مذكرة التعرية لكتاب التبرئة
صورة حديثة للدكتور فضل
(ورد الدكتور فضل على الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» وأسرار العلاقات بينهما)
د. فضل منظر الجهاديين: كتاب الظواهري كذب وبهتان ومغالطات فقهية وتلبيس على القارئ
القاهرة: محمد مصطفى أبو شامة
قبل عام أطلق السيد إمام عبد العزيز الشريف «المعروف بالدكتور فضل» الزعيم السابق لتنظيم الجهاد المصري، مراجعاته الفقهية المسماة «وثيقة ترشيد العمل الجهادي»، وأحدثت هذه المراجعات اثراً كبيرا وكانت بمثابة نقطة تحول في تاريخ الحركة الإسلامية، ويبدو أن هذا ما أزعج الزعيم الحالي لتنظيم الجهاد أيمن الظواهري فخرج قبل شهور بكتابه «التبرئة ـ تبرئة أمة السيف والقلم من منقصة تهمة الخور والضعف». وحمل الكتاب هجوماً عنيفا على وثيقة فضل دفعت الأخير لأن يرد ويكشف جوانب جديدة عن علاقته مع الظواهري في كتاب جديد بعنوان «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة» الذي حصلت «الشرق الأوسط» على حقوق نشره كاملاً وتبدأ من اليوم نشر حلقات منه.
جدير بالذكر أن جماعة الجهاد المصرية كانت قد اختارت للشيخ عبد القادر بن عبد العزيز أو الدكتور فضل لقب «مفتى المجاهدين في العالم»، كما أن صديقه أيمن الظواهري قد دفعه دفعاً نحو إمارة الجماعة بعد أن جمعتهما مدينة بيشاور على الحدود الأفغانية ـ الباكستانية في الثمانينات من القرن الماضي، وكان لهذا الاختيار مغزى خاص في نفس الظواهري يعكس رغبته في المحاكاة، وذلك بوجود عالم شرعي له ثقل يضاهي الشيخ عمر عبد الرحمن في تنظيم «الجماعة الإسلامية». وكان الظواهري قد تعرف على سيد إمام عبد العزيز الملقب بالدكتور فضل، 58 عاماً، في أروقة كلية الطب بجامعة القاهرة في عام 1968، وخلقت الزمالة بينهما مساحة للحوار، أثمرت عن صداقة ولدت قبل 40 عاماً في مناخ متأجج بعد انهيار المشروع الناصري. وتأصلت العلاقة بينهما مع طوفان الإسلام السياسي الذي اجتاح مصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ووصلت إلى ذروتها بعد اغتياله في عام 1981، فخرج إمام إلى السعودية ليلحق به الظواهري بعد الإفراج عنه في عام 1986، وينطلق الصديقان بعدها إلى أدغال التجربة الأفغانية، إلى أن يختلفا ويفترقا على الأراضي السودانية في عام 1994 بعد أن جنح الظواهري بالتنظيم إلى دروب العنف في مواجهة النظام المصري، قبل أن ينتهى به الحال في أحضان تنظيم القاعدة بعد صفقته الشهيرة مع أسامة بن لادن عام 1998 في «الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين».
وذهب فضل إلى اليمن ليعمل باسمه الحقيقي، السيد إمام عبد العزيز، وفي مهنته الحقيقية كطبيب قبل أن تسلمه السلطات اليمنية إلى مصر ليمثل للحكم الصادر في حقه بالسجن المؤبد في قضية «العائدون من ألبانيا»، بينما بقي صديقه على الطريق الذي اختاره وأنطلق في كنف حكم طالبان مع رفيق جديد هو أسامة بن لادن، يغزلان على كهوف أفغانستان أحلامهما، التي تحولت إلى مغامرات مجنونة دفع ثمنها الإسلام والمسلمون في كل أنحاء العالم. وعندما أصدر الدكتور فضل وثيقته لمراجعة الفكر الجهادي قبل عام، كان كمن ألقى بحجر ضخم في بركة ««الجهاد والقاعدة»»، فأصاب الملتفين حولها بالبلل والفزع، فشمروا عن سواعدهم لمواجهته. وكان أكثر ما حفز الظواهري ورفاقه تجاه صديقهم القديم الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز هو أنه من الضالعين في بناء الجسد الفكري لجماعة الجهاد، بل يمكن القول إن أفكاره وكتبه هي العمود الفكري الفقري الذي شيد عليه جسد هذه الجماعة حتى بعد تحورها في تحالفها مع القاعدة. لهذا جاء كتاب «التبرئة» لأيمن الظواهري عملاً موسوعياً كما اجتهد أن يبديه، واجتهد أيضاً أن يجمله بأباطيل من كل الصنوف مستخدماً في ذلك كل الأدلة الممكنة، ورغم ذلك فقد فشل في أن يكون مقنعاً، ويرجع ذلك لأسباب يشرحها الدكتور فضل في مقدمة كتابه الجديد «»مذكرة التعرية لكتاب التبرئة»
قائلاً: «فإني كنت قد كتبت كتابًا في مسائل متعلقة بفقه الجهاد أثناء معايشتي للجهاد الأفغاني ضد الشيوعية، وذلك في عام 1408هـ/1988م، وهو ««العمدة في إعداد العدة للجهاد في سبيل الله تعالى»». وخلال تلك المعايشة لمدة عشر سنين «1983ـ1993م» وجدت أن جل اهتمام الإخوة العرب المشاركين في ذلك الجهاد متعلق بالأمور العسكرية مع إهمال كبير للأمور الشرعية مما أوجد لديهم اندفاعًا تحركه الحماسة والعاطفة لا التقيد بأحكام الشريعة، كما وجدت أن بعض الإخوة تعلقهم بالأفراد «كقادة الجهاد» وتعصبهم لهم إلى درجة الدفاع عنهم بالباطل أشد من اتباعهم للشرع. فكان هذا باعثًا لي على أن أكتب في أهمية تعلم الدين والتمسك بأحكام الشرع ووجوب استفتاء العلماء في أي عمل يُقدم عليه المسلم ولا يعرف حكمه، فكتبت في هذا كتابي ««الجامع في طلب العلم الشريف»» في 1413هـ/1993م».
يقول الدكتور فضل في كتابه الجديد ما يلي:
«تطور هذا الاندفاع العاطفي وتفاقم حتى بلغ في السنوات الأخيرة مبلغ القتل بالجملة والإبادة الجماعية باسم الإسلام والجهاد، وعلى أيدي أناس أعرفهم جيدًا لعشرات السنين، وأعرف مبلغهم من العلم وموقعهم من الديانة، ولم يكتفوا بذلك بل أخذوا في تأسيس ذلك وتأصيله فقهيًا فأسسوا مذهبًا إجراميًا فاسدًا يتمسح في فقه المسلمين، وقد أشرت إلى بعض أركان هذا المذهب في «وثيقة ترشيد العمل الجهادي» وفي الحوار الصحافي الملحق بها، وكشفت بطلان هذا المذهب. إلا أن أتباع هذا المذهب الفاسد من منسوبي تنظيم القاعدة أخذتهم العزة بالإثم وعزموا الرد على «الوثيقة» حتى قبل نشرها بعدة أشهر فسقط أحد هؤلاء قتيلاً في صنعاء اليمن في يوليو 2007، وهو يكتب ردًا على «الوثيقة»، وسقط الثاني قتيلاً في وزيرستان بباكستان في يناير 2008م وهو يكتب ردًا على «الوثيقة»، فانبعث أشقاهم وثالثهم أيمن الظواهري فكتب ردًا على «الوثيقة» في مارس من نفس العام، وسماه كتاب «التبرئة»، وتجرأ على التلاعب بالدين ولم يعتبر بما أصاب صاحبيه من قبله.
قال الله تعالى: «وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ» «المؤمنون:76»،
وقال تعالى: «... وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا» «الإسراء:60»،
وقال الإمام مالك رحمه الله «مهما تلاعبت به من شيء، فلا تلاعبنّ بأمر دينك».
وكتب الظواهري كتابه «التبرئة» فكان مثالاً لفقه التبرير الذي ذكرته بالوثيقة ليبرر به المذهب الفاسد الذي اتبعته القاعدة.
ويمكن تقسيم ما أورده في كتابه ثلاثة أقسام:
كذب وبهتان، مغالطات فقهيه، تلبيس على القارئ وتشتيته له».
وفي الفصل الأول من كتابه الذي اختار له عنوان «تعرية أكاذيب الظواهري وبهتانه»، يروي الدكتور فضل ما يلي:
«قال الظواهري إن «وثيقة ترشيد الجهاد» كتبت بإشراف أميركا واليهود، وكرر هذا أكثر من عشر مرات في كتابه، فقال «إن الوثيقة كتبت بإشراف وتمويل السفارة الأميركية والمخابرات الأميركية ـ السي آي إيه وإف بي آي ـ والحملة الصليبية اليهودية».
فما دليله على هذا الكلام وما مستند شهادته هذه؟ هل مستند شهادته السمع أم البصر أم نقل الشهود العدول؟
فإن لم يكن هذا ولا هذا فهو رجل كذاب مفتري، وأنا أدعوه إلى المباهلة في هذا الأمر كما قال الله تعالى: «... ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» «آل عمران:61»،
وقد دعا كثير من العلماء مخالفيهم إلى المباهلة منهم ابن عباس ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم رضي الله عنهم، وهذه هي مباهلتي «اللهم إنك تعلم أنني ما كتبت هذه الوثيقة إلا ابتغاء نصرة دينك وأن ما افتراه الظواهري لم يقع وليست لي به علاقة، فاللهم أنزل لعنتك على الكاذب منا»، وأنا أطالبه بمثل هذه المباهلة كتابة وبالصوت والصورة التي لا تتيسر لي. هذا المفتري الكذاب ما دليله؟ والله سبحانه يقول: «... قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» «البقرة:111»،
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «البينة على المدعي» ما بينته الشرعية؟ يتخيل خيالات ويتهم بها الأبرياء، والله إنه فاجر كذاب. وما يقوله الظواهري اليوم عن «الوثيقة» إنها بإشراف أميركا واليهود، قد قاله من قبل عن شيخه الحالي ابن لادن عندما اتهمه بأنه عميل للمخابرات السعودية وسط الحركات الإسلامية لما لم يدعمهم ماليًا عام 1995، فتهمة التخوين جاهزة دائمًا لدى الظواهري، يظن أن كل الناس مثله».
أما عندما اتهمته أنا بالعمالة للمخابرات السودانية، فأقسم بالله الذي لا إله غيره أنني سمعت هذا الكلام من فم الظواهري بأذني مباشرة بدون واسطة في السودان آخر عام 1993، إذ قال لي «إنه ملتزم أمام السودانيين بتنفيذ عشر عمليات في مصر وإنه استلم منهم مائة ألف دولار لهذا الغرض» هذا كلامه لي،
وإن أنكره فأدعوه إلى مباهلة ثانية، وهذه مباهلتي
«اللهم إن الظواهري قد قال لي هذا الكلام مباشرة وإن أنكره فاللهم أنزل لعنتك على الكاذب منا»
، لقد ذهب بقدميه يعرض عمالته على الأمن السوداني.
وقد حدث ذلك بعد نحو سنة من انقطاع صلتي بهم، ووجدته يدفع إخوة جماعة الجهاد بالسودان للصدام وعمل عمليات قتالية في مصر، فجلست معهم وحذرتهم من ذلك وأنه لا طائل من ورائه ولا يجب شرعًا، إلا أن الظواهري أصر على التمادي في عمالته والمتاجرة بإخوانه ودمائهم، فأمطرهم بخطبه الحماسية التي لا تمت للفقه بصلةٍ ووعدهم بأنه سيقاتل في مصر إلى آخر رجل، وقد كذب فلم يذهب للقتال في مصر لا هو ولا أخوه، ولم يقبلا على أنفسهم ما دفعوا إخوانهم إليه. وكانت محصلة ذلك أن الظواهري ملأ القبور والسجون في مصر بإخوانه وهرب هو وأخوه من السودان ولم يحقق أي فائدة في مصر ثم أعلن عن وقف العمليات بعد هذه الخسائر الفادحة، وهذه عاقبة كل خائن وعميل: أوزار ودماء يحملها على ظهره لا فكاك له منها، ويزعم أنه كتب كتابه «التبرئة» لينصر دين الإسلام! يا معشر المسلمين إن الله سبحانه لم يقص علينا أخبار بني إسرائيل من أول القرآن إلى آخره، وكيف أنعم الله عليهم ثم غضب عليهم ولعنهم لمجرد القصص، وإنما لنعتبر بحالهم وليحذرنا من صنائعهم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن بعض المسلمين سيتبع مسلك اليهود والنصارى في قوله: «لتتبعن سَنَن من قبلكم... اليهود والنصارى» الحديث متفق عليه. وهذا الذي فعله الظواهري معي هو ما فعله اليهود مع عبد الله بن سلام، قالوا عنه «خيرنا وابن خيرنا، فلما قال ما لم يعجبهم قالوا: شرنا وابن شرنا» والحديث متفق عليه.
الظواهري قال لي «علاقتك بنا رَفَعت عنا الحرج أمام الجماعة الإسلامية، لأنهم يقولون إن معهم عالما وهو الشيخ عُمر عبد الرحمن وأنت كل الناس يشهدون بعلمك» هذا عام 1991م، وفي مطلع عام 1994م أطلع الظواهري على كتاب «الجامع» وأنا أراجعه المراجعة النهائية وقال لي «هذا الكتاب فتح من الله تعالى»، وأعلنوا في مجلتهم «المجاهدون» ـ التي كانت تصدر من لندن ـ عن قرب إصدار هذا الكتاب ووصفوني بأنني «مفتي المجاهدين في العالم» وأنني «العالم المرابط والمفتي المجاهد»، هذا كلامهم. فلما كتبت «الوثيقة» قالوا: «فقهاء المارينز» و«هذه ديانة أميركية جديدة» و«كتبت بإشراف الحملة الصليبية اليهودية». أليس تقلبهم هذا هو كما فعل اليهود مع عبد الله بن سلام رضي الله عنه؟ وفك الله أسر عُمر عبد الرحمن وأسرنا وجميع أسرى المسلمين».
ثم إن الظواهري قال إن «الوثيقة» كتبت برعاية أميركية، وفي نفس كتابه ناقض نفسه وأقرّ بأنني ـ ومنذ أربعة عشر عامًا ـ نهيتهم عن الصدام في مصر وانتقدت الجماعات الإسلامية ونهيت عن الغدر في دار الحرب لمن دخلها بالتأشيرة وأنها أمان، اعترف الظواهري بأن هذا هو كلامي القديم الموجود في كتاب «الجامع» الذي وصفه بأنه «فتح من الله»، وهذا الكلام هو ما ذكرته في «الوثيقة» عام 2007م. فهل عندما كتبت هذا الكلام نفسه في «الجامع» عام 1993م كنت في حجز أي جهاز أمني؟ وهل كتبته محاباة لأحد؟. وفي عام 1993م عندما أبعدتنا باكستان كان أمامي خيار اللجوء السياسي لأوروبا ورفضته، وعُرض عَلَىّ قبل ذلك أيضًا ورفضته، وفضّلت أن أعيش بين المسلمين في البلاد المتخلفة رغم المخاطر الأمنية. فهل ما ذكرته في «الجامع» كان برعاية صليبية يهودية؟.
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» وكان متكئًا فجلس فقال: «ألا وقول الزور» فمازال يكررها حتى قالوا: ليته سكت. الحديث متفق عليه. فشهادة الزور من أكبر الكبائر وهي فسق، والظواهري لا يستحي ويشهد زورًا عَلَىّ. في حين أن الكفار يستحيون من الكذب،
كما قال أبو سفيان لما سأله هرقل عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل إليه يدعوه إلى الإسلام، فبحث هرقل عن قومٍ من بلد النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه حراسه برهطٍ فيهم أبو سفيان وكان كافرًا وذلك بعد الحديبية، قال هرقل: أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟، فقال أبو سيفان: فقلت أنا أقربهم نسبًا، فقال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم إن سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، قال أبو سيفان «فو الله لولا الحياء من أن يأثروا عليّّ كذبًا لكذبت عنه» الحديث متفق عليه. فهذا أبو سفيان رضي الله عنه في كفره قبل إسلامه استحى أن يكذب أمام أصحابه، والظواهري ـ الملقب بالشيخ المجاهد ـ يكذب على صفحات الكتب أمام العالم ولا يستحي».
أكذوبة ثانية للظواهري في كتابه «التبرئة» قال في صفحة 199 إنني تكلمت في «الوثيقة» عن عمليات جماعة الجهاد في مصر وهي محاولتي اغتيال وزير الداخلية حسن الألفي ورئيس الوزراء عاطف صدقي وأنني ذكرت اسم أحد المنفذين «ضياء الدين» كاملاً، هذا كذبه. وأنا لم أتكلم في ذلك ولم أذكر اسم هذا الأخ في أي شيء كتبته قبل هذه المذكرة، ولا أعرف هذا الأخ أصلاً ولم أقرأ اسمه إلا في كتابه. فكلامه هذا كذب ومحض تخيلات وأوهام يتهم بها الناس. ثم لم يكتفِ بهذا الكذب بل رتب عليه استنتاجات فاسدة لأن «المبنى على الفاسد فاسد»، فمن استنتاجاته الفاسدة «أن هناك من يقدم لي المعلومات ويُملي عَلَيّّ ما أكتب»
يقصد الأجهزة الأمنية، وأحب أن أنبه هنا على أن المعلومات التي لدى الأجهزة الأمنية لا تعبر عن الحقيقة دائمًا، لأن الإخوة يكذبون في التحقيقات، وأولهم الظواهري، فقد فوجئت عند التحقيق معي بعدما وصلت مصر في فبراير عام 2004، أن الظواهري في التحقيق معه عام 1981 استغل غيابي ونسب إليّّ كثيرًا من الأمور الكاذبة لينجو بنفسه».
من استنتاجات الظواهري الفاسدة قوله «وللأسف سيرى القارئ أن مركز مقاومة الإرهاب في الجيش الأميركي كان أكثر إنصافًا من داعية الترشيد فقد أورد روايتي من كتابي «فرسان تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم» عن حادث عاطف صدقي» هذا كلامه، وللأسف الظواهري رجل كذاب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الكذب فجور» رواه مسلم، وبنى استنتاجات فاسدة على كذبه، وأنا أعرف ضوابط علم «الجرح والتعديل»، وأعرف أن الظواهري لا يجوز في دين الله نقل الأخبار عنه لأنه كذاب ساقط العدالة مردود الرواية والشهادة، وهذا هو حكم الكذاب في الشريعة، فكيف أنقل عنه؟
وأنا أصلاً لا أحتاج لذلك لأنني أعلم الحقائق مما عايشته بنفسي ومن أصحاب الأحداث الذين عشت معهم في السجون سواء في اليمن أو في مصر ولديهم كل الأخبار. كما أنني أعلم أن الكاذب وخائن الأمانة لا يمكن أن يكون فارسًا تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم».
* الحلقة الثانية: لماذا لم يتحمل الظواهري نشر «الوثيقة»؟
من أكاذيبه أنه تغافل عن تأليفي كتابا في الإعداد للجهاد * اشتغلت في اليمن باسمي الحقيقي حتى لا أعيش على التبرعات كما عاشوا
هجر السيد إمام عبد العزيز جماعة الجهاد، وعاد إلى اسمه الحقيقي بعد أن ترك لهم كتابه «الجامع في طلب العلم الشريف»، وفي هذا الكتاب راجع الدكتور فضل الكثير من أفكاره، وهو ما كان صادماً للظواهري فحجب منه الكثير خوفاً على جماعته، وقام بنشره مبتوراً من أراء مؤلفه، وتمضي السنوات ليعيد السيد إمام أو الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز أو الدكتور فضل نشر هذه الآراء وغيرها في كتابه «وثيقة ترشيد العمل الجهادي»، ويستكمل الشيخ الإجابة عن سؤاله «لماذا لم يتحمل الظواهري نشر «الوثيقة»؟»، موضحاً «انتهيت من كتابي «الجامع» في منتصف 1994، وتركت نسخة منه للظواهري ليتعلموا منه وينشروه ويتكسبوا منه، فوجد فيه نقدا للحركات الإسلامية، فخان الأمانة وحذف كثيرا من الكتاب بغير إذني، بل غيّر اسم الكتاب وطبعوه، ثم استمروا في السرقة من المادة العلمية بالكتاب وأخرجوا منه كتابا في أحكام الإيمان وآخر في السياسة الشرعية ووضعوا عليها أسماءهم بدون إشارة لصاحب الكلام الأصلي، وهكذا عاشوا على السرقة من كتبي التي استغلوها في تجنيد أتباعهم. ولم يتصور الظواهري أن ما حذفه من نقد عام 1994 يمكن أن يظهر مرة أخرى، فلما ظهر في «الوثيقة» في 2007 أخذ يهاجمها حتى قبل نشرها وحاول تشويهها والطعن في كاتبها حتى لجأ إلى الكذب والبهتان مع المغالطات الفقهية وتلبيس الأمور على القارئ كما في الفصول التالية، وقد ذكرت هذا ليدرك القارئ الخلفية القديمة لما يحدث الآن».
يستكمل الدكتور فضل تعرية أكاذيب أيمن الظواهري في كتابه «التبرئة» قائلاً: «ومن أكاذيب الظواهري في صفحة 5 و99: إنني كنت متعايشا من السلطات اليمنية التي اعتقلتني وسلمتني لمصر بتعليمات أميركية وأن هذا كان من أجل إصدار «الوثيقة». فما دليله ومستنده في هذا الكذب؟، يتوهم خيالات ويبني عليها استنتاجات يتهم بها الناس، كما حدث مع عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك».
ويضيف «أما في اليمن فلم تكن لي أي صلة بالسلطات وأصحابه يعلمون ذلك، وكان صاحب العمل هو المسؤول عن تجديد إقامتي، فلما وقعت أحداث 11/9/2001 اعتقلتني السلطات اليمنية لمصلحتها الخاصة ولتصفية حسابات مع مصر، ولم أكن وحدي بل كان معي عدد من المصريين شاهدين على ذلك، وقال لنا مدير المخابرات اليمنية «عرضنا أسماءكم على أميركا وهي لا تريد منكم شيئا»، وقال لي مدير المخابرات اليمنية أوائل 2002 «اجمع إخوانك المصريين وشكلوا حزبا سياسيا مصريا معارضا من الخارج ونحن سنقدم لكم كل الدعم اللازم»، فقلت له «أنا لا أقبل أن أكون رئيس دولة فتريد مني أن أعمل حزبا»، فاحتجزونا ظلما وعدوانا نحو سنتين ونصف، حتى تكلم عنا رئيس مجلس النواب اليمني «الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر» في جلسة المجلس آخر عام 2003 مستنكرا ما يحدث معنا، فقامت السلطات اليمنية بترحيلنا إلى مصر في 2/2004، وكنا مجموعة وهم شهود على ذلك.
واستغرب الظواهري أنني كنت أعيش في اليمن باسمي الحقيقي، وهو يعرف السبب ولكنه أراد الغمز واللمز، والسبب هو أنني لأعمل بمهنتي وشهاداتي الدراسية فلابد من العمل باسمي الحقيقي، ففعلت ذلك رغم المخاطرة الأمنية ـ وقد حدثت ـ حتى ارتزق من مهنتي ولا أعيش على التبرعات كما عاشوا، وفي الحديث «ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده» رواه البخاري، وفي الحديث «اليد العليا خير من اليد السفلى» متفق عليه. ويكمل فضل «ومن أكاذيب الظواهري أنني لم أتكلم عن النظام الحاكم «صفحة ومن كتابه». وقد كذب، فقد أفردت فصلا من «الوثيقة» وهو الرابع عشر في «نصح ولاة الأمور» تكلمت فيه عن تطبيق الشريعة ورفع المظالم وغيرها.
ومن أكاذيبه أيضاً، أنني تغافلت عن ذكر الإعداد للجهاد «صفحة 79 من كتابه»، وقد كذب، فقد ذكرته في آخر البند الخامس عشر، وذكرت قوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ....» «الأنفال:60»، وشرحت معناها. والذي تغافل الظواهري عن أنني ألفت كتابا كبيرا في الإعداد، وهو كتاب «العمدة»، وهو نفسه قد قال إنني قد شاركت بقوة في الإعداد «صفحة 193 من كتابه». وسوف أتكلم عن دور الظواهري في الإعداد في الفصل الثالث من هذه المذكرة إن شاء الله.
أما أن «الوثيقة» لمصلحة أميركا «صفحة 4 من كتابه وكرر هذا»، والذين يخدمون مخططات أميركا واليهود هم الذين أدخلوها أفغانستان والعراق والذين تسببوا في مقتل مئات الآلاف فيهما، وتسببوا في إيذاء المسلمين وسجنهم في مختلف البلدان، وهم الظواهري وشيخه ابن لادن وأتباعهما، والقاعدة الفقهية أن «التسبب كالمباشرة في أصل الضمان».
ومن أكاذيبه، أنهم هم المتصدون للحملة الأميركية اليهودية وأنهم رمز المقاومة الشعبية للحملة الصليبية الصهيونية على الأمة الإسلامية «صفحة 193 و199 من كتابه». وقد كذب وبيان كذبه كالتالي: أنهم كانوا أول من هرب من أمام أميركا لما نزلت أفغانستان بعد السابع من أكتوبر عام 2001، أنهم طلبوا الهدنة والتفاوض من أميركا، فهل انتهت الحملة الصليبية؟، ولماذا يلجأ إلى خيارات أخرى غير القتال خاصة أنه ينكرها على غيره؟».
«الكذاب الدولي» هو الكنية التي وصف بها الشيخ عبد القادر أو الدكتور فضل، أيمن الظواهري وهو يحكي قصة عمالته للمخابرات السودانية لمحاربة النظام المصري، ويقول: «اشتغل الظواهري عميلاً للمخابرات السودانية التي استعملته وجماعته «جماعة الجهاد» لإزعاج السلطات المصرية لتصفية حسابات سياسية، وذلك عام 1993. وقال ان الظواهري كذب عليهم وقال لهم «إن لديه عشرة آلاف مقاتل في مصر من الإخوة بمستوى تدريب قوات الصاعقة»، وقد كذب فقد كانوا بضع عشرات، وما زال في السجون المصرية من كان يصدقه:منهم «ع.ش» الذي قال إنه لن يخرج من السجن حتى تخرجه دبابات الظواهري.
