب نبيه – عليه السلام – أو يسب الدين ، الأمر يعود إلى القصد لأن الإنسان قد يتكلم وقد يفعل فعلا في حالة غضب شديد يعميه عن الكلام المستقيم الذي ينبغي أن يتكلم به ، فإذا ما سمعنا شخصا من هؤلاء –كما قال الشيخ في بعضهم "السفهاء" – يسب الشرع أو الدين أو رب العزة أو نبيه عليه السلام ..الخ، فإذا ما ذكر وهذا يقع كثيرا منهم ومن الناصحين والمذكرين لهم بيقول : لعنة الله على الشيطان ساعة شيطانية غضبية أستغفر الله، فهذا يدل على شيء مهم جدا يضطرنا نحن ألا نتسارع إلى إصدار حكم التكفير بحقه لأنه لم يتقصد الكفر كيف وهو يستغفر الله ويعترف بخطئه فيما بد منه"، (سلسلة الهدى والنور شريط 880 حوار مع العبيلان). فلاحظ كيف اشترط القصد، وهنا يريد قصد الكفر لا قصد الفعل، فهنا خالف صريح الآية واقوال السلف، فالآية واضحة أن المستهزئين لم يقصدوا الكفر ورغم ذلك كفرهم الله سبحانه: {ولئن سألتهم ليقولن كنا نخوض ونلعب... لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}، فثبت عدم قصد الكفر وكذلك ثبت وجود الإيمان عندهم ورغم ذلك كفروا لمجرد الاستهزاء، وهذا قد أجمع عليه علماء السلف.

وقال كذلك: "لا شكَّ أنَّ هذا كفر اعتقادي، بل هذا كفر له قرنان؛ لأَنَّ الاستهزاء بآيات الله عزَّ وجلَّ لا يمكن أَنْ يصدر من مؤمن مهما كان ضعيف الإيمان، وهذا النوع من الكفر الذي يدخل في كلامنا السابق، فاستهزاؤه بآيات الله أكبر إقرار منه أنَّه لا يؤمن بما استهزأ به، فهو كافرٌ كفرًا اعتقاديًا"، (الهدى والنور شريط 672).

ومن تتبع كلام الشيخ الألباني عن التكفير وجده يربطه بالاستحلال والاعتقاد القلبي ولا يرى اي عمل كفر مخرج من الملة إلا مع الاستحلال والاعتقاد.

قول ابن العربي المالكي: " لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدًا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو الحق والعلم، والهزل أخو الباطل والجهل". (أحكام القرآن)

قال ابن حزم: "صح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء -عليهم السلام-، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى، بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر"، (الفصل 3\299).

قال ابن تيمية معلقا على قوله تعالى: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (آل عِـمرَان: 106): "دل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله ورسوله يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفرا وكان كفرا كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه"، (الفتاوى 3\299)

[15] - انقطع كلام الشيخ أبي قتادة عند كلمة "يكفرونه" وأكملت باقي الكلام ونقولات أهل العلم كي يكتمل الكلام ويتحقق المعنى في مذهب أهل السنة بالكفر العملي المخرج من الملة.

[16] - الصلاة وحكم تاركها ص 71.

[17] - المصدر السابق.

[18] - الفصل 3/244

[19] - الفصل 3/239

[20] - الفصل 3/241

[21] - أعلام السنة المنشورة

[22] - التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق وتذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، نسخة المكتبة الشاملة.

 

/files/justpaste/d242/a9728221/oa2cc6.png