JustPaste.it

http://s04.justpaste.it/files/justpaste/d239/a9625605/0027-small2.gif

مقتطفات من تفسير سورة الأنبياء

للشيخ اللعلامة أبي قتادة الفلسطيني


(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ)
هذا هو نسبكم إن كنتم مؤمنين، وهذه أعمال سلفكم في هذا النسب، وهي ما يجب أن تكون أعمالكم، فالأمر الأول الذي نجا به السابقون، هو الأمر الذي ينجيكم، فإن الدين واحد، وسبيل النجاة واحد، فلا حجة لتغير الزمن، ولا لتغير الوجوه، لأن عمل الإيمانوشرط النجاة في كل الأزمان واحد، فإنكم إن عملتم بالدعوة إلى الله فرشد إبراهيم سبيلكم، وإن أصبتم السلطان والملك ففهم سليمان نشدتكم، وإن وقع بكم البلاء في أبدانكم وأموالكم وأهليكم فصبر أيوب مقامكم، وإن أذنبتم جهلًا ونسيانًا فتوبة يونس أسوتكم، وإن أردتم العطاء الذي تحتاجه إنسانيتكم فدعاء زكريا سُنّتكم، فهذه شريعةٌ لا تتغيّر ولا تتبدّل، لأنكم أُمَّة واحدة.
وها أنت ترى أن قوام هذه الأُمَّة أعمال صبغت شخصياتها، فصارت عناوين الأُمَّة ممثلةً بهم، وصارت شخوصهم صورة المثال لهذه الحقائق من القيم الإيمانية العظيمة، فهذا رشد إبراهيم وهذه حكمة سليمان وهذا صبر أيوب وهذه توبة يونس، فكل وجود الإنسان لا بُدَّ أن يجد له ملاذًا في هذه العناوين الإيمانية العظيمة، وكلما دخل واحد فيها صار عضوًا من أهلها.
وهي أُمَّةٌ واحدة، إذ كل ما يجعله البشر حواجز تمنع تحقيق لحمة الإيمان هي حواجز جواهلية، فإن الرب واحد وسبيل الإيمان واحد، وهذه بحكم الله في كل مراحل التاريخ هي قاعدة تكوين الأُمَّة وتحقيق وجودها.
وحين يتساءل الناس عن الهوية، وما الذي يجمع الناس ويفرقهم يأتي الجواب القرآني: ]وَأَنَا رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ[، فإن هذه الأُمَّة التي تستحق قيادة الناس هي أُمَّةُ القيم، فلا استعلاء قولي، ولا غرور عرقي، بل الإيمان بالله وعبوديته هي القيم التي تستحق أن يجمع الناس حولها، وهي دون غيرها من تحقق الخيرية لهذه الأُمَّة من أجل قيادة العالم.
هذا يجتمع للأُمَّة القرآنية مصدر نسبها ومصدر قيمها، وتتحقق معانيها القلبية وأعمالها السلوكية، لأن الأُمَّة القرآنية هي أُمَّة الجهاد، وهي أُمَّة النصر الإلهي والوعد الإلهي، وهي بهذا المعنى تقابل الأُمم الجاهلية الأخرى، أُمم عبادة الطاغوت، وصناعة الأصنام، ونشر الوهم والخداع، وإفساد الأخلاق والقيم.
هي أُمَّة الفتيان الخارجين عن قيم آبائهم وأجدادهم ممن استمرؤوا الخوف وعبادة الأصنام، فهم فتيان اقتحام النيران بلا وجلولا خوف، وفتيان تكسير الأصنام والأوهام التي يصنعها شياطين الإنس لتذل لهم عقول وقلوب وجيوب البهائم البشر. وهي أُمَّة الفتيان الحكماء الذين وإن ورثوا العلم من السابقين، إلا أنهم يعلمون أن العطاء الإلهي ليس قاصرا على عمن مضى من حملة العلم، فهم يعرِّضون عقولهم وقلوبهم إلى نفحات الفهم الإلهي، فإنها لا تنقضي حتى مع انقضاء الرسالة وهي أُمَّة الصابرين والتائبين والواعدين و المسبحين والسابقين بالخيرات.
هذه حقيقة الأُمَّة القرآنية، وهي في سموها وربانيتها إلا أنها بشرية الحركة، إنسانية القانون، يصيبها ما يصيب كل البشر، فليسوا ملائكة، لكنهم إن صوّبوا آبوا، وإن أخطأوا تابوا: ] وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[.