ومنهم «ع.م.د» الذي قال لماذا أنتم تريدون التهدئة مع الحكومة والظواهري لديه عشرة آلاف مقاتل لم يحركهم بعد. ومنهم «أ.س.م» الذي قال إنه سيتفاوض مع الحكومة بعدما يقوم الظواهري بتنفيذ عمليتين أو ثلاث في مصر تقوي موقفه في التفاوض.
وتعامل الأمن السوداني مع الظواهري على أساس هذه الكذبة الكبرى وأعطوه مائة ألف دولار ليبدأ العمليات في مصر، ففشلت أول عملية «محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقي في أواخر 1993» وجرى اعتقال كل الإخوة المشاركين وجرى إعدام ستة منهم، وتوقفت العمليات، واخترق الأمن المصري جماعة الجهاد، ووقت ما كان الرجال الستة في طريقهم إلى غرفة الإعدام كان الظواهري يجلس مع أصحابه في الأمن السوداني يحكي لهم النكات المضحكة بينما هم يتوقعون منه أن يكلمهم في الأمور الكبرى والخطيرة، ولكن الظواهري كان فارغا، ولم تكن لديه قضية يكلمهم فيها، واستمر كذلك حتى مَلّ السودانيون من كثرة هزله ونكاته فاشتكوه لأصحابه وقالوا لهم «شوفوا لنا زول غير الظواهري نتكلم معه، هذا ما في عنده إلا نكات أبو لمعة، كل ما يجلس معنا يحكي لنا نكات أبو لمعة». وفي لهجة أهل السودان «زول» يعني رجل.
هذا هو الظواهري ـ الشيخ المجاهد الكذاب الدولي ـ الذي يتكلم عن الإعداد للجهاد، كذب وهزل وتنكيت وإخوانه على المشانق والحزن في كل بيت، ثم تطور من تخريب الجماعات إلى تدمير الدول ويتكلم عن الإعداد، لا يستحي.
ويحكي فضل عن أكاذيب الظواهري موضحاً «قوله إنهم قرروا القيام بعمليات قتالية في مصر حتى تبقى الفكرة الجهادية حية وحتى لا تنطفئ شعلة الجهاد «صفحة 193 من كتابه». وقد كذب، فإنه هو بالذات دفع إخوانه للصدام في مصر من أجل الرياء والسمعة والشهرة، وفي الأثر «إن يسير الرياء من الشرك» دفع الظواهري إخوانه للمواجهة في مصر لمجرد تقليد الجماعة الإسلامية ولجأ من أجل ذلك للعمالة للمخابرات السودانية، ولبيان هذا: عندما استشاروني في عمل عمليات بمصر منتصف عام 1992، رفضت، فقالوا لي ـ وهو بالذات ـ «إن الناس يُعيّروننا بأن الجماعة الإسلامية تشتغل في مصر ونحن لا نشتغل».
وفي أواخر عام 1993 عندما أنكرت عليه ما فعلوا بمصر، قال لي «إن الشباب ضغطوا عليه»، فقلت له: هذا ليس عذرا، لأنه كان يريد أن يعتذر بنفس ما اعتذر به صالح سرية عن أحداث الفنية العسكرية عام 1974، فقال لي الظواهري «إنه ملتزم أمام السودانيين بتنفيذ عشر عمليات في مصر وإنه استلم منهم مائة ألف دولار لهذا الغرض».
ولما نفذوا العملية الفاشلة لاغتيال عاطف صدقي أكثروا من الإعلان والدعاية لأنفسهم وللظواهري شخصيا الذي أجرى حديثا صحافيا أظن مع صحيفة «العربي الناصري» وقال فيه «وسوف يرى الشعب المصري أبناء جماعة الجهاد في الشارع المصري مرة أخرى». أي أن الأمر مجرد استعراض، وطبعا لم يتكرر الاستعراض لأن أبناء جماعة الجهاد دخلوا القبور والسجون والأمر قام على الرياء والسمعة والعمالة، والمشكلة أن الظواهري لا يستحي فيقول في صفحة 19 من كتابه «وبالمناسبة ما رأيكم في الموالاة والمعاداة أهي من أركان الدين؟». باع إخوانه ودماء إخوانه للمخابرات السودانية ويتكلم عن الولاء والبراء، وقد خرق كل هذا، لا يستحي ويستغل جهل الناس بتاريخه».
ويستطرد الشيخ «بعض الناس يدفع أموالاً من أجل الشهرة أو الدعاية لنفسه أو لسلعته، أما الظواهري فإنه يدفع دماء إخوانه وأرواحهم وضياع أعمارهم في السجون من أجل شهرته الإعلامية، وما زال يقول هل من مزيد وما زال يوجد من ينخدع به، ولكن على الشباب التضحية بكل شيء، وللظواهري الهرب والشهرة والإعلام وجمع التبرعات، والويل لم يخالفه ويكشف زيفه: إنه يخدم المخططات الصليبية الصهيونية، أما الذي أدخل أميركا إلى أفغانستان فهو المجاهد الأكبر. وقال الظواهري مبررا عملياتهم ـ فقه التبرير ـ «وحتى لا تنطفئ شعلة الجهاد» في صفحة 193 من كتابه، وهذا كلام يقوله طالب ابتدائي في موضوع إنشاء «تعبير» ولا ينبغي أن يقوله الشيخ المجاهد ولو كذاب. فما هذه الشعلة؟،
الشعلة يا إخواني من تعظيم النار: وهذا هو دين المجوس عبدة النيران. يا معشر المسلمين هذه بعض أكاذيب الظواهري، والكذب فجور وفسق، يا معشر المسلمين تعلموا أساسيات علم «الجرح والتعديل» الذي حفظ الله به على المسلمين دينهم، وتعلموا معنى «العدالة الشرعية» ونواقضها تسلموا من ضلالات المضلين، هذا الظواهري رجل كذاب فاسق ساقط العدالة مردود الشهادة والرواية، فكيف يُقبل كلامه في أمور الشريعة وأحكامها خاصة مع جهله بها؟
أما أنا فأقول: حسبي الله هو نعم الوكيل في الظواهري وفي كل من افترى عَلَىّ الكذب والأباطيل. وقد رأى الظواهري رجلين من أصحابه سقطا قتيلين وهما يحاولان الرد على «الوثيقة» فما اعتبر.
يبدأ الدكتور فضل الفصل الثاني من كتابه قائلاً: «وقبل تعرية مغالطات الظواهري الفقهية، أحب أن أنبه القارئ إلى أن الأمر ليس مجرد رجل أخطأ في بعض المسائل الفقهية وإنما نحن أمام تأسيس مذهب فاسد منحرف لتأصيل الإسراف في سفك الدماء، وسوف أذكر كيف نشأ هذا المذهب، وما هي أركانه مع الرد عليها إن شاء الله، وهذا المذهب الفاسد هو ما يطلق عليه البعض: فكر القاعدة».
ويطرح الكاتب سؤالا توضيحياً عن نشأة هذا الفكر الدموي،
ويجيب قائلا: نشأ هذا المذهب في أوائل التسعينيات من القرن العشرين الميلادي لدى كلٍ منهما، ولكل منهما دوافعه الخاصة به وليس هنا محل شرحها، ثم تضخم هذا المذهب في نهاية التسعينيات عندما التقت إرادتهما «أسامة بن لادن وخالد شيخ محمد» على قتل أكبر عدد ممكن من الأميركان، وترجموا هذا عمليا في تفجيرات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 للقتل بالجملة بدون تمييز بين مدنيين وعسكريين. ونظرا لما انطوى عليه هذا المذهب من مخالفات شرعية فقد كان يجري الإعداد لتبريره فقهيا، وتمريره وتسويقه إسلاميا تحت مظلة الجهاد في سبيل الله، وقام بن لادن بدوره في ذلك قبل 11/9 وبعدها، وكذلك ترك لأتباعه مهمة التبرير التي جمعها الظواهري في كتابه الأخير الأثيم «التبرئة».
ويشرح الشيخ عبد القادر أركان هذا الفكر موضحاً: «من أجل قتل أكبر عدد ممكن من الأميركان خارج بلدهم وداخلها كان لا بد لهم من القفز فوق بعض الثوابت الشرعية، فتم للقاعدة ذلك بحزمة من النظريات والمبادئ الفاسدة هي أركان مذهبهم وهي نفسها أسباب تبريره «فقه التبرير»،
ومن أهمها بإيجاز: أ ـ «تحويل محاربة أميركا من قضية شخصية إلى قضية الأمة الإسلامية كلها، واعتمد ابن لادن من أجل تحقيق ذلك على جانبين: الأول، جانب دعائي إعلامي: وهو ترويج فكرة فاسدة بأن أميركا هي سبب كل مصائب المسلمين، وكان لا بد له من إلحاق اليهود بذلك لأن قضية فلسطين هي الأكثر حضورا لدى الجماهير، رغم أنه لم يقدم شيئا لفلسطين لأسباب أشير إليها في الفصل الثالث إن شاء الله، والرد على هذا سيأتي بإذن الله.
والثاني، جانب شرعي فقهي: سعى ابن لادن للحصول على فتاوى وتوقيعات من أكبر عدد ممكن من المشايخ خاصة في باكستان وأفغانستان تؤيد الفكرة السابقة «وجوب محاربة أميركا» لتحويلها ـ بتأييد المشايخ ـ من قضية فرد إلى قضية أمة، وقد أشار الظواهري إلى ذلك في كتابه «التبرئة» ص 39 ـ 41، فحصلوا على فتاوى وتوقيعات مفادها «تحريض الأمة على الجهاد لتحرير الكعبة والمسجد الأقصى» و«وجوب جهاد الأميركان وإخراجهم من بلاد الحرمين وفلسطين وسائر بلاد المسلمين». هذا ما فعله ابن لادن قبل 11/9، فلما أراد تنفيذ تفجيرات 11/9 لم يستفت أحدا من هؤلاء، وكأنهم موافقون على ما فعله بالفتاوى العامة السابقة، بل لم يستأذن أميره الملا محمد عمر، كما لم يستفت لجنته الشرعية، واستغفلهم جميعهم وفعلها من وراء ظهورهم.
ب ـ «حشد أكبر عدد ممكن من الأنصار لضرب أميركا: ولهذا السبب كرر الظواهري في كتابه «التبرئة» استنكاره لما يلي: أن هناك خيارات متعددة للمسلم مع أعدائه بحسب استطاعته وظروفه، أن هناك شروطا للجهاد وموانع ومقومات نجاح.
فالظواهري يريد الكل يقاتل في كل مكان ولا خيار آخر غير هذا، ولا اعتبار لشروط وموانع، وهو كاذب في هذا كله، فقد كان هو وشيخه ابن لادن أول من يهرب من العدو، وسيأتي الكلام في هذا إن شاء الله».
ج ـ «الاحتيال على وجوب استئذان الأمير وصاحب أرض الإيواء: فقد بايعوا الملا محمد عُمر أميرا للمؤمنين في البلد الذي استضافهم «أفغانستان»، والشريعة تلزمهم باستئذانه خاصة في الجهاد، وابن لادن يعلم أن محمد عُمر يرفض الصدام مع أميركا ونهاهم صراحة عن ذلك، فاحتال ابن لادن على ذلك فاخترع بدعة «محلية الإمارة» أي أن محمد عُمر له عليهم طاعته في حدود ما يفعلون داخل أفغانستان لا خارجها، وحدث جدل عنيف بسبب ذلك بين ابن لادن وبين لجنته الشرعية قبل 11/9 وبعدها، فقد أخبرهم منذ يونيو 2001 أن هناك عملية كبرى ضد أميركا بدون تحديد مكانها ولا تفاصيلها. فعارضته لجنته الشرعية بوجوب إذن محمد عُمر فرفض ابن لادن واخترع بدعة «محلية الإمارة»، وسيأتي الرد عليها إن شاء الله.
د ـ «إلغاء كل الموانع الشرعية التي تمنع قتل الأميركان بالجملة: ومن أجل ذلك وضعوا المبادئ الإجرامية التالية، وذكر معظمها الظواهري واحتج بها في كتابه «التبرئة» وهي:
* قتال العدو البعيد «أميركا» أهم من قتال العدو القريب.
* التكفير والقتل بالجنسية لأنها دليل ولاء وانتماء ورضا بالقوانين في بلاد الكفر.
* جواز قتل كل من يدفع الضرائب للكفار، لأنه مقاتل بماله.
* إطلاق قتل الترس الكافر، وبه يجوز قتل المدنيين في بلاد الكفر.
* إطلاق قتل الترس المسلم، وبه يجوز قتل المسلمين المخالطين للكفار.
* إطلاق مبدأ المعاملة بالمثل من أجل التوسع في القتل بدون تمييز.
* قتال أميركا هو للدفاع، فيجوز السفر إليها للقتال بدون إذن الوالد وغيره.
* تأشيرة دخول المسلم لبلاد الكفر ليست عقد أمان، فيجوز له قتلهم.
* ولو كانت هذه التأشيرة أمانا فيجوز له نقضه لأسباب يأتي ذكرها.
* تأشيرة دخول السياح بلاد المسلمين ليست أمانا لهم من القتل والخطف.
هذه هي مبادئ نظرية «القتل بالجملة» التي اعتمدتها «القاعدة» وسأرد عليها.
هـ ـ «الطريق على منتقديها: اتخذت «القاعدة» عدة دفاعات ضد من ينتقد مذهبها الإجرامي ومنها: أنه لا يجوز لأحد أن يتكلم في هذه الأمور إلا شيوخ الجهاد المرابطون في الجبال والثغور، وهذه أيضا بدعة مخترعة، أن من ينتقدهم إنما يثبط عن الجهاد ويهاجم المجاهدين ويضر الأمة، أن من ينتقدهم يخدم المصالح الصليبية الصهيونية، ويدخل في هذا «وثيقة ترشيد العمل الجهادي» بالرغم من اعتراف الظواهري أن ما استنكرته بالوثيقة قد استنكرته من قبل في كتابي «الجامع» في 1993، بل من قبل أن أكتبه»
* الحلقة الثالثة:
منظر الجهاديين: عدد المسلمين الذين تسببت «القاعدة» في قتلهم
وتشريدهم يفوق بكثير عدد من قتلتهم إسرائيل
القاهرة: محمد مصطفى أبو شامة
بدأ اسم «القاعدة» يظهر على الساحة نهاية عام 1987 على يد الشيخ عبد الله عزام، وبأموال جمعها أسامة بن لادن، وتحت هدف واحد وواضح هو مقاومة الغزو السوفياتي في أفغانستان، وفي عام 1989 أخذ بن لادن البيعة لنفسه كأمير للتنظيم، من جماعة المتطوعين العرب، وتوسعت أهدافه إلى خارج أفغانستان، في جولة بدأها باليمن الجنوبي عام 1990، انتقل بعدها إلى السودان عام 1993، وهناك بدأت تداعبه طموحات الاصطدام بالقوى العالمية، التي أثمرت تحالفه الشهير مع أيمن الظواهري في ما سمي بالجبهة العالمية لمحاربة اليهود والصليبيين عام 1998، قبل أن ينتهي بهما المطاف إلى 11 سبتمبر (ايلول) 2001، ليدخل التنظيم وقائداه بن لادن والظواهري في نفق مظلم لم يخرجا منه حتى تاريخه.
وعلى مدار الحلقات الأربع القادمة من كتابه «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة»،، يتناول الشيخ عبد القادر بن العزيز أو الدكتور فضل، كما اشتهر بين المجاهدين، بالنقد الشرعي أركان فكر تنظيم القاعدة ودحض فتاواهم التي استخدموها في تضليل آلاف من الشباب في شتى بقاع العالم، كما يقول.
يشرح الدكتور فضل قصة القاعدة ويحلل أفكارها، وهنا نص ما ذكره في كتابه:
الركيزة الأولى للتنظيم وهي قولهم: إن أميركا واليهود هم سبب مصائب المسلمين، ليحشد ابن لادن المسلمين معه ضدهم، وليحول الأمر من قضيته الشخصية، المقدمة عنده على أي شيء آخر، إلى قضية أمة،
فهذا قول ظاهر البطلان مناقض للقرآن. يا معشر المسلمين ابن لادن يستخف بعقولكم، فإن مصائب المسلمين هي بسبب المسلمين أنفسهم، هذا كلام الله ومن أنكره فقد كفر. لما هُزم المسلمون في غزوة أحد لم يقل الله لهم إن هذا بسبب كفار قريش، وإنما قال إنه بسبب ذنوبهم، وهم خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم القائل (خير أمتي قرني) الحديث متفق عليه، فكيف بمن بعدهم؟
قال الله تعالى: «إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان، إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا» (آل عمران:155).
وفي مصيبتهم في نفس الغزوة قال سبحانه: «اولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم انى هذا قل هو من عند أنفسكم»
(آل عمران:165).
وقال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم» (الشورى:30). فمصائب المسلمين من أنفسهم وليست بسبب أميركا، هذا كلام الله ومن أنكره فقد كفر كما قال تعالى: «وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون» (العنكبوت:47)، والجحد هو الإنكار.
فهذا كتاب الله ينطق بأن مصائب المسلمين هي بسببهم لا بسبب الكفار، وقد أكد ذلك الحديث القدسي، الذي بيّن أن العدو الكافر لا يتسلط على المسلمين إلا بعد فساد المسلمين من داخلهم،
وذلك فيما رواه الإمام أحمد بإسناده عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قال: (يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكتهم بسنةٍ عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا ممن سواهم فيهلكهم بعامة حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، وبعضهم يقتل بعضًا، وبعضهم يسبي بعضًا)
الحديث، قال ابن كثير (إسناده جيد قوي وقد رواه ابن مردوية عن ثوبان) وذلك في تفسير قوله تعالى: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض (الأنعام:65)، وورد تفسير (عدوًا ممن سواهم) أي (عدوًا من غيرهم يعني أهل الشرك) رواه الطبراني عن علي رضي الله عنه، في (تفسير ابن كثير 2/141-142)، ومعنى (سنة عامة) أي مجاعة تعمهم جميعًا. فالذي يقول إن مصائب المسلمين هي بسبب أميركا أو اليهود هو مكذب بالكتاب والسنة، ولكن ابن لادن والظواهري وأصحابهم لا يفقهون وينظرون إلى ظواهر الأمور بدون تدبر لحقيقتها وبدون دراية بالشرع. وإنما يسلط الله الكفار على المسلمين ليعاقبهم بذنوبهم، كما قال عُمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي جنوده (ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدوّنا شرّ منا فلن يُسلط عليها، فرُبّ قوم قد سُلِّط عليهم من هم شرّ منهم، كما سلّط الله كفار المجوس على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله».
الله سبحانه يقول مصائب المسلمين من أنفسهم، وابن لادن والظواهري يقولان بسبب أميركا،
فلينظر كل مسلم من يتبع: الله أم ابن لادن والظواهري؟ ومعظم كتاب الظواهري (التبرئة)
يحاول غرس هذه الفكرة الفاسدة في عقول المسلمين لتبرير ما فعلوه وليهاجم من ينتقدهم.
فمن الذي أضاع فلسطين؟ العرب هم الذين حاربوا العثمانيين وطردوهم من فلسطين في الحرب العالمية الأولى ثم سلموها لبريطانيا عام 1916م، فمنحتها لليهود بوعد بلفور عام 1917م. من الذي يقتل الفلسطينيين خاصة قادتهم اليوم؟ إنهم الفلسطينيون العملاء لإسرائيل، بوشايتهم تتمكن إسرائيل من قتل من تريد. ومن الذي يبني اليوم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية لترسيخ احتلال إسرائيل لها؟ إنهم عمال فلسطينيون. من الذي أدخل أميركا إلى أفغانستان في 2001م؟ إنه ابن لادن والظواهري. ومن الذي تسبب في فتح معتقل غوانتانامو الأميركي لسجن المسلمين في كوبا؟ إنها حماقة ابن لادن. من الذي أدخل المغول إلى بغداد قديمًا 1258م؟ إنه الوزير ابن العلقمي. ومن الذي أدخل أميركا إلى بغداد اليوم 2003م؟ إنها خيانة كبار ضباط الجيش العراقي. ومن الذي قتل اللبنانيين لمدة 15 سنة (1975-1990م)؟ إنهم اللبنانيون. ومن الذي احتل الكويت وقتل أهلها في 1990م؟ إنهم أهل العراق وليست أميركا ولا إسرائيل. ومن الذي يقتل السودانيين بعشرات الآلاف اليوم في دارفور؟ إنهم السودانيون أنفسهم يقتل بعضهم بعضًا، تمامًا كما يفعل اليمنيون ببعضهم.
وبغض النظر عن مشروعية تواجدها، فإن القوات الأميركية أثناء تواجدها في السعودية ـ بعد غزو العراق للكويت 1990م ـ لم تقتل هذه القوات مسلمًا في السعودية، ولكن القاعدة قتلت مسلمين في السعودية. إن عدد المسلمين الذين تسببت القاعدة في قتلهم وتشريدهم في بضع سنين في كينيا وأفغانستان والعراق والسعودية والجزائر وباكستان وغيرها يفوق بكثير عدد من قتلتهم إسرائيل أو شردتهم في فلسطين وما حولها في ستين سنة.
فالقول بأن القاعدة تدافع عن المسلمين هو (حديث خرافة) بل إنها تقتل المسلمين وتشردهم، ولكن الظواهري وشيخه ابن لادن يستخفون بعقول الناس. كما أن القول بأن القاعدة تدافع عن دين الإسلام هو أيضًا (حديث خرافة) بل إنها تحرّف أحكام الدين وترفض كلام الله، وهل يمكن أن يدافع جاهل بالدين عن الدين؟ والأمثلة كثيرة
وكلها توكيد لقول الله تعالى: قل هو من عند أنفسكم (آل عمران:165). أما إلقاء التبعة على الغير مع تنزيه النفس عن التقصير، كما يقول ابن لادن والظواهري فهذا مذهب إبليس، فاعتبر إبليس أن سبب غوايته هو الله وليس خبث نفسه التي نزهها عن التقصير.
وفي تقرير هذه الحقيقة قال ابن تيمية رحمه الله (وإذا كان في المسلمين ضعف وكان عدّوهم مستظهرًا عليهم كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنًا وظاهرًا، وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطنًا وظاهرًا) ،
وقال تلميذه ابن القيم رحمه الله (والله سبحانه إنما ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه القائمين بدينه علمًا وعملاً، لم يضمن نصر الباطل ولو اعتقد صاحبه أنه مُحق ـ إلى قوله ـ ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله أو بإدالة عدوه عليه فإنما هي بذنوبه، إما بترك واجب أو فعل محرم وهو من نقص إيمانه)، من كتابه (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان). كذلك فإن إصلاح حال المسلمين لا بد أن يبدأ من داخلهم، كما قال الله تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (الرعد:11).
فمصائب المسلمين هي بسببهم لا بسبب أميركا كما يروج الظواهري لهوى ابن لادن، وإصلاح المسلمين يجب أن يبدأ منهم، هذا كلام الله من أنكره فقد كفر. أما جهاد العدو المعتدي فواجب عند الاستطاعة، وأما أن تعبر المحيط وتذهب إلى عدوك في داره وتهدم له عمارة فيدمر لك دولة (طالبان) وتزعم أنك مجاهد، فهذا لا يفعله إلا الحمقي.
قال الشاعر: «لا يبلغ الأعداء من جاهل.. ما يبلغ الجاهل من نفسه».
ولكن ابن لادن والظواهري يصران على أن أميركا سبب مصائبنا، والويل ثم الويل لمن يخالفهم ولو كان يحتج بكلام الله: هو يخدم المخططات الصليبية اليهودية، والمخابرات الأميركية تشرف على وثيقته. ولما كان ابن لادن يرى أن قضيته هي قضية الأمة الإسلامية فقد هرب هو والظواهري وتركا الأمة تدفع الثمن بضياع دولتين (أفغانستان والعراق) وبسقوط مئات آلاف القتلى والأسرى مع الخراب الواسع، وكله في رقابهم ولا شك، فالقاعدة الفقهية تنص على أن (إتلاف المتسبب كإتلاف المباشر في أصل الضمان) من (إعلام الموقعين) 2/65. وذكرها ابن القيم أيضًا في (الطرق الحكمية) ص 58، ط المدني.
وأما ركنهم الثاني والمتمثل في اعتراض الظواهري على الخيارات المشروعة للمسلمين مع أعدائهم، واعتراضه على أن للجهاد شروطًا وموانع، فأما الخيارات المشروعة: كالجهاد والصلح والهدنة والعزلة وكتمان الإيمان والصبر وغيرها، وكذلك شروط الجهاد وموانعه، فقد ذكرتها بأدلتها من الكتاب والسنة بالوثيقة. والشروط والموانع هي الفاصل بين العلم بوجوب الشيء (وهو الوجوب المطلق) وبين القدرة على القيام به (وهو وجوبه على المعين)، فقد يكون الشيء واجبًا بأصل الشرع ولا يجب على بعض المسلمين لانتفاء شروطه أو لقيام موانعه في حقهم.
وأما الظواهري فاستنكر الشروط والموانع، ولا خيار عنده إلا استعمال القوة كما قال
(فقد كان واضحًا ولا زال لكل منصف ذي عينين أن هذا الواقع الفاسد لن يتغير باللين والمسالمة، ولن يتغير إلا بالقوة)
من كتابه (التبرئة) ص193. واعتبر الظواهري أن أي خيارات غير القوة هي
(سموم العجز والشلل التي تبثها أمثال تلك الوثائق بإشراف أمن الدولة ومن فوقهم سادتهم الأميركان) من كتابه (التبرئة) ص74. وكلامه هذا يؤول به إلى الكفر لأنه إهانة لكلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، فمؤمن آل فرعون الذي كتم إيمانه وأثنى الله عليه، وأصحاب الكهف الذين اعتزلوا قومهم الكفار فامتدحهم الله، وقول الله تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها (الأنفال:61)،
وكذلك إقدام النبي صلى الله عليه وسلم على صلح الحديبية ومدحه لخالد لما انسحب بالجيش، كل هذه سموم وعجز وشلل عند الشيخ المجاهد ـ الكذاب ـ الظواهري. وقد قال الله تعالى: قل ابالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم (التوبة:65-66)، هذا يا معشر المسلمين هو مبلغ علم شيوخ الجبال والثغور الذين يريدون حصر الفتوى فيهم.
