JustPaste.it

http://s04.justpaste.it/files/justpaste/d239/a9623181/0027-small2.gif

logo-small_small.gif

العولمة وسرايا الجهاد

للشيخ العلامة أبي قتادة الفلسطيني

لقد صدر العديد من الكتب والأبحاث في الشرق والغرب تتحدث عن العولمة وتوصيفها وآثارها، ومع أن هذا الإسم صار دالاً بوضوح على الكثير من المعاني والوقائع والسياسات إلا أن أكثر ما كتب الى الآن هو أشبه بتوصيف لحالة الذهول التي أصابت قلاع التحصين الذاتي للأمم والشعوب من غزو العولمة.

ليس ما يقال اليوم في المصادر الغربية عن العولمة في كونها حالة تنازع، بل باعتبارها قدراً لا يمكن رده كما قال بعض الصحفيين عنها، ومع أن ما كتب هناك حول العولمة هو الأقرب لواقعها وحروفها العملية إلا أن ما كتب عندنا ومن الأكثر من الكتاب هو معالجة فكرية تحليلية اعتدنا سماعها من أنفسنا حين نكون القابل لفاعلية الآخر فينا.

ولا شك أننا نعاني من العولمة أنا وأنت فنحن مادتها، ولسنا فقط في دولابها مجرد فكرة مطلقة، ولكن للأسف ما زلنا نتكلم عنها باعتبارها مصطلحاً فلسفياً معرفياً لا يعنينا إلا بمقدار تحقق متعة ذهنية لمسألة من مسائل الإغريق القدماء.

لن أعتني هنا في هذه العجالة أن أكتب لأخواني لأقول لهم إن العولمة هي شبكة اتصالات واسعة وسريعة وسوق معاملات أجنبية وشركات عابرة للقارات واستثمار أجنبي مباشر فأغرق معه في وصف آلة العولمة دون أن أصل الى عقل القاريء وهو أخي المسلم إلى أن هذه الآلة هي صاروخ مدمر يريد أن يجتاحه ويسحقه ويجعل منه مجرد رقم حقير في دولاب شياطين الإنس من خصوم أمتنا.

بلا شك أنه من الصعب علي أن أصل مع أخي إلى ما أردت إلا إذا قلت له بعض حروف العولمة وبعض واقعها وآثارها على حياته ووجوده، وبالتالي ساضطر لبعض الوصف المجرد حتى يبصر مقدار الشراسة التي تمارس عليه، وبالتالي تحريضه أن يكون هو أكثر شراسة في التعامل معها؛ أي أن يكون مجاهداً بحق لهذه الجموع الشرسة من الذئاب القاتلة لا لشيء الا لشهوة الدماء ورؤية الاشلاء والقتلى.

العولمة باعتبارها حلاً لمشاكل الغرب الوحيدة:

ابتعاد الغرب عن الغيب والحق والعدل وقيم السماء الإلهية والتي جاء بها الرسل يوقعه بعد كل فترة نهوض مادي إلى مجموعة من المشاكل الكبرى والخطيرة؛ وكلها تعود الى قضية الثروة، فمن خلال الجشع غير المتناهي للأغنياء مع قلة موارد تعيشها هذه البلاد تتماهى مع هذا الجشع تنتج مجموعة أزمات خانقة سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، ومع أن البعض من أهل هذه البلاد دعا إلى الإقتصار على المورد الذاتي لحل المشاكل المستعصية والمتكررة في الغرب، إلا أن هذا الحل يدرك أصحاب القرار هناك أنه لا يحقق شيئاً إلا بمقدار فقاعة صابون أمام الجشع غير المتناهي، وبتفكير سريع لا يحتاج الى عقل جبار ليحل المشكلة الداخلية التي لا يتنازل طرفا النزاع عن مطالبهما وهما جشع الغني وقلة الموارد الذاتية ومن ثم رفض القواعد السفلى بفطرتها أن تسلم بالواقع فلا بد لها من حل.

وهذا الحل بالطبيعي أن يكون عند الآخر وهذا الآخر هو سلة المال وهو نحن بلا شك.

فنحن نملك الثروة وفسحة الأرض؛ أي أننا أشبه بسلة للغذاء والمتعة يتحقق بها أعلى درجات الرفاهية.

مثلت أمريكا وأستراليا عند اكتشافهما مجالاً للحل، لكن ضاق فضاؤهما عندما حل فيهما المرض نفسه بسبب انتقال الفايروس اليهما من خلال الانسان المحتل والقاتل للسكان الأصليين.

ولسنة الإغراء الإلهي لحصول التدافع السنني فإن في بلادنا الكثير من حل لمشاكل الآخر.

هذا الغزو بما سياتي من ذكر بعض أدواته هو ما يقال له اليوم ترطيباً لعنف واقعه بالعولمة.

فبدل أن تتحرك جيوش عسكرية لتحقيق الهدف اختفت هذه الجيوش كعنوان وبقيت كقوة ضغط ولكن تحرك شيء آخر.

الجيوش العسكرية لما تتحرك يعني أنها تجاوزت الحدود وكذلك مادة العولمة الجديدة تقوم على هذا الركن تماما.

الحدود الجغرافية والفكرية والتمايز الأخلاقي والقانوني، وخصوصية الشعوب القيمية موانع دوماً للغزو العسكري وهي تماماً موانع الغزو الجديد الذي يقال له العولمة.

