JustPaste.it

http://s04.justpaste.it/files/justpaste/d239/a9623617/0027-small2.gif

logo-small_small.gif

نظرة جديدة في الجرح والتعديل؛حزب التحرير

للشيخ العلامة أبي قتادة الفلسطيني

ما نقوله عن الحزب هو قولنا عن كل فرد من أفراد الحزب، لأن الحزب ألزم أفراده ظاهراً وباطناً بكلِّ ما يتبناه الحزب، واشترط بقاء العضو في داخله أن لا يقول قولاً، ولا يصدر موقفاً إلا قول الحزب وموقف الحزب، وإذا تبنّى العضو قولاً غير قول الحزب فإنه مهدد باتّخاذ الموقف المناسب منه وهو الطرد: يقول الحزب في نشرةٍ له: "أما الحزب فإن تبنّيه يجبر كل حزبيّ على تبني ما تبنّاه، وعلى العمل بما تبناه على العمل في الظاهر والباطن، لأن الحزبي يتبنى ما تبناه الحزب، فصار ما تبناه الحزب هو وحده حكم الله في حقّه فله وحده يجب أن يدعو، وبه وحده يجب أن يعمل".

ويقول في نشرةٍ في شهر آب سنة .197 تحت عنوان أجوبة أسئلة: "فلا يصحّ لأيّ شابٍّ أن يؤلّف كتاباً أو يصدر صحيفة أو يكتب مقالاً أو يناقش أحداً مجرَّد مناقشة بأي رأيٍ يخالف آراء الحزب فإن كلّ شابٍّ قد تبنى آراء الحزب تبنياً، فلا يحل له أن يخالفها لا فكراً، ولا قولاً ولا عملاً، وإذا صدر منه شيء من ذلك يعالج ثمّ ينذر ثمّ يُتّخَذ بحقّه الإجراء المقتضى".

هذا بالنسبة للأقوال المتبنّاة، وأما غير المتبناة فيقول في نشرة بتاريخ 24/7/1970 تحت عنوان: أجوبة وأسئلة عن شركات المساهمة. يقول: "لذلك فإن الورع فضلا عن الانصهار الحزبي يقضي على الشباب بعدم مخالفة ما يخرجه الحزب من آراء غير متبناة"، ويقول في نفس النشرة: "والحزب يكره أن يُخَالِفَ شبابُه ما يصدر عنه من كتبٍ ونشرات وآراء". وذكر أن من أسباب هذا هو: "أن المشاهد المحسوس أن الشاب الذي يخالف أفكار الحزب سواء المتبناة أو غيرها يبدأ في الضمور ثم ينتهي به ذلك إلى السقوط".

أما الفرق بين المتبنّى وغير المتبنى فيقول في نشرةٍ بتاريخ 4/7/1970: "إن الكتب المتبنّاة هي التي كتب عليها (من منشورات حزب التحرير) وهي الكتب التي تدرّس في الحلقات مثل "المفاهيم والشخصية ونظام الحكم" وغيرها، أمّا باقي الكتب التي لا تحمل هذه العبارة فهي غير متبناة وإنّما هي عبارةٌ عن أبحاث مهمّة وضعت بين يدي الشباب والناس، لتثـقيفهم وإعانتهم على فهم هذه الموضوعات.

والحزب ينبّه أن لا فرق بين القيادة والقاعدة، فيقول في نشرة بتاريخ 7/5/1971 تحت عنوان "جواب سؤال" يقول: يجب أن يكون معلوماً بيقين أن قيادة الحزب لا تزيد في مقدّراتها عن شباب الحزب، ولا يوجد شيء مهما قلّ يجعل لديها ما ليس لدى شباب الحزب من قدرة ومعرفة وغير ذلك، فمثلها مثل أي شاب... وأما ما يلاحظ من أعمال وأفكار فإنه نتيجة ما أعطيت من صلاحيّات، وليست نتيجةً لمجهود شخصي أو تميز استعدادي، بل هو فقط نتيجة صلاحياتها المعطاة لها ليس غير. اهـ.

ومع أن هذا الكلام يحتاج إلى تعليق موسّع إلا أننا سنقتصر على نقطتين، مع ما قدّمنا من إفادته أن لازم الحزب لازم أفراده، فلا يقولنَّ قائل من حزب التحرير: "قول فلان من الحزب لا يمثّلنا" (كما يهرب عادة أفراد التنظيمات الإسلامية من أقوال قادتهم، وتصريحاتهم بأنها ليست ملزمة).