والظواهري بحصره الخيارات المشروعة للمسلمين مع أعدائهم في خيار واحد وهو استعمال القوة لا غير، هو كالطبيب الجاهل الذي لا يعرف من العلاجات إلا دواءً واحدًا يصفه لجميع المرضى من دون مراعاة لاختلاف أحوالهم، فلا بد من سقوط كثير من الضحايا بين يديه، فإذا رأى هذا الطبيب الجاهل طبيبًا آخر يصف أدوية مختلفة بحسب اختلاف حالات المرضى شنّع عليه بجهله واتهمه بأنه يروج أدوية أميركية من إنتاج المخابرات الأميركية، كالخيارات المشروعة التي أظهرتها (الوثيقة) للمسلمين فاعتبرها الظواهري دعاية أميركية لمجرد أنها تخالف رأيه المناقض للكتاب والسنة.
بقى أن يعلم القارئ أن الظواهري رجل كذاب ومخادع، وهو يستعمل أدوية أخرى في السر غير الدواء الوحيد الذي يصفه للناس (وهو القوة مع العدو ولا غيرها) فقد دفع إخوانه للصدام في مصر عام 1993م بأموال المخابرات السودانية، ثم هرب هو من السودان عام 1995م، ولم يقبل أن ينزل مصر كما فعل بإخوانه بعدما وعدهم بأنه سيقاتل في مصر إلى آخر رجل فيهم وإلى آخر دولار. والظواهري يأمر الناس اليوم بقتال أميركا وشيخه ابن لادن عرض الهدنة على أميركا، والظواهري عرض التفاوض عليها. إذن هناك خيارات أخرى مشروعة غير الصدام، ولكل منها موضعه،وهذا ما في (الوثيقة)، هل عندما انسحب خالد بن الوليد رضي الله عنه بالجيش في (مؤتة) ومَدَحه النبي صلى الله عليه وسلم هل كان هذا برعاية أميركية؟ وهل عندما قال عُمر بن الخطاب رضي الله عنه (رحم الله أبا عبيد لو كان تحيّز لي لكنت له فئة)، هل كان هذا برعاية أميركية؟ يا معشر المسلمين هذه كلها خيارات مشروعة، والاختيار منها بحسب العلم والقدرة،
وابن لادن والظواهري ليسا من أهل العلم والفتوى ولا من أهل التقوى، الذي يتقي الله لا يتسلق الجدران كاللصوص كي يصل إلى هدفه فيخون أميره ويغدر بعدوه ويجلب الكوارث على المسلمين، من فعل ذلك ـ كهؤلاء ـ لا يكون من أهل البر والتقوى، وهذا حكم ربنا فيهم لمن كان مؤمنًا به. وأنا أعرفهم من عشرات السنين، فلا تغتروا بكلامهم وشبهاتهم. هل يفهمان في الفقه والجهاد مثل عُمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما؟ لا تدعوهم يستخفون بعقولكم. إنهم جُهال يستغلون العاطفة الإسلامية لدى الشباب مع قلة إلمامهم بالعلوم الشرعية،
ولهذا تجد الظواهري من أشد الناس كراهية للكلام في الشروط والموانع وإظهارها للناس، مع أنها من أركان الحكم الشرعي كما في قاعدة (يترتب الحكم على السبب إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع)، إلا أن الظواهري لا يريد أن يعرف الشباب هذه العلوم الشرعية ليسهل عليه اصطيادهم وتحريضهم بخطبه الحماسية.
والنظر في الشروط والموانع هو الفرق بين العالم وبين الجاهل، كما أنه الفرق بين الفقيه وبين المغامر. وعهدي بالظواهري أنه من كبار المغامرين الذين لا ينظرون في عواقب الأمور، ولكنه مغامر غير عادي، فالمغامر عادة ما يغامر بما يملكه: إما بنفسه أو بماله وما يقدر عليه، أما الظواهري فإنه يغامر بما لا يملكه: فقد غامر في مصر بالمئات من إخوانه دفع بهم إلى القبور والسجون فقط بخطبه الحماسية، ثم هرب هو ولم ينفذ ما وعدهم به من أنه سيقاتل في مصر إلى آخر رجل، ثم غامر بدولة طالبان وبالشعب الأفغاني، ثم غامر بالشعب العراقي. فالظواهري دائمًا يغامر بما لا يملكه ثم يهرب ويترك غيره يدفع ثمن مغامراته،
وكل هذا بدون إنجاز حقيقي على أرض الواقع، بل خسائر بالجملة، ولهذا فهو لا يريد أن يعرف الشباب المسلم أن هناك شروطًا وموانع للجهاد، وبالنظر فيها والعمل بها يؤتي الجهاد ثماره بأقل الخسائر الممكنة، بخلاف حصيلة المغامرين: خسائر جسيمة وبدون مصلحة. ومن يدقق في أسباب فشل الحركات الإسلامية في التمكين في الأرض، بل في تحقيق نتائج سلبية ـ كضياع طالبان ـ سيجد أن هذا يرجع إلى إهمالها النظر في شروط الجهاد وموانعه.
والركن الثالث «بدعة.. محلية الإمارة»، فلقد بدأ الإعداد لتفجيرات 11/9 قبل سنتين من وقوعها، ولما اكتملت التجهيزات أعلن ابن لادن في يونيو 2001 أن هناك عملية كبرى ستقع ضد أميركا بدون تحديد لمكانها أو تفاصيلها. فاعترض عليه بعض أتباعه خاصة من لجنته الشرعية بأن أميرهم الملا محمد عُمر نهاهم عن الصدام مع أميركا وأنه لا طاقة له ولا لدولته بذلك، فاخترع ابن لادن هذه البدعة (محلية الإمارة) للرد على منتقديه من أتباعه، وقال لهم إن محمد عُمر أميرهم داخل أفغانستان ولا دخل له بما يفعلونه خارجها.
والرد على ذلك من وجوه: أن الأمر الشرعي بطاعة الأمير لم يقيد ذلك بمكان (داخل أو خارج) كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني) متفق عليه. وكذلك نصوص الوعيد لمن عصى أميره غير مقيدة بمكان،
كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خلع يدًا من طاعة لقى الله يوم القيامة ولا حُجة له) رواه مسلم، فمن أين لابن لادن هذا القيد الذي حصر به طاعة أميره في داخل البلد فقط؟ إنه من وسوسة الشيطان له. يقيد نصوص الكتاب والسنة برأيه وهواه، ويغلّف هواه بهذه البدعة (محلية الإمارة) لخداع الجهال، وبهذا يضيع الدين والدول.
انه لا خلاف بين العلماء أن طاعة الأمير واجبة في أمور الجهاد، والجهاد لا يقع بدار الإسلام وإنما خارج حدودها، فابن لادن يستخف بعقول الناس، قال ابن قدامة الحنبلي (وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك) وهذا كلام أبي القاسم الخِرقي الذي شرحه ابن قدامة في (المغني). وبهذا تعلم أن بدعة (محلية الإمارة) هي حيلة احتال بها ابن لادن لإسقاط إذن الأمير (محمد عُمر)، وهي خدعة خدع بها ابن لادن أتباعه. وكيف يقول ذلك وقد ظل يخطط لتفجيرات 11/9 لمدة سنتين من أرض إمارة محمد عُمر، وانطلق المنفذون من نفس الأرض، وظل محتميًا بنفس الأرض (أفغانستان) بعد التفجيرات؟
ابن لادن يستخف عقول الناس. وقد نكث بيعة أميره وخانه ودَمَر دولته، وهذه كلها من كبائر الذنوب. وهذا كله لا يعفى الملا محمد عُمر من المشاركة في مسؤولية تدمير أفغانستان فقد كان بإمكانه تدارك ذلك إذا تصرف بحزم وحكمة عند بوادر الخطر، وبدون أن يقع في محظورات شرعية، ولكنه تراخي
فصدق فيه قول الشاعر:
أُوتيت مُلكًا ولم تُحسن سياسته .. كذلك من لا يُحسن المُلك يُسْلَبَهُ.
وكانت طالبان ـ وقت حكمها أفغانستان ـ تعاقب المرأة إذا خرجت من بيتها كاشفة وجهها أو بدون محرم، واليوم طالبان في محنتها تقتل الجنود الأفغان المتعاونين مع قوات الاحتلال من أميركا وحلفائها، ومع ذلك فإن طالبان لم تحاسب لا ابن لادن ولا أحدًا من أتباعه، رغم أنهم هم المتسبب المباشر في الاحتلال الأميركي لبلادهم وما أعقبه من ضياع دولتهم وتشريد حركتهم وقتل آلاف الأبرياء من الشعب الأفغاني، فهل هناك غفلة أعظم من هذا؟
كان ابن لادن طوال إقامته في أفغانستان (من 1996 وحتى احتلالها في أكتوبر 2001) يستخف بحكومة طالبان وبأميرها محمد عُمر، وكان ـ رغم مبايعته لهم بالإمارة ـ يعتبرهم مجرد وسيلة لتحقيق مشروعه الشخصي (مناطحة أميركا) ولو بالتضحية بأفغانستان وحكومتها، فكان ابن لادن يعقد الاتفاقات مع ـ الحليف القديم والدائم وهو ـ المخابرات العسكرية الباكستانية
(مع الجنرال محمود أحمد) من أرض طالبان وكأنه دولة داخل الدولة.
(الحلقة الرابعة)
منظر الجهاديين: أعضاء «القاعدة» فروا متخفين في ثياب النساء ..
والظواهري يعتبرهم «الطليعة المجاهدة للأمة»
نستكمل اليوم الجزء الثاني من نقد الدكتور فضل أو الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز "منظر الجهاديين" لأركان فكر تنظيم القاعدة، وقد طرحنا في الحلقة السابقة ثلاثة أركان هي:
قولهم إن أميركا واليهود هم سبب مصائب المسلمين،
واعتراض الظواهري على الخيارات المشروعة للمسلمين مع أعدائهم،
واعتراضه على أن للجهاد شروطًا وموانع،
وبدعة ((محلية الإمارة).
أما الركن الرابع وبحسب كتاب الدكتور فضل ((مذكرة التعرية لكتاب التبرئة)) كحلقات فهو مبدأ
((البدء بقتال العدو البعيد قبل العدو القريب)).
يرد الدكتور فضل على ذلك قائلاً:
اخترع الظواهري هذا المبدأ المصادم للقرآن والسنة كجزء من فقه التبرير لمساندة مشروع ابن لادن في محاربة أميركا. وقد أرادوا بذلك تجميع جهود كل الجماعات الإسلامية في مختلف دول العالم في مواجهة العدو البعيد (أميركا) وتقديم ذلك على مواجهة أي أعداء قريبين.
وهذا الكلام مصادم لكلام الله ولسنة رسول الله ( بل هو تبديل لقواعد الدين، فقد قال الله تعالى: "يايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار" (التوبة:123). وفي تفسيرها قال القرطبي رحمه الله (هو أنه سبحانه عرّفهم كيفية الجهاد، وأن الابتداء بالأقرب فالأقرب من العدو، ولهذا بدأ رسول الله ( بالعرب فلما فرغ قصد الروم وكانوا بالشام ) وقال ابن تيمية رحمه الله: (وكان ( يجاهد من يليه من الكفار من المشركين وأهل الكتاب، فمن جاهد من يليه من هؤلاء فقد اتبع السنة) من (مجموع الفتاوى) 21/317،
فهذا ما دَلّ عليه الكتاب والسنة ولا تلتفت لمن خالفهما. إلا أن الظواهري ضرب بالكتاب والسنة عرض الحائط واخترع لهم نظرية (البدء بالعدو البعيد) لمجاراة هوى شيخه ابن لادن، وهذا معارضة وتبديل للشرع بالرأي، وفي مثل هذا قال ابن تيمية (والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه، كان كافرًا مرتدًا باتفاق الفقهاء) من (مجموع الفتاوى) 3/267.
وعاش الظواهري ثلاثين سنة يدعو لقتال العدو القريب (الحكومة المصرية) إلى أن اكتشف عام 1998م أن الأهم هو قتال العدو البعيد، وذلك بعدما أفلس عمليًا في مصر وأفلس ماليًا، فالتحق بابن لادن في (الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد الصليبيين واليهود) في فبراير 1998م، مع العلم بأن أميركا لم تصطدم بجماعة الجهاد (جماعة الظواهري) قبل هذا التاريخ وإنما بعده، ومع ذلك فقد وضع هذه النظرية المناقضة للشرع مسارعة في هوى ابن لادن، فتسبب بها في دمار جماعته إذ أخذت أميركا تختطف أصحابه ـ ومنهم أخوه ـ من أقطار الأرض. ورغم هذه الخسائر الجسيمة التي تكبدتها جماعة الظواهري من أجل ابن لادن، فقد كان ابن لادن لا يثق بالظواهري، فلم يخبره بأحداث 11/9 قبل وقوعها.
والحاصل أن الظواهري ناقض الشرع ودمر جماعته بنظرية (البدء بالعدو البعيد) فجاءه العدو البعيد (أميركا) إلى باب بيته في أفغانستان، وهذه من المواضع التي يصير فيها الجهاد فرض عين ولا يشترط له شرط كما ذكر الظواهري في كتابه، والعدو واضح وكفره لا شك فيه ولا شبهة، فماذا فعل الشيخ المجاهد الظواهري، هل جاهد؟
لا، لقد فر هاربًا لا يلوي على أحدٍ حرصًا على سلامته الشخصية، حتى هرب عن زوجته وأولاده وتركهم للأميركان يقتلونهم، وكذلك فرّ أعضاء القاعدة من مواجهة أميركا، والله يا معشر المسلمين لقد هربوا من أفغانستان إلى باكستان متخفين في ثياب النساء، لأن حرس الحدود كانوا يعتقلون العرب الهاربين ويبيعونهم لأميركا إلا أنهم كانوا لا يفتشون النساء، فخرج من هؤلاء في ثياب النساء حتى قال أحدهم (ما من معركة دخلتها في أفغانستان إلا خرجت منها وأنا رجل، إلا هذه المرة خرجت وأنا امرأة بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان).
وبالرغم من هذه المخازي فإن الظواهري لا يستحي ويصف نفسه وأصحابه بأنهم (الطليعة المجاهدة للأمة) وأنهم (رمز المقاومة الشعبية للحملة الصليبية الصهيونية على الأمة المسلمة) صفحة 74 و199 من كتابه (التبرئة)، وكذلك ابن لادن كان لا يهمه إلا سلامته الشخصية. هربوا وتركوا مهمة جهاد الأميركان للأفغان خاصة طالبان الذين دفعوا ثمن (نظرية العدو البعيد) قتلاً ودمارًا واسعًا لأفغانستان جزاءً لهم على كرم ضيافتهم لابن لادن وأصحابه.
أما الركن الخامس فهو بدعة (التكفير والقتل بالجنسية)، وضمن خطته في القتل بالجملة كرر ابن لادن وبعض أتباعه أنهم سيقتلون الأميركان بدون تفرقة بين مدنيين وعسكريين. وجاء الظواهري ليضع التبرير الفقهي لذلك في كتابه (التبرئة) في صفحات 145 إلى 154 حيث قرر أن الجنسية ليست مجرد تعريف كما ذكرته في (الوثيقة) وإنما جنسية الدول الكافرة دليل انتماء وولاء ورضا بالدخول تحت طاعة قوانين الكفار اختيارًا، وقرر الظواهري أن المسلم المتجنس في هذه الدول إن لم يكن كافرًا فهو قريب من الكفر (صـ154)
ونقل أن التجنس في بلاد الكفر هو ردة (صـ149). ومما اعتمد عليه الظواهري في إصدار حكمه هذا: مقدمة فاسدة، وهي أن المواطن في بلاد الكفر لا بد أن يخدم في جيشها وهذا يجعله كافرًا إذا قاتل المسلمين، وهذا الحكم فاسد لأن مقدمته فاسدة
(والمبني على الفاسد فاسد)، فبعض هذه البلاد ليس لها جيش أصلاً مثل سويسرا، وبعضها التجنيد فيها ليس إجباريًا ومنها أميركا نفسها اليوم، وبهذا تعلم أنه ليس كل مواطن في بلاد الكفر مقاتلاً افتراضيًا للمسلمين كما زعم.
إن كلام الظواهري يقضي بتكفير مئات الملايين من المسلمين في بلاد كثيرة مثل الهند والصين وروسيا وأوروبا والأميركتين وأثيوبيا وكينيا وأمثالها، وهذه بلاد كفر تجري فيها قوانين الكفر على المسلمين، ولا يمكن القطع بأن جميع المسلمين راضون بهذه القوانين، خاصة مع تعذر الهجرة إلى دار الإسلام في هذا الزمان، (وما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال)، إلا أن الظواهري ذهب إلى التكفير بالمحتملات وبلازم المذهب، فوضع مقدمات قانونية بنى عليها أحكام فقهية كفر بها جميع المسلمين هؤلاء، وقد ذكرت في البند العاشر بالوثيقة أنه لا يجوز التكفير بالمحتملات أو بلازم المذهب إلا بعد التبيّن، فمن أين له هذا؟
إن الله سبحانه قد قال ما يُبطل كلام الظواهري وأصحابه، وهو أنه قد يوجد مسلمون في دار الكفر ـ ولا تسمى دار كفر إلا بجريان أحكام الكفر عليها، انظر في هذا (شرح السير الكبير) ج5 - وهم مع ذلك مسلمون رغم إقامتهم بدار الكفر وجريان أحكامها عليهم: وذلك في قوله تعالى: ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ان تطؤهم فتصيبكم منهم معرة" (الفتح:25)،
ولكن الظواهري وشيخه لا يبالون بالمعرة ولا بالعار في ذلك، وقال تعالى: إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا" (النساء:98). وكل هؤلاء مسلمون بدار الكفر، ولكن هذا عند الله سبحانه، أما عند الظواهري فهم كفار لأن الجنسية ليست لمجرد التعريف والانتساب، بل هي دليل ولاء وانتماء وبالتالي فهي دليل إيمان أو كفر أو قريب من الكفر!!.
أنه لو افترضنا أن بلدًا أهله كلهم كفار، فليس كل كافر يجب أو يجوز قتله، وقد ذكرت في البند السابع من الوثيقة من لا يجوز قتله منهم والأدلة على ذلك، وقال محمد ابن الحسن الشيباني رحمه الله (ولا ينبغي أن يُقتل النساء من أهل الحرب ولا الصبيان ولا المجانين ولا الشيخ الفاني، لقوله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم" (البقرة:190)، وهؤلاء لا يقاتلون)
من (السير الكبير). وهناك أصناف أخرى لا يجوز قتلها بنص الحديث كالعسيف وهو الأجير، يدخل في ذلك العمال والفلاحون والموظفون مع النساء والأطفال وهؤلاء هم أغلب سكان هذه البلاد، فكيف يجوز قتلهم بالجملة مع النهي الصريح عنه؟
والركن السادس، بدعة جواز قتل من يدفع الضرائب للكفار، لأنه مقاتل بماله،
وقد اصطدم ابن لادن وأتباعه بالنصوص المانعة من قتل الأصناف المذكورة أعلاه، وهم - كما ذكرت - أغلب سكان بلاد الكفر، ولما كان لا بد لهم من قتلهم بالجملة فاحتالوا على النصوص المانعة من قتلهم بحيلة أن دفع الضرائب مُقاتَلة. وأن كل هؤلاء يدفعون ضرائب لحكوماتهم الكافرة، ولما كانت قوانينهم تحدد جهات صرف الضرائب ومنها ميزانية الجيش، فكل من يدفع الضرائب لدولة تحارب المسلمين فهو مقاتل بماله للمسلمين ويجوز قتله. هذا ما قرره الظواهري في كتابه (التبرئة). إن قول الظواهري هذا يقضي بإباحة دماء مئات الملايين من المسلمين وأموالهم كالمسلمين في الهند لأنهم يدفعون الضرائب لحكومتهم وهي تقاتل من المسلمين في كشمير، وكالمسلمين في روسيا لأنها تقاتل المسلمين في الشيشان، وكذلك المسلمين في أوروبا وأميركا وأمثالها. وهذا من أسس مذهبهم في القتل بالجملة، وفساده يغني عن إفساده،
وكما ترون فهذه ليست مجرد أخطاء فقهية بل تأسيس لمذهب إجرامي. ويكفي في إفساده قول عُمر بن الخطاب لجيوشه في غزوها لبلاد الفرس والروم: (اتقوا الله في الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب) رواه البيهقي في السنن الكبرى،
هذا مع كون الفلاحين كانوا من كبار دافعي الضرائب لحكام الفرس والروم إذ كانوا يدفعون للدولة خراج الأرض وجزية الرؤوس، ومع ذلك لم يقتلهم الصحابة في فتوحاتهم إذا كانوا لا يقاتلونهم. وهذا من أوضح الأدلة على أن مجرد دفع الضرائب للدولة الكافرة المحاربة للمسلمين ليس مقاتلة ولا يبيح قتل دافعها، وهذا يبطل مذهب ابن لادن والظواهري في التوسع في القتل بهذه الحجة الباطلة.
فعُمر بن الخطاب يقول لا تقتلوهم وابن لادن والظواهري يقولان اقتلوهم.
ومن أركان فكرهم ضمن إزالة الموانع الشرعية المانعة من القتل بالجملة، مسألة (قتل الترس الكافر، وبها يجوز قتل المدنيين في بلاد الكفر)،
ومسألة (قتل الترس المسلم، وبها يجوز قتل المسلمين المخالطين للكفار في أي مكان)، وقد أطلقت القاعدة جواز قتل الترس كافرًا كان أو مسلمًا (وهم من لا يجوز قتلهم المخالطون لمن يجوز قتله من الكفار)، وصرح بذلك ابن لادن بعد تفجيرات نيروبي ودار السلام في 1998م، وكرره الظواهري في كتابه (التبرئة). وقد شرحت مسألة التترس في البند الثامن من (الوثيقة)، وقد أساءوا الاحتجاج بها من أجل الإسراف في سفك الدماء.
وأما الركن التاسع، بدعة (إطلاق مبدأ المعاملة بالمثل بلا قيود من أجل التوسع في القتل)، وهذا من أركان مذهب (القاعدة) في القتل بالجملة، والمقصود أساسًا قتل الأميركان، وقد ذكرت في هذا الفصل أركان مذهبهم، وكيف أنهم: جعلوا محاربة أميركا أهم قضايا الأمة الإسلامية لأنها سبب مصائبهم. ثم حصل ابن لادن على فتاوى وتوقيعات من مشايخ باكستان وأفغانستان بذلك، ثم احتالوا على شروط الجهاد وموانعه بأن هذه حرب دفاعية ولو عبر المحيط. ثم احتالوا على إذن أميرهم (الملا محمد عُمر) ببدعة (محلية الإمارة). ثم ضربوا بالكتاب والسنة عرض الحائط وقرروا أن قتال العدو البعيد هو المقدم. ثم قرروا قتل أي أميركي لأنه راضٍ بأفعال حكومته (التكفير والقتل بالجنسية). وحتى لو لم يجز قتله بالجنسية سيقتلونه لأنه يدفع الضرائب وهذا قتال. وحتى لو لم يجز قتله بالجنسية والضرائب سيقتلونه بالتترس وإن كان مسلمًا. وحتى وإن لم يجز قتله بكل ما سبق سيقتلونه من باب المعاملة بالمثل.
إن النبي ( يقول: (من استطاع أن لا يُحال بينه وبين الجنة بملء كفه من دمٍ أهراقه فليفعل) رواه البخاري، وهذا يوجب الاحتياط ولو في إراقة ملء كف من دمٍ بغير حق. أما ابن لادن والظواهري فيتوسعون في سفك الدماء بشتى الحيل والتبريرات المضادة للشريعة.
وقال عبد الله بن عُمر (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لها لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حِلّه) رواه البخاري، هذا كلام الصحابة أما ابن لادن والظواهري فيدفعون شباب المسلمين دفعًا في هذه الورطات، وبالجملة.
أما استدلالهم بمبدأ المعاملة بالمثل على جواز قتل الكفار المحاربين بدون تمييز بين المدنيين والعسكريين، كما ذكر الظواهري في كتابه، فالرد على ذلك وبيان فساده:
هو أنهم ينظرون إلى أدلة الشريعة نظر الأعور، فإن قاعدة (المعاملة بالمثل) لها تكملة ذكرتها وكررتها في (الوثيقة) وهي (المعاملة بالمثل إلا فيما لا يجوز شرعًا) ومما لا يجوز شرعًا قتل الكفار بلا تمييز،
وأصل الفساد في استدلالهم: جهلهم بأصول الترجيح بين الأدلة الشرعية، فاستدلوا بالنصوص العامة وأهملوا النصوص الخاصة في نفس المسألة، فمن العام مما استدلوا به قوله تعالى: فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" (البقرة:194)،
أما الخاص الذي أهملوه ولم يذكره فهو حديث (نهى رسول الله ( عن قتل النساء والصبيان) متفق عليه، والنهي عن قتل الأُجراء (العسيف) والفلاحين والرهبان وغيرهم، والخاص مقدم على العام وحاكم عليه حسب قواعد الترجيح كما قال ابن تيمية رحمه الله: (إذا تعارض العام والخاص ولم يُعلم التاريخ فلم يقل أحد من العلماء إنه ينسخه، بل إما أن يُقال الخاص هو المقدم كما هو المشهور في مذهب مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه، وإما أن يتوقف، بل لو عُلم أن العام بعد الخاص لكان الخاص مقدمًا) من (مجموع الفتاوى) 21/262.
