JustPaste.it

بسم الله الرحمن الرحيم

وقفات مع حوار الشيخ عبد المجيد الشاذلي

ومن استدل به على جواز الاستعانة بالجيش التركي

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وإمام المرسلين سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وطبق شريعته وكفر بالقانون الوضعي اللعين.

ثم أما بعد.

هناك حوار للشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله قام به بعد سقوط طاغوت مصر بثورة شعبية مباركة تم حَرف مسارها أهل التمييع والمفاوضات بعقدهم الصفقات مع المجلس العسكري أدخلت الثورة في نفق مظلم بدايته انتخابات تشريعية وانتخاب رئيس للجمهورية استنادا لقانون وضعي، وانتهى هذا النفق بانقلاب عسكري قام به جنرالات الردة وفتكوا بالمسلمين قتلا واعتقالا، وأعتقد لو أن الشيخ الشاذلي بقي حيا ورأى ما آلت إليه الأمور لتراجع عن ما قاله في هذا الحوار الذي يخالف أصوله، وبعد أن نشط البعض لتداول هذا الحوار ونشره لأنه يوافق ما يذهبون إليه أو فيه مستندا للإفتاء بجواز الاستعانة بالجيش التركي العلماني.

فطالب الأخوة مني أن أسأل شيخنا أبا قتادة حفظه الله عن هذه المسألة وخصوصا ما استدل به الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله من تولي صلاح الدين الوزارة عند العبيديين وبقاء النجاشي حاكما بعد إسلامه يحكم بغير الشريعة.

قال أبو محمود الفلسطيني غفر الله له: شيخنا الفاضل حفظك الله وعلى الحق سدد خطاك، هذا حوار الشيخ عبد المجدي الشاذلي رحمه الله (وقد أرسلت الحوار كاملا لشيخنا) والآن ينتشر بقوة بين الإخوة ومن نشره أراد الاستدلال على جواز الاستعانة بالأتراك ، وأن أوردغان مسلم يحكم دولة كافرة ولا يستطيع تحكيم الشريعة، بغض النظر عن حكم اوردغان، فمسألة الاستعانة لا دخل لها بهذه المسألة التي تدور حول إسلام أو كفر أوردغان.

السؤال شيخنا بارك الله فيك: هو استدلال الشيخ الشاذلي بقبول صلاح الدين الوزارة عند الفاطمين والنجاشي كذلك على عدم كفر الحاكم الذي يحكم بقانون غير الشريعة لسطوة الكفار وعدم قدرته على إزاحته وهو مجبر أن يتعايش معه وضرب مثال بصلاح الدين وتعايشه مع الفاطميين وكذلك النجاشي.

لو تبين لنا شيخنا خطأ هذا الاستدلال والفرق بين حالة صلاح الدين والنجاشي وحالات اوردغان ومرسي لأن ما يعذر به أوردغان قد يفهم منه البعذ إمكانية إعذار باقي الطواغيت به وهو سطوة الكفار من صليبيين أو العلمانيين أو الجنرالات أو أو... . ننتظر منكم شيخنا جوابا شافيا يرفع اللبس عن الإخوة وتفصيل هذه المناطات والاستدلالات.

 

فأجاب شيخنا أبو قتادة حفظه الله:

السلام عليكم

كلام الشيخ عبد المجيد الشاذلي فيه ما يحفظ ويروى، وفيه ما يحتاج إلى بيان وتوضيح، وفيه ما يحتاج إلى رد وتنبيه.

والمعلوم عن الشيخ عبد المجيد الشاذلي الأمور التالية:
- فهو الذي حاول أن يؤصل لكلام الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى ، كما هو بين في كتابه حد الإسلام وحقيقة الإيمان، وذلك من خلال كتاب الشاطبي الموافقات، وهذا بين جداً في كتابه.
- وقد أصاب في كتابه وأخطأ، كما نسب له (أي للأستاذ سيد قطب) أقوال متعددة في الحكم على الناس والطوائف.

والحكم على مرسي وتجربته أدخلت الناس في وديان من الاختلاف والتنوع والاضطراب. وذلك من خلال النظر لشخصه، وهذا مكمن الخطأ، ومن خلال نصرة تجربته، أو من خلال نتائج ما حصل فيها.
فأنا أكره التعامل مع الحكم بغير ما أنزل الله تعالى من خلال النظر للحاكم فقط....
وقد بينت هذا كثيرا[1]...

ولا بأس أن أعيد الكلام عليه باختصار.
من أسباب القيام على الحاكم بالتغيير هو كفره، ولكن ليس كفره هو السبب الوحيد للقيام عليه وإزالته، فلا بد من النظر للعقد الذي هو معنى الحكم وتولي الإمارة والسلطان.
والمشقة في الحكم على الشخص بعينه قد توجد وقد يختلف فيها الناس وهي من المسائل النظرية لا القطعية، لكن تضيق إن لم تكن تغيب هذه المشقة في الحكم على النظام والحكم، ذلك لأنه يحكم عليها بمجرد أن يوجد الحكم بغير ما أنزل الله بأي صورة كانت كما نطق بذلك الكتاب.

