JustPaste.it

 

http://s04.justpaste.it/files/justpaste/d239/a9621709/0027-small2.gif

 

logo-small_small.gif

أهل القبلة والتأولون

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها وصلّوا صلاتنا وستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا فقد حرّمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقّها، وحسابهم على الله) [1].

مقدّمة وتوطئة:

جناية النّمطيّة المخطئة على الشّريعة الإلهيّة:

معنى النّمط لغة: الطّريقة، ونقصد بالنّمطية هنا أيّة طريقة لترتيب الأحكام أو العلوم الشّرعيّة ووضعها في قوالب معيّنة تصبح محكومة بها، تقصر أو تطول بحسبها.

عندما ضعف الإهتمام بالسّنّة النّبويّة وقلّت العناية بها حاول أهل الإسلام تسهيله على الدّارس والشّارح والمفتي وذلك بجمعه في أنماط محدّدة من خلال إعادة معظم أفراد النّمط في صيغة واحدة، وكان لهذا الفعل مع صواب بعض صوره أضراره الشّديدة على الدّين والشّريعة بعضها من جهة الأصل وبعضها من جهة إعمال النّاس لها بطريقة مخطئة.

صور الأنماط التي اجتهدها الأئمة مع الشرعية الإلهية:

1) التّعريفات.

2) القواعد الفقهيّة.

3) الشّعارات والألقاب.

4) الزّمر الفقهيّة والعقديّة.

نموذج لجناية التّعريفات الحدّية على الشّريعة:

إنّ أعظم نموذج لهذه النّمطيّة المخطئة في تعريف مصطلح شرعي من خلال قالب حدّيّ هو نموذج تعريف الإيمان.

فحين غزت الأمّة المسلمة فلسفة اليونان، وسيطر المنطق الأرسطي على عقليّة المتكلّمين من أصوليّين وفقهاء، حاولوا تعريف الإيمان من خلال قالب الحدود الأرسطيّة، وكانت النّتيجة مفجعة ومدمّرة، وعادت على الدّين بالتّزوير والتّخريب، ولن أطيل في شرح هذه الظّاهرة ونتائجها فقد كفانا إيّاها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابيه الرّائعين "الرّد على المنطقيّين" وكتاب "الإيمان الكبير" فارجع إليهما لأهمّيّتهما في هذا الباب، ثمّ توسّع في ذلك توسّعا رائعا لا مزيد فوقه الشّيخ الدّكتور سفر الحوالي - فكّ الله أسره من سجون طواغيت آل سعود - في كتابه "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي".

نموذج لجناية الزّمر الفقهيّة والعقديّة المخطئة على الشّريعة:

حين رتّب الفقهاء الشّريعة على تقسيم: العبادات والمعاملات والأخلاق، والعقائد، ماذا كانت النّتيجة؟ بلا شكّ أنّها مفسدة للشّريعة، وهو إفساد نرى آثاره في حاضرنا، لأنّه في زمننا وصلت الآثار إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه، فالمعاملات ليست من العبادات، فهذا له حكمه وقاعدته، وهذا له حكمه وقاعدته الأخرى، والعقائد غير الأحكام الفرعيّة فهذه لها قواعدها ومظانّها، وهذه لها قواعدها ومظانّها المختلفة، وكذلك العقائد يقينيّة! والأحكام ظنيّة!

يقول ابن تيمية في كتاب "الإستقامة": (فصل مهمّ عظيم في هذا الباب: وذلك أنّ طوائف كبيرة من أهل الكلام من المعتزلة - وهو أصل في هذا الباب-... ومن اتّبعهم من الفقهاء يعظّمون أمر الكلام الذي يسمّونه أصل الدين، حتّى يجعلون مسائله قطعيّة، ويوهنون من أمر الفقه الذي هو معرفة أحكام الأفعال، حتى يجعلوه من باب الظّنون لا العلوم، وقد رتّبوا على ذلك أصولا انتشرت في النّاس حتّى دخل فيها طوائف من الفقهاء والصّوفية وأهل الحديث لايعلمون أصلها ولا ما تؤول إليه من المفاسد مع أنّ هذه الأصول التي ادّعوها في ذلك باطلة واهية... ذلك أنّهم لم يجعلوا لله في الأحكام حكما معيّنا، حتّى ينقسم المجتهد إلى مصيب ومخطئ، بل الحكم في حقّ كلّ شخص ما أدى إليه اجتهاده، وقد بيّنا في غير هذا الموضع ما في هذا من السّفسطة والزّندقة، فلم يجعلوا لله حكما في موارد الإجتهاد أصلا، ولا جعلوا له على ذلك دليلا أصلا... ومن فروع ذلك أنّهم يزعمون أنّ ما تكلّموا فيه من مسائل الكلام هي مسائل قطعيّة يقينيّة) [2].

وانظر ما أدت إليه محاولات البعض من تقسيم نمطي للشريعة من فقه غريب لا يمت إلى فقه السلف في شيء، وذلك في تقسسيم الدين إلى ثوابت ومتغيرات، والكل يحاول توسيع دائرة المتغيرات ليعطوا مساحة واسعة لدخول الإجتهادات الجديدة المخالفة لمواقف السلف، ولم يفلح أحد في وضع خط علمي موضوعي فاصل بينهما، بل هي الذاتية والنسبية والإعتبارية.

مثال آخر لهذه الجناية:

حين غزا التّتار بلاد المسلمين ووصلت هجمتهم بقيادة قازان بلاد الشام، وكانوا قد أعلنوا إسلامهم على المذهب الشيعي قبل ذلك، وقازان معه إمام ومؤذن، فلما قارب شرهم دمشق وقلعتها طرح الناس مسألة قتالهم، وتحت أي قسم من أقسام الجهاد وتبويباته - التي درج الفقهاء على تقسيمها في هذا الباب - يقاتل هؤلاء التتار.. ولندع ابن كثير يحدثنا عن هذه المشكلة التي واجهت الناس يومذاك...

قال رحمه الله: (وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو؟ فإنهم يظهرون الإسلام، وليسوا بغاة على الإمام، فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه، فقال الشيخ تقي الدين: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على عليّ ومعاوية، ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما، وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين، ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي والظلم، وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة، فتفطن العلماء والناس لذلك) [3].

فإذا اختلف الناس في أي نوع من أنواع الجهاد يمكن إدخال قتال التتار، وابن تيمية رحمه الله تعالى احتاج أولا إلى إخراج نوع قتال الخوارج من زمرة البغاة، فإن عامة كتب الفقه المبوبة على طريقة المتأخرين قد عدت قتال الخوارج من نوع قتال البغاة، بل حتى صار معنى الخوارج عندهم: من خرجوا على الإمام العدل، وقد شرح ابن تيمية أولا خطأ هذا التبويب وهذا التقسيم، ثم سمى قتالهم نوعا آخر - قتال الممتنعين عن الشرائع - وقد أدخل فيه رحمه الله قتال الخوارج وقتال مانعي الزكاة [4]، وهو نمط إذا تعامل الناس معه بإطلاق سيفسد الكثير من التفصيلات في أحكام قتال كل طائفة، فالخوارج يقاتلون قتال أهل التأويل المسلمين كما هو معلوم، ومانعوا الزكاة قاتلهم الصحابة رضي الله عنهم قتال المرتدين، فعلم أن زمرة الممتنعين عن الشريعة لا تعني تفسير نوع القتال بمقدار أن تحل إشكالا حصل زمن ابن تيمية في قتال التتار ولذلك من حمل معنى الممتنعين عن الشريعة أنهم كفار مطلقا فقد أخطأ وهو مثل خطأ من حمله على أنهم ليسوا كفارا مطلقا.

والله أعلم.

نموذج جناية عدم فهم القواعد الفقهية على الشريعة الإلهية:

القاعدة الفقهية: هي حكم كلّي ينطبق على جزئياته ليتعرف أحكامه منه [5].

وقد حاول المتأخرون وضع الشريعة في قواعد محددة تسهل حل المشكلات، وقد وصلت جهود بعضهم إلى جمعها في سبع عشرة قاعدة كما ذكر ابن نجيم الحنفي في "الأشباه والنظائر" [6]، ومع تقييدات هؤلاء العلماء من قولهم إن هذه القواعد أكثرية لا جزئية وأنه لا يجوز الفتوى بما تقتضيه القواعد والضوابط لأنها ليست كلية بل أغلبية [7]، إلا أنهم مع ذلك قالوا: إن هذه القواعد ترد إليها فروع الأحكام، وبها يرتقي الفقيه إلى درجة الإجتهاد.

وبهذا العمل زهد الناس في السنة النبوية الشريفة، فلماذا حفظ مئات وألوف الأحاديث، والمسألة أسهل من ذلك: حفظ سبع عشرة قاعدة فقط، بل يرتقي المرء إلى مرتبة الإجتهاد، وكانت النتيجة بعد ذلك هو جعل القواعد الفقهية المصدر الوحيد عند بعضهم للإجتهاد والفتوى، وما هذا الذي نسمعه اليوم من القول باعتماد المصالح كمصدر من مصادر الشريعة إلا نتيجة لاتخاذ قاعدة؛ "المشقة تجلب التيسير"، لاسقاط أي حكم شرعي يشعر المرء بأنه مشقة عليه [8].

وفعلهم هذا جرأ الجهلة وغمار الناس بالفتوى والقول على الله بغير علم، فصار المرء يكفيه أن يفهم روح الشريعة والدين ويفهم مقاصدهما حتى يقول ما يريد ويفتي كما يحب، وينسب ذلك كله لشرع الله ودينه.