والخاص هنا هو النهي عن قتل من لا يجوز قتله من الكفار، وهذا مقدم على العام وهو رد العدوان بالمثل،
فلو قتل الكفار نساء المسلمين وأطفالهم لا يحل للمسلمين قتل نسائهم وأطفالهم، ولهذا فإن الآية التي استدلوا بها لم يذكروها كاملة ولو أكملوها لكان في بقيتها الرد عليهم، فقد قال تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا ان الله مع المتقين" (البقرة:194)،
فأتبع الله المعاملة بالمثل بما يقيدها وهو تقوى الله ومن تقواه ترك ما لا يحل، ولهذا كانت القاعدة هي
(المعاملة بالمثل إلا فيما لا يجوز شرعًا). وبمثل هذا قال الشافعي رحمه الله (وقد يُغاظون ـ أي الكفار في الحرب ـ بما يحل فنفعله، وبما لا يحل فنتركه، فإن قال قائل: ومثل ما يُغاظون به فنتركه؟، قلنا: قتل نسائهم وأولادهم، فهو لو أدركونا وهم في أيدينا لم نقتلهم، وكذلك لو كان إلى جنبنا رهبان يغيظهم قتلهم لم نقتلهم) من كتاب (الأم)،
فتحريم قتل هؤلاء من النهي الخاص المقدم على عموم المعاملة بالمثل. وقال محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله (وبغدرهم لا يُباح لنا أن نغدر بهم، بمنزلة ما لو قتلوا رهننا فإنه لا يحل لنا أن نقتل رهنهم) (السير الكبير).
فانظروا يا معشر المسلمين: ابن لادن والظواهري يحتجون بالكلام الموافق لهواهم ولو كان بخلاف الدليل الشرعي. وترك ابن لادن والظواهري الكتاب والسنة وكلام الأئمة الشافعي والشيباني لأنه بخلاف هواهم، فأصبح الترجيح لديهم بالهوى الذي جعلوه حاكمًا على الشرع. فما ليس له قيود في الشرع، قيدوه بهواهم، كبدعة (محلية الإمارة). وماله قيود في الشرع، حذفوا قيوده بهواهم، فأطلقوا (المعاملة بالمثل) .
الحلقة الخامسة
منظر الجهاديين: أتباع بن لادن الذين كانوا على علم بمخطط أحداث سبتمبر هم خالد شيخ وأبو حفص المصري وشخص ثالث ليس هو الظواهري
يتطرق الدكتور فضل لأركان أخرى من فكر القاعدة ويقول إن أزمة أسامة بن لادن قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، أنه لم يتمكن من قتل أكبر عدد من الأميركان، وأدرك أن هذا الهدف لن يتحقق إلا بالعمليات القتالية داخل أميركا.
ويمضي الدكتور فضل مستكملاً حديثه في نقد فكر تنظيم القاعدة: "الركن العاشر من أركان مذهبهم الفاسد، وهو قولهم
(إن تأشيرة دخول المسلم بلاد الكفار ليست عقد أمان).
ولم يكن أحد من أتباع ابن لادن في أفغانستان على علم بتفاصيل ما سيقع قبل 11/9 إلا خالد شيخ وأبو حفص المصري وشخص ثالث ـ ليس هو الظواهري ـ تم إخباره قبلها بأربع وعشرين ساعة فقط، إلا أن بقية أتباع ابن لادن كانوا على علمٍ بعملية كبرى ضد أميركا منذ يونيو 2001 بدون معرفة مكانها أو تفاصيلها، واعترضت لجنته الشرعية على بعض المخالفات الفقهية كوجوب استئذان أميرهم الملا محمد عُمر ومسألة التترس، إلا أنهم لم يناقشوا (مسألة الغدر بالعدو ـ أميركا ـ بعد دخول داره بالتأشيرة) لأنهم لم يعلموا أن العملية ستكون كذلك.
بعد وقوع تفجيرات 11/9، وتبيّن أن المنفذين دخلوا أميركا بتأشيرة، نبه البعض على أن التأشيرة عقد أمان وأن هذه العمليات نقض له فهي غدر بالعدو، وقام آخرون في محاولة لنفي تهمة الغدر ونقض العهود عن ابن لادن وأتباعه فقالوا إن التأشيرة ليست عقد أمان، وكان الظواهري ممن تجرأ على هذا القول في صفحة 97 وما بعدها من كتابه (التبرئة)، واعتمد في قوله ذلك على القواميس والقوانين الأجنبية فخالف بذلك فقهاء المسلمين وهذا مثال آخر لفقه التبرير الذي تفاقم شرّه في هذا الزمان، ارتكاب الحماقة بل الكبائر والفسق والنفاق ثم تبريرها والتملص منها.
وعند الحكم على الأمور المستـــحدثة كالتأشــــيرة والديمقراطيــة والاشتراكيـــة وغيرها فإننا لا نبني الحكم على تعريفها في قوانين أهلها الأجانب بل لا بد بعد ذلك من التوصيف الفقهي لهذا التعريف لمعرفة حقيقتها الشرعية، وهو ما يعرف في القياس (بتخريج المناط) أي استخراج الوصف المتعلق به الحكم الشرعي في الشيء المسؤول عنه، ثم نطرح عنه الأوصاف غير المناسبة لتعليل الحكم، وهذا هو (تنقيح المناط)، فإذا وجدنا أن المناط المخرّج المنقّح (وهو علة الحكم) موجود في أمر (أصل) معلوم حكمه لنا، فإن الفرع (المسؤول عنه) يأخذ نفس حكم الأصل وهذه هي المرحلة الثالثة والأخيرة في القياس وهي (تحقيق المناط). وقد حاولت تبسيط الأمر هنا للقارئ غير المتخصص.
وبعيداً عن تعريف التأشيرة في القاموس والقانون فإن حقيقتها الشرعية أنها (إذن دخول للبلد مقرون باحترام الدم والمال)وهذا هو الوصف (المناط) الذي يُبنى عليه حكمها وهو نفس حقيقة عقد الأمان، فهي عقد أمان ولا شك، وإن لم ينصوا على ذلك صراحة في قوانينهم أو في خاتم التأشيرة على جواز السفر،
وفي بيان ذلك قال ابن قدامة رحمه الله (مسألة «من دخل إلى أرض العدو بأمان لم يخنهم في مالهم ولم يعاملهم بالربا» ـ وذكر عموم أدلة تحريم الربا ثم قال ـ وأما خيانتهم فمحرمة، لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطاً بتركه خيانتهم وأمنه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكوراً في اللفظ فهو معلوم في المعنى) من (المغني مع الشرح الكبير).
ومعنى قول ابن قدامة: أن الأمان المتبادل بين المسلم وبين العدو واجب عليه بدخوله أرضهم بإذنهم وإن لم يشترطوا عليه ذلك، وتأمل قول ابن قدامة في ذلك (وإن لم يكن ذلك مذكوراً في اللفظ فهو معلوم في المعنى)، لتعلم أن العبرة في الأحكام الشرعية بالمعاني والحقائق لا بمجرد الألفاظ كما يفعل الظواهري الذي يستقى معلوماته من (الموسوعة البريطانية) و(موسوعة إنكارتا) ثم يقول (وبهذا يتبين من تعريف التأشيرة، ومن معناها أنها لا تتضمن أية إشارة لأمان) صـ98 من كتابه (التبرئة)،
مع أن ما نقله فيه أن التأشيرة إذن بدخول البلد. والغريب أن الظواهري أخذ بقول الشيخ ناصر الفهد في (إطلاق المعاملة بالمثل) ولم يأخذ بقوله (إن التأشيرة أمان) فهو يختار من الأقوال ما يحلو له بغير حجة شرعية لتأليف مذهبهم الإجرامي. وسيأتي في المسألة التالية كلام الفهد وما أفسده به.
وبمثل كلام ابن قدامة السابق قال الشافعي رحمه الله أيضاً (فإن أمّنوه أو بعضهم وأدخلوه في بلادهم بمعروف عندهم في أمانهم إياه، وهم قادرون عليه، فإنه يلزمه لهم أن يكونوا منه آمنين وإن لم يُقل ذلك ـ إلى قوله ـ فأمانهم إياه أمان لهم منه، فليس له أن يغتالهم ولا يخونهم) (الأم)، فتأمل قول ابن قدامة (وإن لم يكن ذلك مذكوراً في اللفظ) وقول الشافعي (وإن لم يُقل ذلك)، وقارن ذلك بقول الظواهري إن اللفظ المذكور في الموسوعة لا ينص على أن التأشيرة أمان، لتعرف مبلغ الرجل من العلم وكيف حَمَله جهله بالشريعة على معارضة أحكامها المستقرة لتبرير غدر شيخه ابن لادن رغم عدم ثقته به حتى أنه لم يخبره بعمليات الغدر (11/9) قبل وقوعها. بقى أن تعلم أن الشافعي كرر كلامه السابق ثم أعقبه بقوله. (ولا نعرف شيئًا يُروى خلاف هذا) (الأم).
لقد بلغ الاحتراز من الغدر بالعدو بفقهاء المسلمين مبلغاً حتى قالوا إن من دخل بلادهم بخديعة انطلت عليهم وصدقوه يجب عليه ألا يخونهم، فقال الإمام السرخسي (لأنه لا طريق لهم ـ أي العدو ـ إلى الوقوف على ما في باطن الداخلين ـ المسلمين ـ حقيقة، وإنما يُبنى الحكم على ما يُظهرون لوجوب التحرز عن الغدر، وهذا لما بيّنا أن أمر الأمان شديد والقليل منه يكفي) (السير الكبير وشرحه).
فالسرخسي رحمه الله يقول (الأمان شديد والقليل منه يكفي) والظواهري يقول إنهم لم يكتبوا ذلك في الموسوعة الأجنبية، مع العلم بأن الموسوعة التي نقل عنها تنص على أن (التأشيرة تأذن للمسافر أن يبقى في بلدٍ مدة معينة) هذا ترجمة النص الإنجليزي الذي ذكره برقم 136 في هامش صفحة 98 من كتابه (التبرئة) أي أن التأشيرة إذن بدخول البلد وهذا أمان عند الفقهاء
كما قال الشيباني (ولو أن رهطاً من المسلمين أتوا أول مسالح أهل الحرب فقالوا: نحن رسل الخليفة، وأخرجوا كتاباً يشبه كتاب الخليفة أو لم يخرجوا، وكان ذلك خديعة منهم للمشركين، فقالوا لهم ادخلوا، فدخلوا دار الحرب، فليس يحل لهم قتل أحد من أهل الحرب ولا أخذ شيء من أموالهم ماداموا في دارهم) (السير الكبير)،
فجعل الشيباني مجرد قول أهل الحرب للمسلمين (ادخلوا) ـ أي إذن بالدخول ـ جعل هذا عقد أمان، وكذلك جعل ابن عبد البر مجرد الإذن أمانًا فقال (كل ما اعتبره الحربي أماناً من كلام أو إشارة أو إذن فهو أمان يجب على جميع المسلمين الوفاء به) (الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار).
وقد سبق قول ابن قدامة والشافعي أن أهل الحرب إذا أدخلوا المسلم بلدهم وهو في أمن منهم فيجب أن يؤمنهم ولا يخونهم وإن لم يشترطوا ذلك عليه قولاً أو كتابة. فتأمل قول علماء المسلمين رغم اختلاف بلدانهم وأزمانهم، وتأمل تفلت الظواهري من أحكام الشريعة وهو يزعم أنه يدعو إلى تطبيق أحكام الشريعة، وتأمل كيف ألجأه فقه تبرير عمليات الخيانة والغدر في 11/9 وأخواتها إلى أن يضرب عرض الحائط بأقوال فقهاء المسلمين ويلوذ بقوانين الكفار وقواميسهم.
والشيباني من أهل العراق وهو تلميذ أبي حنيفة وأبي يوسف ومالك وهو مدوِّن مذهب الأحناف وتوفي 189هـ، والشافعي إمام المذهب توفي بمصر في 204هـ، وأبو عُمر بن عبد البر من أئمة المذهب المالكي فقيه أندلسي توفي 478هـ، وموفق الدين بن قدامة من كبار أئمة الحنابلة ومن أهل الشام وهو مؤلف الموسوعة الفقهية (المغني) توفي 620هـ رحمة الله عليهم أجمعين، اختلفت مذاهبهم وبلدانهم وأزمانهم وقولهم واحد . يترك الظواهري فقهاء المسلمين ويفتى بالموسوعة البريطانية، وهذا مثال لمن ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (اتخذ الناس رؤوساً جُهالاً فسُئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) الحديث متفق عليه.
وقد سبق هذا كله مع الرد على بقية شبهاتهم في البند الثامن (بالوثيقة)، وهناك ذكرت الأدلة على أن الغدر ـ ولو مع الكفار ـ كبيرة وفسق ونفاق، وانظروا كيف ألجأ فقه التبرير الظواهري إلى أن أكلمهم عن الشافعي والسرخسي وابن قدامة فيكلمني عن الموسوعة البريطانية. ولما أعيته الحيلة قال إنها مسألة اجتهادية (كتابة التبرئة صـ97) أي أنه يجوز لهم الأخذ بأي قول فيها، وقد كذب فهي ليست اجتهادية فقد قال الشافعي منذ أكثر من ألف ومائتي سنة (ولا نعرف شيئًا يُروى خلاف هذا) (الأم) 4/88، هذا فضلاً عن أنهم ليسوا من أهل الاجتهاد في الدين، بل أهل كذب وغدر.
أما فيما يتعلق بالركن الحادي عشر من أركان مذهب ( القتل بالجملة) الذي أسسه تنظيم القاعدة فهو بدعة
(حتى ولو كانت التأشيرة أماناً فيجوز نقضه).
يا معشر المسلمين جرائم أميركا في حق المسلمين وغيرهم لا يختلف عليها اثنان من العقلاء، ولكن لا ينبغي أن تتخذ هذه الجرائم مظلة لتمرير تحريف الدين تحتها. حتى إذا جاء من ينكر تحريف الدين قالوا إنه يخدم المصالح الأمريكية واليهودية، وسوف أذكر فيما بعد إن شاء الله أمثلة من التاريخ لذلك. والجهاد حق ولكنه إذا تفلت من الضوابط الشرعية يصير حرباً لا أخلاقية.
ولما كان القول بأن التأشيرة ليست أماناً لم يقل به أحد إلا الظواهري وهو ليس من أهل العلم بل خالف في ذلك قول جماهير علماء السلف، أراد الظواهري أن يتدارك أمره، فقال: حتى ولو كانت التأشيرة أماناً يجوز نقضه، واستقوى بشيخهم ناصر الفهد الذي ذكرت له من قبل قبيحة (إطلاق المعاملة بالمثل المؤدية لقتل عشرة ملايين أمريكي في ضربة واحدة بمن فيهم من المسلمين والنساء والأطفال والشيوخ والعمال...)،
فأتى ناصر الفهد هنا بقبائح أخرى خالف فيها الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، فبعد إقراره بأن التأشيرة أمان قال إنه يجوز نقضها لسببين: الأول من باب الحيلة، والثاني لأن أميركا هي التي نقضت عهودها مع المسلمين. وهذا الكلام باطل من ثلاثة وجوه،
الوجه الأول: أنه بنى حكمه على خطأ حتى وإن نسبه لابن تيمية فهو خطأ، وقد ردّ الصحابة أقوال عُمر بن الخطاب وعثمان بن عفان المخالفة للسنة كما ذكره ابن عبد البر في (جامع بيان العلم). أما الخطأ هنا فهو قوله إن الصحابة أمّنوا كعباً ثم قتلوه وكان أمانهم له حيلة لقتله ومنه أجاز ما فعله منفذو 11/9. وهذا فاسد مبني على فاسد.
والقصة هي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة عقد معاهدة مع يهود المدينة ـ ومنهم كعب بن الأشرف ـ على المسالمة، ثم بعد غزوة بدر أخذ كعب يحرض على المسلمين ويتغزل في نسائهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن لكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى الله ورسوله) فقال محمد بن مسلمة (يا رسول الله أتحب أن أقتله؟) قال (نعم) قال ابن مسلمة (فأذن لي أن أقول شيئاً) قال (قل)، فأتاه ابن مسلمة فقال (إن هذا الرجل قد سألنا صَدَقة، وإنه قد عنّانا، وإني قد أتيتك استسلفك) قال كعب (وأيضاً والله لتملنّه) الحديث رواه البخاري، ومعنى (عنّانا) أي (أرهقنا بما يطلبه من الصدقة) وهذا هو الكلام الذي استأذن ابن مسلمة فيه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه في حقه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتله لأنه نقض عهده معه بما فعله، وليس في كلام ابن مسلمة ولا فعله مع كعب لا أمان ولا شبهة تأمين له، بل إن كلام ابن مسلمة نفسه صريح في ذلك، وهو الكلام الذي لم يورده لا الفهد ولا الظواهري مع أنه موجود في نفس الكتاب الذي نقلا منه القصة وهو (الصارم المسلول) لابن تيمية، ولا يحضرني هذا الكتاب الآن ولكني أتذكر ما فيه، (وهو أنه في خلافة معاوية ابن أبي سفيان كان عنده محمد بن مسلمة ورجل آخر، فقال الرجل «ما قُتل كعب بن الأشرف إلا غدراً»، فقال ابن مسلمة لمعاوية: «يُقال هذا أمامك وتسكت، والله لا يجمعني معك سقف بيت إلا سقف المسجد، ولئِن خَلَوْت بهذا لأقتلنّه».
لأن هذا الرجل نسب إجازة الغدر للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا تنقص وسبّ له، وكون ابن مسلمة وهو صاحب القصة قد غضب لهذا فيُعلم من هذا أن القصة كلها لم يكن فيها غدر: لا في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ولا في كلام ابن مسلمة أو فعله مع كعب. ورضى الله عن الصحابة أجمعين، وبهذا تعلم أن كلام الفهد (إن الصحابة أمّنوا كعباً ثم قتلوه) هو كلام باطل، و(المبني على الفاسد فاسد). وتأمل كيف ألجأهم فقه التبرير إلى أن نسبوا الغدر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
أما الوجه الثاني: أنه لا يجوز أن يتخذ نقض الأمان حيلة أو خدعة لقتل الكافر كما أراد أن يؤسس لهذا الظواهري مستقوياً بالفهد بخلاف ما قرره علماء المسلمين، ففي شرح حديث (الحرب خدعة) متفق عليه، قال ابن حجر (قال النووي: اتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز) من (فتح الباري)، وهذا كلام واضح صريح مفصّل لا يحتاج إلى شرح.
والوجه الثالث: أنهم لجأوا إلى التلبيس فأرادوا أن يستدلوا بمسألة على أخرى، فمسألة كعب بن الأشرف هي (حكم الكافر المستأمن في دار الإسلام) أما مسألتنا مثل منفذي 11/9 فهي (حكم المسلم المستأمن في دار الكفر)، وبينهما فروق مذكورة في كتب الفقه، فتأمل تلبيسهم وتخليطهم، بل تأمل جهلهم.
أما السبب الثاني الذي أجاز به ناصر الفهد نقض أمان التأشيرة. فملخصه أنه حتى لو كان الأميركان معاهدين لنا فقد نقضوا هم العهد بعدوانهم على المسلمين وبذلك يحل لمن كان معاهداً لهم (ومنه أمان التأشيرة) أن يقتلهم وخلص من ذلك إلى أن ما فعله منفذو 11/9 صحيح. وهذا كلامه مختصراً:
في صفحة 150 من كتاب (التبرئة) قال الفهد (إن مدار شبهة من حّرم قتالهم وقتلهم في غير البلاد التي يقاتلون فيها على أمرين: الأمر الأول: شبهة العهد فيقول إنهم معاهدون ومن قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة كما ثبت في الحديث.
والأمر الثاني: شبهة المصالح والمفاسد فيقول إن قتالهم يجر على الأمة من البلاء مالا تطيقه. فيقال في الجواب: أما العهد، فلا والله، ليس بيننا وبينهم عهد، بل هم حربيون أينما حلوا وأقاموا، ولو تعلقوا بأستار الكعبة، فليس العهد الذي قامت به الحكومات مع هؤلاء الصليبيين شرعياً بل هو بناء على مواثيق الأمم المتحدة الطاغوتية... وحتى لو كان العهد شرعياً فإن نواقض هذا العهد لا تعد بالعشرات بل بالمئات فمن قتالهم لنا في الدين وإعلانهم الحملة الصليبية إلى إخراجهم المسلمين من ديارهم... وإذا كان العهد الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش نقضه لما أعانت قريش بكراً على خزاعة سِراً ولمرة واحدة، فكيف بأفاعيل أميركا التي لا تعد ولا تحصى في هذا الزمن).
وفي صفحة 110 من كتاب (التبرئة) قال ناصر الفهد رداً على سؤال
(هل تعتبر تأشيرة «الفيزا» عقد أمان؟
وإذا كانت كذلك فهل يُعتبر المجاهدون الذين فجروا برجي مركز التجارة الأمريكي ناقضين لذلك العقد؟)
فأجاب الفهد (الصحيح أن التأشيرة تعتبر كعقد الأمان عرفاً ولا بد من الوفاء بهذا العقد، فمن دخل بلاد الكفار ولو كانوا حربيين عن طريق التأشيرة فقد أمنهم، فلا يجوز له بعد ذلك الغدر، سواء في أنفسهم أو أموالهم، ومن فعل ذلك فإنه يدخل تحت الوعيد الشديد. وأما عمليات 11 سبتمبر فهي صحيحة بناء على أن الأميركان رؤوس الكفر في هذا الزمان وممن آذى الله ورسوله أعظم الأذى، فهم شعب كامل يكمل بعضه بعضاً، لأنه لا وزن للرئيس ولا للبنتاجون ولا للجيش بدون الشعب...
فإذا علمت هذا تبين لك أنهم كشخصية اعتبارية أشبهت من هذا الوجه كعب بن الأشرف الذي حث الرسول صلى الله عليه وسلم على قتله، واحتال عليه محمد ابن مسلمة وأظهر له الأمان ثم قتله لأنه آذى الله ورسوله... وهذا هو حال الأميركان في هذا الزمن). هذا كلامه الذي احتج به الظواهري.
إلا أن كلام الفهد هذا فيه تخليط وجهل شديد ومعارضة للنصوص الصريحة.
الحلقة السادسة
منظر الجهاديين: التأشيرة «عقد أمان» ومن دخل بلاد الكفار بها تحرم عليه خيانتهم
يواصل الدكتور فضل حديثه قائلا: كلام الفهد هذا فيه تخليط وجهل شديد ومعارضة للنصوص الصريحة. أما تخليطه فهو قد خلط بين أمان الدول للدول وبين أمان الدول للأفراد، وأما قوله إن الصحابة أمّنوا كعبًا ثم قتلوه، فكلام فاسد، ردّ عليه محمد بن مسلمة نفسه في قصته مع معاوية. وأما جهله ومعارضته للنص الصريح الذي لم يذكره: فإن أميركا مهما بلغ من عدوانها على المسلمين فليست في الإجرام بمنزلة من قاتل النبي (صلى الله عليه وسلم) نفسه، فلا شك في أن من قاتل النبي (صلى الله عليه وسلم) أشد إجرامًا ممن قاتل غيره من المسلمين.
وكل كافر يأتي بعد قريش في هذه الدنيا وإلى يوم القيامة فما هو إلا مجرد تابع لها مهما بلغ كفره وعدوانه، وهذا بنص حديث النبي (صلى الله عليه وسلم): (الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم) رواه البخاري.
فأميركا وكل كافر ما هم إلا تابع لقريش التي أخرجت النبي (صلى الله عليه وسلم) من داره وبلده وسبّته بأقبح الشتائم والأشعار، ومع ذلك لما عاهدهم حذيفة بن اليمان على ألا يقاتلهم في بدر، أمره النبي (صلى الله عليه وسلم) بالوفاء بالعهد رغم خروجهم لقتال النبي نفسه.
قال حذيفة (ما منعني أن اشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبي حُسيل، فأخذنا كفار قريش قالوا: إنكم تريدون محمدًا؟ فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منها عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبرناه الخبر فقال «انصرفا، نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم») رواه مسلم.
وهذا نص في محل النزاع يرفع الخلاف، فبالرغم من خروجهم لقتال النبي نفسه، أمر حذيفة بالوفاء بعهده معهم، لأن عهد المسلم مع الكفار (ومنه أمان التأشيرة) هو عقد شخصي بينه وبينهم لا ينقضه عدوان الكفار على غيره من المسلمين، بدليل حديث حذيفة، وبدليل قول الله تعالى: «وإنِ استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق»، (الأنفال:72).
ولهذا قال الشافعي رحمه الله (فصل في المستأمن في دار الحرب: إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم، وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم، وإن أَسَر العدو أطفال المسلمين ونساءهم لم أكن أحب لهم الغدر بالعدو، ولكن أحب لهم لو سألوهم أن يردوا إليهم الأمان وينبذوا إليهم، فإذا فعلوا ذلك قاتلوهم عن أطفال المسلمين ونسائهم) (الأم).
ترك ناصر الفهد كل هذا واحتال في التماس الأعذار لمنفذي 11/9، فألجأه ذلك إلى اتهام الصحابة بل النبي (صلى الله عليه وسلم) بالغدر في حادثة كعب بن الأشرف، وفاعل ذلك حكمه معروف لأهل الإسلام، وتلك عقوبة من أعرض عن نصوص الشريعة الصريحة واحتال عليها من أجل فقه التبرير الذي ذكرته بالبند الثاني من الوثيقة.
وصف الله سبحانه الكفار بأنهم أهل الغدر والعدوان في قوله تعالى: «لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون»، (التوبة:10)، ومع ذلك أمرنا سبحانه أن نفي لهم إذا عاهدناهم فقال تعالى: «وأوفوا بعد الله إذا عاهدتم» (النحل:91)، وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود» (المائدة:1)، لأن الكفار يفعلون ذلك للدنيا، أما المسلمون فيوفون تعبدًا لله وطاعة له.