وأنا أتكلم هنا في هذا الباب لأني وجدت الشيخ عبد المجيد الشاذلي يبذل جهداً كبيراً في بيان عدم كفر الحاكم لأسباب فقهية وعلمية قد يوافقه الناس عليها وقد يخالفونه. وهو مع هذا يعترف أن النظام غير إسلامي وغير شرعي، إذ لا يوجد خلاف عند العالمين بعقيدة أهل السنة بلا إرجاء، هذا الحكم.

وأما الحكم على الشخص فالفقه يحتمله.
بقي شيء مهم في كلام الشيخ عبد المجيد الشاذلي، وهو ما يبحث عنه اللاهثون وراء التحالف مع المرتدين، أو لنقل مع نظام مرتد كالنظام التركي ( وهنا لا نبحث عن حكم الشخوص كما تقدم) من قوله أن صلاح الدين دخل وزيراً في حكم الباطنيين الكفرة.
والناس دائما يعانون من الفقه الأعرج العجيب، والذي يتعلق بذكر اسماء محدثة، ووقائع مختلفة ثم يلقي عليها رداء التوافق فيقع الاجتهاد بأن هذا الذي يفعلونه اليوم هو عين ما فعله الأقدمون.
وقد حدث في الجهاد الشامي الأول أن تحالف الإخوان المسلمون مع العلمانيين والبعثيين المخالفين للبعثيين المسيطرين، واحتجوا بصلح الحديبية، وكانت التجربة المرة بكل آثارها، والمسلمون لم يعد يقنعهم الفقه، لأنهم أدخلوا فيه الفكر والمصالح بلا ضوابط، وهذا يمكن تفهمه بسبب الجهل والغلط، لكن هل يوجد أمة لا تحكم على السوابق بنتائجها !!!.

هذا ما نحن فيه اليوم....

لا يوجد في عقول هذه الأمة من تتعظ بالماضي، بل هم على آثارهم يهرعون...

والسؤال هل حقاً دخل صلاح الدين دخول الوزراء اليوم في أعمال الطواغيت ؟؟؟!!!

وهل ذهاب صلاح الدين إلى مصر نصرة لأهلها ضد الصليبيين هو عين ما يفعله حضرات وزرائنا هذه الأيام ؟؟؟!!!

ثم هناك سؤال لحضراتهم:
هل دخل صلاح الدين وزيراً للعبيديين وتخلى عن بيعته لآل زنكي؟؟؟

ثم هل طبق صلاح الدين وتحته القوات التي تأتمر بأمره القادمة معه من بلاد الشام إلى مصر أوامر العبيديين فيما كفروا به عند سلفنا الصالحين؟؟؟

من أين لهم كلمة الوزارة هذه التي فكت كل المسائل ليحصل التطابق بين حالة وزراء اليوم كوزارة صلاح الدين للفاطميين !!!

ثم هل عند هؤلاء الوزراء نية فعل صلاح الدين بقتل كل سلاطين الفاطميين لأخذ حكم مصر منهم ؟؟؟

أنا أطلب من كل طالب علم، وإن كان هؤلاء قلة هذه الأيام في هذا الباب الذي نحن فيه، إذ كثير منهم مأسور لتنظيمه، أن يقرؤوا كيف دخل صلاح الدين مصر، وكيف كان استقلال قوته مع جنوده وهو في مصر دون حكم العبيديين، ثم ليقولوا لنا أين المشابهة؟؟؟

الشيخ عبد المجيد الشاذلي هنا يدفع الكفر عن مرسي بكلمات عامة، وله ذلك، لكن كيف تلتقط هذه الكلمات لأمر آخر من الشر.
هذا ما لا يستطيع المرء فهمه دون اتهام الفاعل بالهوى والتلاعب بالفقه والكلام.

وأما فعل النجاشي فقد انتهى الناس منه قديماً ولا حاجة لإعادة قتل بحثه وقد قتل من قبل.

نحن الآن أمام نظام لا أمام رجل حاكم...

وأمام جيش له حكمه في دين الله تعالى....

وهو جيش علماني...

له تاريخه الأسود في محاربة الدين....

وهذا الجيش ملتزم بأوامر حلف كفري أكبر منه...

ولهذا الحلف مقاصده...

وزعيم هذا الحلف همه القضاء على أعدى أعدائه وهم المجاهدين...

والأرض والمطارات ستفتح من أجل مقاصد هذا الحلف لا مقاصد المجاهدين...

