JustPaste.it

تعليق الشيخ أبي العباس الشامي على بيان جبهة النصرة في الموقف من التدخل التركي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

بيان إخواننا في "جبهة النصرة" في بيان موقفهم من التدخل التركي متوازن وفيه أمور جيدة:
 -منها ترك الأسلوب الصدامي الاستفزازي، وعدم التعرض لتركيا بسوء، وبيان وجهة نظرهم من غير تجريح للمخالف فضلاً عن تكفيره أو تبديعه أو تفسيقه، والظاهر أنهم اعتبروا هذه المسألة من مسائل الفروع الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف وفي هذا فائدة عظيمة وهي إغلاق الباب على أهل الغلو الذين جعلوا هذه المسألة من مسائل الأصول التي تستوجب تكفير المخالف.

فجزاهم الله خيراً ووفقهم وسددهم إلى ما يحب ويرضى وإكمالاً للفائدة فلي بعض الملاحظات على البيان أسأل الله تعالى التوفيق والسداد فيها.. منها:

  • أنه كان ينبغي التصريح في البيان بالقول بأننا نعذر من اجتهد من الفصائل بخلاف ما ذهبنا إليه ولا حرج في هذا على المخالف مهما كان المخالف له سلف في القول ويجتهد في فعل ما يراه الأصلح للمسلمين من وجهة نظره، بهذا يغلق باب التكفير على الغلاة الذين قد يلجون منه، وإن كان الظاهر من البيان أن المسألة عند إخواننا أنها من مسائل الاجتهاد

    ومنها: قوله: عزمت الحكومة التركية وقوات التحالف الدولي على قيادة المعركة وتوجيهها ضمن مصالحهم وأولوياتهم الخاصة .... الخ.

أقول: في الحقيقة أن تركيا لم تقبل في الانضمام إلى التحالف الدولي ضد داعش كل الفترة السابقة، وحتى الآن، وأن تركيا تحركت منفردة حين رأت الدعم الأمريكي للأحزاب الكردية سياسياً وعسكرياً، أما سياسياً فقد صرح أكثر من مسؤول أمريكي أن الأكراد هم الوحيدون الذين نثق بهم ويمكن الاعتماد عليهم في قتال داعش، وهو كاذب في هذا والذي يريده الأمريكي إيجاد الغطاء الدولي لمساعدة الأكراد في تقسيم سوريا وإقامة دولتهم، وأما عسكرياً فبالقصف المركز على داعش في مناطق التماس مع الأكراد الذي ساعد الحزب الكردي على التمدد جنوباً وغرباً لملء الفراغ الذي أحدثه انسحاب داعش، وهنا استغلت تركيا الحدث وتحركت دباباتها إلى كلس بقرار منفرد وبتأييد من مجلس الأمن القومي التركي وأكثر المعارضة.
ومن المعلوم أن تركيا طالبت عبر السنوات الماضية بمنطقة آمنة على طول الحدود السورية لما في ذلك من مصالح عظيمة للشعب السوري المطرود، وإن كان يتضمن هذا مصالح تركية أيضاً. ولا إشكال في هذا شرعاً وعقلاً للاستفادة من تقاطع المصالح، ولكن تركيا كانت عاجزة عن فرض المنطقة الآمنة وكانت تتحين الفرصة، وقد جاءت، وهي تهديد الأكراد وداعش للأمن القومي التركي.

فتحركت منفردة عسكرياً لمساندة الفصائل الثورية في الشمال السوري، وهنا تقاطعت مصالح الشعب السوري مع تركيا، إضافة إلى أن هناك شخصيات كثيرة جداً وكبيرة جداً في الدولة التركية تحمل همَّ أهل السنة والجماعة في تركيا وسوريا وغيرها من بلدان المسلمين، وتعلم يقيناً خطر المشروع المجوسي بالرعاية الصهيو أمريكية الذي يهدد أمة الإسلام، وأنت لو جلست معهم لما رأيت فرقاً بينك وبينهم في حمل هذا الهمّ وإن كانت الوسائل التي تترجم هذا الهم مختلفة، فلما رأت أمريكا أن تركيا ستنفرد بالإمساك بخيوط العمل في الشمال السوري تحت هذا الغطاء، أعني الأمن القومي التركي، وقد يؤدي تدخلها إلى القضاء على داعش وتحجيم الأحزاب الكردية الموالية لأمريكا تدخلت وأعطت تركيا ما تريد من حق في ضمان أمنها القومي التركي وغير ذلك من المتطلبات التركية، مقابل أن يكون لأمريكا دور في إدارة المعركة ولو صورياً شكلياً للأهداف التي ذكرتها من قبل، أعني التدخل حين الضرورة لمنع القضاء على داعش بالكلية، ومثله الأحزاب الكردية العلمانية اليسارية.

 

إذا علمنا هذا علمنا أن تركيا هي التي قررت التدخل وتحقيق مصالحها ومصالح الشعب السوري، وأن أمريكا دخلت على الخط لإفشال ما أرادته تركيا وفصائل الثورة السورية. ومعرفة هذا التوصيف يترتب عليه الموقف الشرعي، أو السياسي مما يجري.

وبهذا تعلم أن المسألة ليست مسألة قيادة التحالف للمعركة، وأن ترك خوض المعركة مع داعش الخوارج لأجل هذا السبب هو في الحقيقة تحقيق ما يريده الأمريكي لمصالحه ومصالح إسرائيل والنظام السوري، وليس من الصواب أن تكون مخالفة العدو فيما يظهره من أعمال وتصرفات ونوايا هو الحل، بل قد يكون الحل الصحيح استمرار على ما كنا قد قررناه سابقاً مراعين فيه أحكام ديننا ومصالح أمتنا وشعبنا وإن كان في الظاهر موافق لما يريده العدو.

وقد لا تكون عقوبة العدو بمخالفته الظاهرة بل بموافقته في الظاهر وعدم إفساح المجال له ليتفرد في الساحة، فهل إذا اعتزلنا قتال الخوارج نكون عاقبنا أمريكا أو الخوارج أو غيرهم من الأعداء؟

الجواب فيما أرى: لا. بل العقوبة الحقيقية قطع أدوات أمريكا والغرب لإفشال المشروع السني في المنطقة. والله أعلم.

ومنها: قوله: وختاماً... إلى قوله: وأن لا تؤثر عليه في تحديد هذه الأولويات أية جهة أو نظرة خارجية تحرفه عن أولويات الصراع وعن الغايات السامية لأهل الشام وجهادهم المبارك.

أقول: هذا كلام حق، وهو متحقق في نازلتنا هذه. ولله الحمد. إذ قتال الخوارج في الشمال السوري في أقل تقدير أولوية، وقد صرحت بهذا من أشهر عديدة وغيري صرح أيضاً.

وقرار قتالهم كان قديماً ولم يجد فيه شيئٌ، والذي جد أن هناك فرصة لدعم هذا القرار الداخلي الذاتي الصرف والمعاونة عليه، بسبب تقاطع المصالح مع الجهة الداعمة وهم إخواننا الأتراك الذين حضنوا الثورة ودعموها من سنوات عدة بحسب قدراتهم وإمكاناتهم.

والملاحظة نفسها يمكن أن توجه إلى من كان قرارهم ترك قتال الخوارج لأجل أن جهات خارجية دخلت على الخط، والأفضل مخالفتها حسب تصور هذا الفريق. فكيف إذا كان هدف بعض الجهات الخارجية هذا؟!! أعني الدفع لترك قتال داعش والعمل على استئصالها من أرض الشام؟!!

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وسائر إخواننا إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين. والله أعلم وصلى الله على محمد وآله.