ولم يكتف ناصر الفهد في التماس العذر لمنفذي 11/9 في نقض التأشيرة، بل التمس لهم العذر أيضًا في كلامه السابق لتبرير قتلهم الأميركان بالجملة في برجي مركز التجارة العالمي، فاخترع لهم قبيحة من قبائحه وهي بدعة (الشخصية الاعتبارية) التي جعلت ثلاثمائة مليون أميركي يساوون فردًا واحدًا مثل كعب بن الأشرف، وبما أن قادتهم يعادون المسلمين، وبما أنه لا وزن لقادتهم إلا بالشعب فيجوز قتله، فأباح لهم الفهد بذلك قتل المدنيين (غير المقاتلة) بمن فيهم مسلمو أميركا، وهذه مثل القتل بالجنسية والضرائب وهي بدعة باطلة لأسباب: لم يجعلهم بمرتبة واحدة بل قال تعالى: «ليسوا سواء» (آل عمران:113)،
ومنها أن الله سبحانه قد ذم أهل الكتابين لإنكار كل منهما ما لدى الأخرى من الحق والفضل
في قوله تعالى: وقالت اليهود ليست النصارى»، (البقرة:113)، ولم يجعل النبي كفار قريش بمرتبة واحدة، بل مدح بعضهم كالمطعم بن عدي وعبد الله بن جدعان وابي العاص بن الربيع، ونهى عن قتل بعضهم رغم خروجهم لقتاله في بدر كعمه العباس وأبي البختري بن هشام، ومنها أن قادة الفرس والروم لم يكن لهم وزن إلا بمدد شعوبهم ومع ذلك لما قاتلهم الصحابة لم يطبقوا عليهم نظرية (الشخصية الاعتبارية) التي اخترعها الفهد للتبرير، ولم يجعلوهم كرجل واحد بل قتلوا من انتصب لحربهم فقط، وقد سبق هذا بأدلته، كنهي عُمر (رضى الله عنه) عن قتل الفلاحين، ومنها أنه بالرغم من كل من قتلهم فرعون من أبناء بني إسرائيل، وبالرغم من طاعة قومه له كما قال تعالى: «فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين»، (الزخرف:54)، ومع ذلك أخطأ موسى (عليه السلام) بقتل رجل واحد منهم، وذكرت ذلك من قبل، فلم يجعلهم الله كيانًا واحدًا ولا شخصية اعتبارية بل فرّق بينهم،
ومنها أن الروم (وهم اليوم أهل أوروبا وأميركا) لهم فضائل أقرّ بها الصحابة ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن المستورد القرشي قال، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (تقوم الساعة والروم أكثر الناس)
فقال عمرو بن العاص (لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّةً بعد فرّةٍ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك) رواه مسلم،
ولأجل هذه الخصال الحسنة يفر إليهم كثير من المسلمين، خاصة في هذا الزمان إما فرارًا بالدين وإما طلبًا للدنيا، ويجدون لديهم من الحرية وسعة العيش ما لا يجدونه في بلادهم. وما شهد به عمرو بن العاص لهم (وأمنعهم من ظلم الملوك) مازال قائمًا إلى اليوم، ومنذ احتلال العراق في 2003 عزلت بعض هذه الشعوب رؤساء الوزارة لديها اعتراضًا على التحالف مع أميركا فعزل الأسبان أزنار، وعزل الأستراليون جون هوارد، ومازالت المظاهرات الاحتجاجية تجوب بلاد أميركا وحلفائها، فهم ليسوا شخصية اعتبارية واحدة، ووقد قام أكبر القساوسة في بريطانيا بموقف لصالح المسلمين، وقد قال الله تعالى: ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، أعدلوا هو أقرب للتقوى»، (المائدة:8)،
كما تم عزل توني بلير رئيس وزراء بريطانيا وقت احتلال أفغانستان والعراق.
بمثل هذا الفهم المنحرف (نظرية الشخصية الاعتبارية) يؤسس ناصر الفهد لمذهب القتل بالجملة، ويترك الظواهري كلام الله وكلام النبي (صلى الله عليه وسلم)، ثم يترك كلام الشافعي والشيباني وعلماء السلف، ويحتج بالكلام الفاسد للفهد، وبمثل هذا يتم تحريف الدين وتبديله، ويتم تبرير سفك الدماء بالجملة،
وقد قال الإمام مالك رحمه الله (أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وسلم) لقوله، فهل نترك حديث حذيفة بن اليمان لبدعة ناصر الفهد؟ وأما سبّ النبي فلا ينقض العهد مع الكفار الحربيين لأن هذا جزء من دينهم (ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى)، ولهذا أمضى لهم النبي صلح الحديبية رغم سبّهم له وعدم اعترافهم به وطلبوا محو صفة الرسالة عنه في صيغة العقد، ورغم سبّ عروة بن مسعود للصحابة ووصفهم بالأوباش أمام النبي (صلى الله عليه وسلم). أما الذي ينتقض عهده بسب النبي فهو الذمي المقيم في دار الإسلام لالتزامه جريان أحكام الإسلام عليه بموجب عقد الذمة، كما ذكره ابن قدامة في نواقض عقد الذمة بآخر كتاب الجهاد في (المغني مع الشرح الكبير)، وفيه ذكر ابن قدامة أن من نواقض عقد الذمة (ذكر الله تعالى أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء). فتأمل تلبيسهم وخلطهم المسائل الفقهية بعضها ببعض من أجل تبرير التوسع في سفك الدماء، وقد ذكرت من قبل أن هذا الشيخ الجاهل ناصر الفهد، يجب منعه من الفتوى لإفتائه بخلاف الأصول، كما ذكره ابن القيم في (إعلام الموقعين)، ويجب عليه ضمان ما أتلف بسبب فتاويه كما ذكره ابن القيم في (إعلام الموقعين).
والخلاصة: أن من دخل بلاد الكفار بالتأشيرة تحرم عليه خيانتهم ولو اعتدوا على غيره من المسلمين، لأن التأشيرة عهد شخصي بينه وبين الكفار كما في حديث حذيفة.
أما الركن الثاني عشر في فكر تنظيم القاعدة، وهو قولهم
(إن تأشيرة دخول السياح بلاد المسلمين ليست أمانًا لهم من القتل والخطف)،
وقد ذكره الظواهري في صفحات كتابه (التبرئة)، ورددت على ذلك بما يشفي في البند السابع (بالوثيقة)،
ويكفي من كل ما ذكرته هناك قول أبي عُمر ابن عبد البر (كل ما اعتبره الحربي أمانًا من كلام أو إشارة أو إذن فهو أمان يجب على جميع المسلمين الوفاء به) من كتابه (الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار)، فمن دخل بلادنا بإذن من أي جهة فهو آمن، وكل من دخل منهم بلادنا بأمان غير صحيح فليس حكمه القتل والخطف، وإنما حكمه كما قال الشافعي رحمه الله (فعلينا ردّهم إلى مأمنهم ولا نعرض لهم في مالٍ أو نفسٍ، من قِبَل أنهم ليسوا يفرقون بين مَن في عسكرنا ممن يجوز أمانه ولا يجوز) من (الأم)، وهذا كما قال الله تعالى: «ثم أبلغه مأمنه»، (التوبة:6)، أي إلى حيث المكان الذي يأمن فيه على نفسه.
هذا كلام الله سبحانه، وهذا كلام علماء المسلمين، أما الظواهري وأصحابه فيقولون اقتلوا السياح واخطفوهم فليس لهم أمان مع أن الظواهري نفسه سافر إلى عدد من بلاد أوروبا وإلى أميركا وغيرها وقضى مصالحه فيها وخرج منها سالمًا لم يتعرض له أحد بسوء لا بقتل ولا بخطف، وقد قال الله تعالى: «وفي أنفسكم أفلا تبصرون»، (الذاريات:21)».
لم يكتف الظواهري بتطبيق بدعة (الشخصية الاعتبارية) للفهد ليستحل بها نقض عهد الأمان للمسلم إذا دخل بلاد الكفر، بل استعمل نفس البدعة ليستحل بها قتل السياح في بلاد المسلمين بسبب عدوان حكوماتهم على المسلمين، فقال (وقد بيّنت أن الطائفة الممتنعة المعتدية كالشخص الواحد) صفحة 154 من كتابه (التبرئة).
هذا كلامه وهذا جهله وهو مصادم للكتاب والسنة، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يجعل الكفار المعتدين شخصًا واحدًا ـ رغم أنف ناصر الفهد والظواهري ـ بل فرّق بين المقاتل وغير المقاتل، وأجرى على المقاتل حكم طائفته (كما أجرى على عمه العباس حكم الكافر في الأسر والفداء يوم بدر)، في حين نهى النبي عن قتل غير المقاتل حتى والحرب قائمة، كما نهى عن قتل النساء والصبيان والعسيف (الأجير) ونحوهم فليسوا شخصًا واحدًا كما زعموا لتبرير القتل بالجملة بلا تمييز، بل بينهما فرق، أما الظواهري فيريد أن يستحل قتل أي فرد من الشعب إذا جيشه قاتل أي مسلمين، وبذلك يستحل قتل السياح من أي دولة معادية للمسلمين، وكلامه هذا يفضي إلى استحلال قتل الملايين من السياح والعمال الأجانب في بلادنا، لأنهم هم وحكوماتهم وجيوشهم (كالشخص الواحد) عند الظواهري والفهد ولكن الأمر ليس كذلك عند النبي (صلى الله عليه وسلم).
ان تعمد قتل المدنيين في العمارات والقطارات والأسواق بل والمساجد وغيرها هو نوع من الإقرار بالعجز عن مواجهة العسكريين من الأعداء، كما أنه إقرار بالعجز عن الوصول للأهداف العسكرية، وكلاهما إقرار بالجبن. وقد ألجأهم الجبن والعجز إلى قتل من وردت الشريعة بالنهي عن قتله وهم المدنيون غير المقاتلين من الأعداء بل ومن المسلمين أيضًا.
الله سبحانه أنزل قرآنًا يتعبد المسلمون بتلاوته إلى آخر الزمان بسبب التسرع في قتل رجل واحد مقاتل من الكفار، أمَر فيه سبحانه بالتبين مرتين، فقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا» ـ إلى قوله ـ «كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا»، (النساء:94)، وفي نفس هذه الحادثة اشتد إنكار النبي (صلى الله عليه وسلم) على أسامة بن زيد، هذا بعض ما ورد في الكتاب والسنة للزجر عن التسرع في القتل. أما الظواهري فيتفانى في تبرير الإسراف في القتل بالجملة، ويتفانى في تبرير قتل المدنيين الأبرياء غير المقاتلين، مرة بدعوى القتل بالجنسية، ومرة بسبب دفعهم الضرائب، ومرة بدعوى التترس، ومرة بدعوى إطلاق المعاملة بالمثل، ومرة بدعوى الشخصية الاعتبارية، وهذا إصرار من ابن لادن والظواهري وناصر الفهد على تبرير التوسع في القتل والإجرام، وشهية مفتوحة لسفك الدماء».
أما الركن الأخير وهو بدعة (لا يتكلم في هذه الأمور إلا شيوخ الجهاد)،
وهي بدعة قبيحة تنم عن جهل بالدين أرادوا بها المشاغبة على من ينتقدهم، وبدعتهم هذه مصادمة لقول الله تعالى: فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، (النحل:43). وصِفة المفتي معروفة في كتب العلم وكتب أصول الفقه وليس فيها شرطهم هذا،
وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط) متفق عليه. ولم يختلف العلماء في أن فتوى الأعمى والأعرج والمريض والمرأة مقبولة إن كانوا من أهل الفتوى ـ وكذلك كان بعض المفتين من الصحابة ـ مع أن هؤلاء ليسوا من أهل الجهاد ولا من شيوخه، فهل لا تقبل فتاواهم على مذهب ابن لادن؟
أئمة المذاهب الفقهية الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وأئمة الحديث كالبخاري ومسلم، لم يكونوا من شيوخ الجهاد والرباط فهل لا يقبلون كلامهم؟ رحمهم الله أجمعين، ومحمد بن الحسن الشيباني صاحب كتاب (السير الكبير) وهو من أقدم الكتب في فقه الجهاد ومن أكبرها، لم يكن من شيوخ الجهاد، وهو من أهل العراق، وكتب أولا (السير الصغير) فاستغرب الإمام الأوزاعي ـ وهو من أهل بيروت وكانت من ثغور الجهاد ـ أن يؤلف عراقي في الجهاد، فكتب الشيباني (السير الكبير) فشهد له الأوزاعي بالعلم رحمهم الله. بقى أن تعلم أن أصحاب هذه البدعة كانوا يلقبونني بـ(مفتى المجاهدين في العالم) و(العالم المرابط والمفتي المجاهد).
كما بقي أن تعلم أن هؤلاء الشيوخ المجاهدين المرابطين كانوا أول من يهرب من المعارك سواء أيام الجهاد ضد الروس أو بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان، حتى كان منهم من هرب متخفيًا في ثياب النساء، وليس هذا محل تفصيل ذلك، ولكنهم يستغلون جهل الناس بما حدث.
ولقد كان أميرهم الملا محمد عُمر من شيوخ الجهاد، هل استفتوه أو استأذنوه في 11/9؟ والجواب: لا.
(الحلقة السابعة)
منظر الجهاديين: إيران وسورية هما أسعد الناس بتنظيم القاعدة
بدأ كاتب «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة» في هذه الحلقة بتعرية تلبيس أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، الأمور، وهو الفصل الثالث من كتابه الذي يحمل ردوداً مباشرة على أفكار القاعدة، التي لخصها الظواهري في كتاب «التبرئة»، والذي كان صدوره بمثابة اعتراف ضمني من القاعدة وتنظيمها ورجلها الثاني بمدى تأثير مراجعات السيد إمام عبد العزيز أو الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز أو الدكتور فضل، وهي الأسماء الثلاثة للرجل الذي يعتبر منظر الجهاديين.
ويفتتح الدكتور فضل هذا الفصل من كتابه قائلاً:
في الفصل الأول من هذه المذكرة قمت بتعرية أكاذيب الظواهري، وفي الثاني تعرية لمغالطاته الفقهية، التي صارت أركانا لمذهب إجرامي يستحل سفك الدماء بالجملة ويُسقط كل الموانع الشرعية التي تحول دون ذلك، وفي هذا الفصل أقوم بإذن الله بتعرية تلبيسه الأمور على القارئ من أجل تشتيته، ليترك القارئ في بلبلة وفي ضباب كثيف لا يدرك معه حقائق الأمور، وينسحب هو تحت ستار من هذا الضباب الكثيف الذي تمثل في نحو مائة سؤال أوردها في كتابه «التبرئة» وتركها بغير إجابة، والذي يريد أن يُعلم الناس يطرح علمه أمامهم، لا يطرح عليهم الأسئلة. ومن ذلك:
1) فمن تلبيس الظواهري طرحه لأقوال متناقضة في المسائل الفقهية:
ليوهم القارئ أن المسألة فيها خلاف ويمكن الأخذ بأي قول فيها بلا حرج، ومن هذا أنه ذكر أن بعض العلماء أجاز نقض العهد الذي أعطاه حذيفة بن اليمان لكفار قريش في غزوة بدر بعدم مقاتلتهم، يريد الظواهري من هذا أنه حتى لو كانت التأشيرة عهد أمان، فنقض منفذي 11/9 لها جائز على قول هذا العالم، فلجأ لهذا القول الباطل وتناسى قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لحذيفة: (نفي لهم بعهدهم) الحديث رواه مسلم، وتناسى قول النبي: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدّ) رواه مسلم، فالقول المخالف للسنة باطل مردود.
والله سبحانه قد أمرنا عند اختلاف الأقوال لا باختيار أي قول منها ولكن بعرضها على الكتاب والسنة، فما وافقهما فهو الحق وما خالفهما فهو باطل، وهذا هو الترجيح قال تعالى: «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر»، (النساء: 59).
وهذا المنهج المنحرف ـ منهج الاختيار بدون ترجيح ـ هو الذي جعل الظواهري يترك الكتاب والسنة وأقوال علماء سلف الأمة ويختار قول ناصر الفهد، الذي وضع لهم بدعة «إطلاق المعاملة بالمثل» وبدعة «الشخصية الاعتبارية» لتبرير القتل بالجملة كما سبق. والاختيار من الأقوال الفقهية المختلفة بدون ترجيح بينها لمعرفة الصواب منها، حرام لا يجوز في دين الله تعالى: قال ابن تيمية رحمه الله «أجمع العلماء على تحريم الحكم والفتيا بالهوى، وبقول أو وجه من غير نظر في الترجيح» من كتابه «الاختيارات الفقهية».
وقال أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله «اعلم أن من يكتفي بأن يكون في فتياه أو عمله موافقا لقول أو وجه في المسألة، ويعمل بما يشاء من الأقوال أو الوجوه من غير نظر في الترجيح ولا تقيّد به فقد جَهِل وخرق الإجماع» من كتابه «أدب المفتي والمستفتي».
وقال ابن القيم رحمه الله ـ بعدما ذكر وجوب الترجيح ـ «وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة الغرض، فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به ويفتي به ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر، والله المستعان»، «إعلام الموقعين». هذا كلام علماء الأمة، قارن بينه وبين ما يفعله ابن لادن والظواهري وناصر الفهد.
2) ومن تلبيس الظواهري قوله إنه كتب كتابه «التبرئة» غَيْرة على الإسلام:
فهل يتفق كلامه هذا مع كل مغالطاته الفقهية السابقة، التي جعلته يدير ظهره للكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة، ويلوذ بكلام ناصر الفهد ليبرر لابن لادن ما يهواه. حتى بلغت به الجرأة إلى معاندة كلام الله بوجوب مجاهدة الأقرب من الأعداء: «يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة وأعلموا ان الله مع المتقين» (التوبة:123)، إلى أن يقول الظواهري إن جهاد العدو البعيد ـ أميركا ـ هو الواجب. فنحن الآن أمام موقف فيه: الله سبحانه يقول كذا، والظواهري يقول ضده. والله يقول كذا وابن لادن يقول ضده، فأين الغيرة؟
ولقد بلغ من تبني الظواهري لأفكار ابن لادن ودفاعه عنها، أنه صار هو أيضا من المطالبين ببيع البترول بسعره الحقيقي من كتابه «التبرئة» أي أن الواجب على المسلمين الآن هو «الجهاد في سبيل البترول»، ليظهر لنا بعد ذلك مصطلح «شهيد البترول». فهل كتب الظواهري كتابه غيرة على الإسلام وهو يعاند الله؟ وهل الظواهري صادق في تأسفه على سبّ بعض الأوروبيين للنبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يحتال للتفلت من أحكام شريعته بقول فلان وفلان؟
3) ومن تلبيس الظواهري قوله إنني ألقي التهم بغير دليل ولا برهان. وقد كذب في هذا:
أما الأحكام الفقهية: فما ذكرت شيئًا إلا بدليله من الكتاب والسنة والراجح من أقوال علماء الأمة، خاصة في (الوثيقة).
وأما الوقائع من الأحداث والأقوال: فمنها أمور عامة لا يلزم نسبتها لمعين، وإن كنت أعرفه كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» الحديث متفق عليه، لينتفع كل الناس بالموعظة، وهذا ما فعلته بالوثيقة. ومنها أمور خاصة ذكرتها بأصحابها وقد ورد شيء من هذا في الحوار الصحافي الملحق بالوثيقة، وما سترته عليهم أكبر بكثير.
4) ومن مشاغبة الظواهري تكراره لعبارة (لا ولاية لأسير):
وهل قلت إن لي ولاية على أحد، لقد قاطعتهم منذ خمس عشرة سنة غير آسف على أحدٍ منهم. ولقد قلت إن المخابرات اليمنية طلبت مني أن أشكل حزبا مصريا معارضا من الخارج، وأنا في سجونهم، فرفضت وقلت أنا لا أحب أن أكون رئيس دولة، فتريدني أن أشكل حزبا؟
5) ومن مشاغبة الظواهري قوله (لو كانت هذه التراجعات حرة وتلقائية فلماذا لم نسمع عنها
إلا بعد أن وقع أصحابها في أسر عملاء الصليبيين):
ولم يكلفنا الظواهري هنا عناء الرد على مشاغبته، فقد رد على نفسه في الصفحة التالية، من كتابه وقال (إن كاتب الوثيقة انتقد أصحابه منذ أربعة عشر عاما). ولكن لي هنا بعض التعليقات:
إن الظواهري لجأ إلى أساليب أعداء الرسل في وصف الحق بأسماء منفرة، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) سموه شاعرا وكاهنا وساحرا... وأنا لم اسم كتابي إلا «وثيقة ترشيد العمل الجهادي» فلجأ هو إلى التنفير فوصف ذلك بالتراجع مع تكذيبه لنفسه، إذ قد أقر بأنني انتقدتهم من قبل، فليس ثم تراجع إذن، ولكنه يستخف بعقل القارئ. إن هذا النقد الذي ذكرته في كتابي «الجامع» منذ 1993، هو مما حذفه الظواهري لما تصرف في كتابي بغير إذني، فوقع الظواهري في السرقة وخيانة الأمانة والكذب وكتمان العلم وكلها من كبائر الذنوب «ظلمات بعضها فوق بعض»، فقد كانوا لا يريدون أن يعرف الناس معايب الحركات الإسلامية فحذفوها من «الجامع»، فلما كتبتها في «الوثيقة» ولم يتمكنوا من سرقتها وتحريفها لجأوا إلى السفاهة والتشهير.
ان التراجع ليس عيبا إن كان إلى الحق، بل هو واجب وممدوح، هذا كلام عُمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ـ في وصيته للقضاة ـ «ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس وراجعت فيه رأيك وهُديت لرُشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل»، هذا كلام الصحابة أهل العلم (اعلام الموقعين).
6) ومن تلبيس الظواهري قوله إن الوثيقة (تتغافل عن المجرمين الحقيقيين الأميركان وأعوانهم):
وكلامه هذا فيه كذب وتلبيس للأمور: أما كذبه: فالوثيقة لم تغفل أحدا بل كما نصحت الحركات الإسلامية، نصحت الحكام في البند الرابع عشر، وتكلمت عن أعداء الإسلام في البند الخامس عشر.
وأما تلبيسه: فالظواهري قد ألغى عقله ودان بالطاعة العمياء لأميره ابن لادن إلى درجة التبني الكامل لأفكار ابن لادن الفاسدة وتبريرها له بالمعاندة لكتاب الله تعالى، وإلى درجة تبني الظواهري لاهتمامات ابن لادن البترولية: فالله يقول «قاتلوا الذين يلونكم..» (التوبة: 123)، والظواهري يقول قاتلوا العدو البعيد. والله يقول «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم..» (الشورى: 30)، والظواهري مذهبه (وما أصابكم من مصيبة فبسبب أميركا)، مقلدا في ذلك شيخه ابن لادن.
أما المجرم الحقيقي يا معشر المسلمين، بحسب حكم الله، فهو من يعرف شريعة الله ويُعرض عنها عمدا واحتيالا، كما فعل ابن لادن والظواهري وأتباعهم، هذا كلام الله تعالى «ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون»، (السجدة: 22). هذا هو الإجرام الحقيقي ولهذا سميت مغالطاتهم الفقهية مذهبا إجراميا لأنه معاند لشريعة الله تعالى.
وإذا كانت أميركا هي المجرم وسبب المصائب وبدأت الحملة الصليبية لماذا يعرض عليها ابن لادن الهدنة ويعرض عليها الظواهري التفاوض هل انتهى إجرامها؟
في عرضه الهدنة على أميركا قال ابن لادن: «ولا مانع من إجابتكم إلى هدنة طويلة الأمد بشروط عادلة، نفي بها، فنحن أمة حرم الله علينا الغدر والكذب، لينعم في هذه الهدنة الطرفان بالأمن والاستقرار، ولنبني العراق وأفغانستان اللذين دمرتهما الحرب».
وفي عرض التفاوض على أميركا قال الظواهري (إنكم لا تتفاوضون مع القوى الحقيقية في العالم الإسلامي ويبدو أنكم ستخوضون رحلة مؤلمة من المفاوضات الفاشلة، ثم ستعودون بإذن الله مكرهين للتفاوض مع القوى الحقيقية، في إشارة إلى تنظيم القاعدة». فإذا كانت أميركا هي المجرم الحقيقي فلماذا يعرضون عليها الهدنة والتفاوض؟ هل انتهى إجرامها؟ هل تحررت أفغانستان والعراق وفلسطين؟ هل خرجت أميركا من الخليج ورفعت يدها عن الصومال؟ أليست هذه دوافعهم للصدام مع أميركا؟ وهل ما لم يحققوه بالمصادمة سيحققونه بالهدنة؟ فلم يبق مقصود للهدنة إلا الحرص على سلامتهم الشخصية. وكيف يتكلم ابن لادن عن الوفاء بالعهود وهو غارق في الخيانة والغدر مع الصديق والعدو؟
ولما لم تستجب أميركا لمطالب القاعدة بالهدنة والتفاوض، قام فرع القاعدة في الجزائر بتفجيرات ضد مصالح أجنبية سقط فيها عشرات الجزائريين قتلى وكان هدفهم إرغام الغرب على الرضوخ لمطالب القاعدة وزعيمها. أي ان الشعب الجزائري المثقل بالجراح عليه أن يدفع دماءه ثمنا لسلامة ابن لادن والظواهري وثمنا لإجبار أميركا على الهدنة معهما. فقام فرع القاعدة في الجزائر بتفجير 11/12/2007 سقط فيه 62 قتيلاً وأكثر من 200 جريح، وأعلن هذا الفرع أن من أهداف التفجير (تذكير الغرب: بوجوب الإصغاء جيدا لمطالب وخطابات شيخنا وأميرنا أسامة بن لادن)،
أي أن دماء الجزائريين أصبحت مجرد رسالة وفداء لابن لادن والظواهري بعد دماء الأفغان وغيرهم. هذا هو فقه شيوخ الجهاد، يقتلون الجزائريين ويبكون على قتل اليهود للفلسطينيين، وينكر الظواهري على حماس أن صواريخها البدائية قد تقتل بعض أطفال اليهود الأبرياء ولا ينطق بكلمة عمن قتلتهم تفجيرات (11/9) اللامباركة، وعن آلاف الأفغان الذين تسببوا في قتلهم، بل يبرر الظواهري إجرامهم بنظرية العشرة ملايين والشخصية الاعتبارية كما سبق في الفصل الثاني.
«فائدة مهمة: جرائم الكافر لا تبرر السكوت عن خطأ المسلم»: قال الله تعالى: «يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به، والمسجد الحرام واخراج أهله، منه أكبر عند الله..» (البقرة: 217). نزلت هذه الآية في سرية عبد الله بن جحش، وكان (النبي صلى الله عليه وسلم) قد أرسلهم ـ بعد الهجرة ـ إلى قرب مكة يستطلعون أخبار قريش، فوجدوا قافلة من كفار قريش فقتل الصحابة أحدهم في الشهر الحرام، فنزلت الآية تبين أنه وإن كان ما يفعله الكفار ـ من الكفر والصد عن سبيل الله وإخراجهم أهل المسجد الحرام (النبي والمهاجرين) منه ـ شيء أكبر، إلا أن هذا لا يبرر السكوت عن خطأ المسلمين من القتل في الشهر الحرام، فقال تعالى «قل قتال فيه كبير..»، ولم يسكت عنه، ولم يقل يجوز في مقابل جرائم الكفار، بل هو كبيرة من الكبائر، حتى دفع النبي (صلى اله عليه وسلم) دية الكافر (ابن الحضرمي) الذي قتله الصحابة، لأنه قتل على وجه لا يجوز في الإسلام، رواه البيهقي وذكره ابن كثير في «البداية والنهاية».
