جولة في مشاهد التلازم بين النقل والعقل
[كلمة العدناني مثالا وأنموذجا]
الحمد لله رب يسر وأعن:
دعوني أضيف نقاطا توضيحية في قضايا التلازم – ولم يكن للإخوة تضمينها بيانهم طلبا للاختصار والذي يعد من آداب الكتابات الشبكية والذي لا أحسنه غالبا – فسيتضمن المقال - الثقيل على القلب بلا تواضع - جولة في المآل واللزوم نستحضر فيها علاقة اللازم بالملزوم وعلاقة كل منهما بالحكم, وسأسعى في تسهيله وتهذيبه لأنه متداخل ضمن مباحث صعبة نوعا ما على غير طلبة العلم - أعني مبحثي الاستدلال والأقيسة - وهي مباحث مظانها كتب الأصول والمنطق.
مع العلم أن ما يحويه المقال من مصطلحات منطقية إنما هي من المسلمات العقلية الصريحة التي لا يعارضها الشرع بل أقرها كما سيتبين من الأمثلة, وأزيد أن باب التلازم لغوي من الدرجة الأولى واللغة أحد أعظم مصادر الأصول والمنطق للتداخل.
((المشهد الأول))
(مفردات هامة)
[تعين على فهم المصطلحات ومعانيها]
* المآل = أي ما يؤول إليه الأمر يعني نتيجة لمقدمة, وفي رأيي أن المثال الواحد لا يستوعب مضامين المآل لاختلافه, لكن للتقريب سأذكر مثالين أو أكثر سيلحظ بها القارئ أحد الفروق: [سيأتي إن شاء الله]
* الإلزام: يقال ألزم أي أوجب. [لاحظ أنها أفادت الإيجاب ولأجل هذا يقال إن القضاء إلزام]
* الملازمة: كون أحدهما مقتضيا الآخر فالأول هو الملزوم والثاني هو اللازم.
* اللازم هو ما يتعلق بغيره بحيث لا ينفك عنه [غالبا إذ من اللازم ما ينفك عن الملزوم أحيانا كما سيأتي]
* الملزوم: [للتوضيح هو ما يتعلق به غيره وأصلها الملزوم منه لكن غلب الاستعمال على حذف الأخيرة وهو الذي نشأ عنه الأول أي الذي يترتب عليه اللازم (الثاني)]
مثال: النار والحرارة أو المطر والتربة .. فيلزم من النار الحرارة.
النار = ملزوم منه.
الحرارة = لازم
أي أن اشتعال النار اقتضى أو لزم منه وجود الحرارة.
* اللزوم: هي العلامة بين اللازم والملزوم, فما هي العلاقة بين النار والحرارة أو بين المطر والتربة أو بين العين والرؤية ؟ فأجب: هو اللزوم.
// ذكر العسكري في الفروق أن الفرق بين اللزوم والإلزام أن اللزوم لا يكون إلا بحق, أما الإلزام فيكون في حق وباطل. [من أراد قراءة هذا المشهد باستيعاب فليرجع لـ الفروق اللغوية صــ225ـــ] وينظر لبقية المفردات [الحدود الأنيقة صـ83ـــ لزين الدين زكريا الأنصاري] [الكليات للكفوي صــ795ــ وما بعدها]
((المشهد الثاني))
|| مكونات القضية [من مطالب ومقدمات ونتائج]//
(تعين على فهم قراءة أركان التلازم]
من المعلوم أن كل مسألة لابد أن تتضمن: ((مطلوب)). [وهو النتيجة نفسها قبل إتمام عملية القياس]
وكل جواب أو حل لمعادلة لابد أن يحوي مقدمة [وقد يحتاج إلى مقدمتين صغرى وكبرى] ثم نتيجة.
ويوجد شيء اسمه الحد: وهو يحوي أجزاء القضية [أي المطلوب والمقدمات والنتيجة]*
تعالوا نطبق الآن ما ذكرناه:
مثال: ما الدليل على أن زيدا يموت؟
المطلوب: إثبات أن زيدا يموت.
المقدمة الصغرى: [وهي المقدمة التي تعتبر معبرا للمقدمة الكبرى] *= كل إنسان يموت.
المقدمة الكبرى: [وهي المقدمة التي يعتمد عليها اعتمادا أساسيا لاستخلاص النتيجة] *= زيد إنسان.