نموذج لخطأ التعامل مع الأفراد والجماعات من خلال الشعار مطلقا:

هذا النموذج آثرنا التوسع فيه لأهميته وهو تعريف أهل القبلة ودخول المتأولين فيه.

والمقصود بأهل القبلة هم المسلمون، وعامة مصطلحات الأئمة من أهل السنة والأوائل إنما تم اعتمادها من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وذلك لحرصهم الشديد أن يتم البناء العلمي للمسلم الموحد من المصدر المعصوم - الوحي - ولأن دلالة الألفاظ الشرعية على المراد الإلهي تعتبر أقرب الطرق في الوصول إلى مراد الشارع، وأسلمها من الدخن والغلط، ومصطلح أهل القبلة تداوله الأئمة في عباراتهم وكتبهم للتعبير عن حقيقة وقد تعامل معه التابعون فمن بعدهم مثل:

1) الإمام محمد بن سيرين؛ قال: (لا نعلم أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا من غيرهم من التابعين تركوا الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثماً).

2) الإمام النخعي؛ قال: (لم يكونوا يحجبون الصلاة عن أحد من أهل القبلة).

3) الإمام عطاء بن رباح؛ قال: (صل على من صلى إلى قبلتك).

4) قال أبو إسحاق الفزاري: (سألت الأوزاعي وسفيان الثوري هل تترك الصلاة على أحد من أهل القبلة وإن عمل أي عمل؟ قال: لا)، وعن الشافعي وأحمد اسحق وأبي ثور وأبي عبيدة مثله [9].

وقول الأئمة وإن عمل أي عمل، المقصود به غير المكفرات لقوله صلى الله علية وسلم في الحديث القدسي: (يقول الله تعالى:... من لقيني بقراب الأرض خطيئة لايشرك بي شيءا لقيته بقرابها مغفرة) [10].

بل ورد هذا اللقب على مسامع الصحابة رضي الله عنهم.

فقد سأل سليمان بن قيس اليشكري جابر بن عبد الله: (أفي أهل القبلة طواغيت؟)، قال: (لا)، قلت: (أكنتم تدعون أحداً من أهل القبلة مشركاً؟)، قال: (لا) [11].

والمقصود بأهل القبلة في هذه النصوص هم أهل البدع الذين يقيمون الصلاة وينتسبون للإسلام.

وفي رواية عن أبي سفيان: (قلت لجابر - بن عبد الله -: كنتم تقولون لأهل القبلة: أنتم كفار؟ قال: لا، قلت: فكنتم تقولون لأهل القبلة أنتم مسلمون؟ قال: نعم) [12].

ومصطلح أهل القبلة تداوله الأئمة للرد على المخالف كذلك [13]، المصطلحات السنية لا يمكن حدها بتعريف كتعريف المناطقة - جامع مانع - كما سنرى في مصطلح "أهل القبلة وحال المتأولين معه".

وقد تم التعبير عن الإسلام بالقبلة، لأن الصلاة على الجملة هي الأمر الجامع لكل الطوائف والفرق المنتسبة للإسلام، وهي التي لم يختلف المسسلمون حولها ولورود الحديث المتقدم في المقدمة ولذلك سمى أبو الحسن الأشعري كتابه في الفرق والملل "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين" وهو عنوان يعبر عن موقف كما سيأتي بيانه.

وهذا المصطلح نشأ للرد على أهل البدع، فإن دلالته عند أهل السنة بفضل الله تعالى أوسع من أي طائفة أخرى سوى المرجئة، فإنه كما سيأتي ما من طائفة مبتدعة إلا وقصرت الإسلام على جماعتها وطائفتها، وأخرجت المخالفين لهم من الإسلام، إلا أهل السنة والجماعة فإنهم أرحم وأرأف.

وينحصر الخلاف بين أهل السنة وعموم الطوائف في أربعة أقسام من المنتسبين للإسلام:

1) المتأولين أصحاب البدع المكفرة هل هم من أهل القبلة؟

2) الفساق والعصاة هل هم من أهل القبلة؟

3) المخالفين لأهل السنة من أهل البدع هل هم من أهل القبلة؟

4) التكفير باللزوم – المآل - وإخراج من كفر بلازم قوله هل هو من أهل القبلة؟

ومعنى التكفير بالمآل؛ أنهم لايصرحون بقول هو كفر، ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم [14].

وقد رأيت أن المخالفين هم المتأولون، وأن المصطلحين يدلان على معنى واحد، فجمعت الحديث عنهما في باب واحد، والتكفير باللزوم فرع عن تكفير المتأولين فما دام أنه استقر معنى الأصل فقد استقر معنى الفرع.

أما دخول الفساق في مصطلح أهل القبلة فلن ننشغل به لشهرته بين الناس، مع وجود المخالفين اليوم لأهل السنة في هذا الباب كالأباضية، ولكن بفضل الله تعالى هو أمر مشهور معلوم.

وابتدأت لعظيم الفائدة ببيان كيف يسلم المرء حقيقة؟ وكيف يحكم عليه بالإسلام؟ وعلاقة الحكم بالحقيقة، والله الموفق.

كيف يسلم المرء حقيقة؟

يسلم المرء بالتوحيد، والتوحيد يعبر عنه بالكلمة الطيبة - لا إله إلا الله محمد رسول الله - وهي عقد التزام بين العبد وربه، ومعناها: أنه لا يعبد إلا الله، ولا يعبده إلا بما شرع.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فإن التوحيد أصل الإيمان، وهو الكلام الفارق بين أهل الجنة وأهل النار؛ وهو ثمن الجنة، ولا يصح إسلام أحد إلا به) [15].

وقال: (دين الإسلام مبني على أصلين وهما: تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول ذلك ألا تجعل مع الله إلهاً آخر... والأصل الثاني: أن نعبده بما شرع على ألسنة رسله) [16].

وقال في "التوسل والوسيلة": (دين الله هو الإسلام مبني على أصلين: على أن يعبد الله وحده لايشرك به شيء، وعلى أن يعبد بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذان هما حقيقة قولنا: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله) [17].

وقولنا عقد التزام يتضمن التزام الظاهر والباطن؛ لأننا نتكلم عن حقيقة الإسلام، وهو يعني:

1) العلم بمعنى هذه الكلمة، فمن نطقها غير عالم بالمعنى المجمل لها فلا يكون مسلماً، قال الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله) [محمد: 19]، وقال تعالى: {إلا من شهد بالحق) [الزخرف: 86].

وقال صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة) [18].

2) الصدق والإخلاص القلبي لها، فمن نطقها بلسانه وهو شاك بها غير صادق في قولها فلا يعتبر مسلماً في الحقيقة، وإن كان مسلماً في الظاهر.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) [19].

وقال صلى الله عليه وسلم (ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار) [20].

3) الإنقياد والقبول لها، فما دامت الكلمة تعني قبول المرء بعبوديته لله، فهذا يعني أن يمتثل العبد أوامر إلهه ويقبل أخباره كذلك، وأي رد لأي أمر أو خبر هو نقض لهذا العقد.

قال ابن تيمية في "الإقتضاء": (والشهادة بأن محمداً رسول الله تتضمن:

أ) تصديقه في كل ما أخبر.

ب) طاعته في كل ما أمر).

قال ابن القيم: (ومن تأمل ما في السيرة والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له صلى الله عليه وسلم بالرسالة وأنه صادق فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام علم أن الإسلام أمر وراء ذلك، وأنه ليس هو المعرفة فقط ولا المعرفة والإقرارفقط، بل المعرفة والإقرار والإنقياد والتزام طاعته ودينه ظاهراً وباطناً) [21].

قال ابن حجر: (إن إقرار الكافر بالنبوة لا يدخله في الإسلام حتى يلتزم أحكام الإسلام) [22].

وههنا ننبه إلى نقطة مهمة وهي أن قبول العمل ليس هو الدخول فيه، فقبول العمل شرط الإسلام ولا يصح إلا به، أما الدخول في العمل فهناك أعمال تعتبر شرطاً وهناك أعمال تعتبر من الواجبات - أي من واجبات الإيمان - فالنطق بالشهادتين شرط لصحة الإسلام، والصلاة - على الصحيح - كذلك، وأما بر الوالدين والإحسان إلى الجار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... إلخ، فقبولها شرط لصحة إسلام المرء، وأما الدخول فيها فهي من مكملاته الواجبة [23].

ونحن هنا نتكلم عن حقيقة الإسلام، أما كيف يحكم على الإسلام في الظاهر فهذا في النقطة التالية.

بم يحكم على المرء بالإسلام؟

من المعلوم أن الحكم يكون بالظاهر، وهو الذي ينبئ عن الباطن والحقيقة - على الأغلب وتستثنى بعض الظروف كالإكراه وحال المنافق -

والظاهر الذي من خلاله يحكم على المرء بالإسلام يعرف من خلال ثلاث أمور [24]:

1) النص.

2) الدلالة.

3) التبعية.

1) النص:

ونعني بها أن يأتي الرجل بالكلمة الطيبة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا أتى الرجل بالكلمة على لسانه يجب الحكم عليه بالإسلام، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً، تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة} [النساء: 94].

قال ابن جرير رحمه الله تعالى: (هذه الآية نزلت في سبب قتيل قتلتة سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما قال: إني مسلم، أو بعدما شهد شهادة الحق، او بعدما سلم عليهم لغنيمة كانت معه، أو غير ذلك من ملكه فأخذوه منه... وذكر حديث أسامة رضي الله عنه وقتله الرجل بعدما أسلم).

