JustPaste.it

 

http://s04.justpaste.it/files/justpaste/d239/a9623487/0027-small2.gif

logo-small_small.gif

 

نظرة جديدة في الجرح والتعديل؛ راشد الغنوشي

للشيخ العلامة أبي قتادة الفلسطيني

كنت أظنّ زمناً أنّ هذا الرجل يمثّل النموذج الصارخ في فقه الهزيمة، أو كما يعبّر هو عنها بفقه الاستضعاف .

وهذا الظنّ يعني أن الرّجل يفهم الإسلام كما هو، ولكن للظرف الاستثنائي الذي يعيشه الإسلام وأهله فإنه يجعل المسلم المعاصر يفرز فقهاً جديداً يلائم هذا الواقع .

وهو فقه على الجملة موجود في داخل الإسلام ومفاهيمه، فمن الأمثلة الدالّة على هذا الفقه، موضوع الجهاد، فلو أنّ المسلمين غُزو من قبل الأعداء لكان الواجب عليهم ابتداءً هو دفعهم وقتالهم، ولكن لو أن المسلمين أيقنوا أنّهم لا يستطيعون دفعاً ولا منعاً فلا بأس - من باب الجواز - أن يصالحوهم ويسالموهم، فالقتال هو الأصل، والصلح هو الاستثناء، وأنا ضربت هنا مثلاً بجهاد الدفع لاتّفاق النّاس عليه، ولم أضرب مثلا بجهاد الطلب الذي يُنكره الكثير من المشايخ والمفكرين في هذا العصر.

فراشد الغنوشي يكرّر دائما أن هذا الفقه الذي يطرحه هو فقه الاستثناء أو فقه الاستضعاف، وقد أشار إلى ذلك صريحاً في محاضرته التي سجّلها في آخر كتابه "الحريّات العامّة في الدولة الإسلامية" كملحق رقم (7) بعنوان: "مبدأ مشاركة الإسلاميين في حكم غير إسلامي".

قلت: كنت أظنّ أنّ هذا الرجل يفهم الإسلام كما هو، ولكنّه يتعامل مع الواقع بما يلائمه من فقه وأحكام، حتّى طلب منّي بعض الإخوة: أن أكتب عنه في هذه الصفحات، كرجل له وجود على السّاحة الإسلامية وهو قريب الصّلة بالوضع في الجزائر، فكان لا بدّ من القراءة الجديدة، أي أن أقرأ راشد الغنّوشي في فهمه للإسلام كما هو، وأن أقرأ أهداف راشد النّهائية بعد أن يصل إلى أن يكون عزيزاً لا مستضعفاً، فتبيّن لي أمر أذكره هنا في هذه المقدمة وسيكتشفه القارئ معي بعد الانتهاء من قراءة هذه الأوراق والتي تتبعها في الأعداد القادمة - إن شاء الله تعالى - هذه النتيجة هي أن راشد الغنّوشي بكلّ صراحة ووضوح لا يمثّل الرجل السنّي في فهمه لدين الله تعالى، فهو: رجل بدعي العقيدة، منحرف الفهم، وبدعته تصل إلى البدعة المكفّرة.

على كلّ حال: لا تستعجل أخي القارئ، فلا بدّ من التريّث حتى تنتهي معي إلى النهاية، ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن موضوع التبديع والتكفير هو حقٌّ من حقوق الله تعالى، وليس هو حق بشري يمكن للمرء أن يساوم عليه، أو أن يتنازل عنه، وأقول هذا الكلام، لأنّي وجدت أناساً ينتسبون للسنّة والحديث، ثمّ هم حين يُذكر لهم أن هذا الرجل كافر أو مبتدع فإنهم يقلبون الأمر معك على وجه من وجوه سعر البضائع، وكأنّك في محفل مماكسة لا في مجلس علم .

ثمّ إنّ البعض يظنّ أنّ الرجل بمجرّد انتسابه إلى جماعةٍ مسلمة، أو إلى العمل الإسلامي فإنّه لا يحقّ لأحد أن يبدّعه أو يكفّره، وكأنّ هذا الانتساب مانع من موانع التبديع والتكفير .

