JustPaste.it

http://s04.justpaste.it/files/justpaste/d239/a9621841/0027-small2.gif

logo-small_small.gif

 

جواز العمليات الإستشهادية وأنها ليست بقتل للنفس

للشيخ أبي قتادة الفلسطيني حفظه الله

باب؛ عدم جواز قتل المسلم نفسه

إن مما يبتلي الله عباده المؤمنين أن يصيبهم بالضراء، ووقوع الضراء بالمؤمنين لسببين:

أولاهما: فتنة وابتلاء، كما قال تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموار والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).

وثانيهما: تكفير لذنوب المؤمن أو لرفع درجته، كما روى الإمام الترمذي من حديث أبي هريرة بسند صحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وماله ونفسه حتى يلقى الله وما عليه خطيئة » [1].

فإذا وفع البلاء بالمؤمن فعليه أن يصبر له، ولا يعجل بنفسه إلى الله هرباً من الضراء، وجزعاً وقلة صبر، فإن عجل بنفسه إلى الله بقتلها هرباً من البلاء فهو آثم عاص، وهو يدل على قلة إيمان وضعف يقين، كما قال صلى الله عليه وسلم: «كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني بنفسه، فحرمت عليه الجنة» [2].

وقد تكرر منه صلى الله عليه وسلم الترهيب من قتل المرء نفسه هرباً وجزعاً من الحياة ومن هذه الأحاديث؛ ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار»، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ترك الصلاة على من قتل نفسه، كما روى الإمام أبو داود في سننه [3]، ولم يفقه الأئمة الأعلام من حديث ترك الصلاة على قاتل نفسه إلا أن هذا الترك هو بسبب تنفير الناس من فعله، كما قال إبراهيم بن راهويه [4]، ونقل الخطابي عن أكثر الفقهاء أنه يُصلى عليه، وهذا هو الصواب في المسألة [5]، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا دعاء حسنا لمن قتل نفسه [6] وهذا يدل على دحوله - أي قاتل نفسه - في المشيئة، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.

ثم تبين لنا أن علة التحريم هي عدم الصبر، والجزع، واستعجال الموت للتخلص من الآلام ومصائب الحياة. ويظهر هذا واضحاًفي نهي الشارع عن تمني المسلم الموت لصر أصابه، فقد روى الشيخان في صحيحهما من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي»، وهي تختلف عن تمني المسلم الشهادة، وأن يُقتل بيد كافر.


[1] حديث رقم 2399
[2] رواه البخاري ومسلم من حديث جندب بن عبد الله
[3] 2 رقم 3180
[4] عون المعبود 8/473
[5] معالم السنن
[6] (2 رقم 116)

 

 

باب؛ جواز إلقاء المرء نفسه في التهلكة لمقاصد شرعية

مما نص عليه الأئمة في كتب الفقه عن جواز انغماس الرجل في صف الكفار وإن تيقن التهلكة إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين:

أ) قال محمد بن الحسن الشيباني - صاحب أي حنيفة - في كتاب السير الكبير: «لو حمل واحد على ألف من المشركين، وهو وحده، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في عدو، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم ، حتى يصنعوا مثل صنيعه ، فلا يبعد جوازه ، لأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه، وإن كان قصده إرهاب العدو، وليعلم صلابة المسلمين في الدين فلا يبعد جوازه، وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لاعزاز دين الله، وتوهين الكقر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم... إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه» [7].

ب) قال ابن خويز منداد - من فقهاء المالكي -: «فأما أن يحمل الرجل على مائة أو جملة من العسكر، أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج، فلذلك حالتان: إن علم وغلب على ظنه أنه سيقتل من حمل عليه وينجو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يُقتل، ولكن سينكى نكاية أو سيبلي أو يؤثر أثراً ينتفع به المسلمون فجائز أيضاً» [8].

ج) قال ابن حجر العسقلاني: «وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو، فصرح الجمهور بأنه إذا كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك، أو يجرئ المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن، ومتى كان مجرد تهور فممنوع، ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين» [9].

د) قال ابن تيمية: «جوز الأئمة الأربعة أن بنغمس المسلم في صف الكفار، وإن غلب على ظنه أنه يقتلونه، إذا كان ذلك مصلحة للمسلمين» [10].

وأما الأدلة التي احتج بها الأئمة على جواز القاء النفس إلى الموت لهذه المقاصد الشرعية فكثيرة، ونشير إلى بعضها:

1) روى مسلم في صحيحه [11] عن أبي بكر بن موسى قال: «سمعت أبي هريرة وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف، فقام رجل رث الهيئة، فقال: يا أبا موسى أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاها، ثم مشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قُتل».

2) روى مسلم في صحيحه [12] من حديث أنس بن مالك وذكر فيه قصة بدر قال: فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله: جنة عرضها السموات والأرض؟ قال نعم، قال بخ بخ يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قول بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فقال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتل».

وأحاديث أخرى غيرها...


[7] تفسير القرطبي 2 / 364، 365
[8] القرطبي 2/363
[9] الفتح 8 / 185 - 186
[10] فتاوي ابن تيمية 28/540
[11] (ح رقم 1902)
[12] (ح رقم 1901)

 

باب؛ حقيقة الأعمال الإستشهادية المعاصرة

الأعمال الإستشهادية – الإنتحارية - هذه الأيام لهذه عدة مفاهيم وصور منها:

1) قيام المجاهد بحمل المتفجرات والسلام وإلقاء نفسه في وسط مكان يكثر فيه العدو، وهو موقن بالموت، ولكنه يُقتل بيد العدو، لا بسلاحه ومتفجراته التي يحملها. وهذه الصورة هي نفس ما تكلم عنه الأئمة في الباب الثاني.