فهذه الآية تدل على أن من أظهر الإسلام - أي كلمته - أو ألقى تحية أهل الإسلام يجب الكف عنه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) [25].

وقال: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله تعالى) [26].

قال الكاساني: (النص هو أن يأتي بالشهادتين أو يأتي بهما مع التبري مما هو عليه صريحاً) [27].

وههنا مسائل عدة نعرض عن شرحها مخافة التطويل إذ ليس شرح هذا الباب هو المقصود...

منها: أن الكلمة إذا علم منها أن المرء أراد بها الإخبار دون الإقرار لا تعتبر إسلاماً.

قال ابن تيمية: (وأيضاً فقد جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: "نشهد إنك رسول"، ولم يكونوا مسلمين بذلك لأنهم قالوا ذلك على سبيل الإخبار عما في أنفسهم، أي نعلم ونجزم أنك رسول الله، قال: فلم لا تتبعوني؟ قالوا: نخاف من اليهود، فعلم أن مجرد العلم والإخبار ليس بإيمان حتى يتكلم بالإيمان على وجه الإنشاء المتضمن للإلتزام والإنقياد مع تضمن ذلك الإخبار عما في أنفسهم) [28].

وكذا إذا لم يتبرى من دينه الذي هو فيه [29].

2) الدلالة:

قال الكاساني: الدلالة: (نحو أن يصلي كتابي أو واحد من أهل الشرك) [30].

والقصد منها هو أن يأتي المرء بعمل من أعمال الإسلام الظاهرة والتي لا يشاركهم بها أهل الأديان الأخرى وأهمها في ذلك الصلاة والهدي الظاهر، فإنه بذلك يحكم عليه بالإسلام.

وقد إختلف أهل العلم في المشرك إذا أتى بعمل من أعمال أهل الإسلام كصلاة الجماعة هل يسلم أم لا، ولا حاجة هنا لتفصيل هذه المسألة والدليل مع الحاكمين بإسلامه [31].

3) التبعية:

قال الكاساني: (فإن الصبي يحكم بإسلامه تبعاً لأبويه عقل أو لم يعقل ما لم يسلم بنفسه إذا عقل ويحكم بإسلامه تبعاً للدار أيضاً) [32].

فالمرء يحكم بإسلامه تبعاً لأبويه وللدار، فهذه مسألة من المسائل الكثيرة التي تبنى على الدار وأحكامها، وهذا فيه رد على الإمام الشوكاني والشيخ صديق حسن خان حين زعما أن أحكام الدار لا قيمة لها في الأحكام الشرعية ولا يستفاد من هذا التقسيم شيء، رحم الله الجميع.

والحكم بالظاهر - النص والدلالة والتبعية - على المرء بالإسلام له شرط وهو عدم تلبس المرء بأي ناقض من نواقض الإسلام المجمع عليها، وهذه المسألة كذلك لا تعمل بلإطلاق إذ لابد من اعتبار وجود الموانع حين اعتبار النواقض كالجهل والإكراه.

وهذا الباب كما ترى فيه رد على المكفرين للأمة بالإحتمالات، أوالذين يتوقفون بالحكم على الأمة بالإسلام حتى يتبينوا براءتهم من الشرك لوجود الإحتمال، وكذلك فيه رد على من ترك الصلاة وراء أئمة المساجد بالعموم مخافة تلبسهم بالشرك، فكل هذه الأقوال مبناها على قواعد بدعية أهمها ترك الحكم بالظاهر من أجل احتمالات ظنية.

وجامع هذا الباب مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم: (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فله ما لنا وعليه ما علينا).

وههنا نقطة مهمة وهو أن البراءة من الشرك في الباطن شرط لإسلام المرء، ولكنها ليست شرطاً لك لتحكم عليه بالإسلام.

ومعنى هذا؛ أن التحقق من المرء وأنه بريء من الشرك وكافر بالطاغوت بباطنه للحكم عليه بالإسلام ليس من طريقة أهل السنة والجماعة، وإنما هي من سبيل أهل البدع، فمن لم يأت بالنواقض علناً ولم تشتهر عنه فلا يجوز امتحانه أبريء هو منها أم لا، وفعل ذلك هو عمل بدعي لم يثبت قط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعله، أو فعله أصحابه من بعده رضي الله عنهم، وهذه البدعة لها أصول عن الخوارج الأوائل لكنها اليوم تكاد تكون أجّل وأوضح عند كثير من أفراخهم من الأغيلمة ومن جماعات الغلو.

علاقة الحقيقة بالحكم:

روى الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان بسند صحيح إلى أبي قلادة التابعي أنه قال: (حدثني الرسول الذي سأل عبد الله بن مسعود، فقال: أنشدك بالله أتعلم أن الناس كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أصناف:

مؤمن السريرة مؤمن العلانية.

وكافر السريرة كافر العلانية.

مؤمن العلانية كافر السريرة.

فقال عبد الله: اللهم نعم) [33].

قال الشيخ سفر الحوالي: (فلم يكن في واقع الجيل الأول ولا في تصوره وجود المؤمن السريرة كافر العلانية، أي التارك للإيمان - أو من أتى بناقض - المؤمن بقلبه كما تزعم المرجئة، وانطلاقاً من هذا يقول الخطّابي: "قد يكون المرء مستسلماً في الظاهر غير منقاد في الباطن، ولا يكون صادق الباطن غير منقاد في الظاهر") [34].

وبهذا تعلم خطأ صاحب "الجامع في طلب العلم الشريف" الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز، حين أوجد قسماً رابعاً، وجعله محتملاً، وهو الحكم على الرجل بالكفر والردة مع احتمالنا أن يكون مسلماً.

قال في حكمه على أنصار الطواغيت: (فحكمنا بكفرهم إنما هو على الظاهر ولا نقطع بكفرهم كممتنعين على الحقيقة لاحتمال قيام مانع من التكفير في حق بعضهم، مع التذكير بأنه لا يجب علينا البحث عن الموانع فالحكم عليهم إنما هو على الظاهر) [35].

والشيخ وقع هنا في خطأ جسيم، لأنه جوز تكفير الرجل مع احتمال أن يكون مسلماً في الباطن، وهذا القول قول مبتدع لا يعرف له سلف، وقد وقع في هذا الخطأ لسببين:

أولهما: إعمال القواعد العامة من غير النظر إلى الإستثناء، والقاعدة التي أعملها هنا هي تبعض الأحكام، وقد رأيت أن لهذه القاعدة استثناء.

ثانيهما: خلطه لكلام الأئمة في نوع القتال وبين الحكم على الأعيان والأفراد، فقد يقاتل القوم مقاتلة المرتدين ونسميهم بطائفة ردة مع عدم تسمية أفرادهم وأعيانهم مرتدين لوجود موانع في بعض أفرادهم، فمجرد وجود إحتمال المانع يجب إعماله والإهتمام به، وهو ههنا أقر بإحتمال وجود الموانع، بل إنها هي الأغلب في واقعنا، فإعمالها هو الواجب.

قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: (لا يقال إنه مجرد مجامعة ومساكنة المشرك يكون كافراً، بل المراد أنه من عجز عن الخروج من بين ظهراني المشركين وأخرجوه معهم كرهاً فحكمه حكمهم في القتل وأخذ المال لا في الكفر) [36].

فما ذكره الشيخ عبد القادر - حفظه الله وهدانا الله وإياه - من كلام الأئمة أن حكم الجاهل هو حكم الطائفة فالمقصود به حكمه في القتل وأخذ المال لا حكمه في الكفر، وقد اهتدى الشيخ لهذه المسألة في رده على كتاب الشيخ عبد المجيد الشاذلي "حد الإسلام وحقيقة الإيمان"، لكن فاتته ههنا، والكمال لله وحده.

وكتاب الشيخ "الجامع في طلب العلم الشريف" فيه غلو في مواطن عدة، أذكر بعضها ذكراً سريعاً، وإن كان الكتاب يحتاج إلى مناقشة واسعة للكثير من أبحاثه:

1) غلوه في عدم إعذار صاحب "الرسالة الليمانية" في خطأه في فهم الموالاة.

2) غلوه في تسمية الموالاة - موالاة المشركين - قسماً واحداً، لا تحتمل إلا الكفر الأكبر.

3) غلوه في تسمية بعض الجماعات الإسلامية العاملة للإسلام؛ أنهم ليسوا من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم [37].

4) غلوه في تسمية من خالفه في بعض الحقوق الشخصية؛ بالمنافقين والضالين.

5) حكمه على من خالفوه في بعض الحقوق الشخصية؛ بأنهم يستحقون القتال كما يستحق المرتدون القتال سواء بسواء.

6) غلوه في إطلاق التكفير على عموم البرلمانيين والمنتخبين دون قيود كان ينبغي أن توضع باهتمام.

وهذا ليس تقليلاً من قيمة الكتاب، لكن الله أبى أن يتم إلا كتابه.

دخول المتأولين والمخالفين في أهل القبلة:

هذه المسألة من أشرف المسائل وأرحمها وأعدلها عند أهل السنة والجماعة، فإن المستبصر بها يقيناً يعلم أن طريق هذه الطائفة هي أرحم الطرق في تعاملها مع المخالف، وهذه المسألة كذلك من الفروق المهمة بل من أعظم الفروق بيننا وبين المخالفين، فإن عامة الفرق البدعية - كما سيأتي - قد تنكبت عن الهداية في هذه المسألة.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (إن المتأول الذي قصده متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفر ولا يفسق، إذا إجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، أما مسائل العقائد فكثير من الناس كفر المخطئين فيها، وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، إنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم كالخوارج والمعتزلة والجهمية، ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم) [38].