أما المضيّق المعين فهو:

1 - بلا شك أن هذا اللزوم بدعة جديدة لم يجرأ أحدٌ من قبل أن يُلزم بها أتباعه، وقولهم هذا يجعل الحزب وأفراده هو صورة جديدة لمذهب جديد فيه من التعصب ما يفوق تعصب المذهبيين لأئمتهم.

2 - الحزب يقرر أن هذا اللزوم جاء لخصوصية الصلاحيات التي وسدت للقيادة وليس لمزايا علمية وعقلية، وهذا قول غريب عجيب يكفي أن يرده المسلم متى تصوّره وفهمه فهماً صحيحاً.

والآن ما هو حزب التحرير؟:

جاء في التعريف بالحزب في آخر صفحة من كتاب المفاهيم ما نصّه: "حزب التحرير حزب سياسي مبدؤه الإسلام"، وجاء فيه ما نصه: "يجب أن تكون الكتلة التي تحمل الدعوة الإسلامية كتلة سياسية، ولا يجوز أن تكون كتلة روحية، ولا كتلة أخلاقية، ولا كتلة علمية، ولا كتلة تعليمية، ولا شيئاً من ذلك ولا ما يشبهه، بل يجب أن تكون كتلة سياسية، ومن هنا كان حزب التحرير - وهو حزب إسلامي - حزباً سياسياً، يشتغل بالسياسة، ويعمل لأنه يثقّف الأمة ثقافة إسلامية تبرز فيها الناحية السياسية".

وجاء في كتاب التكتّل الحزبي ما نصّه: "أن الحزب يشرف على فكر المجتمع وحسه ليسيرهما في حركات تصاعديّة، ويحول بين المجتمع وبين الانتكاس في الفكر والحسّ، وهو مدرسة الأمة التي تثقّفها، وتخرجها وتدفعها إلى معترك الحياة العالمية".

وفي نشرة بتاريخ 7/8/1970 تحت عنوان "مفاهيم متبنّاة" يقول الحزب: "إن الحزب ليس من غايته أخذ الحكم، بل غايته هي استئناف الحياة الإسلامية، وحمل الدعوة الإسلامية، فإذا حصل استئناف الحياة الإسلامية فقد تحققت إحدى غايتيه".

أما تعريف السياسة عنده فهي: "رعاية شؤون الناس بالأحكام الشرعية .

والصراع الفكري: " هو نقد الأفكار بالأسلوب اللاذع .

والكفاح السياسي هو نقد أعمال الحكام بالأسلوب اللاذع
". نشرة بتاريخ 13/7/1974 تحت عنوان أجوبة الأسئلة.

هذا هو الإطار العام للحزب وقد طرح نفسه على الناس على هذه الصورة، وأرجع كل مسائل الدين، وأصل بعثة محمّد صلى الله عليه وسلّم إلى هذا الإطار، فهو يسمّي الصحابة المكيين الذين أسلموا قبل الهجرة بالكتلة، بل يسمّيها كتلة سياسية كما تقدّم، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم طرح نفسه للناس كحامل المبدأ، والمبدأ في تعريف الحزب هو: "عقيدة عقلية ينبثق منها التصوّر عن الكون والحياة" وكمكافح سياسي وجمع حوله: "كتلة سياسية تقوم بعملية الصراع الفكري والكفاح السياسي ليسود المبدأ الذي حمله الداعي الأوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وعلى ضوء هذا الفهم العام للحزب قام الحزب من خلال نشراته بالتحذير من الوقوع في الفتن التي تحرف الحزب عن هذا المسار، واعتبر أي تغيير لهذه المفاهيم هو ضلال مبين وانحراف خطير.

يقول الحزب في نشرة بتاريخ 26/6/1970 تحت عنوان "جواب سؤال": "صورة حزب التحرير التي يحاول أن يجعلها تنطبع في أذهان الناس هي صورة القائد الواعي، صورة السياسي المبدع، صورة المفكّر الحصيف، صورة الحاكم العادل، فهو يهدف إلى قيادة الأمة للصّراع مع الشعوب والأمم، ويريد إنهاضها النهضة الصحيحة بالفكر المستنير، ويسعى لأخذ سلطانها ويرعى شؤونها ويتولّى أمرها".