النتيجة: إذا كان كل إنسان يموت وزيد إنسان فزيد يموت أيضا.
والسؤال الاختباري هنا هل يلزم من وجود زيد موته؟ بالطبع إذا كان زيد حيا فقطعا سيموت, وهذا ترتب على أن كل مخلوق حي سيموت.**
هذا التلازم ماذا يسمى؟
قبل أن تجيب تعال لنعرف أقسام التلازم من جهة ذاتها.
((المشهد الثالث))
(أقسام التلازم)
*// [تعين على بيان علاقة اللازم بالملزوم وحالات التلازم]
التلازم من حيث العموم والخصوص: ***
تلازم كلي [عام]: وضابطه أن يكون الربط واقعا بينهما [اللازم والملزوم] في جميع الأحوال والأزمنة والتقادير الممكنة [وقد يكون على المستوى الجماعة أو الفرد] مثال: كلما كان زيد يكتب فهو يحرك يده. أي أن زيدا يحرك يده كلما كان يكتب في كل الأحوال والأزمنة, فالعلاقة بين الكتابة وحركة اليد تسمى علاقة تلازم كلي عام.
تلازم جزئي[خاص]: وضابطه أن يكون الربط بينهما واقعا في بعض الأحوال دون البعض أو في بعض الأزمنة دون البعض.
مثال: الطهارة الكبرى والطهارة الصغرى, يقول الفقهاء إن من تطهر من الجنابة الكبرى ونوى الطهارة الصغرى أجزأه, يعني لا وضوء عليه, لكن لا يلزم من ذلك انتفاء الطهارة الكبرى بانتفاء الصغرى ولا أن بقاء الكبرى مرتبط بالصغرى إذ يمكن حدوث ناقض للصغرى وتبقى الكبرى. فالعلاقة هنا جزئية تبقى في بعض الأحوال لا كلها.
[من أراد قراءة هذا المشهد باستيعاب فليرجع لـــ الفروق للقرافي, الفرق الثالث والأربعين ويمكن الاستفادة من التهذيب عليه للشيخ محمد بن علي مفتي المالكية بمكة 1367هــ وكلاهما بالشاملة]
*// أقسام اللازم [أي ما يتعلق بغيره أو هو الناشيء عن الشيء]
[يصلح هذا لبيان قوة التلازم بين اللازم والملزوم وتقدير قوة العلاقة بينهما]
اللازم العقلي ينقسم للازم بين ولازم غير بين:
اللازم البين: هو الذي يكون إدراك ثبوته ولزومه واضحا بينا في الذهن لا يحتاج إلى دليل أو برهان, وينقسم إلى قسمين. (عام وخاص)
اللازم غير البين: هو الذي يفتقر للجزم بصحة اللزوم بينهما في الذهن إلى أمر آخر من دليل أو تجربة أو إحساس. (يعني لا يجزم الذهن به وإنما يحتاج لدليل محسوس غالبا)
(بتصرف شديد للتسهيل ويستفاد من الكليات للكفوي (ص: 796) وعادة ما يورده الأصوليون في باب دلالات اللفظ )
أرجو التركيز على القسم الثاني [اللازم غير البين] إذ أكثر اللوازم من هذا القسم.
((المشهد الرابع))
((أمثلة تطبيقية))
[ لتطبيق ما سبق من تقريرات]
مثال: (1)
[نعود للمثال الاختباري] زيد حي وكل حي سيموت إذن زيد سيموت. هل النتيجة صحيحة ؟
نعم صحيحة.
لماذا لم نقل: إن زيدا ميت بدليل أن كل حي سيموت؟
سنجيب قبل أن يقتلنا المناطقة, قلنا إن النتيجة تبنى على كل من المقدمتين [الصغرى والكبرى] وقولنا [كل حي سيموت] هي محمول النتيجة أي المقدمة الكبرى, واللفظ واضح [سيموت] فكيف تكون النتيجة خلاف ما تضمنه محمولها [فنقول ميت] ؟
قد يقول قائل: ما نحتاج لهذا, لكن الحقيقة المثال هام جدا, وهو أنه لابد للمقدمات [الصغرى والكبرى] أن تخدم النتيجة نوضح في مثال أسهل:
مثال: (2)
قال التلميذ: أنت مخطئ.