بل هذه المسألة هي عمدة المسائل في الحكم على الرجل بأنه سني أو مبتدع، فإن الخوارج - والذين هم رؤوس أهل البدع - يحكم عليهم بالبدعة والخارجية عند كثير من أهل السنة لمجرد وجود هذه المسألة عندهم.

فإن أهل البدع عموماً يكفرون المخالف المتأول ولا يعذرونه، وقد سرت هذه البدعة كما قال ابن تيمية في طوائف من المنتسبين لأهل السنة والجماعة، وبسبب هذا السريان - كما سيأتي - عدم فهمهم لكلام الأئمة في إطلاق تكفير أهل البدع.

فالزيدية نصوا في كتبهم على تكفير المتأولين، قال الهادي في "حدائق الأزهار": (والمتأول كالمرتد).

قال الشوكاني في الرد عليه: (ههنا تسكب العبرات، ويناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر لا لسنة، ولا لقرآن، ولا لبيان من الله ولا لبرهان، بل لما غلت مراجل العصبية في الدين، وتمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين لقنهم إلزامات بعضهم لبعض بما هو شبيه الهباء في الهواء، والسراب البقيعة) [39]... الخ، فارجع إليه لأهميته.

وكثير من المتكلمين المنتسبين لأهل السنة؛ كفروا المتأولين.

قال أبو منصور البغدادي في كتابه "أصول الدين": (المسألة الرابعة عشر من هذا الأصل؛ في أنكحة أهل الأهواء وذبائحهم ومواريثهم: أجمع أصحابنا على أنه لا يحل أكل ذبائحهم، وكيف نبيح ذبائح من لا يستبيح ذبائحنا، وأكثر المعتزلة مع الأزارقة من الخوارج يحرمون ذبائحنا وقولنا فيهم أشد من قولهم فينا... وأجمع أصحابنا على أن أهل الأهواء لا يرثون من أهل السنة) [40].

بل وسمى دار أهل البدع دار ردة، قال: (ومنهم من جعلهم مرتدين ولم يقبل الجزية، وفي إسترقاق أولادهم خلاف بين أصحابنا) [41].

وأما الشيعة الروافض فتكفيرهم للمخالف المتأول مشهور معلوم، ففي "مجالس الأنوار" للمجلسي قال: (عن هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نأتي هؤلاء المخالفين فنسمع منهم يكون حجة لنا عليهم؟ قال: لا تأتيهم ولا تسمع منهم، لعنهم الله، ولعن مللهم المشركة) [42].

وقد عقد المجلسي بابا بعنوان: (باب كفر المخالفين والنصاب) [43] - والنصاب عندهم هم أهل السنة -

وهم يكفرون الزيدية كذلك، قال المجلسي: (كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية وأمثالهم من الفطحية والواقفة) [44].

والواقفة هم الذين يتوقفون في إمامة علي بالنص.

وعلى الجملة فهي سمة أهل البدع عموماً.

قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (أهل البدع إذا خالفته قال: كفرت، وأما السني فإذا خالفته قال: أخطأت).

قال ابن تيمية رحمه الله: (والخوارج تكفر أهل الجماعة وكذلك المعتزلة يكفرون من خالفهم وكذلك الرافضة، ومن لم يكفر فسق، وكذلك أكثر أهل الأهواء يبتدعون رأياً ويكفرون من خالفهم فيه، وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكفرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق) [45].

تنبيه:

نحن ههنا في نسبة هذه الأقوال للمذاهب إنما هو على الأغلب و الأشهر وإلا فقد وجد في هذه المذاهب البدعية من وافق أهل السنة في عدم تكفير المتأولين، وهذا التنبيه مهم لئلا ندخل في النمطية الخطأ ويتم تعاملنا مع الناس جميعاً من خلال الشعار.

قول أهل السنة في المتأولين المخالفين:

مقدمتان لابد منهما:

المقدمة الأولى:

قال أبو الوليد الباجي - الإمام المالكي -: (والذي أذهب إليه أن الحق في واحد، وأن من حكم بغيره فقد حكم بغير الحق، ولكننا لم نكلف إصابته، وإنما كلفنا الإجتهاد في طلبه، فمن لم يجتهد في طلبه فقد أثم، ومن اجتهد فأصاب فقد أجر أجرين، أجر الإجتهاد وأجر الإصابة في الحق، ومن اجتهد فأخطأ فقد أجر أجراً واحداً لاجتهاده ولم يأثم لخطئه... والدليل على ذلك قوله تعالى: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهما شاهدين* ففهمناها سليمان} [الأنبياء: 78 - 79]، قال الحسن البصري رحمه الله: "حمد الله سليمان على إصابته وأثنى على داود لاجتهاده ولولا ذلك لضل الحكام") [46].

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فالمجتهد المستدل - من إمام وحاكم وعالم وناظر ومناظر ومفت وغير ذلك - إذا اجتهد واستدل، فاتقى الله ما استطاع، كان هذا هو الذي كلفه الله إياه، وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع، ولا يعاقبه الله البتة خلافاً للجهمية المجبرة، وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر، وقد لا يعلمه خلافاً للقدرية والمعتزلة في قولهم: كل من استفرغ وسعه علم الحق، فإن هذا باطل كما تقدم، بل كل من استفرغ وسعه استحق الثواب) [47].

وقال ابن حزم: (لم يأمر الله تعالى قط الحاكم بإصابة الحق لأنه تكليف ما ليس في وسعه، إنما أمره بالحكم بالبينة العادلة عنده، أو اليمين أو الإقرار أو بعلمه، فما حكم به من ذلك في موضعه فقد حكم بيقين الحق، أصاب صاحب الحق أو لم يصب) [48].

وقول ابن حزم: (أو بعلمه)؛ هو خلاف القول المختار، فإن القاضي والحاكم لا يجوز له أن يقضي بعلمه، لكن لايجوز له أن يحكم بخلافه، والمسألة من مسائل الخلاف.

وقال: (ليس كل من اجتهد واستدل ليتمكن من معرفة الحق، ولا يستحق الوعيد إلا من ترك مأموراً به أو فعل محظوراً) [49].

المقدمة الثانية:

لا يؤثم المخطأ من المجتهدين في هذه الأمة لا في الأصول ولا في الفروع (عبيد الله بن الحسن العنبري) [50].

قال ابن تيمية: (هذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي - إمام أهل الظاهر - وغيرهم: لا يؤثمون مجتهداً مخطئاً لا في المسائل الأصولية ولا في الفرعية، كما ذكر ذلك ابن حزم وغيره، ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم، والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين ولا يصلى خلفه.

وقالوا: هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين، أنهم لايكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحداً من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية. قالوا: والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام والمعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلمو بذلك في أصول الفقه ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره) [51].

قوله رحمه الله: (إلا الخطابية)، ليس لعلة كفر أعيانهم ولكن لمذهب هذه البدعة فهم يجيزون الكذب لمذهبهم... ثم شرح الشيخ رحمه الله هذا القول وتوسع فيه وذلك بالرد على المفرقين، وأنه لا يوجد ضابط صحيح للتفريق بين ما هو أصل وما هو فرع في هذه المسألة، فارجع إليه لأهميته، ولولا مخافة الإطالة لذكرته هنا.

معنى التأويل:

مصطلح التأويل يختلف معناه من باب لآخر، ومن مسألة لمسألة، ولا بد من معرفة مراد المتكلم لهذا المصطلح فهو في كتب الأصول على معنى، وعند المتكلمين على معنى، وهو في القرآن الكريم على معنى آخر [52].

والتأويل أو التأول هما بمعنى واحد، ومعناهما هنا؛ أن يظن المجتهد المسلم غير الدليل دليلاً، ومعنى هذا التعريف هو أن يبحث المجتهد أو الناظر أو العالم عن حكم الله تعالى أو عن خبره، أو يبحث عن معنى ما يريده الله أو ما يريده رسوله صلى الله عليه وسلم فيخطئ مراد الله أو حكمه ولا يصيبه.

فهو إذا ملتزم في الأصل بكلمة الإسلام غير ناقض لها، لكن في بحثه عن مقتضياتها ولوازمها وواجباتها من أجل تحقيق عبودية الله تعالى في نفسه أخطأ إصابة المراد.

وهناك أسباب لوقوعه في هذا الخطأ، أذكر بعضها ذكراً سريعاً:

1) غلبة قاعدة عقلية أو شرعية على ذهنه مع جزمه بصوابها ثم رد باقي المسائل إليها.

2) أخذه بالحديث الضعيف ورده للصحيح.

3) التقليد.

4) عدم معرفته إلا بقول واحد يظن أنه قول أهل الإسلام الوحيد.

5) خطأه في التفسير لضعفه في اللغة أو لإعماله قاعدة في غير محلها أو بطريقة مخطئة [53].

وهذه الأسباب فيما هو ظاهر لنا وإلا فإن بعضهم كما سيأتي يتحايل في رد الشريعة وعدم قبول الأمر أو رد الخبر بحجة التأويل، ولكن ليس لنا إلا الحكم بالظاهر، أما الباطن فأمره الى الله، إلا في ما ظهر لنا عن طريق القرائن والدلائل فنحكم بها.