يقولون إن العولمة هي: تكنولوجيا وأسواق مال وإدارة، وهي عبارات مقبولة في ظاهرها، ولكن حيث تفتت ليعرف ما بداخلها ستجد أنها مفعمة بقعقة السلاح ومشاهد الخراب وصراع الجيوش وحيل الحرب، أي أنك ستجد فيها كل ما تعلمه وقرأته عن الحروب القديمة من غير اختلاف في أي حقيقة من حقائقها.

وأنا لا أريد الخوض معك في المطلقات ولكن سامثل لك بمثال ربما تفهمه وربما تتهمني بالغباء أني أتكلم عن العولمة العظيمة والتي كتبت فيها مئات الكتب بهذا التسطيح والتسهيل:

الحروب القديمة كانت تحقق انتصارات الجيوش عن طريق سحق الخصم وتدمير الجيش المقابل ليتم سلب خيراته، فإن قبلت القول أن ما يقال له اليوم بتحديد النسل ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل على شعوب معينة هو وسيلة مرعبة لتحقيق عدد أكبر من القتلى وتدمير الجيوش دون كبير عناء من حركة جيش إلا بمقدار إثبات تهديده الحقيقي وليس مجرد الاستعراض فقط حينها تكون قد اقتربت من الحقيقة.

هذه المؤتمرات التي تعقد في بلادنا تحت مسمى مؤتمرات الإسكان هل هي أقل من جيوش عسكرية وأزلام ورجال بوليس لإجبار أمة من الأمم على البغاء العلني؟!

ان هذه المؤتمرات هي جيوش وعسكر من عساكر العولمة الجديدة.

شرط العولمة الذي لا تتخلى عنه تدفق حر لرؤوس الأموال ليسهل حملها دون موانع قانونية أو أخلاقية، وهي بلا شك صورة لا تختلف أبداً عن تلك السفن التي كانت عند الغازي القديم حين يأتي الى بلادنا ويخرج بها وهي محملة بكل كنوز الآباء والأجداد وإرث الأجيال.

الحقيقة واحدة ولم تختلف الا الوسائل ولا بد لتكميل اللعبة من تسمية جديدة ومقبولة لهذه المعركة وهذه الأدوات؛ فليس الخمر فقط من تسمى بغير اسمه اليوم، ومن ثم لأجل أن يغرق أساتذتنا في أصول الكلمات الجديدة ومعرفة جذورها اللغوية والتاريخية.

بلا شك سيقول لك البعض أن هذا تكريس للثنائية التي هي عماد الصراع والمدافعة، والعولمة فتح للآفاق وتحقيق كامل لسعادة البشرية دون استثناء، فأصحابها يروجون امكانية الجميع في الصراع والتسابق بقدر متساو بين كل الفرقاء، وهذا لعمر الله مغالطة مكشوفة صلعاء لا يسترها شيء، والواقع يكذبها من أين أتيتها.

نعم سيدلل لك أن أدوات العولمة مبذولة ولم تقتصر على بلد دون بلد ولا على قوم دون آخرين، وسيقول لك ها قد حملنا الهاتف الجوال ودخل الأنتر نت الى مخادعنا وتحقق قدر كبير من الرفاهية عندنا كما تحقق قدره عند الآخر.

يقول هذا وهو يعلم أن بلادنا تفقد الكثير من الاحترام وهي تملك هذا الثراء، لأنه ثراء نعير دائما فيه إنه جاءنا من غير جهد منا ولم نحققه بذواتنا، ولا بإبداع عقولنا، بل هو ثروة تفجرت من تحت أقدامنا وبتفتيش غيرنا واكتشافه، وبالتالي ينظر الينا كمجموعة من الأغبياء ساقتهم أقدارهم واضطراب مسالكهم إلى كنز لا يستحقونه، وتأكد هذا الشعور وتفاقم عدم الاحترام لنا أننا اتخذنا هذا الثراء مطية لاستهلاكنا والتنعم به حتى الثمالة دون أن نحقق قدراً ولو يسيراً من الاستثمار الواعي الذي يضمن شيئا من هذه الرفاهية لأجيالنا القادمة، وبالتالي صرنا في إطار العولمة أي المعركة الجديدة ليس مجرد ثروة منهوبة وسلة جواهر للسرقة بل حققنا لهم متعة جديدة وذلك بأن نسوق لهم منتجاتهم، ومرات كثيرة زبالاتهم كتلك الأسلحة الصدئة التي هي بأيدينا أشبه بدمى الأطفال نقلبها ونستعرض بها جيوشنا السمينة المهترئة دون أن تحقق لنا أي قدر من الأمن أمام أي عدو مهما كان صغيراً أو تافها.

قرأت الكثير مما كتب عن العولمة والتي صدرت في الغرب فلم أجد قط أي ذكر لأمتنا فيها ولا عند ذكر الأرقام السوقية للمنتوجات التي تعبر عن مقدار الرفاهية وتنوعها ذلك لأننا لا شيء في هذا الصدد وبالتالي لن يذكروا شيئاً عن مصدر هذا الثراء الطاغي للمجتمعات التي يبنونها ويتصورون رفاهيتها..