فقال الشيخ: وما الدليل؟
قال التلميذ: لا عصمة بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – إذن أنت مخطئ.
فهذه مغالطة شرعية قبل أن تكون منطقية وذلك أن الاحتكام للاحتمال مع وجود احتمال أقوى يعد من قبيل {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني عن الحق شيئا} وللزم ألا يكون للحق وجه ولا يقال لأحد أصبت, ولأجل هذا ذهب طائفة من المعتزلة [ معتزلة البصرة منهم العلاف والجبائي وأحد قولي الأشعري] إلى أن ليس لله حكم في المسائل الفرعية بعينها, [أفاده شيخ الإسلام في الفتاوى قاعدة في تصويب المجتهدين وتخطئتهم], ولاشك أننا وسط بين من يعمل بالظنون والأوهام ويحتج بالرؤى والأحلام وإخوانهم ممن ينكر العمل بالآحاد كلها وإن كان الظن فيها راجحا للاستفادة يراجع[ المعتمد للقاضي عبد الجبار باب أخبار الكلام (ينكر العمل بخبر الواحد محتجا بذات الآية!) / الفصل في الملل لابن حزم فصل هل يوجب خبر الواحد العلم والعمل؟ مواضع أخرى / العدة في أصول الفقه للقاضي عياض باب الإخبار مسألة: يجب العمل بخبر الواحد .. ولمن ليس له نفس للمطولات فللشيخ الألباني رسالة تقع في أقل من مئة صفحة :الحديث حجة بنفسه]
ما علاقة هذا بالتلازم؟
الجواب: لإهمال الاحتمال وتنزيه التلازم [اللزوم] من إدعاء تأثير أو ترابط لمجرد وجود احتمال ولاجتناب المغالطات والاعتبارات الملغية.
((المشهد الخامس))
((حكاية التلازم وأثره في عرف الفقهاء والمتكلمين))
من المرهق جدا أن أنقل أو أعيد ما سطره الباحثون مرة أخرى لبيان عدم جواز الحكم باللازم خصوصا الكفر, خصوصا وأن المقالات تعجب بالأقوال بله الكتب, لكن دعوني أنبيكم عن قضية هامة ولنجعلها في سطور:
-
نصوص العلماء على عدم الحكم بالتكفير خصوصا باللازم.
-
أكثر خلاف العلماء فقهي ليحرروا قضية ما ألا وهي هل لازم المذهب مذهب؟ إذ لهذه أثر فقهي مسطور في المطولات والحواشي.
-
تجد الشاطبي يذكر أن المحققين على أن لازم المذهب ليس مذهبا, وهو قريب من تقسيم شيخ الإسلام.
-
تجد أن أكثر العلماء المنتسبين للسنة بل والمختلطين بهم من الأشاعرة والماتريدية ومن غمس غمسة في الاعتزال لا يعتمد التكفير باللازم حتى القائلين منهم إن لازم المذهب مذهب, ومن قال منهم: ألا تقليد في أصول الدين لا يجوز ولا يصلح, فأكثر هؤلاء لا يرى التقليد لعاملين, باختصار: الأول: لأنه يرى الإيمان التصديق, والثاني: أنه لا يرى التصديق يحصل إلا بالعقل [مع اختلافهم في أول ما يحصل به التصديق إذ يعدو العشرين قولا بين المتكلمين]
-
أن بعض المعتزلة [أقول بعض لشكي بوقوع الخلاف بل الخلاف في التفاصيل أيضا فمثلا القاضي عبد الجبار في المعتمد يرى أن لازم القول قول إذا دل عليه دليل أو قرينة لا مطلقا] فبعض المعتزلة اعتمد أن لازم القول قول, ولعل هذا سبب إحداث بدعة تسلسل التكفير [وإن اختلفوا في حد التسلسل], وقد ذهب معتزلة بغداد إلى تكفير من شك في كفر الشاك ومن شك في الأخير فهو كافر إلى ما لا نهاية, بل كفروا معتزلة البصرى لكونهم لم يمدوا التسلسل إلى ما لا نهاية.
