جواز العمليات الإستشهادية وأنها ليست بقتل للنفس
للشيخ أبي قتادة الفلسطيني حفظه الله
باب؛ عدم جواز قتل المسلم نفسه
إن مما يبتلي الله عباده المؤمنين أن يصيبهم بالضراء، ووقوع الضراء بالمؤمنين لسببين:
أولاهما: فتنة وابتلاء، كما قال تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموار والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).
وثانيهما: تكفير لذنوب المؤمن أو لرفع درجته، كما روى الإمام الترمذي من حديث أبي هريرة بسند صحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وماله ونفسه حتى يلقى الله وما عليه خطيئة » [1].
فإذا وفع البلاء بالمؤمن فعليه أن يصبر له، ولا يعجل بنفسه إلى الله هرباً من الضراء، وجزعاً وقلة صبر، فإن عجل بنفسه إلى الله بقتلها هرباً من البلاء فهو آثم عاص، وهو يدل على قلة إيمان وضعف يقين، كما قال صلى الله عليه وسلم: «كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني بنفسه، فحرمت عليه الجنة» [2].
وقد تكرر منه صلى الله عليه وسلم الترهيب من قتل المرء نفسه هرباً وجزعاً من الحياة ومن هذه الأحاديث؛ ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار»، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ترك الصلاة على من قتل نفسه، كما روى الإمام أبو داود في سننه [3]، ولم يفقه الأئمة الأعلام من حديث ترك الصلاة على قاتل نفسه إلا أن هذا الترك هو بسبب تنفير الناس من فعله، كما قال إبراهيم بن راهويه [4]، ونقل الخطابي عن أكثر الفقهاء أنه يُصلى عليه، وهذا هو الصواب في المسألة [5]، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا دعاء حسنا لمن قتل نفسه [6] وهذا يدل على دحوله - أي قاتل نفسه - في المشيئة، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.
ثم تبين لنا أن علة التحريم هي عدم الصبر، والجزع، واستعجال الموت للتخلص من الآلام ومصائب الحياة. ويظهر هذا واضحاًفي نهي الشارع عن تمني المسلم الموت لصر أصابه، فقد روى الشيخان في صحيحهما من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي»، وهي تختلف عن تمني المسلم الشهادة، وأن يُقتل بيد كافر.
[1] حديث رقم 2399
[2] رواه البخاري ومسلم من حديث جندب بن عبد الله
[3] 2 رقم 3180
[4] عون المعبود 8/473
[5] معالم السنن
[6] (2 رقم 116)