JustPaste.it

http://s04.justpaste.it/files/justpaste/d239/a9623017/0027-small2.gif

logo-small_small.gif

 

هجران مساجد الضرار

للشيخ العلامة أبي قتادة الفلسطيني

من أحسن الحديث

قال تعالى: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم} [1].

قال ابن القيم في فوائد غزوة تبوك: (ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله فيها وهدمها كما حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وأمر بهدمه، وهو مسجد يصلى فيه ويذكر اسم الله فيه لما كان بناؤه ضرارا وتفريقا بين المؤمنين ومأوى للمنافقين، وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله، إما بهدم أو تحريق وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له).

ومما تدخل في معنى مسجد الضرار، وينطبق عليها الوصف الشرعي، تلك المساجد التي بناها الطواغيت لتذكر فيها أسماؤهم وتسمى بهم، وهذه المساجد فيها الكثير من معاني الضرار؛ منها أنها بنيت رياء وسمعة وأموالها إنما بنيت من سرقات هؤلاء الطواغيت وبعضها من الربا.

من المهم جدا أن يعلم أهل الإسلام أن من طرق الشيطان وجنده، ومن سبيل المجرمين أن يموهوا على أهل الإسلام دينهم الحق، ومن طرق صرف المسلمين عن دينهم هو تحوير الدين نفسه، وتقديم دين آخر تحت اسم الإسلام، فحينها تختلط على جماعة كبيرة من أهل الإسلام أي دين يتبعون، والجميع يدعون إلى اسم واحد وشعار واحد، ثم يصبح الكثير منهم لديه الحجة - زاعما - أن الدين له صور كثيرة ولا يستطيع أن يتبين الصواب منها فيهجرها جميعا، حقها وباطلها، وهذه طريقة قديمة حديثة، تتكرر حوادثها وأفرادها.

ومن هذه الأحداث والأفراد هو بناء المساجد إضرارا بالإسلام وأهله.

ومسجد الضرار الأول الذي بناه أبو عامر الراهب - رجل من الخزرج وهو والد حنظلة الغسيل رضي الله عنه وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق - كانت أسباب بنائه كما تذكر الآيات هي:

أ) اتخاذه لمضارة المؤمنين وإيقاع الإيذاء بهم؛ وذلك أن بناءه كان لصرف الناس عن مسجد قباء، لا رغبة في الطاعة ولكن ليقع في النفوس الأذى ويؤدي إلى الخصومة والمشاحنة بينهم، وهذا من أعظم الضرر.

ب) الكفر وتقويته؛ وذلك أن انفرادهم في مسجد خاص لهم يسهل لهم ولإخوانهم من الكافرين والمنافقين الاجتماع والتشاور، وأهل الإسلام لا يشكون بهم كونهم في مسجد لا يتوقع صدور الأذى منه، ثم إنه حجة لمن ترك الصلاة في مسجد المسلمين أنه صلى فيه، فيسهل للمنافقين نفاقهم وتركهم أمر الله تعالى.

ج) التفريق بين المؤمنين في الملة الواحدة؛ فإن من مقاصد صلاة الجماعة هو الاتفاق والائتلاف وحصول المودة.

قال الشيخ رضا في المنار: (ولذلك كان تكثير المساجد وتفريق الجماعة منافيا لمقاصد الإسلام) اهـ

قلت: التكثير إن كان لعلة الكثرة واتساع المدينة فنعم، وإلا كان تفريقا بين المؤمنين.

د) الإرصاد لمن حارب الله ورسوله؛ وذلك أنه يكون مقرا لكل من أتى لحرب المؤمنين، وبذلك تسهل له مهمته، وتمرر مقاصده على المسلمين، كيف لا وقد أتاهم من قبل بيت الله تعالى وخاطبهم فيه.

وهذا المسجد - الضرار - كان حكمه أن منع الله رسوله صلى الله عليه وسلم من الصلاة فيه بقوله: {لا تقم فيه أبدا} فكانت الصلاة فيه حراما، وعند بعض الأئمة وهو الصواب باطلة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدمه وحرقه، ولعل حكم حرقه وهدمه أخذ من قوله تعالى {أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم} فإن الكثير من الأصوليين يرون جواز الاحتجاج بأفعال الله بعبيده على جواز الفعل بهم إلا لقرينة.

قال ابن تيمية: (الأصل قول الله تعالى وفعله، وتركه القول وتركه الفعل، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعله، وتركه القول - وتركه الفعل - وإن كانت جرت عادة الأصوليين أنهم لا يذكرون من جهة الله إلا قوله الذي هو كتابه) [2].

