نظرة جديدة في الجرح والتعديل؛ طائفة الأحباش
للشيخ العلامة أبي قتادة الفلسطيني
هي نسبة لرجل حبشي الأصل من إثيوبيا يسمّى عبد الله ولد في هرر من بلاد الحبشة، وصل إلى لبنان سنة 1950م، وجمع حوله جماعة ربّاهم على فكره وعقليّته، وتنامت أفكاره حتّى صار لها وجوداً ظاهراً مشهوداً في لبنان، وسيطرت هناك على جمعية تسمّى جمعيّة المشاريع الخيريّة الإسلاميّة، وهي جمعية كانت توجد قبل مجيئه لبنان، ولكن استطاع السيطرة عليها هو وأتباعه، ثم تنامت هذه الطائفة حتى تعدّت حدود لبنان إلى مناطق أخرى، مثل أمريكا وكندا وأستراليا وأوروبا، وهي الآن تعمل جاهدة داخل الجمهوريات الإسلامية الآسيوية، وخاصّة تلك الولايات التي خرجت من تحت الحكم الروسي، وقد بلغت قوّتهم في لبنان أن أنشأوا إذاعة باسم "نداء الإيمان" ولهم مجلّة باسم "منار الهدى"، وقد أوصلوا أحد رجالهم إلى البرلمان اللبناني وهو عدنان الطرابلسي.
وطائفة الأحباش من طوائف الكفر والردّة في العالم الإسلامي التي يجب على المسلمين أن يعملوا جاهدين بكل قوّتهم لكشف حقيقتها، وتعرية خدعهم وأكاذيبهم على المسلمين، وقد قام عدّة باحثين جادّين لتبيان ما هم عليه من الضلال والانحراف، وعلى رأسهم الباحث عبد الرحمن دمشقيّة، وللأسف فإن المسلمين لا يسارعون إلى معالجة الأمر إلا بعد استفحاله واشتداد خطره، ولو أنّهم يقومون دوماً باجتثـاث الشّر من بدايته لما نمت في الأمّة مثل هذه الطفيليات الخبيثة.
وقد كان بمقدور الشّباب المسلم أن يعالجوا الشيخ الضال الحبشي برصاصةٍ رخيصة الثّمن في لبنان من بداية أمره، ولو فعلوا لكان الآن أثراً بعد عين، ولكن هذا الحبشي وأمثاله الآن قد اشتدّ عودهم وقويت شكيمتهم حتّى صاروا أكبر من معالجتهم بالأبحاث والدّروس، وأهل السنّة في هذا الزّمن من أبعد الناس عن الأخذ بالطريق السنني لمعالجة مثل هذه الانحرافات، ولا يعالجونها كما عالجها الصحابة رضي الله عنهم، فأمثال هذه الانحرافات وهؤلاء الشيوخ يجب القضاء عليهم بالذّبح في بداية أمرهم، وهم لا شهرة لهم ولا حساً ولا خبراً، ولكن أهل السنة الآن وللأسف يعالجون عامة مشاكلهم بالتّباكي ويبدأ صراخهم على الأمور بطريقة جنائزية كأنهم في محفلٍ كربلائي شيعي.
ولعل هذه الفقرة وإن كانت لا تدخل في صلب موضوع الأحباش لكن لا بدّ من معالجتها ولو بطريقة عابرة، تكشف لنا عن عمق الخلل في التنظيمات والأحزاب والتّجمّعات التي تنتمي لأهل السنّة، فلو أخذنا مثلاً جمال عبد الناصر وجماعـة الإخوان المسلمين لرأينا مثلاً صارخاً لما نقول، فماذا كان يحتاج عبد الناصر ليُقضى عليه وينتهي أمره وهو في بداية أمره؟ الجواب: لا شيء.