وبعضهم يرى أن ما هو معروض على السّاحة إنّما هي وجهات نظر، وكلٌّ له دليله، فلا ينبغي أن يدّعي أحدٌ مُلك الحقيقة وكأنّ هو الإسلام، فإذا قلت لهذا الرجل: هذا أمرٌ بدعي أو خطأ، قال لك: هذه وجهة نظرك، وليست هي أحكام الشّرع كما هي في نفسها.

وبعيداً عن مناقشة هؤلاء القوم من وجهة نظرٍ أصولية، إلا أنّ هذا الباب هو الذي فتح لكل مدَّع أن يتكلّم في دين الله تعالى كما يريد، حتّى لو أدّى الأمر به أن يفسر الإسلام تفسيراً كُفريّاً ظاهر الكفر والضلال، والأمثلة في هذا الأمر كثيرة، ولعلّ أصرخ مثال هو ما يفعله فهمي هويدي الكاتب المصري وبلديّه محمد عمارة، فإن هذا الثّاني يدعو إلى إحياء فكر المعـتزلة كما يصرّح، لكنّ الأطمّ عنده أنّه يحاول أن يفسّر الإسلام تفسيراً مادّياً تصل به إلى تفسير الشيوعيين والماركسيين.

ولعل من شعور الهزيمة عند المسلم المعاصر أنّه بمجرّد أن يرى رجلاً يرفع شعار الإسلام فإنّه يواليه ويحبّه ويدافع عنه بغضّ النظر عن نوع هذا الإسلام الذي يدعو إليه، فمثلاً روجيه جارودي (رجا جارودي) فإن المحافل والجماعات الإسلامية لا تستنكف أبداً في دعوته ليحدثّهم عن الإسلام، أو ليتحدّث باسم الإسلام، بالرّغم أنّ رجا جارودي هذا لم يُسلم أبداً لا في تصوّره للألوهيّة ولا في فهمه للشريعة، فهو دخل الإسلام على مذهب وحدة الوجود، إذ يصرّح في كتابه "وعود الإسلام" أنّه لا فرق بين الخالق والمخلوق، فهو آمن بالمذهب الصّوفي الغنوصي تحـت شعار الإسلام، وعلى ذلك فهو لا يرى خطأ في النظرية الاشتراكية سوى أنّها ترتكز على قاعدة عقائدية باطلة، وليست هي خطأ في السّلوك والعمل .

ولا أريد أن استطرد بالأمثلة فهي كثيرة جداً، وكلّها تدعونا إلى أن نبتعد عن ترديد الشعارات كالببّغاوات، لأنه للأسف صار المسلم المعاصر أسيراً للشّعار من غير إدراكه للمضامين والمفاهيم، فبمجرد رفع شعار الإسلام ترى السذّج من المسلمين - التنظيمات والشيوخ والقواعد - تتحرّك نحو هذا الشّعار من غير فهمٍ ولا تمييز، ولعلّ تجربة المسلمين مع الطّغاة هي أكبر دليلٍ على ما نقول، فالسعوديّة ترفع شعار التّوحيد والعقيدة الصحيحة، وصدّام يرفع شعار "الله أكبر"، والقذّافي يرفع شعار الثورة الإسلامية، والخميني كذلك، وهكذا، وكلّها تحمل مضامين الشرك والكفر، فمتى يصحو المسلمون من غفلتهم؟ نرجو أن يكون ذلك قريبا.

عودة إلى راشد الغنوشي:

لعلّ من التنبيه المتكرّر وغير الممل، هو أن الحكم على الرجل بأنّه سنّي أو بدعي هو في فهمه لتوحيديْ الشّرع والقدر، وبكونه أرائتيّاً أو سنّيّاً باتّباعه للسنّة والحديث .

وفهم راشد لتوحيد القدر هو فهم منتكس باطل، ففي كتيّبه الذي يحمل عنوان: "القضاء والقدر عند ابن تيمية"، يصرّح الرجل أن فهم المعتزلة لتوحيد القدر هو الفهم الصحيح السليم، وأن ابن تيمـية وقبله الحفيد ابن رشد ما هما إلا محاولات مستنيرة لإحياء فكر المعتزلة، الفكر الإنساني السّامق، في فهمه لتوحيد القدر .