في العادة عند ذكر دورة الحياة لا بد من ذكر الإنتاج ومجالاته وبعده يتم ذكر فضاء الاستهلاك، لأن دورة الحياة الاقتصادية لا تتم إلا بهما أي انتاج واستهلاك؛ وليتحقق قدر من الرفاهية والثراء لا بد أن يكون الخط البياني للإنتاج أعلى من الخط البياني لضرورات الحياة وواجباتها، وكلما زاد الفارق بين الاستهلاك والانتاج ترتفع درجة الرفاهية في أمة من الأمم، وكل ما كتب هو حديث عن قسم الإستهلاك دون مرور ولو إشارة عابرة على مصدر الإنتاج لأن في ذكره فضح لسر المعركة الجديدة التي هي عين السلب والنهب لكل صور الغزو.

في آخر دراسة عن العولمة لصحفيين انجليزيين حققا جائزة لرصدهما الدقيق لها ولأساسياتها كما تقول الجائزة نشرته إحدى الجرائد العربية، سرت مع الكتاب من أوله إلى آخره مشدوها بحركة الدمى التي يحركها الكاتبان أمام طفل صغير مثلي مغرم بالأرقام والألوان المزركشية لوصف مضطرد ممتع لحالات تلهيك عن كونها مرضاً أو عافية وهي قطعاً سبب اغراء الجريدة التي عانت فترجمت الكتاب وربما دفعت المال لصاحبيه حتى تنشره، أقول سرت مع الكتاب مشدوهاً أمام حركة الدمى الملهية والظاهرية والساترة للعبة الحقيقية لما خلفها من اخراج وأصابع ذكية، لأني بالفعل شعرت أني سرقت في نهاية المطاف من أن أسال نفسي حين يعرض هؤلاء علي مقدار المتع التي تحققها العولمة سؤالاً ساذجاً لرجل هو للبداوة أقرب:

ومن أين تتحقق كل هذه المتع العظيمة لهذا العالم الذي صار في بعض مناطقه يضن بكأس الماء؟

عندما نتكلم عن رفاهية وثراء فلا بد من سؤال طبيعي من أين لنا هذا وما هو مصدره؟

لكن أن أخدع بكل الألوان الجميلة والملهية والبرقة والسارقة للعيون عن هذا السؤال فهي تهمة توجه لمثل هذه العروض الكاذبة.

نعم هم لن يسألوا ولن يستعرضوا شيئاً من ذلك كله لأنهم ان تكلموا حينها سينقلب كل هذا العرض الجميل الى موقع جديد آخر فيه الفقر والدم والاضطرابات والصراعات والوحشية وحينها نعلم أن وراء هذه الصور حرب دائرة بكل معنى الكلمة.

فحين تجابهك صورة العالم بقاراته الخمس حسب تقسيماته الجغرافية الجديدة والمقصودة وتمعن النظر فتجد ان ما يقال له قارة أوروبا هي في مساحتها تعادل بلداً أفريقيا واحد هو السودان، فإذا وضعت هذه المعلومة كصورة خلفية أمام مجموعة الأرقام الاستهلاكية ومعدل الرفاهية تدرك كم ضحكوا عليك في لعبة عرض الدمى والصور الباهرة.

كأس النفط ورغيف الخبز:

ضع أمام كل ما تقرأ عن شركات الإتصالات وشركات متعددة الجنسيات زعموا - بل لها جنسية واحدة - وشركات المضاربات، وضع أمام كل المنتجات الجميلة من ألبسة وعطور ودور أزياء وسيارات فارهة ثمينة وشركات بناء، وضع أمام كل ما يتاجرون به حتى لا تنسى مهنة البغاء والتي هي موظفة في أساسيات العولمة مع تجارة الرقيق الأبيض، ومر في طريقك بصناعة السينما التي صارت الأعلى تكلفة في كل ما يحتاجه الانسان من رفاهية عجيبة وعلى لاعبي الرياضة وتكاليفهم والاتجار بهم وبلعبهم، ضع هذا كله كدورة استهلاك يغرقونك في تفاصيلها وأرقامها الفلكية ويبهروك بها كمشاهد شغوف أمام عينيك وما أرادوا تغييبه عنك ضع هذا كله أمام كأس نفط وكسرة خبز كل ما يقولونه عن الاستهلاك وابداعاته وجوانب الثراء في كفة مقابل كفة مغيبة هي النفط والخبز.

فما يحدثوك عنه هو ما يعنيهم وما يسترونه هو ما يعنيك.

كل ما يقولون هو ممارستهم ومنهم ولهم لكنهم أبداً لن يحدثوك عما عندك وما تحت قدمك.

كل حروب العصر قامت على هذين الأمرين أو ما تعلق بهما وكل ما سيحصل من حروب أنت تشهد بعضها أو بعض مقدماتها تدور حول مصدر حياتهم عيشهم وهنائهم.

وحين نستعرض هذه المادة العجيبة وهي النفط نجد أن حضارة القرن كلها تقوم عليها، ومنذ اكتشافه وهو يعد شريان الحياة في الغرب،وهومستعد أن يدمر ويقتل في سبيل تأمينه، ففي رسالة وجهها ونستون تشرشل وهو وزير الحرب يومها الى قائد الأسطول البحري البريطاني يقول له فيها: عزيزي فيشر ما هو المطلوب من الأسطول الآن وفي المدى المنظور:هو ضمان وصول البترول الى بريطانيا العظمى؛ رخيصاً في حالة السلم، مؤكدا في حالة الحرب.