وقال السمعاني: (يقع البيان من الله تعالى بالقول والفعل والكناية والتنبيه على العلة، ولا يقع بالإشارة) [3].

ويحتج لهذا القول باستدلال السلف على رجم اللائط بما فعل الله تعالى بقوم لوط.

قال صاحب المغني: (إن الله تعالى عذب قوم لوط بالرجم، فينبغي أن يعاقب من فعل مثل فعلهم بمثل عقوبتهم) [4].

قلت: ولا ينبغي إطلاق هذا، فإن الله يعذب عصاته بالنار ولا يجوز لأحد أن يعذب بالنار إلا إذا كان قودا - كما هو الصحيح من قول الجمهور سوى الحنفية - والله تعالى أعلم.

والحديث عن مسجد الضرار فيه كلام طويل، لكن سأقتصر في الحديث هنا على مسألة جواز هدم المساجد التي بنيت ضرارا أو لعلة من العلل أو الأسباب التي تقدم ذكرها، هذا إذا كان أصل المسجد بني لهذا.

أما إذا بني المسجد قربة لله تعالى ثم عرض له عارض كغلبة أهل البدع عليه، أو تحويله إلى معبد من معابد الوثنية، أو تعيين إمام لا يجوز الصلاة خلفه، فحديثنا لا يشمله، ولا يعرض لهذا المسجد القول بهدمه بل يجب - إن قدر عليه - أن يزال هذا الفساد، والمسجد على أصل بنائه من الإقرار ومدح بنائه وبانيه، واعتبار الأصل يعمل به في الفقه في مسائل عدة، منها التفريق بين المسجد الذي بني على قبر، فالأول هو القبر والمسجد تال له، وبين المسجد الذي دفن فيه ميت فكان القبر هو الحادث.

قال النووي في فتاويه، وقد سئل عن مقبرة مسبلة للمسلمين بنى فيها إنسان "مسجدا" وجعل فيها محرابا هل يجوز ذلك؟ وهل يجب هدمه؟ فقال: (لا يجوز له ذلك ويجب هدمه).

وقال ابن القيم في زاد المعاد [5]: (يهدم المسجد إذا بني على قبر كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد نص على ذلك أحمد وغيره فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق، فلو وضعا معا لم يجز).

جواز هدم المساجد لعلة الضرر والضرار:

أنكر البعض الحديث عن هدم مسجد الضرار، وزعم أن المساجد بنفسها لا علة فيها إنما العلة في الإمام أو أهل المسجد، فالمساجد تقر وينكر على الفعل، ولم يفرق بين الأمر الذي تقدم ذكره، وذلك بالنظر إلى الأصل الذي بني من أجله المسجد، ولازم هذا القول أنه لا يوجد مسجد يحرم الصلاة فيه لنفسه وبنائه بل إنما تحرم الصلاة لشيء آخر غير المسجد كوجود التماثيل أو إمام زنديق أو شيء آخر، وفي هذه اللمعة سأسوق جملة من كلام الأئمة في حرمة الصلاة في بعض المساجد كون هذه المساجد لها حكم مسجد الضرار الأول الذي نهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه بقوله: {لا تقم فيه أبدا} وأنه من الجائز لأهل الولاية والقدرة هدم هذه المساجد وإزالتها، بعضها واجب الإزالة وبعضها مما يجوز لهم هدمه وحرقه وإزالته.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد في ذكره لفوائد غزوة تبوك: (ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله فيها وهدمها كما حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وأمر بهدمه، وهو مسجد يصلى فيه ويذكر اسم الله فيه لما كان بناؤه ضرارا وتفريقا بين المؤمنين ومأوى للمنافقين، وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله، إما بهدم أو تحريق وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له).

قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (ولا تجزئ الصلاة في مسجد أحدث مباهاة أو ضرارا على مسجد آخر إذا كان أهله يسمعون نداء المسجد الأول ولا حرج عليهم في قصده، والواجب هدمه، وهدم كل مسجد أحدث لينفرد فيه الناس كالرهبان، أو يقصدها أهل الجهل طلبا لفضلها)".

قال: (وقد هدم ابن مسعود مسجدا بناه عمرو بن عتبة بظهر الكوفة ورده إلى مسجد الجماعة) [6].