مراتب التأويل – التأول -:

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: (إن من أكفر المسلم نظر: فإن كان بغير تأويل استحق الذم، وربما كان هو الكافر، وإن كان بتأويل نظر إن كان غير سائغ استحق الذم أيضاً ولا يصل إلى الكفر، بل يبين له وجه خطئه ويزجر بما يليق، ولا يلتحق بالأول عند جمهور العلماء، وإن كان بتأويل سائغ لم يستحق الذم بل تقام عليه الحجة حتى يرجع إلى الصواب، قال العلماء: كل متأول معذور بتأويله ليس يأثم إذا كان تأويله سائغاً في لسان العرب وكان له وجه في العلم) [54].

إذاً المخالف لنا يقسم إلى ثلاثة أقسام:

1) مخالف غير متأول.

2) مخالف متأول بتأويل غير سائغ.

3) مخالف متأول بتأويل سائغ.

وهذا الذي ذكره الإمام الحافظ رحمه الله تعالى في المسائل العملية وتطبيقه على المسلمين كذلك.

وحين تضطرد المسائل على أهل البدع المنتسبين للإسلام سنجد أن أقسام المتأولين كذلك تنقسم إلى هذا التقسيم:

1) متأولين كفرة.

2) متأولين وهم من أهل القبلة ويقسمون إلى قسمين:

أ) معذور بعدم التكفير ويزجر ويذم.

ب) معذور بعدم التكفير لا يذم ولا يزجر ويبين له خطؤه ويعلم.

وشروط العذر بعدم التكفير:

1) أن يكون له وجه في كلام العرب.

2) أن يكون له وجه في العلم - أي تحتمله قواعد العلم -

والخلاف بين ما ذكره ابن حجر من تسمية أهل القسم الأول؛ "مخالف غير متأول"، وبين تسميتنا لهم؛ "متأولين كفرة" هو فرق لفظي فقط، لأنه ما من أحد من المنتسبين للقبلة إلا ويزعم أن مأخذه الكتاب والسنة حتى الباطنية والقرامطة كما سيأتي، فتسميتهم بالمتأولين أولى بالصواب [55].

وهذا التقسيم علمي فقط على العموم، أما تطبيقه على الأعيان فهو أمر قضائي له طرقه وأساليبه، ومقصدنا هنا بيان القواعد العلمية في هذه المسألة، ولأن الحكم على المعين بالتكفير له تعلق بمسألة إقامة الحجة، وهي مسألة إعتبارية ذاتية تعود إلى اطمئنان العالم المجتهد، وليست مطلقة تلزم كل أحد.

قال الشاطبي: (إلا أن هذه الخاصية راجعة في المعرفة بها إلى كل أحد في خاصية نفسه، لأن اتباع الهوى أمر باطن لايعرفه غير صاحبه إذا لم يغالط نفسه إلا أن يكون عليها دليل خارجي) [56].

ولابن تيمية رحمه الله تعالى تفصيل في مراتب المتأولين للمسائل الخبرية والأوامر [57].

أقوال بعض أهل العلم من أهل السنة في المتأولين:

1) قال الإمام الزهري رحمه الله تعالى: (وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فأجمعوا أن كل دم أو مال أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر، أنزلوه منزلة الجاهلية) [58].

فهذا قتال المسلم للمسلم، أي أن المسلم استحل دم المسلم لكن بتأويل لكتاب الله تعالى فلم يضمن المخطئ كما لم يضمن المصيب فرفع الإثم والضمان بسبب التأويل.

2) سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن حكم من استحل محرماً؟ فقال: (المستحل لحرمة الله إذا كان مقيماً عليها باستحلال لها غير متأول لذلك ولا نازعاً عنه رأيت استتابته منها، فإن تاب ونزع عن ذلك ورجع تركته، وإلا فاقتل لمثل الخمر بعينها والزنا وما أشبه هذا، فإن كان رجل على شيء من هذا على جهالة للإستحلال، ولا رداً لكتاب الله تعالى، فإن الحد يقام عليه إذا غشي منها شيئاً) [59].

فهو قول منه رحمه الله بعذر المتأول.

وأما قوله: (فإن الحد يقام عليه إذا غشي منها شيئاً)؛ فإنه فيما أظن لا يخالف ما قاله الإمام الزهري في القول المتقدم، فقول أحمد رحمه الله هو فعل عمر رضي الله عنه مع قدامة بن مظعون حين حده على شرب الخمر وهو مستحل له متأول قوله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} [المائدة: 93]، وهذا يدل على تعدد مراتب المتأولين في إعذارهم بإقامة الحد والتضمين وهذا أمر مهم فانتبه له وإياك والتعامل مع هذه المسائل بحدية مطلقة أو من خلال عمومات فإنها من أفسد شيء في هذا الباب.

3) قال الخطابي رحمه الله تعالى: (قوله: "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة"، فيه دلالة على أن هذه الفرق كلها غير خارجين من الدين، إذ النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم كلهم من أمته، وفيه أن المتأول لا يخرج من الملة وإن أخطأ في تأوله) [60].

وقوله هذا رحمه الله تعالى هو قول أهل السنة في عدم تكفير الفرق التي تنتسب لأمته صلى الله عليه وسلم سواء كانوا من الخوارج أو القدرية أو المرجئة أو الروافض.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: (أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم – الخوارج - مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم وفعلهم لذلك متقربين إلى الله تعالى) [61].

ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وكذلك سائر الثنتين وسبعين فرقة، من كان منهم منافقاً فهو كافر في الباطن، ومن لم يكن منافقاً بل كان مؤمناً بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافراً في الباطن وإن أخطأ في التأويل كائناً ما كان خطؤه) [62].

والحديث هذا "تفترق أمتي"؛ حديث صحيح، ضعفه جماعة من أهل العلم لعدم فهمهم لمعناه، حين ظنوا أن مقصود الحديث هو تكفير الطوائف المنتسبة لأهل القبلة سوى طائفة واحدة، كما صنع الإمام ابن الوزير في كتابه "العواصم والقواصم" [63]، وكذلك الإمام ابن حزم في "الفصل" [64]، وهذا خطأ في فهم الحديث، وهم رحمهم الله معذورون لاجتهادهم.

فالحديث يحكم بضلال أهل البدع وخروجهم عن الحق واستحقاقهم الوعيد، واستحقاق الوعيد غير انفاذه عند أهل السنة خلافاً للمعتزلة والخوارج، ولذلك لا يحكم بخلودهم في النار ولا بتكفيرهم، وهذا ليس على إطلاقه كذلك، فهناك طوائف كما سيأتي تنتسب للإسلام ولكنها كفرت مع تأولها.

وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يتحدث عن الباطن مع أن الفريقين ممن هو مسلم في الظاهر والباطن، أو مسلم في الظاهر كافر في الباطن لنفاقه وزندقته، وهذا هو المقصود هنا أي الحكم بالإسلام لهما مع اختلاف باطنهما إلا إذا تبين لنا من خلال الظاهر قرائن كافية للحكم عليه بالزندقة والإلحاد - كما تقدم من كلام الشاطبي رحمه الله -

4) قال الإمام البغوي في "شرح السنة" في شرحه لحديث فضل الحسن بن علي رضي الله عنهما: (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين) [رواه البخاري]، قال رحمه: (وفي هذا الحديث دليل على أن واحداً من الفريقين لم يخرج بما منه في تلك الفتنة من قول أو فعل عن ملة الإسلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم كلهم مسلمين مع كون إحدى الطائفتين مصيبة والأخرى مخطئة، وهكذا سبيل كل متأول فيما يتعاطاه من رأي أو مذهب إذا كان له فيما يتأوله شبهة وإن كان مخطئاً في ذلك وعلى هذا اتفقوا على قبوله شهادة أهل البغي، ونفوذ قضاء قاضيهم) [65].

5) قال النووي رحمه الله تعالى: (المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع) [66].

وقول النووي هذا لابد فيه من تفصيل وهو أن العلماء اختلفوا في تسمية الخوارج؛ هل هم طائفة كفر أم لا؟ لاختلافهم في ما عندهم أهو مكفر أم لا؟ فإن دخلوا في بدعة مكفرة بتأويل دخلوا في بحثنا هذا، وإلا فلا مدخل لهم هنا لعدم تسمية طائفتهم بطائفة كفر، وأما قوله: "كسائر البدع"، فليس على إطلاقه إذ هناك من الطوائف ما أجمع الأئمة على أن لهم أقوالاً مكفرة فسموهم طائفة كفر مع التوقف في تكفير أعيانهم كما سيأتي، فتنبه لهذا حفظني الله وإياك.

وهكذا فنصوص الأئمة في هذا كثيرة جداً، وقد ألف الإمام الفحل ابن حزم الظاهري كتاباً له سماه؛ "الصادع والرادع على من كفر أهل التأويل من فرق المسلمين والرد على من قال بالتقليد"، وهو كتاب لم يطبع بعد، ولكنه أشار إلى هذا في كتبه الأخرى كـ "الفصل..." و "الإحكام..." وذكره الذهبي في ترجمته في السير فارجع إليه.

وقد فصل في هذه المسألة كثيراً بأدلتها ابن الوزير الصنعاني في كتابه متقدم الذكر "العواصم والقواصم" [67]، فارجع إليه لأهميته.

وعنوان كتاب أبي الحسن الأشعري "مقالات الإسلاميين" يدل على مراده، ذلك أنه سمى المختلفين مسلمين ونص على هذا بقوله.

فقد قال الإمام الذهبي: (رأيت للأشعري كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقي: سمعت أبا حازم العبدوي، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد دعاني فأتيته، فقال: "أشهد علي أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف في العبارات".

قلت – الذهبي -: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: "لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم") [68].

وقول الأشعري: (كلهم يشيرون إلى معبود واحد)، ذلك لأن الخلاف بين الناس يومذاك كان أشهره في موضوع أسماء الله وصفاته.