وقبل أن نغادر من هذه النقطة فإنّه من المهمّ التنبيه إلى الأمر الآتي وهو أنّ عامّة الباحثين قديماً وحديثاً حين يدرسون عقائد المسلمين في مفهوم الحريّة - القضاء والقدر - فإنّهم يظنّون أنّه لا يوجد لأهل السنّة إلا قولٌ واحدٌ وهو مفهوم الأشاعرة للقضاء والقدر، والأشاعرة في الحقيقـة هم جبرية في هذا الباب، إذ أنّهم يقولون بمذهب الكسب، وهو يعني عندهم الاعتراف بوجـود إرادة للحيوان في فعله وحركته، ولكن هذه الإرادة لا قيمة لها، وإنّما هي دليل على وجود الثّواب والعقاب الإلهي للإنسان، والاعتراف بوجود إرادة بشريّة لكنّها غير مؤثّرة هي التي جعلت هذا المذهب ظاهره الكسب وباطنه الجبر، وصار هذا المذهب علماً على عدم الفهم والوضوح حتى قال الشّاعر:

ممّا يـُقال ولا حـقيـقة عنـده

معقــولة تــدنو مـن الأفهام

الكسب عنـد الأشـعري والحال

عنـد البهـشمي وطفـرة النظـام


فحين يظنّ الباحث أنّ مذهب أهل السنّة هو مذهب الأشاعرة - أي الكسب - وهو في الحقيقة عين مذهب الجبرية - التي تنفي وجود إرادةٍ للإنسان من الأصل - فإنّه حين يقارن هذا المذهب - الأشاعرة - بمذهب المعتزلة، ومذهبهم في هذا الباب يقوم على إثبات إرادة للإنسان - وهذا حقّ - ولكنّهم ينفون الإرادة الإلهية القـدريّة ولا يرون إلا الإرادة الشرعية، وقد جمع الله الحقّين - الإرادتين - معاً في قوله: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله}.

أقول حين يقارن الباحث مذهب المعتزلة بمذهب الأشاعرة فإنّ العاقل ولا شكّ لابدّ أن ينحاز إلى مذهب المعتزلة، أقول هذا حين لا يكون للإنسان خيارٌ ثالث وهو خيار الحقّ، وهو إثبات إرادة بشريّة حقيقيّة ولكنّها مخلوقة لله، ولا تنشأ إلا بمشيئة الله تعالى وإرادته.

وراشد وقع في هذا الخيار الباطل: إما المعتزلة أو الأشاعرة.

وهو ليس بأوّل باحث وقع في هذه القسمة الباطلة ولكن وقع فيها من تخصّص في هذا الباب أمثال الدكتور النشّار، والذي بقي طويلاً يظنّ أنّ مذهب القرآن والسنّة وبالتالي مذهب أهل السنّة يقوم على مذهب الجبر، حتى بيّن له أحد تلاميذه هذا الخطأ وهو الدكتور فاروق أحمد دسوقي، كما بيّن ذلك في كتابه الماتع "الحرية" وهو من أفضل ما كتب في هذا العصر من أبحاث جادة قيّمة.

ومن النماذج الواضحة التي وقعت بين الخيارات الباطلة ولم تعرف الحقّ هو محمّد بن محمّد الغزالي - أبو حامد المتوفي سنة 505هـ - صاحب كتاب " الإحياء " وقد ذكر تجربته بين هذه الخيارات في كتابه الموسوم: "المنقذ من الضّلال"، فإنّه ذكر المذاهب التي عرضت عليه في مرحلة الشّك والبحث عن الحقيقة، فلم يذكر شيئاً عن مذهب الحقّ - أهل السنّة والجماعة - لكنه ظنّ أن المتكلمين - الأشاعرة - هم أصحاب هذا الخيار، فلم يكن معه إلاّ أن اختار الصّوفية كطريق يوصل الإنسان إلى الحقيقة.

إذاً راشد الغنوشي ليس سنيّاً ولا مهتدياً في باب توحيد القدر، بل هو بدعيّ العقيدة في هذا الباب.

هذه واحدة.

تكلمنا عن راشد في فهمه لتوحيد القدر، وأنّه مبتدع في هذا الأمر، إذ أنّه على مذهب المعتزلة في هذا الباب ...