ولعل الدافع المهم لضرب اليابان بيرل هاربر مع أن البعض عده غباءاً يابانياً لأنه يبرر لأمريكا دخول الحرب ضدها هو الضغط الأمريكي عليها خلال الحرب العالمية الثانية بقطع النفط عليها أمام مجموعة من المطالب الأمريكية المذلة لليابانيين خلال الحرب وهذا تؤكده الدراسات الجديدة وتؤكد عليه.

وأمريكا منذ اكتشاف البترول وهي تراه سلعة رئيسية واستراتيجية حيوية في الحرب وضرورية في السلم ولازمة للنفوذ الدولي، وهي عبارة أنقلها حرفيا لرسالة وجهها وزير الداخلية الأمريكي هارلد ايكس سنة 1942 الى رئيس أمريكا يومها فرانكلين روزفلت.

والحديث عن هذه السلعة وحيويتها وكونها ماء الحياة لحضارة اليوم يطول جدا، والعجب كل العجب أن هذه السلعة الغالية والتي لم تظهر الأبحاث المحمومة أي بديل لها في الوقت الحاضر؛ أقول هي السلعة الوحيدة الأكثر تخلفاً في الأسعار أمام مثيلاتها من السلع الأخرى، وهذا له دلالة واضحة في عالم يكون فيه الثمن لنكتة ممثل على المسرح أغلى من ألف برميل نفط، وليس السبب في هذه المفارقة قسوة المستهلك واستغلاله لكن هو غباء وضعف صاحب السلعة، وشعوره بالدونية والحقارة لنفسه.

ولعل هذه الكلمات التي قالها الملك عبد العزيز آل سعود لعبد الرحمن باشا عزام سنة 1948 يوم أن كان أميناً عامل لجامعة الدول العربية عندما طلب منه استخدام البترول كوسيلة ضغط على الغرب من أجل أن يغير موقفه من القضية الفلسطينية.

فأجابة عبد العزيز آل سعود: إنني لا أفهم ما تتكلم عنه، إننا لم نكن نعرف البترول وانه موجود بأرضنا فجاء الأجنبي وقال إنه موجود، ولم نكن نعرف كيف نستخرجه فجاء الأجنبي فاستخرجه لنا، ولم نكن نعرف كيف نبيعه فذهب الاجنبي به الى السوق فباعه، وأخذ الأجنبي نصيبه وأعطانا نصيبنا، فلماذا تريدني الآن أن أعاقب الأجنبي؟؟!!

هذه الكلمات الغبية في عالم الصراعات والمعبرة عن مقدار التخلف هي ما نسمعها اليوم تماماً من صناع القرار والمقربين منهم عند أي محاولة للفهم أو دخول حركة الحياة وفهم سنة التدافع.

فالبترول حياتهم وروحهم وهو تحت أقدامنا ومع ذلك فما نحن إلا قابضين في النهاية لبعض ثمنه حسب وصف الصقر الذي يعرف كيف يضحك على شعبة، ولا يعدو ان يكون غبيا وبدرجة متناهية في الغباء حين يتعلق الأمر بأمر ادارة الحياة والقضايا المصيرية.

من حقنا أن تنشق حناجرنا ونحن نصرخ: يا لغباء قادتنا، وياله من نصيب يعطونا إياه.

العولمة والقوة:

يجمع الكاتبون عن العولمة بأنها ظاهرة قديمة وليست حادثة، ويدللون على هذا بأدلة كثيرة، لكن كلها تقوم على حوادث في مجملها القاسم المشترك بينها هو:

عملية الخروج الى الآخر لتحقيق مكاسب مادية جديدة وزائدة، وذلك بتسويق بضاعته أو بجني خيرات الآخر اليه، وكل ما كتب وحسب اطلاعي تجاوز أو أغفل عنصر القوة العسكرية لتحقيق هذه المكاسب الجديدة والزائدة، ومع هذا الإغفال تم كذلك اسدال الستار خفية على الجانب السياسي ببعض الخجل.

لم يرتبط في ذهن القاريء المسلم أبداً مقولة النظام العالمي الجديد وشعار العولمة، كما لم يروا أن تركيبة العالم في شرعية القوة فيه وهذا الالتقاء لهيئة الأمم المتحدة الملحدة هو هبة من هبات العولمة في بعض مراحلها أو صورها.

حين يتحدث مؤرخو مقولة النظام العالم الجديد يجزمون أنها فكرة قديمة كذلك، ومظهرها هو وجود قوة عسكرية واقتصادية متمكنة، تملكها دولة واحدة أو تحالف دولي في عصر بعينه، تستطيع هذه الدولة أو هذا التجمع أن تجعل إرادتها فاعلة أو مؤثرة وغير قابلة للتجاهل وعدم التقدير في كل أجواء العالم.

هذه التصورات لو تأملتها في وقائعها لا تختلف من زمن إلى زمن إلا في شكل القوة وصورة الاذلال والسيطرة، وبالاختلاف في تحقيق هذه الارادة وتفعيلها، وإلا فهي تدل على حقيقة واحدة في كل العصور وهي صورة الغزو وتحقيق الغنيمة.

إن فهمت هذا فلا يهمك بعدها أن يستدل لك غيرك على توصيف ما هو النظام العالمي الجديد وبأي مثال سيفسر لك وضعه فكلها تعود لحقيقة الغزو والغنيمة وفرض السيطرة.