ويقول في نفس النشرة: "وإعطاء المسلمين عن حزب التحرير صورة المفتي يجعلها تصلي خلفه لا أن تنقاد له، ويجعلها تقصده للعلم لا للحماية ورعاية الشؤون، لذلك فإنا إذا أردنا أن نأخذ قيادة الأمة فلا بدّ أن تأخذ الأمة عنا صورة القائد، صورة السياسي، صورة الحاكم القوي، ولا سبيل إلى ذلك إلاّ إذا أعطيناها صورة حزب التحرير، لذلك كان من ألزم الواجبات أن تكون كلَّ صورة الحزبي لدى الأمة هي صورة الحزب، أن تكون شخصية كل حزبيّ عند الناس شخصيةً سياسيةً نضالية، تحاول أخذ قيادة الناس لخوض غمرات الكفاح". ويقول في نفس النشرة: "حزب التحرير لا توجد لديه صفة المفتي لأنّه لا يتصدّر للفتوى، ولا يبحث عن أفعال الأفراد بوصفهم أفراداً ليعطي الحكم الشرعي لها، وإنّما هو سياسي يرعى شؤون الناس بأحكام الشرع، وهو لا توجد لديه صفة العالم لأن عمله ليس التنقيب عن المعرفة في الكتب، وإن كان يراجع الكتب لطلب المعرفة، فالتنقيب عن المعرفة ليس عمله وليس غايته، وإنّما هو وسيلة لعمله وهو السياسة، وهو كذلك ليس واعظاً يذكّر الناس بالآخرة ولا يصرف النّاس عن الدنيا بل يرعى شؤونهم ويبصّرهم بالدنيا لتكون لهم سيادتها، ويجعل غايتهم من الدنيا سعادة الآخرة، ونوال رضوان الله، وهو أيضا ليس معلِّما وإن كان يثقِّف الناس بالأفكار والأحكام، فتعليم المعارف المجردة ليس عمله ولا يعني نفسه بها، وإنّما العمل بالأفكار والأحكام هو ما يهدف إليه، فيعطي المعارف مربوطة بواقعها وظروفها كسياسة لا كعلم، ورعاية شؤون لا كتعليم. ولذلك إن من الظلم أن يقال عن الحزبي أنَّه مفتٍ، ومن الانحراف أن يصبح الحزب مفتياً". ثم يتابع قائلاً: "ومن هنا تظهر فظاعة أن ينقلب الحزب إلى مفتى وأن يصبح شباب الحزب مفتين، فإن ذلك هو الهلاك المحقّق لا للشباب فحسب ولا للحزب وحده، وإنّما للأمة التي يقودها الحزب، وللمبدأ الذي يحمله، إذ يحوّله من وجهة نظرٍ في الحياة إلى معالجة فرديةٍ ليس غير، إن الحزب قد جرت محاولات ثلاث لفتنته عن حقيقته بجرّه عن السياسة إلى الدين والفقه".

ثم يقول: "إن حزب التحرير وهو حزب إسلامي من حيث مبدئه، ليس حزباً إسلامياً كالتكتّلات الإسلامية، فهو لا يعلّم الناس الإسلام ولا يدعو المسلمين للإسلام، ولا يعظ الناس بالإسلام، فالإسلام مبدؤه وليس عمله، والإسلام أساسه وليس صفته، فهو يتولّى السلطة حين يتاح له أن يتولاَّها ليرعى شؤون الناس فعلاً، ويحاسب السلطة في جميع الأحيان سواء أكان في الحكم أو خارج الحكـم، فعمله كلّه محصورٌ بالسياسة، إمّا عمليّاً بمباشرتها وإمّا نظريًّا بمحاسبة الحكّام على أساس الإسلام".

ويقول: من أجل المحافظة على بقاء صورة الحزب لدى النّاس كما هي بأنَّه حزب سياسي ليس غير، ولحماية الشباب من أن يخرجوا خارج إطار الحزب فيصبحوا شيئاً آخر غير الحزب، كأن يصبحوا مفتين أو علماء أو وعَّاظاً أو معلمين فإنه لا يصحّ تصدّر الشباب للفتوى فيقصده الناس للاستفتاء .اهـ.