ولو سألنا عن علي عبد الله صالح الحاكم اليمني الآن، وقدرة الحركة الإسلامية على القضاء عليه في مظاهرة التصويت على الدستور؟ لو قضي عليـه لن يبكي عليه أحد، ولن يذكره أحد، وهو الآن سيشتدّ عوده، وسيجعل الحركة الإسلامية هناك في اليمن في الأيام القادمة من مقبِّلات ومشهِّيات طعامه.
ونحن لا نضرب بالغيب ولكن نتعامل مع السنن، وهو أن هؤلاء الطواغيت لن يقبلوا بوجود الإسلام أبداً، وإذا سكتوا عنه في ظرف معيّن فإنّما هو لتحقيق بعض مصالحهم على حساب الحركة الإسلاميّة والأمثلة كثيرة كثيرة، وهذه الأمثلة هي التي تبين أن أهل السنّة يخافون الدماء، ويتّقون إراقتها فزعاً وخوفاً تحت باب المصلحة، ولكنهم بعد حين يدفعون الثّمن غالياً وأضعاف أضعاف ما اتّقوه وخافوه، ورضي الله عن أبي بكر الصديق حين استنفر الصحابة لقتل المرتدّين واجتثاثهم من جذورهم قبل أن تقوى شوكتهم، وتتهيأ لهم أحوالهم.
ولنعلم أن الكفار هم الآخذون حقّاً هذه الأيام بهذه السنّة القدريّة، إذ أنهم يعالجون رموز أعدائهم بالقتل والإفناء، وهم يعملون بقاعدة "الكبار لهم القبور والصّغار ينسون".
وأنا مضطر الآن لسوق مثال صارخ على هذا الأمر، هذا المثال هو صدام حسين:
صدام حسين البعثي العراقي هو نموذج واضحٌ في إتقانه فن ركوب غيره، ليصل به إلى مقصده، ثم يقوم بذبحه قبل أن يستفحل أمره والأمثلة منه ومعه كثيرة، منها:
(1) عندما قام صدام حسين مع رفاقه البعثيين بانقلابهم في يوليو 1967 كان الانقلاب قد قام بثلاث فرق عسكريّة بقيادة إبراهيم الدّاود قائد قوّات الحرس الجمهوري، وعبد الرزّاق النايف مدير المخابرات، والفرقة الثالثة بقيادة حزب البعث، وكانت تحت إمرة حسن البكر وصدّام حسين، وحتى لا تنسى الأمة، ويسجّل للتاريخ فإن الداود والنايف كانا من أصحاب التوجّه الإسلامي، بل كان أحدهما عضواً في جماعة الإخوان المسلمين ولذلك عندما قام الانقلاب سَرَى في صفوف الإخوان المسلمين في كثير من البلاد أن هذا الانـقلاب هو إخواني إسلامي، وما هي إلا سحابة صيف حتى دخل صدام حسين بمسدسه عليهما في وزارتيهما وأخرجهما كالفئران، ثم اغتال أحدهما وهو النايف، والثاني مازال حياً إلى الآن، فكان الإخوان المسلمون هم المركوب الأوّل.
(2) عندما قامت الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر1980، لم تكن المعركة معركة عقيدة إسلاميّة، بل هي معركة حزب البعث الكافر وفي هذه المعركة كان المسلمون هم المركوب الثاني كذلك، إذ استطاع صدّام حسين أن يستنفر كثيراً من الطوائف السنّية لنصرته وتأييده تحت لواء مقاتلة الشيعة الروافض، وبقدرة قادر صار صدام حسين هـو المنافح والمدافع عن عقيدة أهل السنّة والجماعة ضد الشيعة الكوافر، وطبّل أغبياء المسلمين لتأييده وتمجيده، ودعوا له على المنابر، وصارت بغداد البعث هي قبلة أهل السنّة وخاصة السلفيين الأغـبياء، حتى أن محمّد إبراهيم شقرة أرسل له رسالة ملأها كذبا وزوراً في تمجيد صدّام حسين وقال له فيها (بالنص):
من محمّد بن إبراهيم شقرة إلى أخيه درع العراق الحصينة، وطوده الباذخ الشّامخ الرئيس صدام حسين وقاه الله شر حاسديه، وحقّق على يديه للأمّة ما هي راجية فيه، وأكرمه في أخراه، كما أعزّه في دنياه...