قال محمد بن رشد الجد [ت 255 هـ]: (إن من بنى مسجدا بقرب مسجد آخر ليضار به أهل المسجد الأول ويفرق به جماعتهم فهو من أعظم الضرر، لأن الإضرار فيما يتعلق بالدين أشد منه فيما يتعلق بالنفس والمال، لا سيما في المسجد المتخذ للصلاة التي هي عماد الدين، وقد أنزل الله تعالى في ذلك ما أنزل من قوله: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا - إلى قوله - لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم}.. فإن ثبت على بانيه أنه قصد الإضرار وتفريق الجماعة لا وجها من وجوه البر، وجب أن يحرق ويهدم ويترك مطروحا للزبول كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجد الضرار) [7].

قال الونشريسي: (وسئل ابن الحاج عن مسجد بني بقرب مسجد قصد الإضرار؟ فأجاب: إذا بني مسجد بقرب مسجد يعد ضرار فالكلام في الآخر من المسجدين، كذلك في الرواية هذه اللفظة، والحكم يوجب هدم الآخر منهما إن كان بني، والمنع إن كان لم يبن، والبقعة إن كان صاحبها قصد الإضرار رجعت إليه لأنه لم يقصد في تحبيسه - أي وقفه - البر، وإن لم يقصد الإضرار، فقد يقال إنها تبقى حبسا كما هي، فلعل الخلق قد يكثرون في الموضع حتى يبنى والله أعلم) [8].

قال السيوطي: (ومن تلك المحدثات كثرة المساجد في المحلة الواحدة، وذلك لما فيه من تفريق الجمع وتشتيت شمل المصلين، وحل عروة الانضمام في العبادة، وذهاب رونق وفرة المتعبدين وتعديد الكلمة واختلاف المشارب، ومضارة حكمة مشروعية الجماعات - أعني اتحاد الأصوات على أداء العبادات - وعودهم على بعضهم بالمنافع والمعونات والمضارة بالمسجد القديم أو شبه المضارة أو محبته الشهرة والسمعة وصرف الأموال فيما لا ضرورة فيه) [9].

قال البهوتي: (ويحرم أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد إلا لحاجة كضيق الأول ونحوه كخوف فتنة باجتماعهم في مسجد واحد، وظاهره (أي المذهب) وإن لم يقصد المضارة) [10].

قال الشيخ جمال الدين القاسمي: (دلت الآية على أن كل مسجد بني على ما بني عليه مسجد الضرار أنه لا حكم له ولا حرمة، ولا يصح الوقف عليه، وقد حرق الراضي بالله كثيرا من مساجد الباطنية والمشبهة والمجبرة وسبل بعضها، نقله بعض المفسرين) [11].

قال الزمخشري - حنفي الفقه، معتزلي العقيدة -: (كل مسجد بني مباهاة أو رياء وسمعة أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله أو بمال غير طيب، فهو لاحق بمسجد الضرار، وعن شقيق أنه لم يدرك الصلاة في مسجد بني عامر، فقيل له: مسجد بني فلان لم يصلوا فيه بعد، فقال: لا أحب أن أصلي فيه، فإنه بني على ضرار. وكل مسجد بني على ضرار أو رياء وسمعة فإن أصله ينتهي إلى المسجد الذي بني ضرارا) [12].

قلت: حادثة شقيق في تفسير الطبري بإسناده.

قال ابن تيمية: (كان السلف يكرهون الصلاة فيما يشبه مسجد الضرار ويرون العتيق أفضل من الجديد لأن العتيق أبعد عن أن يكون بني ضرارا من الجديد الذي يخاف ذلك فيه) [13].

قلت: وكذا قال ابن كثير في تفسيره. ولمعرفة من كره من السلف ينظر مصنف ابن أبي شيبة [14]، وينظر فيه كراهة الصلاة في أماكن الخسف [15] - والكراهة عند السلف هي الحرمة - [16].

قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: (وأبلغ من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هدم مسجد الضرار ففيه دليل على هدم المساجد التي هي أعظم فسادا منه) [17].

قال الإمام القرطبي: (قال علماؤنا: لا يجوز أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد، ويجب هدمه، والمنع من بنائه لئلا ينصرف أهل المسجد الأول فيبقى شاغرا، إلا أن تكون المحلة كبيرة، فلا يكفي أهلها مسجد واحد فيبنى حينئذ، وكذا قالوا لا ينبغي أن يبنى في المصر الواحد جامعان وثلاثة، ويجب منع الثاني، ومن صلى فيه الجمعة لم تجزه، وقد أحرق النبي صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وهدمه).

وقال: (قال علماؤنا: وكل مسجد بني على ضرار أو رياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه) [18].