ستخرج منه الطائرات لقتل الغلاة وأهل السنة ومن وقف في طريقهم الذي رسموه في الغرف المغلقة لإنهاء هذا الجهاد على صورة يرضون عنها.

عند البعض نهايتها إيقاف القتال بين طائفة الكفر بشار وطائفة الجهاد ليصنع واقع علماني بحت يلعب به على طريقة السياسيين، حيث كان الواقع قد صنع مثيله من قبل من تحكيم غير شريعة الرحمن، والتجارب حاضرة[2].

لن يقبل هؤلاء صناعة واقع قوي يحكمه مجاهد في سبيل الله تعالى، قوي في دين الله تعالى، قادر أن يفرض حكم الله في الداخل والخارج.

هذا طريق لا يرضى به أحد حتى لو كان من هؤلاء الحكام من يدعي الإسلام.

إسلام قوي مستقل قادر أن يزيل غربة الإسلام وأهله ، وقادر أن يقول لا لكل طواغيت الأرض ، هذا إسلام ممنوع أبداً.
عندما تدخلون دمشق بالسلاح، وعندما تحسمون المعركة بقوة مستقلة، استطاعت ان تجريها على وفق استخدامكم للآخر ، لا استخدام الآخر لكم، وذلك لا يكون إلا بصبركم الآن على ما أنتم عليه، وعدم استطالتكم الطريق، حينها تكونون قد حققتم النصر الذي يحبه الله تعالى كما في قوله تعالى: " إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) " (سورة الفتح)، وأما بتحالفكم، وهذا ما يسمى كذباً والواقع بدخولكم خيطاً تابعاً لغيركم تقوونه هو، وتمشون كالغثاء فوق مائه وأنتم تحسبون أنكم تقودون تيار القيادة لأنكم فوق، لكنكم غثاء كغثاء السيل، تسيرون بقوة دفق الآخر لكم.

فهذا هو طريق الخذلان والهزيمة...

إن صناعة النصر لا يحتاج لفتوى، فالفتوى يا قوم لا تغير السنن، قد تقيم عنكم الإثم فقط إن لم تكونوا قد صنعتموها بالتشهي أو صنعت لكم بالجهل، أو اخترتموها بالهوى، ولكنها لا تغير سنن الله في الوجود.
لقد سبقكم غيركم، وأخذوا الفتوى، وألفت لتبرير أفعالهم الكتب، فما أغنت عنهم شيئا...

لكني أقول لكم:
هذا ما نبهتكم عليه، وأنا أكتب لكم تحت مقالات واقلوا عليهم[3]، عندما قلت لكم لا تحالف مع المرتدين، ولا أخذ مال مشروط وغير مشروط، فذهبتم تقولون، سنأخذ المال بشروطنا نحن، فلن نقدم عليها إلا بفتوى محققة، وفهم سياسي فاعل حقيقي، والآن ها أنا والكل يرى سهولة الفتوى، وتلّعب السياسيين وزعمهم الفهم والذكاء.

لن يعجز حاكم ولا سلطان أن يفعل فعلكم، ولن يعجز أن يجد مفتيا لكم، كان يوما يحرم الواوي[4]، فلما صيد له تغيرت فتواه، فصار ويوي.


وأخيرا

إن دافع الشيخ عبد المجيد الشاذلي عن مرسي أنه ليس كافرا، أصاب أم أخطأ ، فإنه لن يستطيع دفع السنة عنه، وذلك بذهابه وعدم قدرته على نصرة الإسلام والمسلمين، بل لو حاسبناه بحساب السياسة لكان خاسراً بلا توقف في الحكم.
فإن أردتم الاقتداء به، فالطريق أمامكم ، كما السنة تنتظركم، فهذه السنن لا تحابي أحدا ، لا بفتوى أتى بها، ولا بذكاء ادعاه.
اللهم اني قلت ما عندي نصيحة لعاقل وتبصرة لمهتدي، وأما غيرهما فلا أملك له من الله شيئا.
والحمد لله رب العالمين. انتهى

هذا وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.

 

اعتنى به وقام على نشره: أبو محمود الفلسطيني

 

[1] - التعامل مع الحكم بغير ما أنزل الله من خلال النظر للحاكم، للمزيد في هذه النقطة الرجوع لمحاضرة الخروج على الحاكم وهي منشورة على النت، وقريبا ستنشر مفرغة محققة، وكذلك الرجوع لدورة الإيمان.

[2] - مثل تجربة البوسنة والعراق والصومال وليبيا ومالي ومصر وتونس.

[3] - سلسلة مقالات حول الجهاد الشامي وترشيده، منشورة على النت من إصدار نخبة الفكر.

[4] - الواوي في لهجة أهل الشام أي الثعلب، ويوي تصغير لواوي.