وبهذا تعلم أن مشاغبة الظواهري التي كررها في كتابه «التبرئة» بقوله إن كاتب الوثيقة ينتقدهم وهم المتصدون لأميركا، تعلم أن كلامه هذا باطل ومناقض لكتاب الله، فهو يريد ألا ينتقدهم أحد لأن جرائم أميركا أكبر وهم يتصدون لها، فإذا شاغب أي جاهل بمثل هذه الشبهة فقولوا له قول الله سبحانه للصحابة، الذين هم خير الأمة، لما أخطأوا ولم يسكت عنهم أو يبح لهم ما فعلوا في مقابل جرائم كفار قريش. وكذلك أنكر النبي (صلى الله عليه وسلم) على أسامة بن زيد وخالد بن الوليد تسرعهم في القتل، ولم يسكت عنهم، ودفع ديات من قتلوهم على نحو ما ذكرته في «الوثيقة».
كأنهم يريدون أن تبقى منكرات المسلمين كما هي لا ينكرها أحد حتى تنتهي منكرات الكفار وجرائمهم، وهي لن تنتهي بل ستزداد كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شرّ منه، حتى تلقوا ربكم» رواه البخاري، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر، لا يباليهم الله بَالَةً» رواه البخاري، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : «إن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاءٌ وأمور تنكرونها، وتجئ فتنٌ يُرقق بعضها بعضًا) الحديث رواه مسلم، فالشرّ والفتن لن تنتهي بل ستزداد.
وهل هناك شرّ مثل تحريف الظواهري للدين لتبرير مذهب ابن لادن في القتل بالجملة؟
وهل نحرّف ديننا كلما ظهر لنا عدو كأميركا أو غيرها؟
ومما سبق تعلم لماذا أكثر الظواهري من طرح الأسئلة في كتابه «التبرئة» عن جرائم أميركا وإسرائيل؟ كما أظهر اهتمامه البالغ بقضية فلسطين، لقد فعل ذلك كنوع من التبرير لمذهبهم الإجرامي، فهو يريد ألا ينتقدهم أحد مادامت جرائم أميركا وإسرائيل قائمة، وأوضح ذلك بقوله إن المتصدين لهذه الجرائم هم الذين تنتقدهم الوثيقة، وهذا تلبيس منه على الناس، وقد تبين مما سبق أن الكتاب والسنة دلا على أن جرائم الكافر لا تبرر السكوت عن خطأ المسلم، فتفّطن لمكر الظواهري وتلبيسه.
7) ومن تلبيس الظواهري وقلبه للحقائق: قوله «والمجاهدون هم الذين أفشلوا المخطط الأميركي في المنطقة، وهم أيضا من تنتقدهم تلك التراجعات» ويقصد بالمجاهدين تنظيم القاعدة.
وهذا نفس كلام جمال عبد الناصر الذي وصفه الظواهري بالدجال، ولكن بصيغة أخرى، فقد رفع عبد الناصر بعد هزيمة 1967 شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وذلك لإسكات منتقديه، وها هو الظواهري يحذو حذو من وصفه بالدجال، لا يريد أن ينتقدهم أحد لأنه مشغول بمحاربة أميركا.
وكلامه هذا قلب للحقيقة فإنهم هم الذين أدخلوا أميركا إلى المنطقة وتسببوا في احتلالها لأفغانستان والعراق، وأعطوا أميركا معلومات مزيفة عن صلة العراق بالقاعدة وعن أسلحة الدمار الشامل بالعراق ليعطوا أميركا الذريعة لغزو العراق، فقط من أجل استدراج أميركا إلى ساحة قتال لإنهاكها، فكان أن قتلت القاعدة من شعب العراق أضعاف من قتلتهم من الأميركان وذلك بعدما كفّرت شعب العراق وبالجملة أيضا، فأجرمت في حق شعب العراق مرتين: مرة باختلاق الذرائع لعدوان أميركا عليه، ومرة بتكفيره وقتله بالجملة، لمجرد الرغبة في الصدام مع أميركا. وكل قطرة دم سالت وتسيل في أفغانستان والعراق هي في رقبة ابن لادن والظواهري وأتباعهما، فالقاعدة الفقهية تنص على أن «إتلاف المتسبب كإتلاف المباشر في أصل الضمان» من «إعلام الموقعين».
الظواهري يزعم أنهم أفشلوا المخطط الأميركي، والحقيقة عكس ذلك، والحقيقة أيضا هو أنه أينما حلّت القاعدة حَلّ الدمار على المسلمين، حدث هذا في أفغانستان والعراق والصومال وفي منطقة وزيرستان بباكستان. دمار بعد دمار كما كان يحدث للمتبركين بمسيلمة الكذاب. والرابحون اليوم من جنون القتل في العراق هم إيران في المقام الأول، ثم سورية، وهل تسهل سورية مرور من يرغب في القتال بالعراق حبا في الجهاد في سبيل الله، أو حبا في شعب العراق أم من أجل مصلحتها؟
أليس يقيم بإيران كبار المحرضين على القتال في العراق من الصف الأول من قيادات تنظيم القاعدة، ومنهم ابن أسامة بن لادن؟ وهل القتال لمصلحة إيران وسورية هو جهاد في سبيل الله «لتكون كلمة الله هي العليا»؟ ألم يدفع الظواهري إخوانه للقتال في مصر من قبل لخدمة المخابرات السودانية بعدما شحنهم بخطبه الحماسية؟
وهل قتل أهل العراق في المساجد والأسواق والجنائز ونسف منازلهم ـ كما ينسف اليهود منازل بعض الفلسطينيين ـ هل هذا جهاد في سبيل الله أو لإفشال مخطط أميركا؟
وهل المساجد والأسواق ثكنات عسكرية يُقتل فيها المدنيون والنساء والأطفال بالتبعية بالتترس على مذهبهم، أم أنه تعمد لقتل المدنيين والمصلين بالجملة؟ وقبل ذلك كله هل كان العراق هو دار الإسلام قبل الاحتلال الأميركي أيام حكم صدام حسين؟
أليست القاعدة هي التي أشعلت فتيل الحرب الأهلية الطائفية بالعراق على يد أبي مصعب الزرقاوي بقتله للشيعة بالجملة؟فكان أن دفعت طائفة السنة ثمن ذلك قتلاً وتهجيرا وتشريدا؟
وأليس من قواعد الدين (قاعدة سد الذرائع)؟ ولا ينبغي أن يظن أحد أن قتل الشيعة في العراق هو ضد مصلحة إيران، بل الكل يصب في مصلحتها، فقتل السنة يضعفهم ويخلي الأرض منهم لغيرهم، وقتل الشيعة يزيد من ارتباطهم وتبعيتهم لإيران كجهة حماية لهم، كما أن بعض شيعة العراق معارضون لإيران وهيمنتها، فالكل في مصلحة إيران.
حدثنا النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الطائفة المنصورة التي تنصر الإسلام والمسلمين، فظهرت في هذا الزمان الطائفة المجنونة التي تجلب الكوارث على المسلمين وتدمر الدول والجماعات. هل العقلية التي أضاعت دولة إسلامية كانت قائمة بالفعل في أفغانستان (طالبان)، هل ينتظر من هذه العقلية أن تقيم دولة إسلامية في العراق على أرض الواقع لا على الإنترنت؟ وهل تحولت الشعوب الإسلامية إلى حيوانات تجارب يجرب فيها ابن لادن والظواهري عبثهم ويمارسون فيهم هواية القتل بالجملة؟
لا شك في أن إيران ثم سورية هم أسعد الناس اليوم بتنظيم القاعدة، وربما لو لم يكن موجودا من قبل لأوجدوه، ما دام يقوم بدور سمسار الموت القادر على جلب المستعدين لتفجير أنفسهم بما يصب في مصلحة إيران وسورية بدون أدنى ثمن يدفعانه إلا غض الطرف عمن يعبر أراضيهما. شباب يتفجرون وسماسرة موت يقبضون، وساسة دول يضحكون ويكسبون.
8) ومن جهالات الظواهري استدلاله على الحق بعدد أتباعه:
فقال (لقد قال كاتب الوثيقة أوصافا ونعوتا للشيخ أسامة بن لادن، فأيهما ـ في تحليل الواقع ورصده ـ أكثر تأثيرا في الشباب المسلم وفي الجماهير المسلمة وفي السياسة الدولية؟)، ينكر الظواهري على من ينتقد ابن لادن وكأنه معصوم من الخطأ، وكأنه ما أجرم في حق أحد، وكأنه ما أزال دولة إسلامية (طالبان) من الوجود، وكأنه ما دمّر أفغانستان وشعبها ولا حّول أطفالها الى يتامى ولا نساءها الى أرامل، وكأنه ما خان ولا غدر، وسوف يأتي في الفصل الرابع بيان سبب تقديس الظواهري لابن لادن إن شاء الله. مع العلم بأن الظواهري اتهم بن لادن بأنه عميل سعودي في 1995.
واستدلال الظواهري بعدد الأتباع هو نفس استدلال الكفار الذين كانوا يحتجون به أنهم على الحق وأن الأنبياء عليهم السلام على الباطل، كما قال تعالى عنهم: «أم يقولون نحن جميعا منتصر..» (القمر:44)، وقال تعالى – عن وصف فرعون لموسى وأتباعه: «إن هؤلاء لشرذمة قليلون» (الشعراء:54).
فالحق لا يستدل عليه بعدد أتباعه كما ظن الظواهري، بل بموافقته للدليل الشرعي. أما أنا فما دعوت أحدا لاتباعي ولكني أنقل إلى الناس ما أراه الصحيح من العلم الشرعي من باب الدلالة على الخير. ولو كان على علمٍ ما فَرِحَ بعدد أتباع ابن لادن فهذا مما يزيد ذنوبه، فعليه أوزار كل من اتبعه في مذهبه الفاسد.
وقد كشف كلامه السابق مبلغ علمه وفهمه للدين، فالله سبحانه قرر أن الأمر بخلاف ما يظنه الظواهري، وأن أتباع الحق هم دائما قليل. أليس الذين هللوا لابن لادن هم أنفسهم الذين هللوا لصدام حسين من قبل؟
الحلقة الثامنة
منظر الجهاديين: لماذا لم تقم «القاعدة» بتنفيذ عمليات في فلسطين؟
يواصل السيد إمام عبد العزيز أو الدكتور فضل، منظر الجهاديين، ردوده على الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، ويتناول بالنقد الفقهي موقف «القاعدة» من قضية فلسطين، متحدثا عما وصفه بالأمور الملتبسة حول هذه العلاقة، التي اختزلها في ثالوث البرغوث والكلب والفيل. كما يتناول «منظر الجهاديين» في حلقة اليوم من كتابه «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة» ما اعتبره تقرير الذمة المالية للرجل الثاني في تنظيم «القاعدة»، وكيف استخدم الظواهري أموال التبرعات والهبات التي كانت تصله، وما هي أولويات صرفه لهذه الأموال؟
وفي تناوله لاستخدام الظواهري لقضية فلسطين يقول الدكتور فضل في كتابه:
من المعلوم من التاريخ المعاصر أن أسرع الطرق إلى كسب الشعبية لدى الجماهير العربية والإسلامية، هي مناطحة أميركا وإسرائيل والإكثار من الكلام عن القضية الفلسطينية، فعل هذا جمال عبد الناصر وصدام حسين ومحمود أحمدي نجاد رئيس إيران الحالي وغيرهم، إلا أن هؤلاء قدموا شيئًا لفلسطين، وأهلها خاصة جمال عبد الناصر.
أما ابن لادن والظواهري فقد سارا على نفس الدرب لكسب الشعبية التي تكلم عنها الظواهري، إلا أنهما لم يقدما لفلسطين إلا الكلام، وقد أفصح الظواهري عن حقيقتهما هنا غاية الإفصاح وأن اهتمامهما بفلسطين لا يتعدى المتاجرة بالشعارات لكسب الجماهيرية ولتقلد زعامة الأمة الإسلامية،
فقال «والشعار الذي تفهم جماهير الأمة المسلمة جيدًا وتتجاوب معه ـ منذ خمسين سنة ـ هو شعار الدعوة إلى جهاد إسرائيل، وفي هذا العقد أصبحت الأمة معبأة ـ بالإضافة إليه ـ ضد الوجود الأميركي في قلب العالم الإسلامي».
وقال الظواهري أيضًا «إن الحقيقة التي يجب التسليم بها هي أن قضية فلسطين هي القضية التي تلهب مشاعر الأمة المسلمة»، وقال أيضًا «إن هذه القضية سلاح ماض في يد الحركة الإسلامية المجاهدة ـ إلى قوله ـ لذا يجب على الحركة الإسلامية المجاهدة، أن ترفع شعار تحرير المقدسات الإسلامية الثلاثة: الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى، بهذا تجتمع لها أزمّة قيادة الأمة المسلمة، وتلتف حولها قلوب المسلمين في بقاع الأرض»
من كتابه «فرسان تحت راية النبي».
هذا هو ما يسعى إليه هؤلاء الخونة الغادرون المدمرون: زعامة الأمة الإسلامية بحفنة من الشعارات.
وليظهر الظواهري اهتمامه البالغ بفلسطين طرح عشرات الأسئلة عنها في كتابه «التبرئة»:ففي كتابه طرح ما يعبر عن اهتمامه بقضية فلسطين كقوله ما رأيكم وما حكم الشرع في: السفارتين الإسرائيلية والأميركية في القاهرة، والملحق العسكري في السفارة الإسرائيلية، والسلام والتطبيع مع إسرائيل، وشرعية دولة إسرائيل، واتفاقيات أوسلو ووادي عربة، والمبادرة العربية، ومؤتمر أنابوليس، ومقاتلة دولة إسرائيل. وفي موضع آخر ذكر الظواهري أن ابن لادن اصدر بيانًا بعنوان «تحريض الأمة على الجهاد لتحرير الكعبة والمسجد الأقصى»، فلا بد من مغازلة الأقصى. وتحدث الظواهري عن ««القاعدة»» وكيف أنها كسبت «محبة وتأييد وتعاطف جماهير واسعة من الأمة المسلمة، وأصبحت هي رمز المقاومة الشعبية للحملة الصليبية الصهيونية على الأمة المسلمة» وسمى ««القاعدة»» في كلامه السابق بالحركة الجهادية، وخلص إلى أن الهدف هو كسب الشعبية لدى الجماهير، فالمسألة كلام ودعاية من دون إنجاز حقيقي على أرض الواقع بل خسائر ودمار بالجملة كما سبق، وبالطبع مع كسب الشعبية تأتي التبرعات والأموال،
الظواهري فلم يجد ما يقدمه لفلسطين إلا تحريض بدو سيناء على الجهاد في فلسطين. وقد سبق أن قلت للقارئ الكريم: إن كل من يحرضك على الجهاد في مكانٍ ما قل له «إن كنت صادقًا وإن كنت إمامي فكن أمامي»، وتقدم للقتال أمامي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، امتثالاً لأمر ربه بأن يقاتل بنفسه قبل أن يحرض غيره.
ومن أجل كسب الشعبية أيضًا كرر ابن لادن كلامه عن أطفال فلسطين وأمنهم، وماذا عن أطفال أفغانستان الذين جلب إليهم الأميركان والدمار واليتم والتشريد؟ أليس كلهم مسلمين؟ وبالطبع لا يتكلم الظواهري عن مأساة طالبان ومأساة الشعب الأفغاني، الذي تسيل دماؤه يوميًا، لأن هذا يفتح عليهم باب المساءلة عن ذلك، ولهذا تجدهم يتجاهلون هذه الكارثة دائمًا، وكأن شيئًا لم يحدث في أفغانستان، إلا أن هذا لا ينفي أن ابن لادن والظواهري وأتباعهم مسؤولون مسؤولية شرعية وتاريخية مباشرة عن تدمير دولة طالبان الإسلامية وعن الاحتلال الأميركي، وما جلبه من الكوارث على أفغانستان، ولا بد أن يحاسبوا على ذلك حتى لا يتكرر هذا العبث، وحتى لا يرتكب كل مغامر جريمته ويهرب ليتحمل غيره تبعاتها.
لماذا لم تتمكن «القاعدة» من تنفيذ عمليات ضد اليهود في فلسطين؟
يرجع ذلك إلى سببين:
السبب الأول: أن قتال اليهود ليس من أولويات ابن لادن،الذي مشروعه الصدام مع أميركا، أما الكلام عن فلسطين فلأغراض دعائية.
والسبب الثاني: هو أن ««القاعدة»» تنظيم بلا دولة، فهو أينما نزل في بلد هو جسم غريب عنها، ولا يستطيع تنفيذ عمليات في بلد إلا بتعاون بعض أهل هذا البلد، وهذا ما حدث في بعض البلاد، ولم يتمكنوا من فعله في فلسطين بسبب فشل «القاعدة» في التحالف مع أيٍ من المنظمات الفلسطينية. ويرجع ذلك إلى أمور أذكر منها أربعة هنا:
الأول: المنظمات الفلسطينية لا تثق بابن لادن لأسباب ليس هذا محل شرحها،وهذا أمر قديم من أيام الجهاد الأفغاني ضد الروس، والثاني: أن المنظمات الفلسطينية متطورة من ناحية التقنية العسكرية أكثر من «القاعدة» بمراحل، فمن المعلوم أن تنظيم «القاعدة» نشأ وظل عالة على كوادر جماعة الجهاد وحتى 11/9، في حين أن جماعة الجهاد اكتسبت مهاراتها العسكرية المتقدمة بالتدرب عن طريق بعض المنظمات الفلسطينية وتحديدًا في لبنان في الفترة من 1990 إلى 1992، بما في ذلك طرق التفجير المختلفة والتدريب على تفخيخ السيارات والأفراد وغيرها بالمتفجرات، وهذا هو أساس معظم العمليات التي تنفذ هذه الأيام في أفغانستان والعراق وغيرها. حصلت جماعة الجهاد على هذه الخبرات من الفلسطينيين، ثم نقلت هذا لـ«القاعدة»،
والخلاصة أنه لا يوجد لدى ابن لادن أو الظواهري شيء يقدمه للفلسطينيين من الناحية العسكرية.
والثالث: هو اختلاف أساليب التكتيك العسكري لدى الجانبين من ناحية أسلوب استعمال القوة: فابن لادن يستعمل أسلوب القوة العمياء لقتل أكبر عدد ممكن من العدو ولو أدى ذلك إلى دمار تنظيمه «الانتحار التنظيمي».
أما المنظمات الفلسطينية فتستعمل أسلوب القوة المحدودة لتحقيق مكاسب على حساب العدو مع ضمان بقاء التنظيم واستمراره، فهذه المنظمات تتبع القواعد التقليدية لحرب العصابات «حرب البرغوث والكلب»، أما ابن لادن فله طريقة جديدة هي «حرب الفيل» التي تجعل القتل بالجملة هدفًا.
والرابع: أن المنظمات الفلسطينية ليست بحاجة لأموال ابن لادن فلها مواردها الخاصة بها، كما أنها متطورة سياسيًا أكثر من ابن لادن بكثير.
لهذه الأسباب ولغيرها فشلت «القاعدة» في التحالف مع أهل فلسطين، وبالتالي فشلت في إيجاد موطئ قدم لها فيها، حتى لجأ الظواهري في بياناته الأخيرة إلى تحريض بدو سيناء على الجهاد في فلسطين، مجرد دعاية. ولما لم تتجاوب المنظمات الفلسطينية مع «القاعدة» ـ رغم تكرار مغازلتها للمسجد الأقصى والقدس وأطفال فلسطين ـ لجأ الظواهري إلى الهجوم والنقد المتكرر للمنظمات الفلسطينية، فلا يفوّت فرصة إلا ويدس أنفه في الشأن الفلسطيني ويوزع اتهاماته وتخوينه على الفلسطينيين.
اتهم الظواهري حماس بأن صواريخها تقتل أطفال اليهود، فهل هذا إنسان عاقل؟
وماذا عن تسبب «القاعدة» في قتل أطفال المسلمين في أفغانستان والعراق والجزائر وغيرها؟
أم أن هذا حلال لـ«القاعدة» حرام على حماس؟ الظواهري حزين على أطفال اليهود، وهو يقتل أطفال المسلمين، سأل رجل من أهل العراق عن حكم دم البرغوث إذا أصاب الثياب أَنَجسٌ هو؟ فقال له عبد الله بن عمر «تسألون عن دم البرغوث، وقد قتلتم الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه الترمذي وصححه، وروى البخاري قريبًا منه.
واتهم الظواهري حماس بأنها اشتركت في الانتخابات على أساس دستور علماني، ولماذا حماس فقط؟
ولماذا لا ينتقد الظواهري شيخه ـ المقدس ـ ابن لادن؟ لقد كان ابن لادن ينفق أموالاً طائلة لدعم نواز شريف في الانتخابات البرلمانية في باكستان ضد بي نظير بوتو، وذلك من أموال الجهاد التي يدفعها له سعوديون، ولما علمتُ بذلك عام 1992 قلت لأبي حفص المصري ـ وهو الذي سلمَّ الأموال لنواز شريف ـ «يا أبا حفص، والله إن ابن لادن يقودكم إلى جهنم».
أما من وجهة نظري فإن فلسطين ليست قضية «القاعدة» ولا فتح ولا حماس وحدها، وإنما هي قضية الأمة الإسلامية كلها، ولم تحتل فلسطين إلا بعد زوال الخلافة العثمانية، وأظن أنها لن تعود إلا بذلك، والجهاد في فلسطين واجب على القادر، ولكنه لن يقيم دولة إسلامية ولا غير إسلامية فقط سيؤدي الجهاد إلى مجرد النكاية في العدو وإلى تأخير الأسوأ الذي هو قادم. إذا تمكّن اليهود في مكان وتملكوه فلن يسمحوا لغيرهم بمزاحمتهم فيه، وبالتالي فلن يسمحوا للفلسطينيين لا بدولة ولا أقل طواعية.
كما أظن أن قضية فلسطين ليست هي القضية المحورية أو الأولى لدى العرب والمسلمين، هذا فيه «تغييب للعقل المسلم» يروج له بعض الخبثاء، قضية المسلمين الأولى هي إقامة دولة الخلافة الإسلامية، التي تجمع شملهم وتعيد مجدهم، وإنها لقائمة كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت الأدلة على ذلك في أول البند الخامس عشر بالوثيقة.
توضيح: بخصوص الاعتراف بإسرائيل والصلح معها:
عقب هزيمة العرب أمام إسرائيل في يونيو 1967، رفع جمال عبد الناصر شعار «لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض» مع إسرائيل، وانعقد مؤتمر القمة العربي في الخرطوم في أواخر 1967م وتبنى هذا الشعار «اللاءات»، ولم يمت عبد الناصر «1970» إلا وكان قد شرع في التفاوض «مبادرة روجرز» ثم جاء الاعتراف والصلح بعد ذلك. ثم جاء ابن لادن والظواهري ورفعا نفس الشعارات ضمن حملتهما في المتاجرة بقضية فلسطين ورفع قميص فلسطين والتخوين به. فكرر الظواهري في كتابه «التبرئة» استنكاره للاعتراف بإسرائيل والصلح معها، وأن هذا مما يصل إلى الإخلال بالعقيدة. أما ابن لادن فقد أصدر في 30/12/1994 «رسالة مفتوحة إلى ابن باز ببطلان فتواه بالصلح مع اليهود»، وذكر ابن لادن أن إسرائيل ليست من دول الكفر المستقرة التي يجوز الصلح معها، إنما هي عدو صائل، أي محتل لبلاد المسلمين. وقد أردت هنا توضيح ما يلي للمسلمين:
أولاً: أما مسألة الاعتراف بالآخر أو عدمه:
فهذه بدعة أميركية أول من قال بها هو الرئيس الأميركي الأسبق مونرو عام 1821، وكان هذا بعد استقلال أميركا عن بريطانيا في 1776، وأرادت أميركا نهج السلوك الاستعماري كأمها بريطانيا بالتدخل في شؤوون الدول الأخرى، فاخترعوا بدعة الاعتراف لمعاقبة من لا يرضون عنه، انظر «التاريخ السياسي الحديث» د. فايز أبو جابر، (طباعة دار البشير بالأردن).
فابن لادن والظواهري متبعان للبدعة الأميركية، أما في دين الإسلام، فلا وجود لهذه البدعة في كتب الفقه بأجمعها.
هل عندما صالح النبي صلى الله عليه وسلم كفار مكة في الحديبية، أو عندما أراد ذلك مع كفار غطفان المحاصرين للمدينة في غزوة الأحزاب هل كان هذا اعترافا منه بكفرهم أو بشرعيتهم؟
الإسلام يتعامل مع الأمر الواقع أما بدعة الاعتراف والشرعية، فهي من جهالات ابن لادن والظواهري، بل قد ورد في الشريعة عكس ما يظنون، وهي مسألة «استيلاء الكفار» واختلف الفقهاء فيها: هل يتملك الكفار ما استولوا عليه من المسلمين أم لا؟ وفي المسألة قول النبي صلى الله عليه وسلم «وهل ترك لنا عقيل من دار».
ثانيًا: أما الصلح فجائز مع كل كافر أو مرتد كما نقلته عن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله في «الوثيقة»، بحسب مصلحة المسلمين، ولا يوجد في الشريعة ما يبيح ذلك مع الكافر في بلده ويمنعه مع الكافر المحتل لبلد المسلمين. فنصوص الصلح مطلقة. ألم يطلب ابن لادن الهدنة من أميركا وهي محتلة لأفغانستان والعراق؟ وألم يعرض الظواهري التفاوض معها؟
فلماذا يبيحان لأنفسهما ما يفتيان ببطلانه؟
لا يوجد في الشريعة ما يمنع الصلح مع أي كافر أو مرتد بحسب حاجة المسلمين، والعبرة بشرعية من يتفاوض معهم. لقد ظل نصارى أوروبا محتلين لفلسطين وكل ساحل الشام نحو مائتي سنة، وكان صلاح الدين الأيوبي يحاربهم تارة ويصالحهم أخرى، ولم يسترد صلاح الدين بيت المقدس منهم إلا صلحًا، بعدما احتلوه لمدة 92 سنة، وذلك عام 583هـ بعد انتصاره عليهم في موقعة حطين، وسمح لهم صلاح الدين أن يخرجوا من القدس إلى مأمنهم في مدينة صور بساحل الشام، وعقد معهم صلحًا في أعوام 571 و576 و582هـ، ذكر هذا ابن كثير، الذي قال «إن صلاح الدين كان لا يقطع أمرًا إلا بعد استشارته للقاضي الفاضل» (البداية والنهاية). وقد أردت توضيح هذه الأمور لقطع الطريق على المتاجرين بقميص فلسطين.