قال الإمام ابن الوزير نقلاً عن إمام زيدي - اسمه أبو سعد المحسن بن محمد بن كواته -: (مع الجهل والتأويل رباط التمسك بالديانة لم ينحل فإذا أقدم مع العلم فقد انحل) [69].

وأما كتاب الغزالي "قانون التأويل" فهو كتاب لا يوثق به، بل هو فاسد المباحث، وقد أخذه في الحقيقة من كتب الفلسفة، وعلى الخصوص كتاب "الأضحوية" لابن سينا، وهو متأثر به جداً في كثير من كتبه، وكتابه هذا وضعه لإعذار الملحدين من أمثال ابن سينا، ولما فعله هو من تأويلات باطنية في كتبه مثل "مشكاة الأنوار وجواهر القرآن والمضنون به على غير أهله".. وعلى الجملة فكتب أبي حامد الغزالي يحذر منها ولا يحتج بشيء منها إلا إذا وافقت السلف، وقد ناقشه ابن تيمية موسعاً في كتابه الموسوم بـ "السبعينية"، فارجع إليه.

القاعدة على المستوى العلمي:

قال ابن تيمية رحمه الله: (وفصل الخطاب في هذا الباب بذكر أصلين:

أحدهما: أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقاً، فإنه منذ بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن وهاجر إلى المدينة صار الناس ثلاثة أصناف؛ مؤمن به، وكافر به مظهر الكفر، ومنافق مستخف بالكفر [70]، ولهذا ذكر الله هذه الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة ذكر أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتين في الكفار وبضع عشر آية في المنافقين...

وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر، ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية، فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة. وأول من ابتدع الرفض كان منافقا. وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق، ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم.

ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطناً وظاهراً، لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ما أخطأ من السنة؛ فهذا ليس بكافر ولامنافق، ثم قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقاً أوعاصياً؛ وقد يكون مخطئاً متأولاً مغفوراً له خطأه؛ وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، فهذا أحد الأصلين.

والأصل الثاني: أن المقالة تكون كفراً: كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح المحارم، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب وكذا لا يكفر به جاحده، كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيء مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول) [71] اهـ

تطبيقات على المتأولين:

القصد من كل ما تقدم هو بيان القواعد العلمية العامة، وسيتبين لنا أن تطبيق هذه القواعد يختلف من إمام لآخر وذلك بحسب ما ظهر له من علامات وما احتف بالواقع من قرائن، وهذا يدل على أن الإعذار متفق عليه لكن إعذار زيد من الناس أو طائفة من الناس وعدم إعذار عمرو أو طائفة أخرى هو أمر اجتهادي نسبي اعتباري.

سئل ابن المبارك: على كم افترقت هذه الأمة؟ فقال: (الأصل أربع فرق: هم الشيعة والحرورية والقدرية والمرجئة...)، فقال له السائل: (لم أسمعك تذكر الجهمية؟!)، قال: (إنما سألتني عن فرق المسلمين) [72].

وهذا النص يستفاد منه أمران:

الأول: عدم تكفير طوائف أهل البدع.

الثاني: أنه استثنى الجهمية وعدهم مشركين.

وقوله رحمه الله؛ "إن الجهمية ليسوا مسلمين"، معلوم خلاف العلماء حوله في عدم تكفير أعيان المعتزلة وهم ورّاث مذهب التجهم في باب الأسماء والصفات، بل قال آخرون من أصحاب الإمام أحمد وغيره؛ بل الجهمية داخلون في الاثنين وسبعين فرقة [73] - وسيأتي تفصيل هذه المسألة عند شرحنا لألفاظ أئمة السلف في تكفير بعض طوائف أهل البدع -

الشيعة:

الشيعة شعار تندرج تحته طوائف عدة، وحكم الأئمة على كل طائفة بحسب عقيدتها وبمقدار معرفتهم بها ومن هذه الطوائف:

أ) الإمامية الإثني عشرية:

وهذه الطائفة ككل طوائف أهل البدع تتطور مع الزمن وفيها أقوال متعددة، كل إمام فيها له مذهب وقول خاص - ونقصد العقائد لا الأحكام –

قال ابن تيمية عنها: (ليس في جميع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام مع بدعة وضلال شر منهم، لا أجهل ولا أكذب ولا أظلم ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان وأبعد عن حقائق الإيمان منهم، وهؤلاء الرافضة إما منافق أو جاهل، فلا يكون رافضي ولا جهمي إلا منافقاً أو جاهلاً بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم) [74].

ومع قوله هذا فيهم فإنه يقول عنهم: (والصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كفر، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضاً لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه) [75].

وهذا مع أن الأئمة سموا الرافضة طائفة كفر.

قال البخاري: قال عبد الرحمن بن مهدي: (هما ملتان الجهمية والرافضة) [76].

بل أطلق ابن تيمية عليهم جملة وصف النفاق فقال: (والرافضة حالهم من جنس المنافقين) [77].

وبهذا نعلم وجوب التفريق بين الحكم على الطائفة بالكفر وبين الحكم على أعيانها - كما سيأتي تفصيلاً إن شاء الله تعالى - وكذلك بين الحكم على أئمتهم وبين عوامهم كما تقدمت القاعدةالعلمية من كلام شيخ الإسلام.

ثم لابد من النظر إلى قول بعض الرافضة الغلاة من القول بتحريف القرآن الكريم أو إعتقاد البدأ على الله تعالى، أو تكفير عامة الصحابة، فإن هذه المسائل لم يعذر الأئمة فيها بالتأويل، ولذلك كفروا الباطنية الإسماعيلية القرامطة كما سيأتي... وعلى هذا فلا بد من النظر حينئذ إلى أمرين عند الحكم على الطائفة أو الشخص:

أولهما: عدم التعامل مع الطوائف المعاصرة من خلال الشعار، لأنه يتغير مفهومه وأفراده الداخلون فيه من زمن لآخر ومن مكان لآخر.

ثانيهما: لا بد من التعامل مع الأفراد بغير الطريقة التي يحكم بها على الطائفة في مسألة التكفير فيفرق بين العالم والجاهل وبين من أقيمت عليه الحجة ومن لم تقم.

ب) الشيعة الغلاة:

ومنهم القرامطة الإسماعيلية فقد كفرهم العلماء طائفة وأفراداً ومنعوا من عدهم مسلمين [78].

قال ابن تيمية: (فكيف بالقرامطة الباطنية الذين يكفرهم أهل الملل كلها من المسلمين واليهود والنصارى) [79].

ويقول: (لكن القرامطة أكفر من الإتحادية بكثير) [80].

والإتحادية هم الذين يقولون باتحاد المخلوق بالخالق، تعالى الله عما يقول الظالمون.

وقال: (فإن الذي إبتدع الرفض كان منافقاً زنديقاً، وكذلك يقال عن الذي ابتدع التجهم، وكذلك رؤوس القرامطة والخرمية وأمثالهم لا ريب أنهم من أعظم المنافقين، وهؤلاء لا يتنازع المسلمون في كفرهم) [81].

النصيرية [82]:

قال ابن تيمية: (هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين) [83].

واعلم أن قوله رحمه الله: (وضرره أعظم من ضرر الكفار المحاربين...)، لا ينبغي أن يستفاد منه التكفير، فقد يكون ضرره أعظم وليس بكافر، فقد ذكر الغزالي فضيلة قتل أقوام، وأن قتل الواحد منهم أفضل من قتل مائة كافر وتوقف في تفكيرهم [84].

الدرزية:

قال ابن تيمية: (وكفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم [85]، لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين بل هم الكفرة الضالون فلا يباح أكل طعامهم، وتسبى نسائهم، وتأخذ أموالهم فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم بل يقاتلون أينما ثقفوا ويلعنون كما وصفوا، ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ، ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يضلوا غيرهم) [86].

فانظر إلى تفريق شيخ الإسلام بين الطوائف، فأنت تراه توقف في تكفير أفراد الرافضة وأعيانهم وهم متأولون مع تسميتهم طائفة ردة من البعض، ولم يقبل تأويل الباطنية والنصيرية والدرزية وهى طوائف تنتسب للمسلين.

والسبب أن تأويل الروافض وإن كان غير سائغ لكنه عذر يمنع إلحاق أعيانهم بالكفر إلا بشروط، وأما الباطنية فتأويلهم لا شبهة لهم فيه ولا دليل عليه لا من جهة اللغة ولا هو من العلم في شيء بل بين أن دعواهم التأويل كذب وتحايل.

ثم ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن طوائف من الروافض انضمت إلى الباطنية مع جهلهم بما يقولون في الباطن [87] فحينئذ لا بد من التعامل مع هذا العين بحسبه والله أعلم.

تفريق العلماء بين من أنكر علم الله تعالى السابق والشامل لما سيكون وبين من نفى خلق الله تعالى لأفعال العباد:

قال ابن تيمية: (وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال) [88].

وكلاهما متأول والفرق بين الأمرين: أن شبهة منكر العلم ضعيفة جداً، فالنصوص المثبتة للعلم صريحة محكمة مفسرة لا تحتمل دخول الشبهه عليها، ولذلك لا قيمة لادعائه الإجتهاد، بخلاف شبهة القدرية الذين قالوا: ان الإنسان يخلق أفعاله، فإن قولهم هذا لهم فيه من الشبه العقلية الكثير ولهم كذلك بعض إحتمالات بعض معاني النصوص النقلية التي فهموها على غير مرادها.

