JustPaste.it

اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء..)


من أبي محمد المقدسي إلى إخوانه المجاهدين في سوريا خاصة والمسلمين عامة السلام عليكم ورحمة الله وبعد،فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله غيره وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين الذي أرسله الله رحمة للعالمين..قال الله تعالى :(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)

فلقد بلغنا وآلمنا الاقتتال الجاري في سوريا بين بعض جماعات المجاهدين وما حصل فيه من انقلاب بوصلة البعض وانعكاس اتجاه بنادقهم ونيرانهم من النصيريين المجرمين إلى صدور إخوانهم المسلمين لدعاوى لا ينتهض شيئ منها لإباحة الدم الحرام وتبرير عكسهم لوجهة القتال ..


اعلموا يا إخواننا أن المجاهدين اليوم في ساحة الشام هم من خلاصة أهل الإسلام ،وإذا كانت حرمة دماء عموم المسلمين وأدناهم أعظم من حرمة بيت الله الحرام فما بالكم بدماء خلاصة الموحدين وزبدة المجاهدين ...ولقد بلغنا عن إخواننا الثقات أخبار آلمتنا وعجبنا لها كل العجب عن أناس يجيزون لأنفسهم قتل إخوانهم المجاهدين بالظنة وبذرائع غير معتبرة وأسباب لا تصلح لإباحة أو قتل كافر مستأمن فضلا عن أن تبيح دماء خلاصة أهل الإسلام..كدعاوى التواصل مع بعض الفئات حتى لو كانوا يصنفون من المنافقين فقد تواصل رسولنا صلى الله عليه وسلم مع المنافقين وداراهم وصفح عنهم بل وعن المشركين وعبدة الأوثان واليهود وغيرهم كما هو مقرر في سيرته فأي مبيح للدم في مثل هذا ؟! يا أصحاب العقول؟! أو دعاوى كون كل من يقاتل من الصحوات من منطلق أن كل من ليس معي فهو علي !! أو بدعوى أن فلانا كان معنا ثم نقض بيعتنا أو أنه انتقل إلى فصيل آخر من المجاهدين !! أو بدعوى أنه لم يسمع ولم يطع لنا ولم يبايع لجماعتنا التي صارت عندنا كالخلافة والدولة الممكنة !! كما يهرف به بعض أشباح وأشباه المتعالمين ممن يضخمون الأمور ويضعونها في غير حجمها الحقيقي وهذا هو الغلو الذي نهى عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم وحذرنا منه : تعدي حدود الله التي حدها لنا والمبالغة في حجم الأشياء والخروج بها عن وصفها فقد قال حين حذر من المبالغة في حصيات الرجم في الحج (إياكم والغلو في الدين،فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين) رواه الإمام أحمد وغيره .


بل قد بلغنا أن بعضهم جوز لأتباعه تفجير أنفسهم في مواقع ومقرات إخوانهم المجاهدين ؛ فلا أدري أين ذهبت عقول هؤلاء وعقول مشايخهم ومفتيهم ، إن من أفتى من خلاصة علماء المسلمين قديما وحديثا بجواز مثل هذه العمليات للإثخان في أعداء الله قد أباحها بشق الأنفس وقيدها بشروط ثقال لدفع مفاسد حقيقية ضرورية قطعية لا يمكن دفعها إلا بمثل هذه العمليات فمن ذا الذي لا عقل له ولا علم ولا فهم ولا نظر ولا حرقة على دماء المسلمين أفتى هؤلاء بتوجيه مثل هذه الأعمال المحرمة في أصلها وإنما رخص فيها من رخص في ذلك المجال الضيق وتلك الشروط الثقال