قال الغزالي: (وأما المسجد فإن بني في أرض مغصوبة أو بخشب مغصوب من مسجد آخر أو من ملك معين فلا يجوز دخوله أصلا ولا للجمعة، وإن كان من مال لا يعرف مالكه فالورع العدول إلى مسجد آخر إن وجد فإن لم يجد غيره فلا يترك الجمعة ولا الجماعة لأنه يحتمل أن يكون من ملك الذي بناه ولو على بعد، وإن لم يكن له مالك معين فهو لمصالح المسلمين) [19].

قلت: ولازم القول بحرمة الصلاة في مسجد هو هدمه لتعطل مقصده الذي سمي به والله أعلم.

فهذه جملة من نقولات أهل العلم في حرمة الصلاة في مساجد، والعلة في البناء نفسه لا لشيء زائد آخر كالإمام والتصاوير وغيرها.

وفي هذه النقولات جملة من الفوائد منها:

1) التفريق بين المسجد الذي بني في أصله ضرارا وبين أن يطرأ على المسجد الضرر: فالثاني يزال ضرره ويعود المسجد إلى حاله الذي كان عليه، والأول إذا لزمه الضرر يجب إزالته مثل المساجد التي بنيت ضرارا ويمكن إزالة ضررها فلولي الأمر الحق في هدمها وحرقها وإزالتها، وله الحق في إبقائها وإزالة الضرر منها، كالمسجد المغصوب يخير صاحب الأرض بين أخذ الأرض أو قبول ثمنها، فإن قبل ثمنها دفع له وأقر المسجد وإلا أزيل.

2) لا يشنع ولا يعاب على من كره أو حرم الصلاة في مسجد ما لاعتقاده أنه بني ضرارا؛ بل هو فعل السلف الصالح كما تقدم.

3) هذه النقول فيها الرد على من شنع وأنكر تسمية بعض المساجد بمساجد الضرار؛ لاعتقاده أنه لا يسمى بهذا إلا مسجد الضرار الأول أو مسجد جمع كل علل مسجد الضرار الأول، فهذه الفتاوى من العلماء في هدم بعض المساجد لعلة واحدة فقط ولم يشترطوا اجتماع الشروط كلها في المسجد ليهدم أو يهجر، وعلى من قال بغير هذا الدليل.

4) وبما أفتى به العلماء عدم جواز قبول وقف اليهودي والنصراني والكافر على المسجد.

ففي المعيار المعرب: (سئل أبو عمران القطان عن يهودي حبس دارا على مسجد بقرطبة. فأجاب: لا يجوز) [20].

وقد تقدم عدم قبول من وقف أرض ضرارا أو علم وقفها رياء وسمعة بل ترد عليه.

5) كل مسجد بقي على ضراره ولم يمكن إصلاحه فلا يجوز الصلاة فيه؛ لقوله تعالى: {لا تقم فيه أبدا} وقد تقدم ذكر فتاوى لأهل العلم في هذا.

صور من مساجد الضرار المعاصرة:

ذكر رشيد رضا في المنار قوله: (ومنه يعلم أن كثيرا من مساجد مصر القريب بعضها من بعض - وكذا أمثالها في الأمصار الأخرى - لم تبن لوجه الله تعالى - بل كان الباعث على بنائها الرياء، واتباع الأهواء، من جهلة الأمراء والأغنياء) [21].

ومما تدخل في معنى مسجد الضرار، وينطبق عليها الوصف الشرعي، تلك المساجد التي بناها الطواغيت لتذكر فيها أسماؤهم وتسمى بهم، وهذه المساجد فيها الكثير من معاني الضرار؛ منها أنها بنيت رياء وسمعة وأموالها إنما بنيت من سرقات هؤلاء الطواغيت وبعضها من أموال الربا والميسر، وبعضها يوصي الطاغوت أن يدفن فيها أي فيها معنى القبر من ابتداء بنائها، وأشهر هذه المساجد مسجد الطاغوت الحسن الثاني ملك المغرب - لعنه الله تعالى - فإن هذا المسجد يجمع هذه الخصال جميعها ويزيد عليها، ولم يتخذ إلا للنظارة من السياح الكفار الذين يدخلون إليه عراة، ومثله المسجد الذي بناه الطاغوت الحسين بن طلال وسماه باسم جده - مسجد الملك عبد الله - بل سماه مسجد الشهيد عبد الله. وجده هذا من أئمة الكفر والإفساد.