-
أكثر العلماء يجعلون الكفر بالمآل أحد شيئين: إما كذب وإما تناقض, لماذا؟ لأن الكفر (المعلن) هو فعل أو قول أو ترك, أما ما يؤدي إليه فلا يعد كفرا بل يعتبرونه إما فسوقا أو كفرا أصغر أو محرما على الأقل. ثم يجرون عليه عوارض الأهلية حال الحكم العيني. [يعني التنزيل على المكلفين]
-
التكفير بالاحتمال هو مذهب الوعيدية بالغ العلماء في الإنكاره. من ذلك قول الشيخ: [لا تكفير بالاحتمال في الصارم المسلول] وسبقه الشافعي في الأم استدلالا بحديث حاطب بن أبي بلتعة
[من أراد قراءة هذا المشهد باستيعاب فليرجع لــ: الفتاوى كتاب الأصول – وقاعدة في تصويب المجتهدين وتخطئتهم , والتمذهب للشيخ/ الفصل في الملل لابن حزم ج4 فصل هل يكون مؤمنا من اعتقد الإسلام دون استدلال؟ / المواقف للإيجي المقصد السابع/ الاعتصام للشاطبي الباب السادس / الأم للشافعي عند حديث حاطب/ الصارم المسلول/ التنبيه والرد للملطي وإن كان كلامه في مسألة التسلسل مشتبها/ المعتمد للقاضي عبد الجبار باب الكلام في القياس والاجتهاد ]
((المشهد السادس))
المسائل المستفادة من المطالب السابقة:
-
اعتبار حال الترابط بين اللازم والملزوم [في كل الأحوال أم في بعضها؟] ((التلازم الكلي والجزئي]
-
اعتبار قوة اللازم [هل يحتاج إلى دليل خارج الذهن وهو الأغلب أم لا ؟ ثم ينظر إلى قوة الدليل أو الحس أو التجربة وصحتها.
-
اجتناب المغالطات والظنون والاحتمال إذ اللزوم لا يكون إلا حقا [كما تقدم] ولا يقع إلا بدليل راجح.
-
أن لازم شيء عن شيء: أي أن الأول ناشيء عن الثاني. فالنار [الملزوم] نتج عنها الحرارة [اللازم]
-
إطباق العلماء على حرمة التكفير باللازم والاحتمال والمآل, وأنه لم يقل به سوى المعتزلة
-
وهو الأهم [وجعلته الأخير ليعلق في الذهن] أن الحكم على الشيء بأنه لازم لا يكون إلا بعد النظر في الملزوم لأن الملزوم [النار] هو العلة لــ [للازم] ولا يتصور وجود المعلول بدون العلة ثم النظر في قوة العلاقة بين اللازم والملزوم.
((المشهد السابع))
((كلمة العدناني مثالا تطبيقيا بين الطاعنين والمؤيدين))
المثال:
"تذكر أيها المفتون قبل أن تُقدم على قتالها , أنه لا يوجد على وجه الأرض بقعة يطبق فيها شرع الله والحكم فيها كله لله سوي أراضي الدولة الإسلامية , تذكر أنك إن استطعت أن تأخذ منها شبراً أو قرية أو مدينة , سيستبدل فيها حكم الله بحكم البشر , ثم اسأل نفسك , ما حكم من يستبدل أو يتسبب باستبدال حكم الله بحكم البشر , نعم , إنك تكفر بذلك , فاحذر فإنك بقتال الدولة الإسلامية تقع بالكفر من حيث تدري أو لا تدري , ثم تفكر بجميع الذرائع التي يتذرع لك بها الدعاة على أبواب جهنم لتقاتل الدولة الإسلامية , تجد أنها كلها ذرائع باطلة " المقطع من تفريغ لم أتصرف فيه إلا لإثبات بعض الهمزات والخطأ من المفرغ للسرعة عادة.
تعالوا فلنجرِ ما ذكرناه على هذا المثال.
* ما المطلوب؟ قلنا المطلوب هو النتيجة قبل عملية القياس, أي بسهولة ويسر نستطيع أن نقتبسه من النتيجة إذا لم يوضحه في مستهل المقطع. ألا وهو: [ فإنك بقتال الدولة الإسلامية تقع بالكفر من حيث تدري أو لا تدري]
ثم ذكر مقدمتين:
* المقدمة الأولى: [لا يوجد على وجه الأرض بقعة يطبق فيها شرع الله والحكم فيها كله لله سوى أراضي الدولة الإسلامية]
* المقدمة الثانية: [إن استطعت أن تأخذ منها شبرا أو قرية أو مدينة, سيستبدل فيها حكم الله بحكم البشر]
* النتيجة: هي إثبات المطلوب بعد عملية القياس [ فإنك بقتال الدولة الإسلامية تقع بالكفر من حيث تدري أو لا تدري].