من ذا الذي أفتى بجواز توجيهها لأهل الإسلام بل لخلاصتهم!! وكيف يطاع في مثل هذه الفتاوى أليس لمن ينفذها عقل يزعه ويمنعه من التخوض في دماء المسلمين وهو مقبل على الله تعالى ؟! ولقد سمعنا وقرأنا خطاب بعضهم من المفاخرة بشرب الدماء والتفاخر بالعيش بين الأشلاء وإنما يحسن ويبرر مثل هذا الخطاب مع أعداء الدين لا مع المسلمين .. ويا أسفاه على من حرم من معرفة حقيقة الجهاد وقد تصدر للتوجيه والإفتاء كيف يغيب عنه أن الجهاد إنما هو وسيلة إلى غاية عظيمة وخادم لمخدوم كريم هو التوحيد وإعلاؤه وإدخال الناس فيه فإذا صار هذا الخادم وتلكم الوسيلة سببا لتشويه الغاية وإفسادها وصد الناس عنها فلا بارك الله في وسيلة زائغة منحرفة تعود على الغاية العظيمة بالإبطال ولا بارك بخادم يتطاول على مخدومه ويعاديه ويشوهه ... ولقد والله آلمني أن تشارك بعض مواقعنا الدعوية المباركة بنشر أمثال تلك الفتاوى الشاذة والأطروحات المنكوسة فلا أدري هل جرى ذلك في غفلة منها أو نسيان للغاية التي أسست من أجلها لتكون منبرا لجميع المجاهدين تجمع ولا تفرق تتميز ولا تتحيز وإني أذكرهم لأن يبقوا على العهد مفاتيح خير وألفة ووحدة بين المجاهدين وأن لا ينشروا أي مادة متحيزة إلى فئة في الفتنة يكون مآلها استحلال دماء المسلمين وأن ندعوا كما علمنا ربنا من دعاء التابعين بإحسان:( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) ولا نستحيي أونتحرج من إعلان براءتنا من عمل من يتجرأ على دماء المسلمين كائنا من كان فقد فعل ذلك من هو خير منا مع من هو خير منهم حين قال في خالد سيف الله لما قتل أناسا اعتصموا بالسجود وقالوا صبأنا ولم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقال صلى الله عليه وسلم مرتين : ( اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ) والحديث في صحيح البخاري وفيه عبرة للمقلدة من الأتباع الذين يرتكبون شيئا من ذلك طاعة لأمرائهم في معصية الله فإن خالدا كان قد أمر كل واحد من جنده ان يقتل أسيره فأبى عبدالله بن عمر أن يطيع في ذلك وقال:( والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره ) فلم يطيعوا حين أمروا بالخطأ مع أن أميرهم سيف الله وهو خير من جميع أمراء المجاهدين في زماننا ......


هذا وليعلم المجاهدون أن رفع راية التوحيد وهداية الخلق إليها بإخراجهم من عبادة الطواغيت إلى عبادة الله وحده هي الغاية التي خرجوا يقاتلون من أجلها ويخدمونها ، فإذا صار جهادهم وسيلة تصد عن هذه الغاية الشريفة وتنفر منها وتشوهها فليراجعوا هذه الوسيلة وليصححوا بوصلتها وليتذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أعطى الراية لعلي يوم خيبر أوصاه بقوله : ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ). وفي فتح مكة لما مرت كتيبة الأنصار بأبي سفيان وكان للتو قد أسلم قال له سعد بن عبادة وكان أميرا عليهم والراية معه : ( يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة ، ولما أخبر أبو سفيان النبي صلى الله عليه وسلم بقول سعد قال :( كذب سعد ، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة ) ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الراية من سعد وأعطاها لعلي وأمره أن يعطيها لقيس بن سعد بن عبادة خشية تغير خاطر سعد ولكن سعدا خشي أن يقع من ابنه شيئا ينكره النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منه فأعطاها النبي للزبير .....


فتأمل خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لقوم آذوه وأخرجوه وعذبوه ثم إنه عفى عنهم وأطلقهم ليدخلوا في دين الله أفواجا فهذه هي الغاية فتح قلوب العباد للحق والتوحيد قبل فتح البلاد ، وتأمل إلى سعد وحرصه على رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته واستجابته وأوبته رضى الله عنه ....