كنت قد أردت أولاً أن لا أعلِّق ولا أناقش الحزب في طرحه لنفسه، وقلت إنّ طالب العلم حتى لو كان مبتدئاً فإنه سيكتشف عمق الخلل، وانحراف المنهج في داخل الحزب، والعبارات السابقة التي تقدّمت في المقال السابق من نصوص الحزب كافية للحكم عليه بمجرّد قراءتها، ولكني شعرت أن بعضهم بحاجة إلى توضيح المراد من العبارات كما تدل على نفسها بنفسها، ولذلك سأخصّ هذه الحلقة لمناقشة ما تقدّم من طروحات للحزب من خلال عبارتيه السّابقة، وبعض الكواشف لها من عبارات أخرى للحزب.

إنّ أوضح العبارات التي تشرح حقيقة الحزب هي العبارات التالية:

(1) إنّ حزب التحرير هو حزب إسلامي من حيث مبدئه ليس حزباً إسلامياً كالتكتلات الإسلامية، فهو لا يعلّم الناس الإسلام، ولا يدعو المسلمين للإسلام، ولا يعظ الناس بالإسلام، فالإسلام مبدؤه وليس عمله، والإسلام أساسه وليس صفته.

(2) إن الحزب قد جرت محاولات ثلاث لفتنته عن حقيقته، بجرّه عن السياسة إلى الدين والفقه..

(3) ولحماية الشباب من أن يخرجوا خارج إطار الحـزب فيصبحوا شيئاً آخر غير الحزب، كأن يصبحوا مفتين أو علماء أو وعّاظاً أو معلّمين، فإنّه لا يصحّ تصدّر الشّباب للفتوى فيقصدهم النّاس للاستفتاء (تقدّم المرجع في العدد السابق).

أ ) على ضوء هذه النصوص التي تقدّمت فإنّ الحزب يرفض لأتباعه أن يصبحوا:

1 - مفتين.

2 - علماء.

3 - وعاظاً.

4 - معلمين.

ب) وعلى ضوء هذه النصوص فإن الحزب:

1 - لا يعلِّم الناس الإسلام.

2 - لا يدعو المسلمين للإسلام.

3- لا يعظ الناس بالإسلام.

ج) وعلى ضوء هذه النصوص التي تقدمت فإن الحزب لا يشترط في نفسه ولا في أفراده:

1 - صفة الإسلام، (لأن الإسلام أساسه وليست صفته كما يقول)، والأساس هو المبدأ، والمبدأ كما تقدّم في تعريف الحزب: عقيدة عقلية. والصفة: هو الأمر الظاهر الواضح أي هو العمل والسلوك والحركة، فالحزب يرضى من أفراده أن يؤمنوا بالإسلام السياسي، ويحملوا المبدأ الإسلامي في كفاحهم السياسي، ولا يرفض أن يتَّصفوا بغير الإسلام في أعمالهم وسلوكهم وحركة حياتهم.

2 - العمل بالإسلام، وهذا من قوله: "فالإسلام مبدؤه وليس عمله"، فالحزب لا يشترط في نفسه ولا في أفراده العمل بالإسلام، بل إن العمل بالإسلام ليس عمله، ويرفض أن ينظر إليه كذلك.

وبإخراج كلّ هذه (الفتن) كما سمّاها الحزب، وبرفض كل هذه الأعمال التي يعتبرها الحزب انحرافاً عن الطّريق الصحيح لعمل الحزب، فماذا بقي من الإسلام ليحمله الحزب إذاً؟ إنّه يصرّ على أتباعه أن يحملوا مبدأ الإسلام (العقيدة العقلية)، ويقوموا بالكفاح السياسي (وهو نقد أعمال الحكام بالأسلوب اللاذع) والصراع الفكري (وهو نقد الأفكار بالأسلوب اللاذع).

هذا ما بقي من الإسلام في داخل الحزب.

[color=red]ولو طبّقنا قواعد السلف الصالح في الحكم على من آمن بهذا الإسلام على هذه الصورة فإنّه سيكون كافراً بالله ولا شكّ.[/color]

والحزب بهذه الصورة هو من غلاة المرجئة (عقيدة عقلية دون عمل وصفات)، وعلى هذه القواعد التي طرحها الحزب فإنّه يقبل في داخله من لا يعمل بالإسلام ولا يتّصف بالإسلام. فماذا بقي فيه ليُسمّى مسلماً؟ بقي أن يؤمن بمبدأ الإسلام.