والآن إلى فهم الرجل في توحيد الشرع:

لعلّ ملايين المسلمين في العالم سمعوا راشد وهو يقول لوكالات الأنباء أنّ قضيّة تحكيم الشريعة الإسلامية ليست في برنامجه، ولا في برنامج حزبه - حزب النهضة - حيث دلّل على هذا الأمر بقوله إنّ استبدال قانون بقانون ليس هو الذي يغيّر الأوضاع في داخل بلده المنكوب تونس، ومعنى كلامه بكلّ وضوح أن تحكيم الشريعة لا يغيّر الأوضاع المتردّية في تونس، بل هو معنيّ حسب قوله بنشر الحرّية وتأمين فرص العمل للعاطلين عنه.

وقد يظنّ البعض أنّ راشد يقول هذا الكلام للاستهلاك الإعلامي، ولكن لو رجع الدّارس إلى القانون الأساسي لحركة النّهضة التونسية لوجد أن الأمر هو اعتقاد صميم عند الرجل، فتحت فصل الأهداف يقول القانون:

تناضل حركة النهضة من أجل الإسهام في تحقيق الأهداف التالية:
أ ) المجال السياسي:
1 - دعم النظام الجمهوري وأسسه، وصيانة المجتمع المدني وتحقيق مبدأ سيادة الشعب وتكريس الشّورى.
2 - تحقيق الحريّة باعتبارها قيمة محوريّة تجسّد معنى تكريم الله للخلق وذلك بدعم الحريات العامّة والفردية وحقوق الإنسان وتأكيد مبدأ استقلال القضاء وحياد الإدارة.
3- إقامة سياسة خارجية تنبني على عزّ البلاد ووحدتها، واستقلالها عن كلِّ نفوذٍ وفي كل المستويات، وإقامة العلاقات الدولية، ومن مبادئ عدم الانحياز الإيجابي والاحترام المتبادل، وحقّ الشعوب في تقرير مصيرها والعدل والمساواة.

وهكذا يمضي القانون في ذكر أهدافه دون أدنى إشارة إلى قضيّة الإسلام الأولى وهي تحقيق عبوديّة ربّ العالمين في الأرض، ودون أدنى إشارة إلى إسلامية هذا القانون من قريب أو بعيد.

والمرء لو قرأ هذا القانون وقانون أي حزب علماني آخر في الدول الديمقراطيّة الكافرة لما وجده يزيد عليه أو ينقص، فالقانون هو قانون علماني إلى مشاشه.

وقد يسأل سائل إلى أيّ حدٍّ يصل حكم هذا القانون؟ فنقول بكلّ اطمئنان أنّه قانونٌ كافر. إذ أنّ قوله: ( دعم النّظام الجمهوري وأسسه، وصيانة المجتمع المدني، وتحقيق مبدأ سيادة الشعب وتكريس الشّورى ) ، هو قولٌ كفري، فالنّظام الجمهوري يقوم على مبدأ سيادة الشعب كما هو معروف عند أهله، والسيادة كما هي معرّفة عند أصحاب هذا النظام تعني: سلطةً عليا - لا سلطة فوقها - لها الحق في تقييم الأشياء والأفعال. وهذه السلطات هي:
1 - التشريعية. 2 - القضائيّة. 3 - التنفيذيّة.

فإعطاء الشعب السلطة التشريعية هو كفرٌ وردّة.

والآن إلى أيّ مدى تصل الديمقراطيّة في ذهن راشد الغنوشي؟

للإجابة على هذا السؤال لابدّ من قراءةٍ واعيةٍ للكثير ممّا كتبه راشد الغنوشي، ومن أهمّ ما كتب في هذا الباب، هو كتابه "الحريّات العامّة في الدولة الإسلامية" وهو كتاب يعبِّر بحقّ عمّا يفكر به راشد الغنوشي، وفيه يتحدّث عن استقرار دولة الإسلام، وعن وصول الأماني إلى أهدافها:

1 - يجوز لمواطني الدّولة الإسلامية من غير المسلمين - يهود، نصارى، وثنيين، شيوعيين، ملاحدة - حقّ تكوين الأحزاب، وهو بهذا يحتجّ بفتوى الشيخ مصطفى مشهور في حقّ النصارى الانتماء إلى الأحزاب الإسلامية أو تكوين أحزاب خاصّة بهم. وهكذا لم يشهد للبنت إلاّ أمُّها.