ثمّ يقول فيها: "الكلمة عندك (أي عند صدّام حسين) ليست حروفاً متآلفة تجانست بحركاتها وترتيبها لتدلّ على معنى من معاني لغات الناس، وإن كانت هي في ذاتها آية من آيات الله في خلقه {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} بل هي عندك حمم حارقة يرسلها قلب بغداد الرحيم الشّـفيق على الباطل المتغطرس، فإذا هو بها زاهق"، ثمّ يقول عن كلمة التّوحيد: "وأنت أبا عدي (صدام) أحد الأفذاذ الذين ينـتسبون إليها بصدق وولاء (أي لكلمة التوحيد)، هذا ظنّنا فيك، ولن يخيب إن شاء الله"، ويقول عـن معركة صدّام البعثي ضدّ الروافض، ويصفها بأنّها القادسية: "حتى كانت القادسيّة الجديدة، وكان فارسها السديد الأبيد (أي صدام) وقمت على أرض الرافدين طوداً شامخاً، وتداعى العراقيون إليك أطواداً أطواداً، وألقت المجوسية بكل أثقالها...".
ثمّ توالت الكلمات على هذا النسق. وبعد أن توقّفت المعركة قليلاً، وقامت قوّات صدّام المرتدّة بقصف المسلمين بأسلحة كيمياويّة قضت على كلّ شيءٍ، وأهلكت الحرث والنسل، ومات الكثير من الأهالي الأكراد السنّة، ودُمّرت مدينة حلبجة (أي حلب الصغيرة) وضجّ العالم مع كفره لهذه الجريمة المنكرة، قامت جمعيّة إحياء التّراث (جمعية سلفية) التي يرأس توجيهها الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في الكويت بإرسال رسالة تأييد لصدّام في موقفه ضد الإمبريالية العالميّة، وهي التي تكلمت في وقتها تحت ستار الدفاع عن الأكراد السنّة، على كل حال كان السلفيون هم المركوب الثاني.
(3) قام صدّام حسين بغزو الكويت في أغسطس سنة1990م، وكانت حركات التوجّه القومي الإسلامي هي المركوب الثّالث ومنهم الإخوان المسلمين، حيث أعلن صدّام أن معركته هذه هي معركة الحضارة، حضارة العرب المسلمين ضد الإمبريالية العالمية!!! وتداعى إليه وإلى نصرته جماعات الانحراف للوقوف معه ضدّ أمريكا، وصار حديث الناس وميزانهم يدور حول: أأنت مع صدام العربي أم مع أمريكا الصليبية وحلفائها؟ هكذا صارت القسمة عند المسلمين تدور حول كفرين وردّتين إمّا كفر البعث أو كفر أمريكا، والغريب أن الصفّ الثـاني في الكويت كان سؤاله كما طرحه إسماعيل الشطّي (رمز إخواني كويتي) يقول: "هل أقف مع الـتنظيم (في تأييده لصدّام)؟ أم أقف مع شعبي ووطني؟ فاخترت الشّعب والوطن، ونبذت الحزب!"، هذه الأسئلة من إسماعيل الشطّي وأمثاله تشعرك أنّه لا يوجد خيار الحق الذي أنزله الله تبارك وتعالى على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلّم في عقلية الجماعات والتنظيمات الإسلاميّة.