اقرأ هذه العبارات:

(1) فهو يتولى السلطة - أي الحزب - حين يُتاح له أن يتولاّها ليرعى شؤون الناس فعلاً، ويحاسب السلطة في جميع الأحيان، سواء أكان في الحكم أو خارج الحكم، فعمله كلّه محصور في السياسة، إما عمليّاً بمباشرتها، وإمّا نظريّاً بمحاسبة الحكّام على أساس الإسلام.

(2) إن الحزب قد جرت محاولاتٌ ثلاث لفتنته عن حقيقته بجرّه عن السياسة إلى الدين والفقه. فالحزب عمله كلّه في السياسة، وأما العمل بالدين والفقه هو فتنة للحزب عن حقيقته.

ونحن لا ندري ما هو تعريف الدين عند حزب التحرير؟.

كذلك لا ندري ما هو تعريف الفقه عند حزب التحرير؟ لكن لو طبّقنا تعريف كلمتي دين وفقه عند أهل الإسلام قاطبة، فسيكون الحزب ليس حزباً دينيّاً، ونحن نعلم وصغار المسلمين يعلمون أنّ الإسلام دين، ولا يوجد شيء في إسلامنا لا يسمّى ديناً.

فسيكون الحزب عندئذ على هذا التعريف (ولا يوجد غيره عند أهل الإسلام) ليس حزباً إسلاميّاً إلاً بمقدار أن يكون الحزب الديمقراطي المسيحي مسيحياً، والحزب العربي الديمقراطي الإسلامي إسلامياً.

(3) لذلك كان من ألزم الواجبات أن تكون صورة كل حزبيٍّ لدى الأمّة هي صورة الحزب، أن تكون شخصيّة كلّ حزبي عند الناس شخصيةً سياسية نضالية، تحاول أخذ قيادة الناس لخوض غمرات الكفاح. اهـ.

إذاً صورة الحزبي صورة مكافح سياسي، صورة مناضلٍ سياسي.

[color=red]ونذكِّر: لا يعمل بالإسلام، ولا يتّصف بالإسلام.[/color]

وحتّى تتّضح الصورة أكثر. فلو سأل سائل: هل يجوز للكتلة السياسية (حزب التحرير)، أو لأفرادها أن يكافحوا كفاحاً عسكريّاً (الجهاد)، أو يناضلوا بالإسلام نضالاً مسلّحاً؟. ومع أن جواب هذا السؤال سيُتعرّض له بتوسّع في "منهج الحزب في التغيير" إلاّ أن طرقه هنا يخدم إعطاء صورة تامَّة عن الحزب.

يقول الحزب في كتاب "مفاهيم حزب التحرير" وهو مُتبنّى: "ولهذا كان لا شأن للكتلة الإسلامية التي تحمل الدعوة بالنواحي العقليّة ولا تشتغل بشيءٍ إلا الدعوة، وتعتبر القيام بأي عملٍ من الأعمال الأخرى مُلهياً ومخدّراً ومعيقاً عن الدعوة ولا يجوز الاشتغال بها مطلقاً" ويقول في المفاهيم أيضاً ما نصّه: ولهذا لا يجوز للكتلة وهي تحمل الدعوة أن تقوم ككتلة بأيّ عملٍ من الأخرى ويجب أن تقتصر على الفِكر والدعوة. اهـ.

وفي نشرةٍ بتاريخ 27/10/1968م تحت عنوان: سأل "أحد الشّباب الحزب"، يقول المنشور في شرح هذه العبارات: "فالحزب قد تبنّى من أوّل يوم وُجد فيه أن لا يقوم بالأعمال المادِّية، وحمل السّلاح من قبل الحزب كحزب للقيام بأعمال بواسطة السلاح هو قيامٌ بأعمال غير فكريّة، قيام بأعمال مادّية، وهو لا يجوز للحزب أن يفعله مهما كانت الغاية التي يحمل السلاح من أجلها، سواء أكانت لإزالة المنكر أو لتسلّم الحكم أو لغير ذلك، ولا يصحّ أن يقوم إلاّ بالأعمال الفكريّة والأعمال السياسية فلا يصحّ أن يقوم بالأعمال المادّية مطلقاً لا بالأمس ولا باليوم ولا في المستقبل فهو مقيَّد بما تبنّى".