2 - يجيز لغير المسلم أن يدعو في الدولة الإسلامية إلى دينه وملّته، فيجوز للشيوعي أن يدعو إلى الشيوعيّة والبعثي إلى بعثيته، والقوميّ إلى قوميّته، شريطة التزام الجميع بالآداب العامّة للحوار، ويقول محتجّاً لذلك: إنّ إقرار أحدٍ على مذهبه يقتضي ضرورة الاعتراف له بحقّ الدّفاع عنه لإظهار محاسنه، ومساوئ ما يخالفه، وذلك جوهر عمل كل داع. اهـ. بل هو كما ظاهر من اللفظ أنّه يجيز لهذا المشرك أن يظهر مساوئ الإسلام!!.

3 - حكم الردّة عن الإسلام هو حكمٌ لجريمة سياسيّة تتمثّل في الخروج عن نظام الدّولة، وبالتّالي يُترك للإمام معالجتها بما يناسبها من التعازير، وليست هي جريمة عقيديّة تدخل ضمن جرائم الحدود التي هي من حق الله.

وهكذا بهذه النقاط المعروضة، استكملت حلقة المشروع الديمقراطي بكلّ أبعاده العلمانيّة كما يطرحه أصحابه، لا كما تحاول الكثير من الجماعات البدعيّة تفسير الألفاظ بوجهة نظر إسلامية.

وأنا أعجب لراشد ولأمثاله الذين ملأوا الدّنيا صراخاً بوجوب تحقيق الإسلام السياسي ونادوا بشمولية الإسلام، فهل هذا هو النظام السياسي الإسلامي بحقّ كما طبّقه السّلف، وهل الخلافة الراشدة الموعودة تقوم على مثل هذا الغثاء الفكري.

إنّ راشد وكلّ من لفّ لفّه هو علماني التأصيل في النظام السياسي، شاء أم أبى.

راشد يصدر بياناً في الدّفاع عن الأحزاب الشيوعية الأردنية في حقّها في الاعتراف بعدما رفضت الحكومة الأردنيّة المرتدّة ترخيصها. ويدلّل على ذلك قائلاً: وفي كل الأحوال نحن ضحايا الدكتاتورية في تونس، نرجو من كلّ قلوبنا أن تنجح الديمقراطية الأردنية في مواجهة التحدّي الصهيوني، وهو التحدي الأعظم الذي لا يمكن مواجهته، وكذا سائر التحديات الكبرى المطروحة على أوطاننا إلا بصف وطني موحّد لا مجال فيه لاحتكار السلطة، ولا لاحتكار الثّروة، ولا للفرز والإقصاء لأيّ فصيل وطني مهما كان اتّجاهه الفكري طالما قبل مبدأ التعايش على أساس الحوار والتضامن الوطني، والاحتكام لإرادة الشّعب، وذلك مقتضى من مقتضيات مبدأ الإسلام العظيم {لا إكراه في الدين قد تبيّن الرّشد من الغيّ}.اهـ.

إذا فهمنا هذا الأمر نستطيع أن نّفهم أحكام راشد الغنوشي على الدول والأشخاص، فهل راشد الغنوشي يوالي ويعادي على أساس الإسلام أم على أساس الديمقراطيّة؟

وهل الانحطاط والتقدم عند راشد الغنوشي مناطه الإيمان أو الديمقراطية؟

لنقرأ هذه الفقرات:

1 - في مقدّمة كتابه المذكور سابقاً: يهدي راشد كتابه إلى: آبائه الروحيين، وعلى رأسهم - حسب قوله - الشّهيد حسن البنّا، ومولانا أبو الأعلى المودودي، والشّهيد سيّد قطب، وأستاذنا مالك بن نبي، وإلى المجدد القائد الشيخ حسن الترابي، وإلى قائد الثورة الإسلاميّة المعاصرة الإمام الخميني، والشهيد العلامة الصدر، والشهيد علي شريعتي ... وتتوالى القائمة العجيبة.