قال الشاعر: «وكلٌ يدعى وَصْلاً بليلى.. وليلى لا تُقر لهم بذاكا»،
وليست فلسطين هي «أم القضايا الإسلامية» كما زعم ابن لادن، فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم مكة ومسجدها وهاجر منها من أجل الدين، وهي خير من فلسطين آلاف المرات، بحسب ثواب الصلاة في مسجديهما.
ومن مشاغبات الظواهري تباكيه على إخوانه المسجونين بمصر:
من باب تشويه «الوثيقة» وكاتبها تباكي الظواهري على بعض إخوانه المسجونين بمصر من المعترضين على «الوثيقة» ووصفهم بأنهم «الأغلبية المسحوقة داخل السجون» وأنهم «الفئة الثابتة الصامدة القابضة على الجمر» وكرر هذا الكلام في كتابه.
وهنا أوضح بعض الحقائق للقارئ الذي يريد الظواهري أن يستخف عقله:
هل هؤلاء المعترضون كانوا بالسجن قبل «الوثيقة» أم سُجنوا بعدها؟
بل قبلها. من الذي تسبب في سجن هؤلاء؟
إنه أيمن الظواهري، فقد نهيتهم عن الصدام بمصر منذ 1992، وهو الذي أصر لمجرد تقليد الجماعة الإسلامية وليس جهادًا في سبيل الله، بل لمجرد السمعة والرياء والدعاية أي للشرك بالله، ففي الأثر «إن يسير الرياء من الشرك». وقد سمعتها منهم «إن الناس يعيروننا أن الجماعة الإسلامية تشتغل في مصر ونحن لا». ولجأ الظواهري إلى أن يكون مرتزقًا للمخابرات السودانية، التي باع لها إخوانه ودماءهم، ففي الوقت الذي كان فيه ستة رجال في طريقهم إلى المشنقة في مصرـ بسبب محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقي آخر 1993م ـ كان الظواهري في نفس الوقت يحكي نكات «أبو لمعة» المضحكة لأصحابه في الأمن السوداني. فلماذا يتباكى على إخوانه اليوم بعد «الوثيقة» وقد نسيهم ونفض يده منهم منذ أن صار تابعًا لابن لادن، ومُبررًا لأفكاره منذ 1998م؟
ثم إن الظواهري يحرض هؤلاء على البقاء في السجون بخلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم «فكوا العاني» رواه البخاري، أي اسعوا في إطلاق الأسرى، ولكن الظواهري كعادته في معاندة الكتاب والسنة ـ كما سبقت الأمثلة ـ يرفض «فكوا العاني» ويقول لهم «ليصبر العاني»، كما أمر الله بالبدء بقتال العدو القريب، والظواهري يقول: لا، بل العدو البعيد أولاً.
ثم إن الظواهري لم يطبق الأمر بالصبر على السجن على نفسه، ففي عام 1996 كان يتحرك في منطقة داغستان جنوب روسيا، واعتقل هناك، فأرسل يطلب من إخوانه مبلغًا، فأرسلوا له آلاف الدولارات دفعها رشوة فأطلقوه، وهذا المبلغ كان يكفي لإعاشة العشرات من عائلات إخوانه المسجونين في مصر، ولكنه لم يهتم بهم لا من قبل ولا من بعد، ولم يرسل إليهم دولارًا واحدًا ولم يصبر على السجن في داغستان، بل سارع في فك نفسه.
وكذلك كان يفعل عندما كنا في باكستان أيام الجهاد الأفغاني ضد الشيوعية، كان الظواهري ينفق أموالاً طائلة من أموال الجهاد على تأمين نفسه، فينتقل من بيت إلى آخر، ومن حي إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى، ويدفع أموالاً طائلة مقدمات إيجار ويتركها، وبدون وجود خطر حقيقي أو مطاردة، وكان كثير من الإخوة يحملون جوازات سفر مزورة لخوفهم من الذهاب للسفارة المصرية في باكستان لتجديد الجواز، أما الظواهري فرفض أن يتحرك بجواز مزور، وعلم أن السفارة المصرية في أميركا تجدد الجوازات بالبريد، فسافر من باكستان لأميركا بأموال الجهاد لتجديد جوازه، تقريبًا عام 1990. وهكذا يتم إنفاق أموال الجهاد على تأمين سلامته الشخصية، وليصبر الإخوة في السجون.
وهذه الأيام أرسل الظواهري رسالة استغاثة لجمع التبرعات من السعودية، قال فيها «إن حامل هذه الرسالة من الإخوة الموثقين لدينا، فبرجاء تحميله ما تتبرعون به من أموال لمئات من أسر الأسرى فك الله أسرهم، والشهداء رحمهم الله في باكستان وأفغانستان». وماذا عن أسر إخوانه الأسرى والقتلى في مصر؟ وماذا عن ضحاياه في مصر؟
الظواهري متخصص في صنع الكوارث ثم استثمارها، دفع إخوانه إلى الصدام مع الحكومة في مصر ولم يقبل هذا على نفسه، بل هرب من السودان عام 1995 ولم يتوقف إلا في أفغانستان، ولا يريد أن يخرج إخوانه من السجون بل ما زال يحرض على العمليات في مصر لتبقى لديه مادة دعاية يستثمرها إعلاميًا وفي جمع التبرعات وربما لتكون لديه ورقة للتفاوض مع مصر مستقبلاً. فلماذا يتباكى على إخوانه الآن وهو الذي صنع مأساتهم ويريد أن يلصقها بالوثيقة؟
وبقدر ما أدخل الظواهري الناس إلى السجون والقبور، بقدر ما أسهمت «الوثيقة» في إخراج المئات من السجون، أما المعترضون فقد ذكرت أحوالهم، ومنهم من خرج من السجن، ومنهم من كان يجمع موافقات أصحابه على ذلك من قبل، ومنهم من كان الظواهري نفسه يرسل رسائل تحذير منهم إلى الإخوة المسؤوولين عنهم بمصر عند عودتهم من التدريب العسكري في باكستان، ومنهم من أبدى استعداده على الموافقة في السر. وهم ليسوا أغلبية بل نفر يسير، ولم يُضيق عليهم بل تمت التوسعة على الجميع، ومن ينقل إليه الأخبار فقد غشه، ولو كان صادقًا فليذكر أسماء الأغلبية المعترضة، وبكل أسف فإن بعض الإخوة يكذبون.
ثم إن هؤلاء الذي يتباكى عليهم الظواهري هم شركاؤه في خيانة الأمانة، وقد سكتوا عنه لما باعهم للمخابرات السودانية ودفعهم إلى المشانق والسجون في مصر من أجل شهرته، في الوقت الذي قتلوا فيه صبيًا اتهموه بالتعاون مع المخابرات المصرية ضدهم، ولم يوفروا له أدنى ضمانات المحاكمة الشرعية الصحيحة، ومنها حيادية القاضي، ومنها الوكيل الشرعي الذي يدافع عنه، لكون الصبي دون سن الرشد. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد» الحديث متفق عليه، هكذا كانوا يعملون بما يُسخط الله وهم مستضعفون لا يبالون بأحكام الشريعة التي ينادون بتطبيقها، فكيف سيفعلون إذا تمكنوا من حكم دولة؟
حقيقة الخلاف بيني وبين المعترضين «الموافقين في السر» هو الفرق بين التصرف من منطلق شرعي أو سياسي، فقد كانوا يسعون منذ عام 2003 فيما قمت به عام 2007، ففي عام 2003 قام كبيرهم بالمرور على الإخوة في السجون وجمع موافقاتهم على عدم الصدام مع الحكومة التي كان يريد أن يقدم لها هذه الموافقات ضمن صفقة سياسية «أعطوني كذا وأعطيكم كذا» وظل كبيرهم هذا يتلكأ، فقال له أحد إخوانه لماذا التأخير؟ فقال له «إنه منتظر أن ينفذ أيمن الظواهري عمليتين أو ثلاثة في مصر تحُسّن موقفه في التفاوض مع السلطات في مصر». حدث هذا قبل وصولي إلى مصر في 2004. ولم تحدث العمليات، وجئت إلى مصر، وكتبت «الوثيقة» من منطلق شرعي فقد وجدت جماعة الجهاد ثم «القاعدة» يستخدمون كتبي في تجنيد أتباعهم، في حين كنت معترضًا عليهم وانتقدتهم منذ 1993، فكتبت «الوثيقة» لأذكر رأيي في أعمالهم من باب المسؤوولية الشرعية بدون صفقات سياسية ولا شروط مع السلطات، والتقيت قادة من اعترضوا ولم أجد لديهم حجة شرعية تمنع من كتابة «الوثيقة» كما ذكرته في التنبيه الثالث بآخرها.
ولما بدأت أعرض «الوثيقة» على الإخوة في السجون اعترضوا وشاغبوا لسببين:
الأول: أن الذي اعتمدوا على كتبه في تجنيد أتباعهم هو الذي ينتقد أعمالهم.
والثاني: أن ظهور «الوثيقة» أفقدهم الورقة السياسية التي كانوا يريدون أن يتفاوضوا بها مع الحكومة، فقد ظهرت الوثيقة بدون صفقة، فلم تبق لديهم ورقة مع السلطات إلا الرفض والاعتراض للمساومة بهما، وقالها لي أحدهم صراحة في 2/2007، قال لي «لم يبق معنا شيء مع السلطات إلا معاندتها»، وفي نفس الوقت قال لي أحد قدامي الإخوة عن المعارضين ـ وأمام شهود ـ «هؤلاء لا يهتمون بالأمور الشرعية، وإنما يفكرون بطريقة المساومات السياسية»، فهُم مازالوا يتصرفون بطريقة الصفقة السياسية واعتراضهم جزء منها.
(الحلقة التاسعة)
منظر الجهاديين: الظواهري دمر جماعة «الجهاد» ثلاث مرات
لو أن طبيبًا ذهب إليه أبوك للعلاج فمات، ثم ذهب إليه عمك فمات، ثم ذهب إليه أخوك فمات، فإذا ذهبت أنت بعد ذلك للعلاج عنده، رغم فشله المتكرر، فالعيب في عقلك أنت. هكذا يقول السيد إمام عبد العزيز أو الدكتور فضل، «منظر الجهاديين» عن أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة». ويضيف الدكتور فضل في كتابه الجديد «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة» إن «الواقع يشهد بأنه (الظواهري) طبيب القبور والسجون».
إن ملخص حياة الظواهري ـ كما يراها فضل ـ
«هو تاريخ مُظلم من الفشل المزمن، بعد أن تخصص في (فقه التبرير) بالمعاندة للكتاب والسنة».
وحلقة اليوم من مذكرة السيد إمام الشريف الشهير بالدكتور فضل للرد على الظواهري،
وكتابه «التبرئة» يستكمل فيها شرح تلبيس الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» على القارئ.
من مشاغبات الظواهري كلامه عن الإعداد للجهاد:
فقال في كتابه (التبرئة): «مرة أخرى يتعمد الكاتب ـ وهو أعلم بهذه المسائل ـ تغافل فريضة الإعداد، ومن الإعداد توفير ما يحتاجه الجهاد من مال وغيره، يقول الحق تبارك وتعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..» (الأنفال:60) ـ الآية ـ ومن الإعداد، الإعداد المالي»، هذا كلامه وفيه كرر الإعداد المالي.
وقد رددت عليه في الفصل الأول من هذه المذكرة وبيّنت أنه كذب، وأن الوثيقة بها نفس هذه الآية مع الشرح في البند الخامس عشر، فلا تغافل كما زعم.
أما هنا فأتكلم عن دور أيمن الظواهري في (الإعداد للجهاد) الذي يدندن حوله، ويتهم غيره بتغافله، فما دور الظواهري في الجهاد؟ وأنا هنا أتكلم ليعرف الناس حقيقة من يحرضهم على الجهاد وليعرف شباب المسلمين في أيدي مَن يضعون مصائرهم الدنيوية والأخروية، فما دور الظواهري في الجهاد؟
أ) دور الظواهري في تدمير جماعة الجهاد ثلاث مرات:
الأولى في قضية الجهاد الكبرى عام 1981: أوقع الظواهري بأفراد مجموعته خاصة من عجزت السلطات عن القبض عليه بالقوة كالأخ عصام القمري، رحمه الله، أوقع به الظواهري بالحيلة فأرشد عنهم وشهد ضدهم في المحكمة، لينجو بنفسه، ثم تباكى عليهم كعادته.
والثانية في عام 1993: بالرغم من تحذيري لهم، دفع الظواهري إخوانه للصدام في مصر وبأموال المخابرات السودانية، ففشلت أول عملية، وامتلأت السجون بالمئات منهم، وأعدم الكثيرون، وهرب الظواهري من السودان إلى أفغانستان، بعدما دمّر جماعته في مغامرات لأجل الدعاية والتفاخر، والغريب أنه يبرر هذا الدمار بقوله (لماذا قررنا أن ندخل معركة المواجهة مع الحكومة؟ قررنا أن ندخل المعركة حتى نبقى أحياء) صفحة 193 من كتابه (التبرئة)، أما الذي بقي حيًا فهو الظواهري نفسه، وأما جماعته فدمرها، لأن هذه المعركة كانت انتحارًا تنظيميًا، وكلامه هذا يدل على سوء تقدير شديد للأمور وعدم أهلية.
والمرة الثالثة عام 1998: عندما تحالف الظواهري مع بن لادن في (الجبهة العالمية لقتال الصليبيين واليهود) بعدما أفلس في مصر، فأخذت أميركا تلتقط من تبقى من جماعة الجهاد من مختلف دول العالم، وسلمتهم لمصر ونشأ عن ذلك (قضية: العائدون من ألبانيا)، وفي وصف تأثير هذا التحالف قال هاني السباعي (إن تحالف الظواهري مع بن لادن قد أضرّ بمركز جماعة الجهاد كتنظيم، وتسبب في خسائر جسيمة، لم يكن لجماعة الجهاد ناقة ولا جمل ولا مشورة في هذا التحالف، فإذا كانت الخسائر ناجمة عن رضا الجماعة وإفراغ وسع أفرادها قدر الاستطاعة الشرعية وبمشورة أهل الحل والعقد فيها لاختلف الأمر كثيرًا، لكن الموضوع تم بغير إراداتهم) صفحة 189 من كتاب (أيمن الظواهري كما عرفته) لمنتصر الزيات، ط2، عن دار أولي النهي.
وقد أدى سوء تصرف الظواهري في جماعة الجهاد وتدميره المتكرر لها إلى أن تلاشت بعدما بلغت المئات مع المهارات المتنوعة العالية، ولم يكن للظواهري دور يذكر في تجميع هذا العدد أو في تدريبه، فقط تخصص في التدمير، ويصف السباعي هذا بقوله (لقد كان يحيط بالدكتور ـ الظواهري ـ خمسة وعشرون مستشارًا وتمر الأيام ويتقلص هذا العدد بعد تفرق أفراد الجماعة في الأرض، إما بالسجن أو القتل أو المطاردة أو الانشقاق إلى خمس إخوة تقريبًا يقلون ولا يزيدون) صـ187 من (الكتاب السابق). فهل يجوز لمن تخصص في تدمير الجماعات أن يتكلم عن الإعداد للجهاد؟
قال الشاعر: «متى يبلغ البنيان يومًا تمامه.. إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم» ب)
دور الظواهري في تدمير الدولة الإسلامية الناشئة (طالبان):
عاش الظواهري عمره يدعو لإقامة دولة إسلامية، وبعد ثلاثين سنة من اشتغاله بالعمل الإسلامي، نشأت دولة إسلامية في أفغانستان، شاء الله ألا يكون لهم أي دور في قيامها بل في تدميرها، عندما أعلنوا الحرب على أميركا من أرض إمارة طالبان بإعلانهم (الجبهة العالمية) عام 1998، فلم تمض ثلاث سنين حتى قامت أميركا بتدمير هذه الدولة الإسلامية الناشئة. وبعدما عاند الظواهري كلام الله وقرر أن قتال العدو البعيد (أميركا) هو الأهم، جاءه العدو البعيد إلى باب بيته في أفغانستان فهرب من أمامه وترك عياله للأميركان يقتلونهم، حتى كان منهم من هرب متخفيًا في ثياب النساء، وترك مهمة جهاد الأميركان للأفغان، وللظواهري الميكرفون والإعلام وجمع التبرعات (الإعداد المالي).
فهل يجوز لمن تسبب في تدمير دولة إسلامية أن يتكلم عن الإعداد للجهاد؟
قال الشاعر:«لا يبلغ الأعداءُ من جاهلٍ .. ما يبلغ الجاهل من نفسه».
هذا فضلاً عن تخصصه في (فقه التبرير) بالمعاندة للكتاب والسنة، تاريخ مُظلم من الفشل المزمن، وملخص تاريخ الظواهري أنه يقول للمسلمين: «أسسوا الجماعات وأنا أدمرها وأبيعها للمخابرات، وأحكي لهم النكات. أنشئوا الدول الإسلامية، وأنا أدمرها وأشرد أهلها. جاهدوا الأعداء وأنا أهرب عن أهل بيتي وأجمع التبرعات باسمكم. ادفعوا لي التبرعات، وأنا أنفقها على تأمين نفسي وعلى سفرياتي. ادخلوا القبور والسجون وأنا أمسك بالميكرفون وأحرضكم. اصبروا في السجون، وأنا أفك نفسي من السجن بآلاف الدولارات. قاتلوا أميركا ومصر لتسهلوا لي التفاوض معهما».
كم دمر الظواهري من رجال وإمكانات مرة بعد مرة وما زال لا يستحي، ويتكلم عن الإعداد للجهاد، ولو أن طبيبًا ذهب إليه أبوك للعلاج فمات ثم ذهب إليه عمك فمات، ثم ذهب إليه أخوك فمات، فإذا ذهبت أنت بعد ذلك للعلاج عنده رغم فشله المتكرر فالعيب في عقلك أنت، بل في دينك وإيمانك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين) متفق عليه، ولن ينفعك الاعتذار بأن هذا الطبيب الفاشل قد خدعك بإعلاناته ودعايته عن نفسه بأن الطبيب المشهور الطبيب المرابط في الجبال والثغور، لأن الواقع يشهد بأنه طبيب القبور والسجون.
يا معشر المسلمين: كما شرع الله الجهاد لإظهار الدين، فقد شرعه أولاً لدفع الضرر عن المسلمين وإنقاذهم من المحن، وذلك في قوله تعالى: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله..» (الأنفال:39)، و(حتى لا تكون فتنة) فهذا لدفع الضرر عن المسلمين، و(يكون الدين كله لله) فهذا لإظهار الدين. وقد ورد هذا أيضًا في قوله تعالى: «وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك وليا وأجعل لنا من لدنك نصيرا»، (النساء:75).
فإذا عاد الجهاد بمزيد من الضرر والمحن والفتنة على المسلمين لم يكن مشروعًا. إلا أن الظواهري لم يلتفت إلى هذه الأحكام الشرعية، وبالمضادة لها دفع بإخوانه إلى مواجهات فاشلة في مصر وملأ بهم القبور والسجون وتركهم يعانون هم وأهاليهم وخلّف وراءه كوارث إنسانية من أجل الرياء والشهرة والفكرة والشعلة، وهرب وتركهم ولم يقبل لنفسه ما رضيه لإخوانه. ثم زاد هو وبن لادن بجلب المزيد من الكوارث الجسيمة على الشعب الأفغاني من أجل ضرب عدة عمارات في أميركا بالخيانة والغدر، فهل ما يجلب الكوارث على المسلمين يكون جهادًا مشروعًا؟ بل هل يُعد هؤلاء من العقلاء؟ فلا هم حافظوا على المسلمين، ولا هم هزموا الأعداء. قال الإمام السرخسي رحمه الله (ولأن حقيقة الجهاد في حفظ المسلمين قوة أنفسهم أولاً ثم في قهر المشركين وكسر شوكتهم، فإذا كانوا عاجزين عن كسر شوكتهم كان عليهم أن يحفظوا قوة أنفسهم بالموادعة إلى أن يظهر لهم قوة كسر شوكتهم) من (شرح السير الكبير)، وقارن بين هذا الكلام لعلماء المسلمين، وبين ما يفعله هذان المغامران بن لادن والظواهري وأتباعهما.
هذا شيء يسير من تاريخ الظواهري في الإعداد للجهاد الذي يدندن حوله. بعد أكثر من ثلاثين سنة من العمل الإسلامي والكلام عن الإعداد للجهاد ووجوب قتال العدو البعيد (أميركا)، هرب الظواهري من أمام الأميركان في 10/2001، وترك لهم زوجته وأولاده يقتلونهم، فأين الجهاد؟ وما فائدة إعداد، نهايته هروب مهين في ثياب النساء؟
12) آداب الشكر والضيافة في الإسلام وعند بن لادن والظواهري:
كثير من المسلمين المطاردين في العالم لم يجدوا بلدًا تقبلهم إلا إمارة أفغانستان الإسلامية (طالبان)، وكانت لا تطلب منك جواز سفر ولا تأشيرة دخول ولا إقامة، ولا تجبرك على مبايعة أميرها الملا محمد عُمر، وهي مع ذلك تحميك.
وقد عاش بن لادن في كنفها وبايع أميرها، إلا أنه أعلن الحرب على أميركا من أرضها، رغم أنف أميره ورغم رفضه لذلك. ولقد حاول كثير من الإخوة العرب في أفغانستان في الفترة من 1998 إلى 2001 صرف بن لادن عن مصادمة أميركا حرصًا على الدولة الإسلامية الوليدة (طالبان) منهم أبو مصعب السوري، وأبو عبد الرحمن الكندي، الذي قال لبن لادن وأصحابه (إذا كنتم لا تعتبرون طالبان دولة إسلامية، فاعتبروها مشروعًا ممكنًا لدولة إسلامية، ولندعمها حتى تقوى وتشتد)، فأبوا إلا الصدام مع أميركا ليستمر بن لادن في مشروعه الشخصي من دون مبالاة بالدولة المضيفة (طالبان) فلا قام بشكرها ولا احترم آداب الضيافة، ولا وفىّ ببيعة أميره بل خانه وغدر به وبدولته.
ففي الشكر: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفًا فكافئوه) حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود، أما مذهب بن لادن والظواهري فهو (من صنع إليكم معروفًا فدمّروه) هذا هو فقه شيوخ الجهاد، وهذا هو أدبهم مع الناس.
وفي آداب الضيافة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يُحْرجه) رواه البخاري. أي لا يجوز للضيف أن يبقى عند مضيفه حتى يوقعه في الحرج، وقد قامت طالبان بما وجب عليها شرعًا من الضيافة وزيادة، أما بن لادن والظواهري فلم يبالا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يُحرجه) فكان مذهبهما عكس ذلك وهو (بل يبقى عنده حتى يُدمّره)، هذا مذهب شيوخ الجهاد والثغور.
قال الشاعر: «ومن يصنع المعروف في غير أهله.. يلاقي الذي لاقى مُجير أم عامر»، و(أم عامر) هي كُنية الضبع عند العرب، وسبب هذا البيت أن أعرابيًا وجد ضبعًا صغيرًا يتيمًا في البادية، فأحضره إلى خيمته وجعله يرضع من شاةٍ له، فلما شبّ الضبع وغاب الأعرابي، عدا الضبع على الشاة فقتلها بعدما أرضعته، وهكذا عدا بن لادن والظواهري على طالبان فدمراها بعدما آوتهما وحمتهما.
13) تمسح الظواهري في الشيخين عبد الله عزام وعمر عبد الرحمن:
في كتابه (التبرئة) تمسح فيهما لعله يحصل على شيء من الشرعية، ضمن سياستهم في الاستقواء بأسماء المشايخ، وإن كانت الحقيقة بخلاف ذلك، كما أراد الظواهري ضمن سياسته المشهورة في المراوغة أن يوهم القارئ أن العلاقة بينه وبين هذين الشيخين كانت على ما يرام، في حين أنها كانت على الضد من ذلك تمامًا.
أما الشيخ عبد الله عزام: فقد كان أيمن الظواهري هو حامل لواء المعارضة ضده في أيام الجهاد الأفغاني ضد الروس، وفي لقاء جمع كثيرا من الإخوة العرب هاجم الظواهري الشيخ عزام، وقال له على الملأ (لست أنت عبد الله عزام الذي نعرفه، عبد الله عزام الذي نعرفه هو صاحب كتاب «العقيدة وأثرها في بناء الجيل»)، وبقي أن يعلم الناس أن «القاعدة» ما نشأت إلا كانشقاق على الشيخ عبد الله عزام، فهي ما نشأت كتنظيم إلا كنوع من الرفض للشيخ عبد الله عزام.
وأما الشيخ عمر عبد الرحمن: فأثناء سجنه معه في محاكمات قضية الجهاد بمصر (1981 ـ 1984)، كان الإخوة مجموعات شتى حاولوا أن يتجمعوا في جماعة واحدة بقيادة الشيخ عمر، فكان الظواهري أكبر المعارضين لذلك حتى وصفه الإخوة في ذلك الوقت بأن (الظواهري هو رأس الفتنة)، وهذا شيء مشهور بين الإخوة، وذكره الأستاذ منتصر الزيات المحامي في كتابه (الجماعات الإسلامية، رؤية من الداخل).
هذا شيء من حقيقة الظواهري الذي يتمسح في المشايخ بحثًا عن شيء من الشرعية لجبر العجز عنده، كالغريق يتعلق بقشة، شأنه في ذلك كلجوئه إلى الكذب والمغالطة الفقهية والمشاغبة وتلبيس الأمور في كتابه هذا.