حل المعادلة:
* لإثبات نتيجة ما لابد أن تخدم المقدمات تلك النتيجة, فمن البديهي أن تخدم المقدمتان السابقتان النتيجة, ونوع الخدمة هنا هو الترابط أو التلازم.
* لكننا لم نثبت بعد أن العلاقة بين المقدمة والنتيجة علاقة لزوم ابتداء.!
* فلنرجئ سبر المقدمة والنتيجة حتى ننظر هل هي علاقة لزوم أم لا؟.
- قول العدناني: [لا يوجد على وجه الأرض .. إلخ] هل هذا يعني كفر من سواها لأنهم لا يحكمون ؟
إما أن تقع النتيجة (والتي هي وقوعهم في الكفر) لأنهم المتفردون بالحاكمية وإما لا, ففي الحالة الأولى: يكون الحكم واقعا مباشرة لمجرد هذا الاعتبار (المتفردون بالحاكم بالشرع) ولا تسمى هذه الحالة تكفيرا بالتلازم لأن الحكم وقع على سببه (الا وهو عدم الحكم بالشريعة), وفي الحالة الثانية يكون كمعطى فقط أو كمقدمة للنتيجة لا ينبني عليها بمفردها حكم وإنما يسرد مقدمات لنتيجة هي [وقوعهم في الكفر] وفي هذه الحالة يكون تلازما.
- قوله [إن استطعت أن تأخذ منها شبرا أو قرية أو مدينة, سيستبدل فيها حكم الله بحكم البشر] هل الكفر وقع على مجرد القتال؟ أم وقع على الاستبدال؟ وتجري على هذا السؤال الحالتان السابقتان فنقول:
إما أنه يكَفِّرُ بالقتال وإما بالاستبدال فإن كفر بالقتال لم يكن تلازما وإن كفر بالاستبدال صار تلازما لأن الاستبدال مستقبلي لاحق للقتال ولأجل هذا قال [سيستبدل] بــ سين الاستقبال, ثم إن الرجل كان قد نفى في إصدار سابق تكفير من يقاتل الدولة.
إذن المعادلة العدنانية كالتالي:
الدولة الإسلامية هي الدولة الوحيدة التي تحكم بشرع الله + المخالفون يقاتلون الدولة بُغْيَةَ سلبها بعض الأراضي + إذا أخذوا هذه الأراضي سيستبدل شرع الله = إذن قتال الدولة الإسلامية كفر
هل هذا حق؟ قبل الجواب تعالوا ننظر بعض أراء النخبة المناصرة.
[جولة في توجيهات دولوية لكلمة العدناني]
- اعتراض(1): قد يقول قائل: إنك لم تك منصفا لأنه من الممكن أن يكون الكفر واقعا على الحالتين معا, أي بما أن القتال سيعقبه استبدال فهو يكفر لعلة القتال للاستبدال, وقد ذكرت بالأعلى في حالة اللازم غير البين أنه يحتاج لأمر خارجي عن الذهن إما أن يكون دليلا أو حسا أو تجربة, وقد ثبت بالتجربة والحس أنهم لا يحكمون بالشرع.
والجواب: الحقيقة هذا محتمل - رغم أن اللازم البين من أقسام اللواز التي هي أحد أركان قضية التلازم - وهو أحد التوجيهات الثلاثة التي تبناها مجموع مناصري الدولة, يقول: التكفير لم يكن بالمآل ولا باللازم وإنما لقرينة القتال في سبيل الطاغوت]
لكني أظن أن في هذا ظلم للرجل أو تأكيد لمزاعم الخصوم لماذا؟
لأننا: لو جعلنا قوله [لا يوجد على وجه الأرض ...] وقوله: [سيستبدل فيها حكم الله .. ] تكفير للحال [ أي للقتال والاستبدال] نعم سنخرج من قضية التلازم لكن سينتج عنه ما يلي:
الأول: الحكم بتكفير الخصوم سواء قاتلوا أم لا لأنهم لا يحكمون بالشرع قبل القتال وبعده.