ثمّ يقول: ( وإلى مساجين الرأي والحريّة من كلّ ملّة، وفي كل صقع، المكافحين ضدّ الطُّغيان المحلّي والدولي، وعلى رأسهم السيّد غنزالو رئيس جماعة الدّرب المضيء المكافح ضد رموز الطّغمة العسكريّة في البيرو ) .

2 - في كتـابه " المقالات " : في مقالٍ تحت عنوان: " قادة الحركة الإسلامية المعاصرة " : البنا، المودودي، الخميني، وهكذا يجعل الخميني داخلاً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها ))، وهو الحديث الذي صدّر فيه مقاله مادحاً فيه هذا الطّاغية اللعين - الخميني -.

3 - في حديثه عن الطّرق للوصول إلى رئاسة الدولة يذكر في كتابه "الحريّات العامّة" طريق الاستخلاف - ولاية العهد - يعقّب راشد على هذه الطريق قائلاً: ( ويشعر المرء بالقرف من استمرار هذا العفن قائماً في تراثنا الديني وفكرنا السياسي، ويضع يده مباشرة على هذه الألغام التي قوّضت حضارة الإسلام وأسلمتنا إلى الانحطاط، إنّه من غير ثورة شاملة تطيح بهذه السموم التي لا تزال تجري في دماء الأمّة وتشلّ طاقتها وتجهض انتفاضتها، وتحبط أحلام نهضتها، فلا أمل في انطلاقة متينة قويّة قاصدة منتجة الحضارة من جديد في أمّتنا ) . [ص162].

ويقول: ( فويل لتاريخ الازدهار من ليالي الانحطاط، هل نحن أهل لوراثة الخلافة الراشدة ونحن نلقي عليها بمزابل انحطاطنا؟ ) . [نفس الصفحة].

4 - يقول عن معاوية رضي الله عنه: ( الوالي المنشق معاوية بن أبي سفيان، وقد غلبت عليه - غفر الله له - شهـوة الملك وعصبيّة القبيلة، فلم يكتف بأن انتزع الأمر من أهله بل ومضى في الغيّ!! لا يلوي على شيءٍ حتّى صمّم على توريثه كما يوّرث المتاع لابنه وعشيرته، فجمع في قصّته المشهورة ثلّة من المرشّحين للخلافة من الجيل الثّاني من الصحابة، وأمام ملأ من النّاس قام أحد أعوانه يخطب بصفاقة... وحيـنئذ بدأ مسلسل الشّر والفساد، مكرّساً الدكتاتوريّة والوصاية والعصمة، مقصياً الأمّة عن حقّها، مبدّداً طاقتها في جدلٍ عقيم حول الخلافة والاستخلاف ) .

وأنا هنا لا أريد أن أناقش المسألة فقهيّاً ولكنّ قصدي أن أعرض الأسلوب الذي ينتهجه الغنوشي في عرضه للقضيّة، هكذا يوالي راشد، وهكذا يعادي، ومبدأ الحبّ والكُره عنده هو الديمقراطية والدكتاتوريّة.

هكذا تحدّث راشد عن مجدد القرن الخميني، وهكذا تحدّث عن الصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، بل لم يبـق إلا راشـدٌ سليماً من عصر الانحطاط، حتى الغزالي وابن تيمية وابن رشد وابن خلدون وابن حزم لم يسلموا من تأثير الروح السائدة في عصرهم، بل هذه الروح السائدة كثيراً ما احتوت واستوعبت وأجهضت القسم الأكبر من محاولاتهم التجديدية. ويقصد بالروح السائدة روح الانحطاط التي تثير في نفس الأستاذ راشد القرف، وأنّها روح لا تلقي علينا إلاّ المزابل - حسب تعبيره -

فهنيئاً لراشد بآبائه الروحيين أمثال: الخميني، وحسن الترابي، والشهيد العلامة محمد باقر الصدر وربما يكون موسى الصدر والشهيد علي شريعتي.

وويل لأمّةٍ القائد فيها أمثال راشد الغنوشي، وويلٌ لها كذلك إن لم تكن تعرف أن هؤلاء من أئمّة الإجرام والضّلال في هذا العصر.

tealscrollroses_small.gif

جمع وتنسيق النخبة للإعلام (تويتر)