ويقول في نفس النشرة: "أن يُطلب من الحزب أن يشارك في الأعمال المسلّحة لأخذ الحكم طلبٌ مرفوض لأنّ الحزب كحزب لا يشارك في حمل السلاح لأخذ الحكم، لأنّه كحزب لا يقوم بالأعمال المادية"... "إن الحزب لا يطلب من غيره الآن أن يقوم بالأعمال المادية والأعمال المسلحة لأخذ الحكم، وإنّما يطلب ممّن لهم المنعة أن ينصُروه، أي أن يستعملوا قوّتهم ونفوذهم لنصرته سواءَ أكان ذلك بالأعمال المسلّحة أم بغيرها".

فالحزب لا يقوم بالعمل المسلّح بل بالكفاح السياسي، والنضال السياسي فقط، وإنّما يطلب من غيره أن يقوم بالعمل المسلَّح أو أي أعمال أخرى ليعطي الحزب الحكم.

يقول في نفس النّشرة: إن طلب الحزب للنصرة ليس طلب فرد من غيره أن يقوم بأعمال مادّية لمساعدته، وهو لا يقوم بها، فليس طلب فردٍ من غيره أن يقاتلوا ليحموه وهو يتأخّر عن القتال وإنّما هو طلبٌ من كتلة من أهل المنعة والقوة أن ينصروها (أي الكتلة) وأن يُزيلوا الحواجز المادّية من طريقها (أي الكتلة) حتى تتسلّم الحكم. اهـ.

وهو بهذا (كما نصّ في مواطن أخرى) لا يمنع الأعمال المادية ومنها الجهاد الفردي، بل يقول بجوازه، ولكن هو يحرّمه على أتباعه، ويمنع تلك الكتلة السياسية (أي حزب التحرير) من ممارستها، بل هو ربّما يحرّض على الأعمال المادّية، لكنّه يرفض أن يمارسها.

أما أدلّته على ذلك فلها موطن آخر.

على الرغم من أن الحزب كما تقدّم يرفض أن يكون مفتياً إلا أنّه مارس الفتوى على جميع الصُّعُد، وكانت هذه الفتاوى الصادرة منه تصبغ ما تقدّم من الإطار العام للحزب شخصية خاصة، لا تتعامل مع الحكم الشرعي والبعد الديني للوقائع والأحكام بمقدار ما تتعامل مع التحليل السياسي لهذا الحدث.

والتحليل السياسي مهما تعمّق فيه صاحبه فإنّه لا يكفي لإصدار حكم شرعيٍّ واضح في المسألة، وقد أقام الشارع أحكاماً شرعية على عللٍ كونيّة واضحةٍ يلتقي حولها أغلب العقلاء. وهذا ليس تهويناً للتحليل السياسي للأحداث، بل هو إعادة له إلى مقامه الصحيح حتى لا يطغى على العلل الشّرعية الواضحة التي تقوم من أجلها الأحكام.

وقبل أن نستفيض في ذكر الأمثلة لهذا الأمر فلا مانع أن نمرّ بإيجاز على محترزات التحليل السياسي للأحداث وما هي مداخل الخطأ فيه:

التحليل السياسي على الجملة ينشأ على ركيزتين اثنتين هما:

1 - معرفة المرء للحدث من جميع جوانبه كما هو من غير تخيل ولا ظنّ.

2 - عقيدة المحلّل السياسي.

وعلى ضوء هاتين الركيزتين ينشأ عادة خطأ التحليل السياسي. فالمحلّل في أغلب الأحيان إن لم يكن قريباً من مصادر الحدث، مطّلعاً على خفاياه وخاصة في عصر النّفاق السياسي، والكيد الذّكي في إدارة الأحداث والأقوال السياسية، فإنّه سيكون أسير الخبر المعلن، والقول الظاهر فحيـنئذٍ تكون أحكامه قاصرة.

وصورة الخطأ الآخر أن المحلّل السياسي (إن لم يكن موضوعيّاً وهو الأغلب) سيحاول دعم عقيدته السياسية بهذا الحدث، حين يأخذ برقبة هذا الحدث ليدخله رغم أنفه إلى جملة الأدلة التي يُعتد بها لخدمة عقيدته. فالشيوعي مثلاً لن يتصوّر حدثاً ما في الدنيا إلا وسيستخدمه في كشف عملاء الإمبريالية، وخطط البعبع الرأسمالي في السيطرة على الحياة والوجود، واليمين الرأسمالي كلّما قُعقع له في الشنان لن يرى إلا مطرقة الشيوعية أو منجلها في هذا الحدث.