وقال ابن حزم رحمه الله: (وقد تسمى باسم الإسلام من أجمع جميع فرق الإسلام على أنه ليس مسلما، مثل طوائف من الخوارج غلوا فقالوا: إن الصلاة ركعة بالغداة وركعة بالعشي فقط... وقالوا: إن سورة يوسف ليست من القرآن، وطوائف كانوا من المعتزلة ثم غلوا فقالوا بتناسخ الأرواح وآخرون قالوا إن النبوة تكتسب بالعمل الصالح) [89].

وهذا النص يبين خطأ التعامل مع الطوائف على صنف واحد، وكذلك خطأ التعامل مع المعين باسم طائفته إذا تميز عنهم بقول فهاهي طوائف من الطوائف التي لم يحكم الأئمة بكفر أعيانها حكم ابن حزم عليهم بالكفر لقولهم أقوالاً من القسم الأول والذي لايعذر فيه صاحبه بعذر التأويل، فتنبه لهذا حفظني الله وإياك.

تخريج كلام الأئمة في تكفير طوائف أهل الأهواء والبدع:

ورد جملة من النصوص من كلام أئمة السلف في تكفير أهل البدع وقد أخطأ أقوام في فهم كلامهم هذا، فمنهم من حملها على الكفر الأصغر ونفى عنهم التكفير مطلقاً ومنهم من أخذها على إطلاقها فكفر أعيانهم وطائفة أخرى فصلت.

من هذه النصوص:

1) تكفير القائلين بخلق القرآن، ومنها ما قاله الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (من قال القرآن مخلوق فهو عندنا كافر) [90].

وكقول سفيان بن عيينة: (من قال مخلوق - أي القرآن - فهو كافر، ومن شك في كفره فهو كافر) [91].

2) تكفير الجهمية، تقدم.

3) تكفير الروافض، تقدم وغيرها...

4) تكفير القدرية.

5) تكفير شاتم الصحابة.

وهناك عبارات جامعة للأئمة في إطلاق تكفير أهل البدع مثل:

1) عن الحسن البصري قال: (أهل الهوى بمنزلة اليهود والنصارى).

2) عن محمد بن سيرين قال: (كانوا يرون أهل الردة وأهل تقحم الكفر أهل الأهواء) [92].

يقول ابن تيمية رحمه الله في افتراق الناس في فهم كلام الأئمة: (والعلماء قد تنازعوا في تكفير أهل البدع والأهواء وتخليدهم في النار وما من الأئمة إلا من حكي عنه في ذلك قولان كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وصار بعض أتباعهم يحكي هذا النزاع في جميع أهل البدع وفي تخليدهم، حتى التزم تخليدهم كل من يعتقد أنه مبتدع بعينه، وفي هذا من الخطأ ما لا يحصى وقابله بعضهم فصار يظن أنه لا يطلق كفر أحد من أهل الأهواء وإن كانوا أتوا من الإلحاد وأقوال أهل التعطيل والإلحاد) [93].

وقال: (وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم ثم إنهم يرون من الأعيان الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافراً [94]، فيتعارض عندهم الدليلان، وحقيقة الأمر أنهم أصابهم في ألفاظ العموم من كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، كلما رآهم قالوا: من قال كذا فهو كافر، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه) [95].

وبهذا يعلم أن بعضهم حمل كلام الأئمة على الكفر الأصغر، ونفى تكفيرهم جملة أو تكفير بعض أفرادهم عيناً ومن هؤلاء:

1) الإمام البيهقي؛ قال: (والذي روينا عن الشافعي وغيره من الأئمة في تكفير هؤلاء المبتدعة فإنما أرادوا به كفراً دون كفر) [96].

2) الإمام البغوي؛ قال: (وأجاز الشافعي شهادة أهل البدع والصلاة خلفهم مع الكراهية على الإطلاق فهذا القول منه دليل على أنه أطلق على بعضهم اسم الكفر في موضع أراد به كفراً دون كفر) [97].

وآخرون قالوا بتكفيرهم طوائف وأفراداً وإخراجهم من الملة جملة.

قال ابن تيمية: (وهو قول الأكثرين) [98].

وقد تبين خطأ هذا الاختيار والصحيح التفصيل كما تقدم.. وهذا لا يعني أبداً عدم تكفير أعيان بعض المتأولين مطلقاً فهذا القول خطأ كخطأ من يقول بتكفيرهم مطلقاً.

فإن الإمام أحمد نقل عنه تكفير أعيان بعض الجهمية كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [99].

وليعلم أن هذا الذي تقدم هو في البدع المكفرة لا في البدع التي لا تعد كفراً، فهذه لا يدور حولها هذا الحديث.

الفرقان بين المتأولين والملحدين:

بعد هذا التطواف في كلام الأئمة رحمهم الله تعالى تبين الفرق بين من قصد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فأخطأ السبيل ولم يصب المراد وبين من هو في شقاق مع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لايقيم شاناً لأمره ولا يلتفت إلى ما جاء به إلا بعين الازدراء والتحقير، همه المعاندة والإعراض، إذا وقعت به واقعة لا يلتفت أبداً إلى معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر فيها، فهذا وإن قال كلمة الإسلام - لا إله إلا الله محمد رسول الله - فإنه من أكفر خلق الله تعالى ومن أبعدهم عن دينه، ولذلك كان من حجج بعضهم في عدم تكفير المبدلين لشرع الله تعالى من الحكام أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى لم يكفر المأمون ولا المعتصم، مع قولهم بأقوال مكفرة عنده كقولهم بخلق القرآن وبقول جهم في الأسماء والصفات، فشتان بين من أراد الحق فأخطأه وهو يريد أن يحقق لا إله إلا الله في نفسه وأمته وبين من رفع شعار العلمانية وزعم أن الله تعالى لا حق له في التشريع والقضاء.

ثم تبين لك الفرقان بين الزنادقة كالإسماعيلية والقرامطة والدرزية ومن شابههم في هذا العصر ممن يقولون؛ إن القرآن "إفراز" واقعي أو إن القرآن كتاب مواعظ لا أحكام أو كتاب أدب لا كتاب هداية، أو يقولون إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم غير ملزم لنا بل هو ملزم لعصره فقط، أو يقولون إن حكم الله تعالى لا ينفع اليوم وليس له قيمة في إصلاح الحياة، وبين المتأولين الذين وإن قالوا ما هو كفر من المقالات، وقالوها متأولين آية أو حديثاً، أرادوا متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ففاتهم المراد، فهم وإن كانوا ضلالاً وقالوا كلمة الكفر إلا أن تكفير الواحد منهم لابد من إعمال قواعد قضائية فيه وذلك من تحقق شروط وإنتفاء موانع، ثم هذا لايعني أبداً أن لا يكفر المتأول أبداً فقد يغلب على نظر العالم والناظر والمفتي زندقة الواحد منهم مع قوله بعدم كفر آخر يقول بقوله وليس هذا من التعارض والاضطراب في شيء وإن بدا هذا اضطراباً وتعارضاً عند من لا يعرف هذا الباب من العلم.

"اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم".

والحمد لله رب العالمين

[1] رواه الإمام البخاري في صحيحه.

[2] الإستقامة: ص47 وما بعدها -120، واقرأ ما بعدها فإنه مهم جداً لشرح خطأ هذه النمطية وأن نتيجتها الزندقة وتدمير الشرعية وما قاله شيخ الإسلام في النتائج هو ما نراه اليوم بأجلى صوره وأوضحها،فحسبنا الله ونعم الوكيل.

[3] البداية والنهاية: 14/24.

[4] انظر مجموع الفتاوى: 28/502 - 503.

[5] التلويح على التوضيح: 1/20.

[6] الاشباه والنظائر: ص15.

[7] نقلا عن القواعد الفقهية لعلي النّدوي: ص293، وانظر التفصيل هنال لرد هذه الطريقة في الإستدلال.

[8] ولعل الدكتور صلاح الصاوي والشيخ يوسف القرضاوي هما من أجلى النماذج في عصرنا هذا بالإعراض عن السنن والفتوى بالقواعد الفقهية.

[9] شرح السنة للالكائي، رقم: 1968وقول محمد بن سيرين كذلك في حديث رقم: 2018، وانظر قول الأوزاعي تفصيلا في حديث رقم: 2023.

[10] رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

[11] السابق: ح رقم: 2008.

[12] السابق: ح رقم: 2009.

[13] كقول صاحب التعريفات الجرجاني في تعريف أهل الأهواء: ("هم" أهل القبلة الذين لا يكون معتقدهم معتقد أهل السنة).

[14] بداية المجتهد: 2/492.

[15] مجموع الفتاوى: 24/235.

[16] السابق: 1/310.

[17] التوسل والوسيلة: ص162.

[18] رواه مسلم: 1/41، وأحمد1: /6926، من حديث عثمان رضي الله عنه.

[19] رواه البخاري: 1/109.

[20] رواه البخاري ومسلم.

[21] زاد المعاد: 3/42.

[22] فتح الباري: 7/697.

[23] انظر تفصيل هذه المسألة جيداً في معارج القبول: 2/418 وما بعدها.

[24] بدائع الصناع للكاساني الحنفي: ص102 وما بعدها ج7.

[25] البخاري ومسلم.

[26] مسلم.

[27] بدائع الإيمان: ص135.

[28] صنائع للكاساني الحنفي: ص102 وما بعدها ج7.

[29] انظر بدائع الصنائع للكاساني.

[30] بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ص102 وما بعدها ج7.

[31] انظرها في كتاب الإصطلام في الخلاف بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله لأبي المظفر السمعاني1/29.