لكن إن كنت بصيراً اهتم فقط وأنت سائر مع الكاتب أن لا يسرقك بعبارات جميلة كالديمقراطية وحقوق الانسان والسلام العالمي ونزع أدوات الدمار الشامل فهي عبارات سخيفة ألبست على واقع دموي وشرس وقذر، تكون أشبه بالمساحيق على وجه وحش دميم قاتل.

خذ شعار الديمقراطية وحقق كم يخفي تحته من قهر ودكتاتورية وتسلط وسحق للآخر!

يقولون لك بكل صفاقة وقلة حياء وتبجح: هذا عصر الديمقراطية والحريات السياسية وحقوق الانسان، وأنت ترى بأم عينيك أن ثلاثة شباب في نيويورك ضحكوا فقط ضحكوا في ذكرى يوم الحادي عشر من سبتمبر يوم الغزوة المباركة كانت ضحكاتهم سبباً لسجنهم، وأنا ضربت لك هذا المثال حتى أمارس عليك عملية التضليل وتغطية بصرك فلا ترى آلاف الضحايا والقتلى وعشرات الآلاف من المشردين والمسجونين لأقل من هذا الصنيع، وكل ذلك من بركات عصر الديمقراطية والسلام العالمي والنظام العالمي الجديد.

إنها مهزلة الشعار التي لم يتطور في البشرية منذ أولها إلى يومنا هذا أكثر منه، ولا صار خلق في الوجود أعمق وأقوى وأرسخ من خلق الكذب.

حين ترى العالم كله بلداً واحداً ويتحدث بلغة واحدة وهي لغة الشرعية الدولية، وتحت مظلة الأمم المتحدة الملحدة وحين تنكش عودا صغيرا تحت هذه الشعارات فترى كيف تدار المواخير، وأي لعبة عهر تمارس داخلها تعرف ان العالم صحيح محكوم بنظام عالمي جديد وبشرعية دولية واحدة لكنها لا تختلف عما يسمونه هم بشريعة الغاب، بل إن للغاب شريعة وقانونا هما أرقى بكثير مما يمارسه هؤلاء الذين هم اقسى من الذئاب والكلاب المسعورة.

ولتكتمل صورة ترقي لعبة مهزلة الشعار وقانون الكذب فإن الإحتفالات سمة لم تتخل عنها البشرية، فما زالت قطر والبحرين والكويت والامارات والأردن وبروناي حتى دولة فلسطين المستقلة كل هذه الدول وغيرها تحتفل احتفالاً مهيباً وعظيماً بيوم الاستقلال العظيم، وفيه تستعرض الجيوش الجرارة وتعزف الحان النصر الذي تحقق.

في الأمم المتحدة مقاعد لكل دولة، وهي مقاعد تسفك في داخل البلد الواحد الكثير من الدماء ليتحقق لأحد المتحاربين أن يحل فيه، وكل دولة لا تدخل فيه هي دولة خارجة عن النظام العادل المتطور الراقي؛ وبالتالي هي دولة خارجة عن القانون، وبالتالي فأول احتفالات الاستقلال العظيم هو احتلال مقعد رقمي في هذا النظام العظيم، والكل يصرخ ويصيح بوجوب احترام الشرعية الدولية، ووجوب تنفيذ قرارات هذا المجمع العادل الديمقراطي القائم من أجل إحلال السلام في العالم.

لكن كل هذه الدول أرقام لا قيمة لها في الهيئة العمومية بل هي مظهر احتفالي كيوم الاستقلال القلسطيني، وفيها قلب يسمى مجلس الأمن له بعض الحواشي المزينة والمربكة في تفسيرها، تديره خمس دول باعتبارهم اعضاء دائمين، لها حق حمل العصا وتاديب الجموع وسرقة الأمم وتسيير طائرات وبوارج وقصف المدن وقتل الآلالف من أجل تحقيق رفاهية شعوبها، إنها بحق فكرة من أرقى ما صنعه الإنسان المتغلب القذر ضد الإنسان المقهور في تاريخ الأمم والشعوب على مر التاريخ.

وسلامات يا شرعية دولية وسلامات أيها الإستقلال العظيم..

وبعدها فليمت الكل وتعيش حضارة الرجل الأبيض.

وفي الوقت الذي تقوم به هذه الدول بصنع أرقى أدوات دمار العالم وتخريبه تمنع غيرها تحت دعوى احلال السلم العالمي من صنع لغم أرضي.. لأن في صناعته حسب وجهة هذا السيد الديمقراطي إساءة لإنسانية الإنسان وآدميته.

ولا أريد أن أستطرد أكثر من هذا في الجوانب الرائعة لعالم حضاري ديمقراطي يعيش تحت شعار براق هو العولمة والنظام العالمي الجديد.

ويبقى السؤال: ماذا نفعل؟

بلا شك أن خصمنا قد حبك لعبته من جميع جوانبها، فقد ترقت معارفه الإمبريالية والاستغلالية، وأعظمها رقي هو جانب الخداع والتضليل، فهو خصم قرأ التاريخ ودرس الشعوب وعرف تجارب أجداده في صراعهم للتغلب على الآخر، فلم يترك شيئا ينفذ منه إليه إلا أحكم إغلاقه، من ثم وترتيب موقف جاهز لمن أراد الدخول إليه أو معاناته.