وهذا رأيناه بوضوح في كافة الصُّعد في بلادنا العربيّة (وأستغفر الله لهذا التعبير) فإنّ عامّة النّاس كانوا يُساقون إلى تفسير الأحداث على ضوء نظرتهم لليهود والصهيونيّة (وأستغفر الله مرة أخرى)، حتى لو كُسفَت الشّمس، فإنّ وراء كسوفها اليهود، وحزب التحرير على الجملة في كلِّ تفسيراته لكل الأحداث السياسيّة في بلادنا كان يرجعها إلى الصراع الأمريكي - الإنجليزي، حتى أنّ روسيا دخلت أفغانستان يجرها حبل ريغان (الرئيس الأمريكي يومذاك).

وبين يديّ الآن مجموعة من النشرات القديمة والحديثة للحزب تبيّن ما قدّمنا أسوق لكم بعضها كمِثال، مع أن الجراب مليء بمثل هذه الأمثلة.

1 - في نشرة بتاريخ 26/4/1964م وهي نشرة طويلة يقول: "في الصراع القائم بين أمريكا وإنجلترا في الشّرق الأوسط يشترك عملاء كلتا الدولتين في هذا الصراع ويتّخذون الأداة لتنفيذ الخطط، ويعتبر عبد الناصر وحزب البعث وبن بلّة من أبرز عملاء أمريكا الذين لهم أدوار في هذا الصّراع، ويعتبر حزب الشعب (حزب سوري منحل) والحزب الوطني في سوريا، وسياسيّو لبنان إجمالاً حكّاماً وغير حكام، والملك حسين من أبرز عملاء إنجلترا الذين لهم أدوار في هذا الصراع".

وفي البيان يقرر أنّه لا خصومة بين أمريكا وروسيا في الشّرق الأوسط فقد وُزّعت الأدوار بينهم، يقول: إنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ من الاتفافيات التي جرت بين خروتشوف وكينيدي في حزيران 1961 في النّمسا إطلاق يد أمريكا في الشرق الأوسط والشرق الأقصى وأفريقيا واستعداد روسيا لمساندة أميركا ضدّ إنجلترا في أيّ عملٍ يحتاج إلى مساعدة. اهـ. وحسب هذا التحليل لا أدري ماذا بقي لروسيا من قطعة الجبن هذه.

2 - يقول في نشرة بتاريخ 31/8/1968: المحرّك لمشكلة تشيكوسلوفاكيا هو الإنجليز، فقد حرّكوها من أجل إشغال روسيا حتى يتمكّنوا من العمل في الشرق الأوسط. اهـ.

3 - في نشرةٍ بتاريخ 8/2/1969 يقول الحزب: قبل 5 حزيران 1967 كان مفهوماً لدينا أنّ إسرائيل تعمل لمصلحتها، وأنّ سياستها ذاتيّة، وأنّها ترسم سياستها حسب مصلحتها، ولكن بعد 5 حزيران تبيّن لنا من معلومات كثيرة أنّ إسرائيل تسير مع الإنجليز، وأنّ حكّامها عملاءٌ مثل الحسين (ملك الأردن) سواء بسواء، وأن أكثريّتهم عملاء للإنجليز، وقد ظهر ذلك جليّاً في احتلالهم لسيناء، وليست لهم أية مصلحة في ذلك، ثمّ في بقائهم يسيرون بتوجيهات الإنجليز حتى صار واضحاً مثل الشّمس لكلّ العالم أنّ أعمال إسرائيل أعمال إنجليز، وعليه فإنّه ظهر بعد 5 حزيران أن حكام إسرائيل لا يتحركون حركة إلا بأمر الإنجليز.

4 - في نشرة بتاريخ 23/4/1969 يقول الحزب: إنّ الجهاد مع الفدائيين ليس بواجب لسببين:

أحدهما أنّها منظّمات خائنة وُجدت حسب مخطّط إنجليزي، ومن أجل تنفيذه، ومن أنشأوها وكثيرٌ من السائرين فيها من قادتها وغيرهم يعلمون ذلك، ولهذا لا يجب الجهاد معها، بل في هذه الحالة إذا علم المسلم بهذه الخيانة وصدّق به لا يجوز له أن يجاهد معهم لأنّه يقوم بتنفيذ مخطط إنجليزي، وفي منظمة أمست حسب خطط الإنجليز وهو يعلم ذلك.