اهتمامنا بهذه الطائفة الخبيثة لأنّها صورة واضحة لما تفعله الأفكار الفاسدة بأصحابها، وهي مع أنّها تلتقي مع طوائف الصّوفية بخبث العقيدة، وانحراف التّصوّر، إلاّ أنها أعلنت بكلّ وقاحة وصلافة أنّها ما قامت إلاّ لمحاربة الموحّدين، وهي تعمل في هذا الطّريق بكلّ جدٍّ وثبات، بل إنّها تعلن ولاءها الكامل لدولة الردّة، الدولة النّصيرية في سوريا، ولا تخفي ولاءها لحكّامها الكفرة في لبنان.
ففي مجلّتها "نور الهدى"، لا تفتأ تعلن أنّ هذه الطائفة (طائفة الأحباش) هي الذّراع الأمينة التي يجب أن تعتمد عليها الدّولة السورية المرتدة ودولة لبنان الكافرة في القضاء على الأصولية والمتطرفين، ففي العدد الرابع من مجلّة "نور الهدى" وفي الصفحة السادسة تخبرنا المجلّة أن رئيس جمعية المشاريع الحبشية نزار حلبي مع نائب الطائفة في البرلمان اللبناني التقيا مع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدّام، وفي عامة أعداد المجلة لا بد من الإشادة بدور سوريا (الشقيقة) في لبنان وغير لبنان، وهي دائماً تحرّض على إبادة الموحّدين (أو كما تسمّيهم بالوهابيين).
عقيدة الطائفة الحبشية:
هذه الطائفة تقوم على العقائد الشركيّة، والعبادات الكفريّة ومنها: جواز الاستغاثة بالموتى، يقول الحبشي في الصراط المستقيم (وهو من عمدة كتبهم): "وليس عبادة لغير الله مجرد النداء لحي أو ميت، ولا مجرد التعظيم، ولا مجـرد الاستـغاثة بغير الله، ولا مجرّد قصد وليّ للتبرك، ولا مجرد طلب ما لم تجر العادة به بين الناس، ولا مجرّد صيغة الاستعانة بغير الله تعالى أي ليس ذلك شركاً"[ص53].
وهي طائفةٌ صوفيّة على طريقة أحمد الرفاعي، وهو رجل من بني رفاعة (قبيلة من العرب) ولد وعاش في أيّام عبيدة من أعمال البصرة في العراق ومات فيها سنة 578هـ، والرفاعيون يجعلونه من سلالة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ويجعلون رفاعة أحد أجداده، وهذه الطريقة هي من أخبث طرق الصّوفية، وتسمّى بالأحمديّة أو البطائحيّة، وقد شدّد عليها ابن تيمية النكير، وطائفة الأحباش يسمّون أحمد الرفاعي "غوث الثقلين"، وهذه الطائفة قد صرّح ابن تيمية بكفرها.
ومن أدبيّات هذه الطّائفة دوام ملاحظة ومراقبة أحمد الرفاعي لهم لاعتقادهم بحضوره معهم كل حين فلذلك هم يقولون:
وأنت ملاحظي في كل حال |
فتداركني وشيّد أركان حبي |
ويديمون الاستغاثة به:
يا رفــاعي وقــعت في أعتـابك |
فـتدارك عـبداً يـلـوذ بـبــابك |
|
يا رفـاعي يا غـوث كـل البرايــا |
لا تـضـيع جميـل الرجــا بــك |
|
أنـت حصـن الملـهوف والباذل الـ |
معـروف والعـاجـزون من أحـزابك |
|
وأنــا عبـدك الــذي باعتــقاد |
علـقـت راحتـاه في أثــوابــك |
والرفاعيّة كبقية الصوفية يؤمنون بوحدة الوجود (وهي تعني أن الخالق هو عين المخلوق ولا فرق بينهما) وبهذا يقولون:
طلبت في الكون باقي كي أهـيم به |
غير الحبـيب فـسرّ الـحـبّ وافاني |
|
وقال لي: خلّ عنــك الغير منخلعاً |
عن السـوى، فالسـوى من تدره فاني |
|
فصـرت مـنه لـديه فـيه، عنه به |
والغير راح بلا تركي ونـســيانـي |