وقفات مع بيان مؤسسة (إفريقية للإعلام)
بسم الله الرحمن الرحيم، ربِّ يسِّر يا كريم..
الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين..
وقفات مع بيان مؤسسة (إفريقية للإعلام) المعنون بـ: (تحذير لعامة المسلمين) فيما يخص ركوب طائرات الخطوط الجوية التونسية.
نشرت مؤسسة (إفريقية للإعلام) بيانا عنونته بـ: (تحذير لعامة المسلمين)
وعلّقت عليه بما يلي: (حرصا على حياتكم، ندعوكم لعدم ركوب طائرات الخطوط الجويّة التونسيّة بداية من 15 شعبان 1436هـ وقد أعذر من أنذر) اهـ بنصِّه.
ولنا مع هذا البيان وقفات والله نسأل التوفيق والسداد..
مقدمة لا بد منها:
اعلم أيها المسلم ـ والمجاهد على وجه الخصوص ـ أن الجهاد في سبيل الله عبادة وفريضة ربانية متعدِّية النفع؛ وكلّ ما تعدّى نفعه تعدّى ضرره أيضا متى ما اقترف فيه المجاهد الممنوع، ووقع في ما يخالف الوجه المشروع ـ كما نبه على ذلك العلماء ـ ولذلك يجب على المجاهد أن يجاهد على علم وبصيرة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) (النساء، من الآية: 94)، وفي هذا القدر غُنْية للراكب المستوفز، فإلى المراد:
نقول وبالله تعالى التوفيق:
إن لقارئ البيان ـ المشار إليه أعلاه ـ أن يخرج بالتساؤلات التالية، والواجب على القائمين على المؤسسة أن يضعوها نصب أعينهم، وأن يتبعوا الحق متى ما وضحت براهينه:
1/ يشتمل البيان على التهديد والوعيد كما هو مصرح به، وفيه تحذير للمسلمين في جميع مطارات تونس (الخطوط الجوية التونسية)، وتوقيت التهديد من يوم 15شعبان فصاعدا!! (هكذا إلى أجل غير مسمّى)
والسؤال: أليس من حقّ المسلمين هناك أن يسألوا : حتى متى يبقى هذا التحذير؟! أليس في هذا حرج كبير على المسلمين وهو من التضييق عليهم؟ بلى وربنا!.
2/ أليس هذا التهديد غير المؤقَّت - الموقَّع عليه أدناه بعبارة: (قد أعذر من أنذر) من ترويع عشرات بل مئات المسلمين؟!..
فكم من مطار يشمله هذا التهديد؟ وبالتالي كم من مسلم يشمله هذا الترويع؟!
أفبمثل هذه التهديدات وأخواتها نُقَدِّم شعيرة الجهاد للمسلمين؟ فأيّ جناية على الجهاد هذه؟!
فماذا يا ترى يقول كاتب البيان؟.
أما نحن فنقول له ناصحين مذكِّرين: إياك والتّسلّط على الناس باسم الجهاد وبغير حقّ، فإن هذا من الظلم والعدوان الذي لا ينبغي لمن رفع شعار تحكيم الشريعة الإسلامية أن يقترفه؛ ولا أن يدنو منه!!.
3/هل راعيتم قاعدة: (اعتبار المآلات) وفَكَّرْتُم في مآلات هذا الفعل ـ مفاجآت المستقبل ـ وما يجنيه من تشويه لشعيرة الجهاد في سبيل الله وأهلها؟! وكما يقول الإمام الشاطبي ـ رحمه الله تعالى ـ: (النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا)، ولا ريب أن هذه النظرة الاسستشرافية للمستقبل كما يحتاجها المجتهد والمفتي وغيرهما؛ فإن المجاهد في سبيل الله أَحْوَج ما يكون إليها وهو ينفِّذ العمليات الجهادية على الأرض كما لا يخفى على كل طالب علم!! ومن حِّقِّنا نسأل:
هل استفتيتم حملة الشرع المطهّر من أهل العلم المهتدين بنور الوحيين في مثل هذا ـ وهي الجادّة التي لا بد من لزومها ـ أم هي آفة الإقدام على العمل بلا علم؟.
4/لم نسمع ـ فيما أذكر ـ بمثل هذا الفعل يصدر في بلاد المسلمين من قبل، فعلى الأقل لو حصل ذلك لقلنا قَلَّدْتُم غَيْرَكَم! واعتذرنا لكم بذلك ـ وهي ليست بِحُجَّة ـ إذن؛ فهي سابقة أول من يقوم بها أنتم؛ فما حملكم على ما صنعتم؟!.