أما في ديار الغربة فقد درجت سفارات الردة على بناء مساجد، بعضها يختص لأهل بلد ما دون غيرهم من المسلمين، وتسيطر عليه هذه السفارة وترغب أهل بلدها الذهاب إليه فقط دون غيره، حرصا منهم على عدم تأثر رعيتهم خلال مكثهم في البلاد الأجنبية أن يصلوا في مساجد أخرى فتتغير أحكامهم على بلدهم وحكام بلدهم، وهذا عين الضرر، ومثلها التي تبنيها السفارات، وتسجلها باسم شركات أو أبنية خاصة لتدوم السيطرة عليها، ويعينوا لها الأئمة والمدرسين والمؤذنين ويجعلونها مباهاة ورياء وسمعة وليختصوا هم بتفسير الدين على منهاجهم ورغبتهم، وتكون هذه المساجد مقرا للمخابرات على الشباب المسلم وفيها يجتمع رجالات السفارة فيها للاحتفالات التي يسمونها دينية، فهي تحمل معنى: {وإرصادا لمن حارب الله ورسوله}.

ومما يدخل في معنى الضرار؛ بل هو الضرر بعينه ما قام به طاغوت الجزيرة الملك فهد من بناء قصر على جبل يشرف على الحرم المكي، وأفتى بعض مشايخ الجزيرة للطاغوت وأزلامه بالصلاة فيه مقتدين بإمام الحرم المكي، والقصر لا يدخل في معنى المسجد لكن ألحقته هنا لفساد الفتوى باتخاذه مسجدا فيه معنى وأجر الصلاة في الحرم المكي، والسلف كرهوا الصلاة في المقاصير التي اتخذها الولاة داخل المسجد، فهل يشك عاقل أن فتوى هؤلاء بجواز اتخاذ القصور مساجد، وألحقوها بمعنى أعظم مسجد على وجه الأرض.

قلت: هل يشك عاقل، أن هذا من أبطل الباطل وأن الفتوى غلط لا شك فيها؟

ومنها؛ ما تبنيه الجماعات والأحزاب والطوائف من مساجد خاصة لهم لينفردوا بها عن باقي مساجد المسلمين العامة، وهي أشبه بتكايا الصوفية التي بسببها اعتزلوا مساجد أهل الإسلام، ومثل حسينيات!! الروافض، فهذه كلها فيها معنى الضرار وعلى من قدر من المسلمين إزالتها وهدمها.

ومنها؛ ما يبنيه أصحاب الثراء أو الجاه من مساجد خاصة لهم في داخل أسوار قصورهم وبيوتهم فيصلون فيها الصلوات الخمس بل والجمعة، ولا يدخل عليها إلا من رضوا ولمن أذنوا له، فليست هي مساجد المسلمين، بل هي من مساجد الضرار التي يجب أن تزال وتهدم ويؤمر أهلها بالاجتماع في المساجد العامة، وهذه المساجد ليست هي مساجد البيوت التي كان يفعلها أصحاب رسول الله، فإن تلك مساجد خاصة لأهل البيت يصلون فيها السنن والنوافل ويجلسون فيها للذكر وقراءة القرآن، وليست لصلاة الفريضة ولا للجمعة ولا للجماعات.

هذا ما يسره الله تعالى.

وليعلم أهل الإسلام أن غياب دولة الإسلام جنى على العالم الكثير من الشرور سواء ما تعلق من أمور الدين أو الدنيا، فنسأله سبحانه أن يمن علينا بدولة يعز فيها أولياء الله وجنده ويذل فيها أعداؤه وجند الشيطان.

والحمد لله رب العالمين



[1] التوبة 107- 110
[2] المسودة لآل تيمية ص 298.
[3] انظر إرشاد الفحول ص 173.
[4] المغني 8/188.
[5] مسألة 77.
[6] المحلى: مسألة رقم 399.
[7] في البيان والتحصيل 1/411.
[8] في المعيار المعرب والجامع المغرب (7/229).
[9] في الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع.
[10] في شرح الإقناع ج 1، ص 545.
[11] في محاسن التأويل.
[12] 9/3268.
[13] في تفسير سورة الإخلاص ص 256.
[14] ج 2/231 - الطبعة الهندية
[15] 2/377
[16] انظر إعلام الموقعين لابن القيم 1/39-43 وبدائع الفوائد 4/6.
[17] في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/414.
[18] الجامع 8/254.
[19] في الإحياء ج 2، ص 114.
[20] المعيار المعرب 7/65.
[21] المنار 11/39.

tealscrollroses_small.gif

جمع وتنسيق النخبة للإعلام (تويتر)