فليتذكر أهل الجهاد جميعا هذه الدروس وليستخلصوا منها العبر وحذار من أن تطغى الوسيلة على الغاية أو تصد عنها وتشوهها فإن في ذلك ارتكاس الفقه وانتكاس المفاهيم ....


هذا ولا أبخس المجاهدين حقهم أو أكتم ما أعرفه من حسناتهم فقد وصلني عن جماعات منهم ما تقر به العيون من أخبار طيبة مفادها أنهم ينطلقون لعملياتهم من غرفة عملية واحدة مشتركة مع أنهم جماعات عدة وأنهم قد لاقوا قبولا بين عموم الشعب أحبوهم والتفوا حولهم ليتعلموا منهم دينهم ويساعدوهم وأن دعوة التوحيد قد انتشرت بين الناس لمحبتهم لأخلاق المجاهدين ورحمة المجاهدين بهم فوالله إن هذا لهو الفتح المبين لا ما يفاخر به البعض من محبته لشرب الدماء والعيش بين الأشلاء فإنما بعثنا ميسرين ولم نبعث متعنتين .....ولو كان خطاب شرب الدماء والعيش بين الأشلاء وقفا على أعداء الملة ما أنكرناه ولكنه صار موجها إلى صدور المجاهدين والمسلمين ولذلك ننكره ولا نبالي رضي من رضي وغضب من غضب .


فإنه خطاب يخشى على أصحابه أن يؤول حالهم إلى حال من تأول السلف فيهم قوله تعالى :( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) الكهف ، فإن أخسر الناس من ظن وحسب أنه مهتد يحسن صنعا في دعوته أو جهاده أوعبادته فإذا به يكتشف يوم القيامة أنه كان من الضالين ، وأخسر منه من قال الله تعالى فيهم : ( لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ( هود. فزادهم الله اختصاصا بوصف الخسران لأنهم كما في الآيات قبلها زادوا على ضلالهم إضلالا للخلق وصدا عن سبيل الله وتحريفا وتعويجا للسبيل الحق سواء بأقوالهم أو بأفعالهم فليحذر المجاهد الذي خرج يبتغي ما عند الله أن يكون من الخاسرين أو الأخسرين الذين يضلون السبيل ويصدون عن الغاية التي شرع من أجلها الجهاد ويبغونها عوجا ......وليحرص على أن يكون من الهداة المهديين الذين يضعون نصب أعينهم دوما الغاية العظيمة التي شرع الله من أجلها الجهاد وهي التوحيد وإخراج العباد من عبادة العباد الى عبادة الله وحده ، وحذار من تشويه هذه الغاية والصد عنها وتشميت الأعداء بأهلها باقتتالهم واستحلالهم لدماء المسلمين أو بمخالفتهم لوصايا وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، وليستوعبوا عوام المسلمين وليرحموا عصاتهم فضلا عن خواصهم ومجاهديهم فإنهم إن لم يفلحوا بهذا وينجحوا فيه فكيف سينجحون في قيادة الناس حين يحكمون ؟! وليعلموا أن المؤامرة على جهادهم كبيرة تكالب عليهم فيها طواغيت العرب والعجم وهذا يدعوهم إلى الترفع عن حظوظ الأنفس وتذويب جميع أسباب الخلاف والشقاق وليتذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال :( .. من شاقّ شقَّ الله عليه يوم القيامة ) رواه البخاري وغيره ..


أسأل الله تعالى أن يوحد صفوف المجاهدين ويجمع كلمتهم على كلمة التوحيد وأن يؤلف بين قلوبهم ويجمعهم على أتقى قلب رجل فيهم وأن يمكن لراية التوحيد وينكس رايات الشرك والتنديد ...
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .


أبو محمد المقدسي
ربيع الأول 1435 هـ