[32] بدائع الصنائع للكاساني الحنفي: ص102 وما بعدها ج7.

[33] الإيمان لأبن أبي شيبة: ص23 نقلاً عن " ظاهرة الإرجاء" للشيخ الدكتور سفر الحوالي - فك الله أسره من سجون المرتدين -: 2/642 - 643.

[34] ظاهرة الإرجاء: 2/643.

[35] 2/616.

[36] مجموعة الرسائل والمسائل: المجلد الثاني القسم الأول، ص135.

[37] 2/906.

[38] منهاج السنة النبوية: 5/239 - 240.

[39] انظر "حدائق الأزهار" والرد عليه قي السيل الجرار للشوكاني: 4/584، وانظر رد العلامة الجهبذ محمد بن إبراهيم الوزير اليماني على شيخه الزيدي في "العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم": 2/150 وما بعدها.

[40] ص240 وما بعدها.

[41] ص 242 - 243.

[42] مجالس الأنوار: 2/216.

[43] السابق: 76/131.

[44] السابق: 37/34.

[45] منهاج السنة: 5/158.

[46] إحكام الفصول في إحكام الأصول للإمام البجي: ص 708 – 709، ومحقق الكتاب هو عبد المجيد التركي وهو دكتور محاضر بجامعة السربون، وهو من أكابر المجرمين من العلمانيين الذين يعتبرون أن القرآن كتاب مواعظ خلقية وليس كتاب أحكام وشرع، فليحذر مقدمة كتابه هذا، ومن كتابه الآخر "مناظرة في أصول الشريعة الإسلامية بين ابن حزم والباجي"، فهو يقول: ولست أتردد لحظة في أن أرد ما لله لله وما لقيصر لقيصر.

[47] منهاج السنة النبوية: 5/111.

[48] الإحكام في أصول الأحكام: 5/77.

[49] منهاج السنة: 5/98.

[50] السابق5/78.

[51] السابق: 5/87، وما بعدها.

[52] يراجع للتوسع في هذا الباب كتاب محمد السيد الجلنيد "الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل"، وكتاب "الصواعق المرسلة" لابن القيم [1/175وما بعدها]، لمعرفة التأويل... وانظر بتأمل وتبصر ما كتبه ابن القيم في إقبال النفوس الجاهلة على التأويل في "الصواعق" [2/435]، وكتاب ابن القيم هذا من أهم مصادر شرح ظاهرة التأويل الفاسد في الأديان السابقة وفي الإسلام فلا ينبغي لطالب العلم تفويته.

[53] هذه الأسباب تستطيع النظر إليها في الكتب التي ألفت في الدفاع عن الأئمة وأنهم أرادوا الخير فأخطأوه، وأنفعها في هذا الباب كتاب ابن تيمية رحمه الله "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"، وهو وإن كان عامة شواهده في المسائل الفرعية فإنه قد تقدم أنه لافرق بين المسائل العملية والمسائل الخبرية ولا بين الأصول والفروع، وانظر "الصواعق المرسلة" لابن القيم رحمه الله فإنه نقل كلاماً نفيساً لابن حزم رحمه الله تعالى وشيئاً من كلام ابن تيمية في الرفع [2/520 – 561]، وكتاب ابن القيم مليء بشرح الحجج النفيسة لحصول التأويل الفاسد عند أهل البدع وهو يرجع الأسباب الجالبة للتأويل إلى أربعة أسباب فارجع إليها في [2/500 وما بعدها].

[54] فتح الباري: 12/304.

[55] انظر في هذا "العواصم والقواصم": 4/176، حيث سمى القرامطة متأولين ولكن تأويلهم ليس بعذر لهم في رد تكفيرهم، وكذلك ما قاله الغزالي في كفر بعض من زعم التأول وهو في الحقيقة مكذب كما في التفرقة وهو في "بغية المرتاد": ص346.

[56] الإعتصام: 2/225.

[57] انظرها في مجموع الفتاوى: 3/387.

[58] منهاج السنة النبوية: 4/454.

[59] الجامع للخلال: 2/505 مسألة رقم: 1412.

[60] البيهقي في السنن الكبرى10/208.

[61] المغني12/276.

[62] الإيمان206.

[63] /186 - 187.

[64] 3/247 - 248.

[65] شرح السنة: 14/126 - 127.

[66] شرح صحيح مسلم: 2/50.

[67] العواصم والقواصم: 2/316 وما بعدها، وكتابه هذا نموذج فريد لنقاش أهل الطوائف من خلال كتب أئمتهم ومذاهبهم، فإن ابن الوزير رحمه الله نشأ زيدياً ثم خلع التقليد فهدي إلى الحق، فعابه مشايخه وشنوا عليه الحروب فقام يكشف لهم الحق من خلال كتبهم، ومذاهب أئمتهم، فليت أصحاب المذاهب جميعاً يسلكون هذا السبيل فإنه ما من مذهب إلا وقد اختلط فيه الخير بالشر، وإن الخير الذي فيها كاف لدلالتها على بقية الخير في غيرها والله الموفق.

[68] سير أعلام النبلاء 5/88، وهو في السنن الكبرى للبيهقي10/207.

[69] العواصم والقواصم2/329.

[70] ما قاله شيخ الإسلام هنا يؤيد ما تقدم من علاقة الحكم بالحقيقة وأنه لا يوجد قسم رابع.

[71] الفتاوى: 3/352 - 353 - 354.

[72] الإبانة الكبرى للعكبري: 1/377.

[73] الفتاوى: 3/350.

[74] منهاج السنة: 5/160 - 161.

[75] الفتاوى: 28/500.

[76] خلق أفعال العباد للبخاري: ص125.

[77] منهاج السنة: 6/424.

[78] انظر فضائح الباطنية للغزالي: ص151، واحتججت هنا بكلام الغزالي لأن الغزالي واسع الخطو في إعذار كما هو في كتابه "التفرقة بين الإسلام والزندقة"، فهو لم يكفر أحد في التأويل إلا إذا كان في أصول العقائد! وانظر رد شيخ الإسلام عليه في "السبعينية"، قال رحمه الله: (وبهذا يظهر ضعف ما ذكره من أنه لا معنى لزندقة هذه الأمة إلا ما ذكره من الزندقة المقيدة التي هي مذهب الفلاسفة، فإن الزندقة في هذه الأمة وغيرها باتفاق أئمة المسلمين أعم من هذا كما يذكره الفقهاء كلهم في باب توبة الزنديق وسائر أحكامه) [بغية المرتاد: ص339].
[79] الفتاوى: 35/141.

[80] السابق: 35/144.

[81] بغية المرتاد: ص241، وهو السبعينية.

[82] النصيرية يلقبون أنفسهم اليوم بالعلويين وهي تسمية نصرهم فيها الفرنسيون عند احتلالهم لبلاد الشام وانخدع بها كثير من المسلمين.

[83] الفتاوى: 35/149.

[84] انظر "بغية المرتاد": ص345 ونص الغزالي في التفرقة.

[85] السابق: 35/144.

[86] زوّورت بعض الجماعات البدعية هذه الكلمة التي قالها الإمام وزعمت أنها في حق الروافض، وهذا كذب على الشيخ وإنما المقصود بها الدرزية، والجماعة المعنية من جماعات الغلو.

[87] الفتاوى: 35/16 - 162.

[88] مجموع الفتاوى: 3/352، وهذا الكلام ينطبق عليه بعض الانطباق ما قلناه في تعليقنا على كلام الإمام النووي رحمه الله تعالى فاهتم به.

[89] الفصل2/114.

[90] عبد الله بن أحمد بن حنبل في السنة1/107 رقم: 12.

[91] السابق1/112 رقم: 25.

[92] شرح أصول الاعتقاد للالكائي: حديث رقم: /233 وح رقم: 234.

[93] الفتاوى: 7/618 - 619.

[94] وهذا الذي قاله الإمام رحمه الله في غاية النفاسة في كشفه لتردد الأئمة في تكفير بعض الأعيان مع وجود القاعدة التي أصلوها، فإن القاعدة التي لديهم هو تكفيره فلما أرادوا الحكم عليه امتنعوا من ذلك حين رأوا ما فيه من صلاح ذاتي - أعمال صالحة، ذكر الله، صلاة الليل، صدقات... - وما رأوا من هم لديه ورغبةً في خدمة دين الله تعالى فوقعوا في الحيرة فعادوا على القاعدة بالتغيير، وهذا يقع مع الكثيرين وإلى يومنا هذا ولولا مخافة الإطالة لذكرت صوراً متعددة لهذا الذي قاله الإمام، وهو يبين لك كذلك أن المرء لا تحكمه القاعدة فقط في الحكم والفتيا بل لا بد من اطمئنان نفسه في الحكم على المعين، وسمي هذا التعارض بين القاعدة والواقع من تعارض الأدلة، فاهتم لهذا جداً واعذر أخاك بما يرى في الحكم على المعينين ولا تراه أنت، مع التنبه أن الفتوى والأحكام هي لأهل العلم وليس للجهلة والأغمار، والله الهادي.

[95] الفتاوى: 12/487 – 488، وهذا الموطن فيه كلام نفيس جداً في هذه المسألة فارجع إليها.

[96] السنن الكبرى: 10/207.

[97] شرح السنة: 1/228.

[98] مجموع الفتاوى: 12/487.

[99] الفتاوى: 12/489، وكذلك سمى ابن تيمية كبراءهم بالزنادقة.

tealscrollroses_small.gif

 

جمع وتنسيق النخبة للإعلام (تويتر)