فلو ضاع حقك منه فإليه المشتكى، ولا حركة لك إليه إلا برضاه، فإن خرجت عنه فأنت خارج عن شرعية العالم أجمع فأنت إرهابي ومجرم، وهو لن يؤمن لك هذا الحق حتى يأخذ منك اعترافاً بأن تدخل في طاعته وسلطانه، وأن تصبح جزءاً من دولاب قوته ورفاهيته.

ولو أردت أن تنعم بخيراتك فلن تستطيع إلا بإذنه، ولو حاولت غير هذا فسيجعل حياتك جحيماً لا يطاق.. إذ من خيارات التضاد في داخل بلدك ماهي إحدى أدواته في تحقيق انتصاراته عليك، دع عنك خيارات التضاد مع جيرانك.

ولو... ولو... ولو... فكر بأي مطلب من مطالبك من خلال هذه المظلات الكوكبية أو العالمية فستجد أنك في النهاية في حضنه وتحت سقفه، وأنت حينها أيها المسلم العابد أمام خيارين لك فقط؟:

أولاهما: الإنسحاب نحو الذات الى داخل نفسك، ولن تعدم الدليل الشرعي، فجملة المقالات والكتب المأثورة عن السلف بعيب الزمان وضرورة هجران أهله تحقق لك الرضا أنك مصيب في اختيارك، وسترحل وأنت تحلم بالمخلص القادم من السماء، وذلك من خلال معجزة باهرة فوقية خارج إرادة الكل من جموع البشرية؛ وبها يتحقق الغلبة لأهل الحق والدين.

هذا الإنسحاب نحو الذات يمارسه البعض وهو يكذب كما يكذب غيره في استخدام لعبة الشعار الزائفة، وذلك بأن يجعل هذا الإنسحاب هو المخرج من الفتنة، وهو الطريق السلفي المهتدي والوحيد فقط للمشي على هديهم، وكل خروج عنه هو خروج عن هدي السلف الصالح، والشعارات جاهزة، ومما يؤسف أن مصنعها هو الوحيد الباقي اليوم لم يخرب فينا ولم يتوقف ولم يبطل إبداعه.

والبعض الآخر وهم الأسلم صدراً والاتقى دينا ينسحب الى الداخل وهو يعلن أنه جهد المقل، فهو يعرف أنه رضي بأدنى درجات الإنكار، وهي المرتبة الثالثة منه وذلك بأن ينكر بقلبه ويدعو في سره أن يحقق الله تعالى الأمل وأن ينصر جنده الموحدين، وهو يعرف أن سبب انسحابه هومن ثقل المسؤولية ومشاقها ووعورة الطريق.

ثانيهما: هو من تلبس ببعض تسويقات الطاغوت عليه، فهو وطني يعترف بخصوصية بلده وموطنه وإن لم يعترف بذلك بلسانه، ورضي من نفسه أن يكون سن دولاب لحركة عجلة الشرعية والعولمة، ومما يؤسف له أن هؤلاء هم أكثر الناس دعوى أنهم من قارئي الواقع وسنن التاريخ، وأنهم أبصر الناس بما عليه الخصوم وخططهم، وإن كان لهم عذر فهو عذر وحيد فقط وهو أنهم استغرقوا في كتب الآخر حتى التضلع، وهي كتب كما تقدم لا تكشف أدوات المعركة وإن كانت تكشف صورتها الظاهرة، فصاروا من ضحايا اللعبة دون أن يشعروا، ولذلك تستغرب حين يتحدث الواحد منهم عن اطلاعاته وما استوعبته وحفظته ذاكرته من أرقام وحوادث يبثها في كتبه وأشرطته عن مخططات الخصوم وعن مكره وخبثه ودهائه، لكنهم غفلوا عن لعبة القوة وأداة الصراع الحقيقي، وغابت عنهم حركة الجيوش وبطشها وقسوة تركيبها، هذا إن أحسنا بهم الظن، وإلا فإني في أوقات كثيرة أعزو هذا الجهل الى عدم التربية العسكرية لهؤلاء الشيوخ والمفكرين، ولا أقصد بالتربية العسكرية هي دورات فك وتركيب الأسلحة، والرمي عليها فهذه لا تصنع أبداً عقلية المفكر المسلح.

هذا القسم يسمي نفسه بالإتجاه الاصلاحي، ولا يهمني أبداً أن أناقش مفردات طرحه، فمما يزعجك أن شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يستدل به كل ألوان الطيف، فالشيخ ابن لادن يستدل به والشيخ حمود العقلاء رحمه الله تعالى كذلك وكذا الدكتور أيمن الظواهري، ويستدل به كذلك الشيخ سلمان العودة والشيخ سفر الحوالي والشيخ الالباني، ويستدل له القرضاوي وربيع المدخلي ومحفوظ النحناح وعبد السلام ياسين وطه جابر العلواني، وبالتالي فأنا أرفض الدخول في معمعة الاستدلال الإنتقائي أمام معركة واضحة المعالم وأستغرق في لعبة الشعارات كما يريده البعض، لكن يكفي أن أتهم وأعلن بكل وضوح حين أفهم ما يريده هذا التيار أنه رضي أن يعمل تحت مظلة عدوه.