2) قيام المجاهد بنفجير نفسه، أو سيارته في وسط الأعداء لإحداث النكاية بهم. وهذه الصورة وإن كانت لم توجد في الزمن السابق لعدم وجود أدواتها، فهي حادثة في هذه العصور، إلا أنها تجتمع مع الصورة السابقة في حالتين، وتفترق في حالة:

فهي تجتمع مع الصورة الثانية في:

تيقن حدوث الهلكة للمجاهد، أو غلبة الظن، وذلك بجامع أن كليهما يبذل نفسه متيقناً أو غالباً على ظنه بعدم نجاته.

وتلتقي معها بأن مقاصدها هي نفس المقاصد التي تكلم عنها الأئمة في جواز الصورة الثانية، وذلك إما بإحداث النكاية بأعداء الله أو بتقوية نفوس أصحابه [13].

وتفترق مع الصورة الثانية، وتلتقي مع صورة قتل النفس المحرم أن المجاهد في هذه الحالة لا يقتل بيد الأعداء ولكن يُقتل بيده، أو بالمادة التي سيقتل لها الخصوم والأعداء، فهي تلتقي مع صورة قتل النفس في هذا الباب.

فهل تلتحق بالصورة الثانية الممدوحة أم بصورة قتل النفس الممنوعة؟

إذا علمنا أن علة تحريم قتل النفس هو الجزع وقلة الصبر، وهي حالة تدل على قلة إيمان، وصعف يقين، وعدم توكل، لا لمجرد حدوث القتل باليد، علما أن إلحاقها بالصورة الثانية (قتل النفس) بعيد جداً، ولا تلتقي معها، وسبب هذا البعد: أنه لو أعطى أحدهم سلاحاً لآخر وأمره باستعماله لقتله، كسم أمره بوضعه في طعامه، أو سلاح ناري أمره بأن يطلقه عليه، كان قاتلاً لنفسه، لا يفترق في شيء عن قلته بيد نفسه، فليست المسألة تعود إلى الصورة الظاهرة، ولكنها تعود إلى مقصدها ومراد صاحبها منها.

ومما يوضح هذا الأمر هي قصة الغلام في قضية أصحاب الأخدود، فإن الفتى قال للملك: «إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما امرك به، فقال وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله، رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا قلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه ‏فوضع يده في‏ ‏صدغه موضع السهم، فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام» [14].

فانظر إلى هذا الفتى كيف دل المشرك على قتله، بل دله على الطريقة الوحيدة التي لا يُقتل إلا بها، وسبب فعلته هذه من أجل مصلحة ظهور الدين وانتشاره. فإلحاق هذه الصورة بالصورة الثانية - الممدوحة المرغوبة - هو الأولى والأصوب من إلحاقها بصورة القتل المحرم. وليست هذه من شرع من قبلنا الذي لا يُحتج به. بل احتج به أئمة الإسلام من غير نكير [15].

ثم يُقال كذلك: إنه من المعلوم أن قتل المسلم لغيره من المسلمين أعظم إثماً وجرماً من قتل المرء نفسه، لأن من تعدى على غيره وظلمه أشد إثماً من ظلم المرء لنفسه كما قال ابن حجر في شرح قول البخاري (باب ما جاء في قتل النفس) قال: «أراد - أي البخاري - أن يلحق بقاتل نفسه قاتل غيره من باب أولى، لأنه إذا كان قاتل نفسه الذي لم يعتد ظلم نفسه ثبت فيه الوعيد الشديد فأولى من ظلم غيره بإفاتة نفسه» [16].

ومما أجاز فيه جمهور العلماء قتل المسلم لأخيه المسلم وهو معصوم الدم جواز قتله في حالة الترس.

وصورة المسألة أنه: إذا تترس المشركون بأسارى المسلمين، فهل يجوز للمسلمين قتل التُرس - اسارى المسلمين - حتى لا ينتصر الكفار على المسلمين؟

قال جمهور أهل العلم: بجواز قتل التُرس لوجود المقصد الشرعي، والمصلحة المعتبرة، وهي تحقق النكاية في العدو، وعدم تفويت الفرصة بهزيمتهم، ونصر المسلمين، وهي صورة تبين جواز قتل المرء نفسه إذا تحققت هذه المقاصد.


[13] راجع كلام محمد بن الحسن المتقدم
[14] رواه مسلم ح 3005
[15] انظر الفتاوي لابن تيمية 28/540
[16] فتح الباري 3/227

 

صورة لعمليات استشهادية ممدوحة

1) قال القرطبي: «بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس، نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلاً من طين، وأنس به فرسه حتى ألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل، فحمل على الفيل الذي كان يقدمها، فقيل له إنه قاتلك، فقال: لا ضير أن أُقتل ويفتح للمسلمين» [17].

2) روى البيهقي في سننه أن عكرمة بن أبي جهل ترجل يوم اليرموك، فقال له خالد: «لا تفعل، فإن قتلك على المسلمين شديد، فقال خل عني يا خالد، فإنه قد كانت لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة، وإني وأبي كنا من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى حتى قُتل» [18].

والله الموفق

 

نشرة الأنصار / العدد 91
الخميس؛ 6 / ذو القعدة / 1415 هـ



[17] تفسير القرطبي 2/364
[18] (9/44)

tealscrollroses_small.gif

جمع وتنسيق النخبة للإعلام (تويتر)