وليست المشكلة في هذا ـ أنكم أول من قام بها ـ لو أنها لم تخالف شرع الله تعالى ـ فيما نعتقد ـ هدانا الله وإياكم.
5/إننا نعتقد ـ كما يعتقد ـ بعض من أنكر البيان من الفضلاء، أن ما قمتم به ترويع للمسلمين وتضييق عليهم، وكفى به إثما مبينا! ـ وأخشى أن يكون مجرد تهديد لأجل إحداث هالة إعلامية فقط!! ـ فلماذا إثارة هذا الفزع؟..
وبما أنكم تمثلون مؤسسة إعلامية جعلتم شعارها (صوت المجاهدين في إفريقيا)، فبدورنا نعلن ونقول:
اللهم إنا نبرأ إليك من هذا البيان، ونسأل الله الهداية لكاتبه، وناشره، ومن غرّد به!!
6/ننصح أن لا يكثر من مثل هذه العبارات (قد أعذر من أنذر) لمّا يوجّه الخطاب للمسلمين، إِذْ أنها تَحْمِلُ في طياتها التهديد والوعيد في مثل هذا السياق، ولقد صارت جحيما على كل من يسمعها من قبل في (الجزائر) لما تميّعت وصارت تُقذف في وجوه جماهير المسلمين عند أي نازلة؛ ولو في بيان منع دخول الغابة!!
ثم ألفت وصارت عبارة استعداء واستعلاء على المسلمين وكأنها مُوَجَّهة لليهود والنصارى!
فالرِّفق الرِّفق بأمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم، ويا ويح من كانت أمّته خصمه يوم القيامة، أعاذنا الله وإياكم من موجبات الحسرة والندامة.
7/بما أن المؤسسة تعمل تحت شعار (صوت المجاهدين في إفريقيا) كما تقدم، فنقول:
نبرأ إلى الله تعالى من مثل هذه الأفعال التي تسيء للجهاد والمجاهدين، ولئن رفعت (المؤسسة) ذلكم الشعار فنقول لمن يعمل بها:
جزاكم الله خيرا على ما نفعتم به الإسلام، ووفقكم الله لسلوك منهج الحق ورزقكم السداد، وأما ما خالف شرع الله فلا بارك الله فيه، وقطع الله دابره، ونبرأ ونُحَذِّر منه دائما وأبدا؛ إحقاقا للحق وإبطالا للباطل.
8/على المؤسسة أن تفيء إلى الحق إن اتضح لها ذلك، وهو واضح جلي فيما ذكرناه!! وأن لا تعمل على ترويع المسلمين والتضييق عليهم، فهو حرام حرام، فجهادنا لتحكيم شرع الله تعالى ورفع الضّيم عن الأمّة، لا أن نزيدها ويلا على ويل، وترابا على سيل!!.
فاتقوا الله فيها وكفى.
9/إن بان للمؤسّسة صواب ما نصحناها به ـ وهذا أملنا فيهم ـ فالواجب تقديم اعتذار ـ بلا حياء ـ لمن روّعوهم من المسلمين، أو تسبّبوا في إلحاق الضرر والضيق بهم، والاعتذار عن الخطأ أو ما يستحق الاعتذار منه من شيم الأشراف وأهل الإيمان، ولا غميزة فيه.
فلا يقذفنّ في روعكم أن التراجع عن الخطأ مذلّة، ومذمّة، ومهانة، فإنما هي وساوس الشيطان الرجيم، نعيذكم بالله منه ومنها، فتوكّلوا على الله ـ إن بان لكم الصواب ـ والعزائم تُذَلِّل الصِّعاب ـ بإذن الله تعالى ـ.
10/ نعيد ونكرِّر ونؤكد فنقول (وهي النصيحة الأخيرة): الرِّفق الرِّفق بأمّة محمّد ـ صلى الله عليه وسلّم ـ ويا ويح من كانت أمته خصمه يوم القيامة ـ نسأل الله العافية ـ فظلم المسلمين وأذيتهم عاقبتها وخيمة، ودلّ عليها العقل والنّقل!.
نقول هذا؛ ومن حقِّكم علينا النصيحة، ثم إن مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي أمانة في ذِمّة المؤمنين والمؤمنات ما دامت السموات والأرض، قال سبحانه وتعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة، الآية: 71)، فعلينا وعليكم الإنصاف واتباع الحق، والله يأخذ بأيدينا وأيديكم إلى الخير، ونرجو أن تتسع صدوركم لهذا الإنكار وتلكم النصيحة، ومن كَبُرَ عليه هذا؛ فما الحيلة معه؟..
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، والحمد لله ربّ العالمين.
وكتبه: أبو الأشبال المغربي ـ عفا الله عنه ـ .