تهمة أوجهها وأنا أعرف أن خصمي عنده ضدي عشرات الأمثلة التقطها من إذاعة هنا وإذاعة هناك، ومن جريدة هنا وجريدة هناك أني أنا لعبة بيد الخصم لتحقيق مقاصده في بلادي، وأن كل ما أعمله ويعمله تيار التخريب لنظام العولمة والنظام العالمي الجديد هو اعطاء المبرر لهذا الخصم أن يظهر ما يضمره علنا أمام هذه الجموع العظيمة من أمتي، لأن أمتي عظيمة وشعوبنا رقم خطير يخشاها هذا المتغول فهو يبحث عن المبرر لصنائعه.

أفكار حالمة وحجج رائعة تجعل معركة بدر لولا هيبة القديم مع النص الرباني الذي يمجدها لم تحقق شيئا سوى استعداء الخصم علينا، بل وكانت السبب لتجييش قريش قافلة كاملة لمعركة بعدها بسنة واحدة لقتل سبعين رجلا لمدينة تجعل هؤلاء القتلى يحققوا بكاء في كل بيت فيها، فكل شيء يصلح حجة حين تتعملق الأفكار الأرسطية والتحليل السياسي الذي رماه لنا الشيوعيون والقوميون كزبالة عصر اكتشف الناس مهانته.

وسيقول البعض هذا تقزيم للقضية وتشويه لها، أنا أرجو منهم أن يراجعوا أنفسهم بصدق حين يسألون: ماذا يريدون؟ وما هي وسائلكم؟

ولا ينسون قبل ذلك كله أن يسألوا السؤال الكبير الذي هربوا منه جميعا: ماهو حكم الله في هذا الواقع وماذا قال حكم الله في معالجته؟

ولعل السؤال بقي قائما... ماذا نفعل؟

مع إقراري التام أن جزءاً كبيراً من مشكلة المسلمين تعود الى عدم فهمهم للإسلام وغياب الأحكام الشرعية عنهم واختلاط البدعة بالسنة، مع أن الجهل الذي أعنيه هنا ليس الجهل في أحكام الفرد إنما الأحكام المتعلقة بالطوائف والجماعات والديار، أي حكم الله تعالى فيما هو كوني، كحكم الله تعالى في الأمم المتحدة.. وحكم الله تعالى بنظام الجنسية.. وحكم الله تعالى في الشرعية الدولية.. وحكم الله تعالى في الوطنية.. وترسيم الحدود.. فمثل هذه الاحكام مغيبة والحديث عنها ضعيف وما بقي هو أشبه بالقضايا المعرفية الذهنية فقط أي ما يسمى عند البعض بالافكار، لكن أعتبر أن أعظم مصائبنا هو عجز العقل المسلم في الإبداع وذلك في تحقيق الحكم الشرعي وتحقيق طرق الصراع مع الخصم وخاصة عند من آمن بالحكم الشرعي أو اقترب منه.

لعل القهر يصيب الكثير من المعانين في قضايا الصراع وتحقيق الوعود الإلهية وموضوع الجهاد حين يطالعون هذه الأبحاث الكثيرة والتي تأخذ المقدمات المتكررة والطويلة والمسروقة في أغلبها أغلب الكتب والمصنفات، فهي هي عند كل خطيب ومصنف وواعظ ومناظر، وليس القهر لما تقدم فقط بل لأنها صارت شتاراً يتخفي تحته عمق الجهل عند الكاتب والمفكر والواعظ.

وهاهنا سأهرب من اطلاق حكم الجهل على هؤلاء البواقع والفواقر الذين يحاربون ويبذلون جهودا جبارا لكنها بغباء منقطع النظير في تحقيق من هو السلفي ومن هو نصف السلفي ومن هو سلفي الاعتقاد خلفي المنهاج.

الحديث يدور مع غير هؤلاء، وهم العقلاء من أمتي الذين آمنوا بأن الواقع يجب تغييره، لمخالفته لأمر الله تعالى أقول مخالفته ولم أحدد درجة المخالفة وهم يؤمنون أن فتنة أمتنا في عقمها في عدم وجود عبقرية الإبداع في التغيير واستصناع أدواته.

الهروب الى العمومات هو فن أمتي الذي تتقنه بعد إتقانها فن الشعارات.

هذا العالم المحكوم بالشر والضلال والكفر، وأحكم فيه الكفر كل المنافذ لئلا يخترق أو يحارب واستخدم أقسى درجات العنف والقتل ضدنا، ونحن رفعنا ضده شعار الجهاد فما هي طرق هذا الجهاد وكيف نمارسه وكيف نحقق صوره؟

هذه العلاقة التصادمية الخطيرة بينك وبينه؛ فهو لا يقبل منك الا الدخول في طاعته وأن تصبح جزءاً من شرعيته، وأنت حين أسلمت وجهك لله تعالى علمت أنه لا يتحقق اسلامك الا بضرب هذه الشرعية من اساسها وجذورها لا مظاهرها فقط.

ما الحل اذا؟

الحل شرعاً وقدراً هو الجهاد، والجهاد هو القتال بتفسير كل كتب الفقه له، دون زمزمة أو تلكؤ.

هذا الحل الرباني والذي يمكن لنا أن نهرب منه تحت دعاوى كثيرة نخفي تحتها: عظمة التكاليف التي نخاف منها، وعقمنا المتجذر في ابداع أدوات الصراع.