الثاني: عدم الاستثناء في التكفير لكل ما سوى الدولة من الخصوم ومن ناصرهم ورضي أمرهم وحكمهم .
الثالث: هؤلاء الذين يسيطرون على أراض ويقدرون على إداراتها هم طواغيت يستبدلون الشرع بغيره.
الرابع: عدم إعذار – من علم بحالهم ورضيه - لأن الدولة لا تعذر في هذا خصوصا إذا كان معه قتال.
ثم إنك ستوقع نفسك في حرج شديد:
إذ إن أكثر خصومك يزعمون أنهم يدفعون صائلتك وأنهم يتبنون الشريعة ويحكمون لأجلها إلا أنهم في دار حرب يرخص فيها ترك الحدود ويزعمون أنك لا تفرق بين إقامة الحدود في الثغور وإقامتها في دار الحرب, فصار تكفيرك لهم على هذا ضرب من التكفير بالاحتمال إضافة لما سبق من مصائب ألزمت بها الدولة وأثبت بها مزاعم الخصوم!
فتكون المعادلة كما يلي:
قتال الدولة الإسلامية المتفردة بالحاكمية = كفر
فلاشك أن هذا الاعتراض ظلم للدولة وممثلها ولا ينبغي أن يخرج من مناصر للدولة.
التوجيه الثاني: [إن التكفير لم يكن بالمآل ولا باللازم وإنما مناط التكفير الإعانة على الحكم بالطاغوت ثم جعل التكفير من جنس الحكم النوعي لا العيني]
وهذا أقرب للتوجيه أو الاعتراض الأول, إلا أنه أراد تخفيف الحكم فجعل مناط التكفير الإعانة على الحكم بالطاغوت, ومع ذلك جعله كفرا نوعيا, وهذا التوجيه يحتاج توجيها إذ إن تصور المقدمات التي قدمها كعلة لمعلول أو كسبب لنتيجة غير مهضومة لمن تصور عقيدة الدولة.
فجماعة تعين على الحكم بالطاغوت والإعانة هنا القتال .. ثم يعذرها العدناني بالجهل؟!
وحينها تكون المعادلة كالتالي:
الدولة الإسلامية هي الدولة الوحيدة التي تحكم بشرع الله + المخالفون يقاتلون الدولة بُغْيَةَ سلبها بعض الأراضي + إذا أخذوا هذه الأراضي سيستبدل شرع الله = إذن قتال الدولة الإسلامية لأجل حاكمية الطاغوت كفر نوعي.!
فهذا مذهب لا تعرفه الدولة ولا تتبناه بلا أدنى شك, فلا يصلح توجيها مناصرا لعقيدة الدولة بل هادما.
التوجيه الثالث:
[ لا علاقة لكلمة العدناني بالتكفير باللازم إذ ينبغي رد متشابه كلامه لمحكمه ومن محكمه نفي التكفير باللازم ] وعنى بذلك ما قاله في إصداره الأسبق من كونهم لا يكفرون باللازم.
وأستطيع أن أعترف أنه أذكى توجيه [تناوله مناصرو الدولة مما وصلني], وأنا متفهم أن قوله: [ فإنك بقتال الدولة الإسلامية تقع بالكفر من حيث تدري أو لا تدري] مُشْكَلَة جدا, إذ توقع المنصف في دائرة حائرة فإما أنه يكفرهم بالتلازم وإما أنه يراهم كفارا من غير تلازم؟ وأحلاهما مر!
فإذا خرجنا من هذه الحيرة - وقلنا بقول صاحبنا هذا - فرددناها إلى محكم لفظه, فما منزلة قولته تلك في مصاف المتشابهات؟ منسوخ أم مخصوص أم مضطرب أم مجمل أم مبهم ؟
ومع ذلك دعاني هذا للتساؤل, ما الذي يخشاه القائلون برده للمحكم من جراء هذه الكلمة؟
الخصوم: أكثرهم نزل بيان بتكفيرهم كالجبهة والجيش الحر وجيش الإسلام, ويستتيبون جنود النصرة كما جاء في غير بيان. !