أما السبب الثاني: فهي أن جماعة الفدائيين ليس لهم أمير حتى يجب الجهاد معهم، وأميرهم لا يعتبر أميراً عامّاً، لأنّ الأمير من ينصّب لرعاية الناس فهو الذي له صلاحية إدارة الجماعة، ولا ينطبق هذا على الفدائيين وعلى أميرهم، لذلك كان الجهاد مع الفدائيين غير واجب لأنه ليس هناك (أمير يجاهد تحت رايته الجهاد واجب عليكم مع كل أمير) ولكن هل يجوز الجهاد مع الفدائيين فرديّاً لمن لا يعلم أنّها منظماتٌ خائنة؟ فالجواب على ذلك هو أنه يجوز الجهاد مع الفدائيين لمن لا يعلم خيانتهم، لأن الجهاد الفردي جائز في حالة عدم توفّر شروط وجوب الجهاد، وأما الانخراط في الجيش مع الحكومة فإن الحكومة تعتبر جماعة لها أمير، ولذلك إذا وجب الجهاد فإن الجهاد يكون واجباً في هذه الحالة لأن شرط الأمير قد تحقق
. اهـ.

وأرجو العفو لأنّني سُقت هذه الفقرة مع طولها، إلا أنّها تعتبر نموذجاً لما قدّمنا من محترزاتٍ على الحزب.

فهذه الفقرات وخاصة الأخيرة علّقت الحكم على تحليلٍ سياسي لها، وهذا قد تختلف فيه الأنظار (أي التحليل السياسي)، ولذلك لن يكون ملزماً إلا لصاحبه، وتركت المناط الحقيقي لحرمة القتال مع هذه الطوائف المذكورة (المنظمات الفدائية). فالمناط الحقيقي لحرمة القتال مع هذه الطوائف أنّها طوائف كفرٌ وردّة لأنّها التقت على عقيدة كفريّة وهي العلمانية في بعضها، والشيوعية والبعثية في أخرى، وهو مناطٌ ظاهرٌ بيّن، وهو مناط حقيقي وشرعي، ولما أخطأ الحزب، وهو كثيراً ما يُخطئ في التحليل السياسي فإن أحكامه ستكون غير مضبوطة شرعاً، وستكون ألعوبة بين كلّ من هبّ ودبّ في الخلاف معهم، ولذلك لم يذكر الحزب شيئاً عن حكم الراية التي يجوز للمسلم أن يقاتل تحتها، وهذا دفعه أن يقول في نهاية الفتوى: "وأمّا الانخراط في الجيش ومع الحكومة... فإن الجهاد يكون واجبا في هذه الحالة". ومعلوم أنّه يتكلم عن الجيش الأردني والحكـومة الأردنية، وهذا تخبط واضحٌ في فهمه للشريعة وللأحكام فيها، ولكن دفعه لذلك هوسـه في أهميّة التحليل السياسي، بل جعل عقيدة الإسلام هي عقيدة سياسية في جوهرها كما تقدَّم سابقاً فعلّق كل شيء عليها، أي على السياسة فيها. وبدل أن يكون الصراع بيننا وبين الآخرين على أساس عقيدة التوحيد، وعلى أساس قاعدة العبودية لله أو لغيره، فإن قتالنا سيكون على أساس العلاقة السياسية وغيرها، وهذا واضح في تحليل الحزب لعمالة القادة الإسرائيليين (اليهود) في فلسطين.

فهل قتالنا لهم لأنهم عملاء للإنجليز أم لكونهم أعداء لله؟.

مع أننا نقرر أن العداء لله ولرسوله لا بد أن يفرز عمالة لطواغيت الأرض الكفرة، ولكن لا بد من تعليق الحكم الشرعي على مناطٍ صحيح لا تختلف فيه الأنظار.

وهذا يدفعنا إلى القول أن فهم الإيمان والتوحيد عند الحزب ليس هو الفهم السني، بل هو أقرب ما يكون إلى إفرازات الأشاعرة (المرجئة) حين يجعل التوحيد عقيدة عقلية، ويجعل جهاد الكتلة المؤمنة كفاحاً سياسياً. لكنها كما يبدو عقيدة عقلية متطوّرة. وللحزب بعض الفتاوى التي تحتاج إلى بحث ونظر وعسى أن نفرغ لها قريباً.

والله الموفق

tealscrollroses_small.gif

جمع وتنسيق النخبة للإعلام (تويتر)