أمتنا بحاجة لفقيه ولا شك يعرفها حكم الله تعالى في النوازل والحوادث لكنها بحاجة أكثر إلى من يقودها في تحقيق هذا الحكم على أرض الواقع، وهو ما ينقصنا منه الكثير، ويهرب من يقال لهم بأهل الفكر الى عمومات وابداعيات ذهنية تصلح حديثاً للصالونات الفكرية منها الى أن تكون خطة عمل لطوائف الهدى وشباب الجهاد.

وللأسف إننا وإن كنا نفقد الكثير من الفقهاء وكثر قراء الفكر ومتعاطي لذة الكلام الا أننا نفقد أكثر قادة الحرب ومبدعي القيادة في حربنا الشرسة ضد هذا الخصم العنيد المتغطرس القاسي متعدد المواهب.

الجهاد يعني القوة لأن العالم تحكمه القوة.

الجهاد يحتاج الى ابداع لأن العالم سبقنا بأشواط بعيدة وكثيرة في تجذير أمراضنا ومعالجة أخطائه أولاً بأول.

الجهاد يعني الدم والقتل والتشريد والسجن وكل أنواع البلاء لأنه أقصى حالات الصدام الذي تعرفه البشرية في صراعاتها فلا يجوز لنا أن نجعل النتائج المرحلية لهذا الجهاد دليل خطئه، وبالتالي البحث عن البدائل.

لنعترف أننا عقمت عقولنا في تحقيق كيف نجاهد فذهبنا نحلق في أجواء الإصلاح الموطني وصنع الكلمات الرائعة والتي لا تملك دليلاً واحداً على صوابها الا أنها تحقق النصر العظيم لنا بلا تكاليف!

لن يعجز الباحثون في أحلامهم عن البدائل الجميلة السهلة أن يلبسوا أي بديل لباس الشرع والدين، فهي مهمة أتقنت على مدار التاريخ الإسلامي، إذ لن تكون أفكارهم أكثر سوءاً من التصوف وفلسفة اليونان ومع ذلك فإنه لم يعدم أهلها الاستدلا لها بقول الله تعالى وقول الرسول وحدث كذا وكذا.

ولن تكون كلماتهم أكثر سوءاً من فقه الحيل الخبيث لنجد له مستنداً من قاعدة أو حادثة تاريخية ما.

وكما تقدم فشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى جاهز لتمرير أي حلم لرجل أصاب عشاء ثقيلاً فبدأ يبدع في حلمه.

إيه يا ابن لادن كم عريت مفكرينا وقادة الفكر في العمل الاسلامي.

أواه عليك أيها الاسلام العظيم حين حملك أقزام يرضيهم بدل دخول البيت الأبيض وقصر الاليزيه أخذ رخصة لدرس في مسجد أو أخذ أذن لجمعية خيرية.

متى تنتج أمتي "ارطبونات" نضرب بها ارطبون الروم كما قال الصديق رضي الله تعالى عنه؟!

أيها المشايخ والمفكرون:

بالله عليكم أوقفوا التزوير بشروحات المتون التي شكت من كثرة الشروح وليقبل بعضكم لا كلكم على علم الحرب وفن ادارة الصراع.

يا أهل النظر والفكر والفقه في أمتي:

اعلموا أنه ينتظركم الكثير من الأسئلة لتجيبوا عليها، يسألها شباب الاسلام لكم.

تقولون نجاهد..كيف نجاهد؟

أليس الجهاد يحتاج الى تنظيم وادارة؟ علمونا كيف نفعل هذه الأمور.

حلت بنا أزمات فعلمونا كيف نبدع المخارج في حلها ونخرج منها ونصمد أمامها بالتخطيط.

علمونا كيف نعسكر الأمة لأيام كريهة وسداد ثغر.

هذا ما نحتاجه منكم اليوم، فإن عجزتم عن تقديم هذا فلنا طلب وحيد منكم هو أن لا تسرفوا في استخدام الورق والحبر وطباعة الكتب المسروقة والمكرورة.

وإن وصلكم دخان المعارك وضجيجها فقولوا: ليس هذا فننا.

ولا تنسوا الدعاء لأهلها، وامسكوا ألسنتكم عن اللوم والتقريع.

بوركت يا ملا الخير محمد عمر مجاهدا.
بوركت يا أبا عبد الله ابن لادن.
بوركت يا أيمن الظواهري.
بوركت أبا حفص المصري ورحمك الله تعالى.
بوركت أبا عبيدة البنشيري ورحمك الله تعالى.
بوركت يا خطاب ورحمك الله.
بوركت محمد عطا وسراياك المباركة ورحمكم الله تعالى.
بوركتم يا كتائب القسام في فلسطين.
بوركت جماعات الجهاد التي تبذل جهدها لحل معضلاتنا.
بوركتم فقد أجبتم عن بعض أسئلتنا وما زلنا بحاجة للمزيد.

وأخير نوصيكم بوصية الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

( فالله الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم وأوله وآخره أسه ورأسه وهو شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يكفرهم أو قال ما علي منهم، أو قال ما كلفني الله بهم فقد كذب هذا على الله وافترى، بل كلفه الله بهم، وفرض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانه وأولاده، فالله... الله، تمسكوا بأصل دينكم لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئا.. اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين) [1].

والحمد لله رب العالمين



1) الدرر السنية: الجزء الأول: ص78

 

tealscrollroses_small.gif

جمع وتنسيق النخبة للإعلام (تويتر)