إذن هو لا يقر تكفير الخصوم؟
أم لا يرى قتال الدولة كفرا؟
هل توافقه الدولة على ذلك؟
هل توجيهه الأذكى وتوجيه إخوانه القائلين إن التكفير يقع لعلة الحكم بالطاغوت أو الإعانة على الحكم كما قال صاحباه هو الأصح؟
أيهم أصح ؟ أيهم مذهب الدولة؟ هل هذا يعد خلافا سائغا؟ هل يمكن أن تستوعب عقيدة الدولة هذه الاختلافات؟
لا تذهب قبل أن تحل لي هذه المعادلة:
الدولة الإسلامية هي الدولة الوحيدة التي تحكم بشرع الله + المخالفون يقاتلون الدولة بُغْيَةَ سلبها بعض الأراضي + إذا أخذوا هذه الأراضي سيستبدل شرع الله = إذن قتال الدولة الإسلامية كفر.
هل قتال الدولة الوحيدة التي تحكم بشرع الله كفر؟
إذا حذفنا كلمة الوحيدة هل قتالها لا يكون كفرا؟
إذا أثبتنا كلمة الوحيدة وحذفنا كلمة سيستبدل هل قتالها لا يكون كفرا؟
السؤال الأخير:
إذا ظهرت مجموعة ترفع الراية وتدعي أنها تقاتل في سبيل الله ولم يكن لها صدام مع الدولة قبلا ثم قاتلت الدولة هل قتالها للدولة لا يكون كفرا؟ وكذلك إذا انشقت عن الدولة فئة وقاتلتها وأعلنت هدفها الشرعي هل قتالها للدولة لا يعد كفرا؟
(ربما نسمع توجيها رسميا ولو لمرة واحدة) !
شكرا
حاشية:
* هذا التوضيح من تصرفي [اجتهدت في اختيار ألفاظ تقريبية منعا للملل لأن شرح المقدمتين يتطلب وقتا] وإلا فلا يستعمله المناطقة في مباحث الأقيسة, إذ يقولون إن المقدمة الصغرى هي موضوع النتيجة, فإذا أردنا إثبات أن العالم حادث سنقول: العالم متغير [العالم هو موضوع النتيجة] وكل متغير حادث [حادث هو محمول النتيجة] وهو المقدمة الكبرى, وأحيانا يستعملون لإثبات حدوث الأجسام ونفيه عن الله يقولون: [كل جسم مؤلف – وكل مؤلف حادث = إذن كل جسم حادث] [ ينظر محك النظر ومعيار العلم للغزالي والقياس لابن رشد إلا أنه أصعب لفظا] ولاشك أن استعمال هذه القضية وإجرائها على الصفات الغيبية فيه مخالفة لهدي السلف لذا لم أستعملها لأن الجسم لفظة بدعية لا نثبتها ولا ننفيها كما أفاده شيخ الإسلام في الفتاوى.
** للفائدة قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} مخصوص بالنصوص الأُخَر من بقاء العرش والماء والجنة والنار [فالصحيح أن الجنة والنار موجودتان]
***التلازم من حيث الثبوت والنفي قد يقع في أربع أقسام لأنه يكون بين حكمين [وكل واحد منهما إما مثبتا وإما منفيا] والنظر في الحكمين يقع في خمس حالات [من جهة كونه طردا وعكسا أو طردا لا عكسا .. إلخ] مثال واحد لبيان المراد مثلا كل [كل جسم مؤلف] وكل [مؤلف جسم] هذا متلازم مطرد, ويصح أن يقال: [كل ما ليس جسما ليس مؤلفا] و[كل ما ليس مؤلفا ليس جسما] فهذا متلازم عكسي وقد وقع في الثبوتين [الحالتين الأوليين] وفي النفيين [الحالتين الثانيتين] مثال على ما كان مطردا لا عكسا [كل جسم محدث] و[كلما كان جسما كان محدثا] مطردا .. ولكن هل يقال [وكلما لم يكن جسما لم يكن محدثا]؟ الجواب لا. إذن هذا تلازم مطرد لا عكسي. هاتان حالتان فقط للتمثيل وإلا يمكن الرجوع للفصل السابع من إرشاد الفحول في أول مبحث من مباحث الاستدلال, وسبق وبينا أن استعمال كلتا القضيتين في نفي الصفات أو الجسم باطل لمخالفة هدي السلف [والصحيح التوقف في الجسم].
تمت والحمد لله.
أحمد بن محمود الشاملي
بجوار بيت المقدس
13 / رمضان 1436من الهجرة المباركة.