14) مشاغبة الظواهري بأن كاتب (الوثيقة) وصفهم بالجهل:
يستنكر الظواهري في (التبرئة) استعمال كاتب (الوثيقة) لألفاظ مثل الجهال والحمقى فيمن يخالف أحكام الشريعة، وهذا من جهله بالكتاب والسنة وسيرة سلف الأمة. أما الظواهري وحزبه فقد أسرفوا في الكذب والسفاهة والبذاءة يدرك هذا من يطالع بياناتهم ضد (الوثيقة)، وأما أنا فما استعملت إلا المصطلحات الشرعية، ومنها:
أ) مما ورد في كتاب الله وصف المخالف للحق: «إن هم إلا كالأنعام.. » (الفرقان:44)، «.. فمثله مثل الكلب.. » (الأعراف: 176)، «.. كمثل الحمار..» (الجمعة:5)، «سيقول السفهاء..» (البقرة: 142)، «.. إذ أنتم جاهلون» (يوسف: 89).
ب) ومما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله ينفون عند تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) رواه الخطيب البغدادي وصححه أحمد، فها هو النبي قد بيّن أن هناك غالين ومبطلين وجاهلين يفسدون الدين، وأنه يجب على من لديه علم أن يكشفهم ويرد عليهم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا) رواه البخاري. وفي الحديث (إن الكذب فجور) رواه مسلم.
ج) ومما ورد عن الصحابة: أن جابرًا صلّى في إزار بغير رداء فقال له محمد بن المنكدر: تصلي في إزار واحد؟ قال له جابر (إنما صنعت هذا ليراني أحمق مثلك، وأينا كان له ثوبان على عهد النبي) وفي رواية (نعم، أحببت أن يراني الجهال أمثالكم) رواه البخاري. وعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل، وإنما هو موسى آخر، فقال ابن عباس (كَذَب عدو الله) رواه البخاري.
د) ومما ورد عن السلف الصالح: ما رواه مسلم في مقدمة صحيحه عن عامر الشعبي قال (حدثني الحارث الأعور الهمذاني وكان كذابًا) وعن ابن عون (قال لنا إبراهيم: إياكم والمغيرة بن سعيد وأبا عبد الرحيم فإنهما كاذبان).
ولما أراد القاضي ابن مخلوف أن يحاكم ابن تيمية لِماَ زعمه من أخطاء بـ(العقيدة الواسطية) التي كتبها ابن تيمية، قال ابن تيمية عنه (ولهذا لما ذكر الطيبرسي القضاة وأجملهم، قلت: إنما دخل في هذه القضية «ابن مخلوف» وذاك رجل كذاب فاجر قليل العلم والدين، فجعل يبتسم لما جعلت أقول هذا كأنه يعرفه، وكأنه مشهور بقبح السيرة ـ إلى قوله ـ وابن مخلوف ليس من أهل العلم بذلك ولا التقوى فيه) (مجموعة الفتاوى).
وقال ابن تيمية أيضًا (وما ذكرتم من لين الكلام والمخاطبة بالتي هي أحسن، فأنتم تعلمون أني من أكثر الناس استعمالاً لهذا، لكن كل شيء في موضعه حسن، وحيث أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالإغلاظ على المتكلم لبغيه وعدوانه على الكتاب والسنة: فنحن مأمورون بمقابلته، لم نكن مأمورين أن نخاطبه بالتي هي أحسن) (مجموع الفتاوى)، وقال أيضًا (والله تعالى يقول: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم..» (العنكبوت:46)،فمتى ظَلَم المخاطب لم نكن مأمورين أن نجيبه بالتي هي أحسن) (مجموع الفتاوى).
فيا معشر المسلمين هذا كلام الله تعالى في وصف المخالفين للحق وكلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم كلام الصحابة، فمَن بعدهم من علماء الأمة. وإذا كان الصحابي جابر بن عبد الله وصف التابعي محمد بن المنكدر بالجهل والحماقة لعدم علمه بسنة من السنن،
وإذا كان الصحابي ابن عباس قد قال عن التابعي نوف البكالي (كذب عدو الله) لخطئه في معلومة،
فما تقولون في بن لادن والظواهري وأتباعهما: الذين خانوا أميرهم، وغدروا بعدوهم، وجلبوا الكوارث على المسلمين، ودمروا الجماعات والدول، وملأوا القبور والسجون بالمسلمين، وأسسوا مذهبًا إجراميًا لتبرير القتل بالجملة ذكرت أركانه في الفصل الثاني من هذه المذكرة، وحّدد معالمه وأصر عليها الظواهري في كتابه (التبرئة)، ما تقولون في هؤلاء؟ وأترك للمسلمين الحكم عليهم. الفاسق شارب الخمر لا يضر إلا نفسه، أما هؤلاء فضررهم بالجملة.
وفي البند السابع من (الوثيقة) ذكرت أن قتل السياح في بلاد المسلمين للانتقام من حكوماتهم أو الحكومة المضيفة هو من ثارات الجاهلية وقد نهى الله عن ذلك في قوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى..». (الأنعام:164). اعتبر الظواهري استعمالي مصطلح (ثارات الجاهلية) نوعًا من التأثر بأساليب ضباط المباحث (صفحة 154 من كتابه التبرئة)،
وهو أول من يعلم أن كاتب (الوثيقة) لا يتأثر بالعواصف ولا بالأعاصير، ولكنه أراد التنفير من الوثيقة وكاتبها بكل السبل من أول كتابه إلى آخره فكشف عن جهله الشديد بالدين.
وأنا أقول للظواهري هل عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: (إنك أمرؤ فيك جاهلية) كان النبي صلى الله عليه وسلم متأثرًا بضباط المباحث أم تكلم كلامًا شرعيًا؟ وهل عندما كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كتابه (مسائل الجاهلية) كان متأثرًا بالمباحث؟ وهل عندما أكثر سيد قطب رحمه الله من استعمال مصطلح الجاهلية كان متأثرًا بالمباحث؟
والنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إنك امرؤ فيك جاهلية) كان بسبب أن هذا الصحابي سبّ آخر فقال له (يا ابن السوداء) الحديث متفق عليه، فماذا يقال عن أصحاب الظواهري الذين يقتلون بالجملة بغير تمييز؟ بل ماذا يقال عن الظواهري نفسه الذي يبرر لهم ذلك ويدافع عنهم؟ وأترك للمسلمين الحكم عليه.
يا معشر المسلمين كل الذنوب والمعاصي تسمى جاهلية، ولكن منها ما هو كفر، ومنها ما هو كبائر ليست كفرًا، وفي بيان ذلك أفرد البخاري رحمه الله بابًا في كتاب (الإيمان) من صحيحه وهو باب (المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك) وأورد فيه الحديث السابق. ولكن الظواهري لا علم له بذلك، ولهذا تراه يستنكر استعمالي للمصطلحات الشرعية كوصف المعاصي بالجاهلية، فهو يجادل في أمور لا علم له بها، وهذا من الكبر والعناد مع الجهل
كما قال ابن تيمية رحمه الله (فأول درجات الإنكار أن يكون المنكِر عالما بما ينكره، وما يقدر الناس عليه، فليس لأحد من خلق الله كائنًا من كان أن يُبطل قولاً أو يُحرم فعلاً إلا بسلطان الحجة، وإلا كان ممن قال الله فيه: «إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه...» (غافر:56)، وقال فيه: الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار» (غافر:35) (مجموع الفتاوى).
(الحلقة العاشرة)
منظر الجهاديين: الظواهري لم ينضم لإخوانه الذين حرضهم للقتال في مصر بل هرب إلى أفغانستان
يرى منظر الجهاديين السيد إمام عبد العزيز أو الدكتور فضل في كتابه «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة إن هدف تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري هو الوصول إلى قيادة الأمة المسلمة، ووسيلتهم هي رفع الشعارات وتحرير المساجد، أي الاعتماد على الدعاية والإعلام أساساً. اليوم يختتم الدكتور فضل فصله الثالث في تعرية تلبيس الظواهري على القارئ قائلاً: ومن مشاغبات الظواهري تكراره (ما قولكم في حكام العرب)؟
وينبغي أن لا يذهب بعيداً، بل يوجه هذا السؤال لأخيه محمد ولشيخه وأميره بن لادن. أما أخوه محمد فقد قال للأجهزة الأمنية بمصر (إن اعتقاده أن الحاكم مسلم)، ففرحوا به ومنحوه امتيازات، ثم كان يعطي محاضرات للشباب وقال لهم (إن الحاكم منافق ونأمره بالهجرة فإن رفض نقاتله، واستدل لذلك بقول الله تعالى:
«فما لكم في المنافقن فئتين ـ إلى قوله ـ حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم...» (النساء:88ـ89) هذا كلام أخيه، فهل هذا يمت للعلم الشرعي بصلة؟
والمنافق مسلم في أحكام الدنيا إجماعاً كما ذكره القاضي عياض في (الشفا)، وقتال الحاكم المسلم محرم إجماعا أيضاً كما ذكرته بالبند السادس في (الوثيقة). ثم إن أخاه أبدى استعداده للتعهد للسلطات بعدم الصدام في شهر 6/2007 ولكن في السر.
وأما شيخه وأميره بن لادن فأراد أن يقاتل صدام حسين في الكويت عام 1990م تحت راية الحكومة السعودية، ثم انقلب عليهم وكفرهم عام 1994م لما سحبوا منه الجنسية والجواز،
كان الخوارج يكفّرون بالكبائر فاخترع بن لادن التكفير بسحب الجنسية والجواز، ولما بدأ في إصدار بيانات تكفير السعودية، ونحن بالسودان، قلت له: أما تخشى من رد فعل السودانيين؟ فقال لي: إنهم يشجعونه على ذلك، ثم قرر السودانيون إبعاده في 1996، فكتب رسالة اعتذار لحكام السعودية ليعود إليها، وحمل رسالته مسؤول سوداني كبير، فرفضوا، فتوجه إلى أفغانستان. وعندما قرر بن لادن الاستقرار في السودان في 1992 نصحته ونحن في باكستان أن يبقى بالسعودية ويساعد القضايا الإسلامية قدر الاستطاعة كما فعل في الجهاد الأفغاني، فلم يقبل النصح، وأراد أن يفعل ذلك في 1996 فلم يفلح، فانتهى أمره إلى أن خاض في بحار لا ساحل لها من الدماء. فلماذا يذهب الظواهري بعيداً، يسأل أخاه وشيخه عن الحكام؟ ويسأل شيخه بن لادن عن الانتخابات البرلمانية التي دعمها في باكستان وعن المخابرات العسكرية الباكستانية التي تعاهد معها في باكستان.
يا معشر المسلمين نحن أمام طائفة من الجهال (بن لادن والظواهري وأتباعهما) حملهم جهلهم على ابتداع مذهبٍ إجرامي يبرر القتل بالجملة، ويريدون فرضه على المسلمين ويهاجمون من ينتقدهم بأنه يخدم (الحملة الصليبية الصهيونية على الأمة الإسلامية).
ولقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن الجهل بالدين من أعظم أسباب كثرة القتل وهذا هو ما يحدث في هذا الزمان، ويؤصل له الظواهري في كتابه (التبرئة)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل ويُرفع فيها العلم ويكثر الهرْج) والهرج: القتل. متفق عليه. وقال عُمر بن عبد العزيز (من عَبَد الله بجهل أَفْسَدَ أَكثر مما يُصلح) ذكره بن تيمية في (مجموع الفتاوى).
وقد أردت أن أحذر الناس منهم، خاصة شباب المسلمين، الذين يصطادهم هؤلاء بمجموعة من الأفكار المنحرفة والخطب الحماسية ليلقوا بهم إلى المهالك بدون أي طائل ولا أدنى إنجاز على أرض الواقع إلا الصياح الإعلامي الذي يُغطون به على جرائمهم ويلبّسون به الأمور على الناس.
ولقد قام بن لادن بتسخير الظواهري في أقذر مهمة، وهي تحريف الدين ومخالفة الكتاب والسنة من أجل تبرير أفكار بن لادن، فانتهى بهم الأمر إلى تبديل الشرع وإلى معاندة الله تعالى: الله يقول: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم...» (الشورى:30)، وهم يقولون (بل بسبب أميركا). والله يقول: «قاتلوا الذين يلونكم...» (التوبة:123)، وهم يقولون (بل قاتلوا العدو البعيد). والله يقول: «فاسألوا أهل الذكر...» (النحل:44)، وهم يقولون (بل اسألوا شيوخ الجهاد).
قال بن تيمية رحمه الله (والإنسان متى حلل الحرام المجُمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه، كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء) (مجموع الفتاوى).
وإذا كانوا يعاندون الشرع ويبدلونه هكذا لموافقة هواهم، وإذا كانوا يدمرون الدول والجماعات ويجلبون الكوارث على المسلمين وهم مستخفون هاربون، فكيف سيفعلون إذا تمكنوا من حكم دولة؟ وأنا تكلمت عن أمور عايشتها وعن أناس أعرفهم من عشرات السنين، كما أنني أعرف ما يليق وما لا يليق شرعاً من الكلام، وبالله تعالى التوفيق.
اختار الدكتور فضل أو السيد إمام عبد العزيز الشريف عنوان «تعرية الباحث عن الشهرة والنجومية» لفصله الرابع والأخير من كتابه ((مذكرة التعرية لكتاب التبرئة))
وفيه يقول: أفصح الظواهري عن هدفه، وعن وسيلته لتحقيق هدفه في قوله (يجب على الحركة الإسلامية المجاهدة أن ترفع شعار تحرير المقدسات الإسلامية الثلاثة: الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى المبارك، بهذا تجتمع لها أزِمّة قيادة الأمة المسلمة وتلتف حولها قلوب المسلمين في بقاع الأرض)، ولن أتكلم الآن في سذاجة هذا التفكير فالقضية الإسلامية أعظم من أمر المساجد وقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة كلها لأجل الدين، كما مات قبل فتح بيت المقدس، وقال الظواهري أيضاً (إن الجماهير لكي تتحرك تحتاج إلى: قيادة تثق بها... وتحتاج إلى عدو واضح) من كتابه (فرسان تحت راية النبي).
فالهدف: هو الوصول إلى قيادة الأمة المسلمة، والوسيلة: هي رفع الشعارات وتحرير المساجد، أي الاعتماد على الدعاية والإعلام أساساً، هذه هي محصلة أربعين سنة في العمل الإسلامي بغير علم. ومن هنا قدّم الظواهري نفسه وأصحابه على أنهم (الطليعة المجاهدة للأمة) وأنهم (رمز المقاومة الشعبية للحملة الصليبية الصهيونية على الأمة المسلمة) من كتابه (التبرئة).
ومن أجل تحقيق هدفه لجأ الظواهري إلى أخس صور الانتهازية حتى التضحية بالإسلام نفسه عن طريق تحريف أحكام الدين كما سبق في الفصل الثاني، مع التضحية بالمسلمين أنفسهم سواء إخوانه في مصر أو دولة طالبان التي آوتهم، حتى فاق عدد من تسببت القاعدة في قتلهم من المسلمين في بضع سنين عدد من قتلتهم إسرائيل في ستين سنة (1948-2008)، كما ذكرته من قبل. فالحقيقة هي أنهم لا يدافعون عن الإسلام ولا عن المسلمين بل يضحون بهما من أجل تحقيق أهدافهم الشخصية، ومنها الوصول إلى زعامة الأمة المسلمة وقيادتها.
وقد أدرك الظواهري أهمية الإعلام ودوره في صنع الشهرة والنجومية أثناء محاكمات قضية الجهاد الكبرى في 1981، فبالرغم من هامشية دوره في الأحداث إلا أن كثرة مخاطبته لوسائل الإعلام في المحكمة أدت إلى تضخيم حجمه، فعرف أهمية الإعلام من حينئذ، حتى غطى هذا على ما فعله بإخوانه من الإرشاد عنهم والشهادة ضدهم في المحكمة لينجو بنفسه.
ثم عاش الظواهري حياته يتسلق على أكتاف الآخرين من أجل الشهرة والنجومية والزعامة مع حرصه على الظهور والحضور الإعلامي: فبداية تسلق على أكتافي لسنوات سواء في أمور الدين أو الدنيا، حتى كان يقول لي (وجودك معنا رفع عنا الحرج الشرعي). وبعدما قطعت صلتي بهم لجأ إلى خيانة الأمانة والسرقات العلمية من كتبي ليعطوا أنفسهم ثقلاً شرعياً، وليس عيباً أن لا يكون الإنسان عالماً، ولكن العيب والحرام أن يسرق علم غيره ليظنه الناس عالماً، كما أنه ليس عيباً أن يكون الإنسان فقيراً ولكن العيب والحرام أن يسرق مال غيره ليظنه الناس غنياً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يُعط كلابس ثوبى زور) الحديث متفق عليه. وكعادته في الانتهازية جحد الظواهري إحساني إليه، وتمرد التلميذ على أستاذه: كذب وخيانة أمانة، وصدق فيه قول القائل: «إن أنت أكرمت الكريم ملكته.. وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا».
وكان من خيانته للأمانة: أني تركت لهم نسخة من كتابي (الجامع) لينتفعوا به دراسة وبيعاً، فقام بحذف الكثير منه بالرغم من أنني نهيت عن اختصاره في مقدمته. وكان من كذبه: أنه كتب اسماً ومقدمة جديدة للكتاب ونسبها لي، وخرّب الكتاب وحده ونسب ذلك للجنتهم الشرعية كعادته في الهروب من تحمل المسؤولية.
وكان من بلطجته: أنه أرسل تهديداً للأخ ياسر السري في لندن إن هو طبع كتابي الأصلي. وكل مجرم لا بد أن يأتي بشبهة وتأويل يدرأ بها اللوم عن نفسه، ابتداءً من شيخهم إبليس الذي برّر معصيته بقوله: «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين» (الأعراف: 12)، فبرّر الظواهري كذبه وخيانته بأكاذيب أخرى أدعوه هو وكل من يرددها من أصحابه للمباهلة فيها:
* فمنها: قوله إن كتابي (الجامع) كان عملاً جماعياً لجماعتهم، ووالله الذي لا إله غيره، ما كتب إنسان حرفا في كتبي، ولا كان في جماعته رجل مؤهل شرعياً لمشاورته فيما أكتب، وقد كتبت (الجامع) عام 1993 بعدما قطعت صلتي بهم، وذكرت في مقدمته أنني لا أنتمي إلى أي جماعة وإنما هي دراسة باحث محايد.
* ومنها: قوله إن اسم عبد القادر بن عبد العزيز كان رمزاً لجماعة الجهاد، ووالله الذي لا إله غيره أنا فقط الذي وضعت هذا الاسم لنفسي لأجل البعد عن الشهر، ولم أستشر فيه أي إنسان ولا فرضته على أحد، بل هم تعلقوا به.
* ومنها: قوله إنني خدعتهم فيما اشتمل عليه كتابي (الجامع) من موضوعات، وكلمة الخداع لا تقال إلا إذا كان هناك تعهد مسبق بكتابه شيء معين ثم أخالفه، ووالله الذي لا إله غيره أنني لم ألتزم مع أي إنسان بكتابة شيء من الأصل ولا بكتابة كتاب معين ولا بمحتويات أي كتاب، وعندما كتبت (العمدة) و(الجامع) ونشرات جماعة الجهاد لم أتقاض أجراً من أي جهة في مقابل ذلك، لا قبل ولا بعد كتابته، هذا شيء تطوعت به لوجه الله رغم الجهد الذي بذلته فيها.
فاللهم هذا كلام الظواهري وهذا ردي عليه، فاللهم أنزل لعنتك على الكاذب منا. وهذه مباهلتي الثالثة التي أدعوه إليها في هذه المذكرة، هو وكل من يردد كلامه من أصحابه.
قد خان الأمانة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) حديث صحيح رواه أحمد وبن حبان عن أنس.
ثم ادعى هذا المفتري الكذاب أن تهذيب الكتب شيء موجود لدى السلف، وقد أراد أن ينسب إجرامه إلى السلف، ولكن فاتته أمور:
منها: أنني نهيت في مقدمة كتابي عن اختصاره خشية العبث به. ومنها: أن الذين قاموا بالتهذيب كبن حجر كانوا علماء، وهو ليس منهم. ومنها: أن الذين قاموا بالتهذيب لم يُخفوا الكتاب الأصلي ولم يهددوا من يطبعه، فقد جاء بن الجوزي بعد الغزالي بنحو مائة سنة ليهذب (الاحياء) في (منهاج القاصدين) ثم جاء أحمد بن قدامة بعد بن الجوزي بنحو مائة سنة ليختصر منهاج القاصدين، أما الظواهري فأخفى كتابي (الجامع) وهدد ياسر السري إن طبعه. ومنها: أن الذين قاموا بالتهذيب لم ينسبوا ما فعلوه للمؤلف الأصلي كما فعل الظواهري الذي وضع عنواناً ومقدمة من عنده ونسبها لي. الظواهري يمارس الكذب والخيانة والبلطجة ويتكلم عن التهذيب.
ولم يكتف هذا المفتري الكذاب بذلك، بل قام بتنزيل كلامي المطلق في الكتاب على أفراد معينين بغير دليل بما يوقعه في البهتان المبين ويلغي فائدة الكلام المطلق.
بقى أن يعلم القارئ الكريم أن الظواهري أجرم في حقي وفي حق كتابي وكذب وخان الأمانة لمجرد مجاملة بعض الجماعات الإسلامية فقال (إخواننا يقتلون في الجهاد ونحن ننتقدهم في الكتب) وانطلت شبهته على أصحابه فاتبعوه، وهذا من شدة جهلهم، فالجهاد لم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)، ومن إنكاره على أسامة بن زيد، ومن قوله: (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)، (وبأقوام لا خلاق لهم)، ولكنهم قوم لا يفقهون، هذه هي سيرة أيمن الظواهري وعادته: يجامل الآخرين بتحريف كتاب غيره. ويجامل بن لادن ويبرر إجرامه بتحريف الدين ومعاندة شرع الله. ويغامر بدماء إخوانه لتحقيق شهرته.
ولقد تكلمت كثيراً في أسباب فشل الحركات الإسلامية، وكنت دائماً أقول: إن الشك في القائمين على العمل الإسلامي خير من الشك في وعد الله: «وكان حق علينا نصر المؤمنين» (الروم:47) فوعد الله حق ولا يتخلف النصر إلا بنقص في الإيمان الواجب وذلك فسق، ولا يغني وجود بعض الصالحين إذا كثر الخبث، كما صح الحديث بذلك.
ثم تسلق الظواهري على أكتاف بل دماء إخوانه في جماعة الجهاد، بعدما نهيتهم عن الصدام في مصر، فباعهم مرتزقة للمخابرات السودانية لتنفيذ عمليات قتالية بمصر من 1993، رغم علمه بعدم جدواها، إلا أنه ضحى بإخوانه ودفعهم إلى المشانق والسجون من أجل إثبات الذات والشهرة، حتى أنه لما لم يرد اسمه في وسائل الإعلام بعد محاولة اغتيال عاطف صدقي (رئيس وزراء مصر الأسبق) سارع الظواهري للاتصال بالإعلام وأعلن عن نفسه في حوار أجراه بالفاكس مع صحيفة (العربي الناصري)، حتى لا تفلت منه فرصة الشهرة. وقد قام الظواهري في هذا الحادث بمنتهى الانتهازية، فترك مسؤولية اتخاذ قرار العملية لمجلس الشورى، وترك مسؤولية متابعة التنفيذ من خارج مصر لمجموعة من إخوانه كل هذا ليبعد عن نفسه المسؤولية القضائية، أما هو فله الظهور في وسائل الإعلام وتسلم الأموال من المخابرات السودانية. ثم لما انقطعت به السبل وعجز عن فعل شيء في مصر، طرده السودانيون في 1995، ولم يذهب الظواهري ليقاتل في مصر كما وعد إخوانه لأن هدفه لم يكن القتال في ذاته بل الشهرة وقد تحقق له شيء منها، وإنما لجأ إلى الهرب حرصًا على سلامته الشخصية ولم يتوقف إلا في أفغانستان حيث الملاذ الآمن. أي أن الظواهري قد حرض إخوانه على الصدام في مصر حتى سقطوا بين قتيل وسجين، ثم هرب هو ولم يقبل على نفسه ولا على أخيه ما حرضهم عليه، فإذا كان الجهاد في مصر واجبًا: فلماذا هرب الظواهري وأخوه من أداء الواجب؟ وإذا لم يكن واجبًا: فلماذا ضحى بإخوانه وعرّضهم للقتل والسجن في شيء غير واجب؟ اسألوهم عن ذلك، فإن مجلس شوراهم لم يسألهم بل هربوا كلهم من السودان في 1995 بعدما دفعوا صغار الشباب للقتل والسجن في مصر.
وأنا أذكر هذا الكلام لتتعلم الأجيال الناشئة من الشباب كيف تتم المتاجرة والمغامرة بهم، وحتى لا يُقدم مسلم على شيء إلا بفتوى من العلماء الأمناء. في كتابه (مختصر منهاج القاصدين) قال الشيخ أحمد بن قدامة: إن الناهي عن المنكر (إن علم أنه يُضرب معه غيره من أصحابه لم تجز له الحسبة، لأنه عجز عن دفع المنكر إلا بإفضائه إلى منكر آخر، وليس ذلك من القدرة في شيء). هذا كلام العلماء،
أما الظواهري فإنه لا يتحمل الإيذاء مع إخوانه، بل يحرضهم على الصدام وهو يهرب، ليكون عليهم المغرم (الخسائر) وله المغنم (المكاسب من السلامة والشهرة والأموال). ومازال الظواهري يمارس هوايته في التحريض عبر وسائل الإعلام إلى اليوم، ولم يرتق الظواهري في الرجولة مع إخوانه إلى مرتبة اليهودي الكافر حُيَى بن أخطب، فمن هو حُيىَ هذا؟
لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان بها ثلاث قبائل من اليهود: بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، فعاهدهم على المسالمة والتعايش، ثم غدرت بنو قينقاع فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة، ومن بعدها غدرت بنو النضير فأجلاهم أيضًا وكان رئيسهم حُيىَ بن أخطب وفيهم نزلت سورة الحشر، ولجأ حُيىَ إلى خيبر، ثم قام بتحريض قريش وغطفان على غزو المدينة (في غزوة الأحزاب وهي الخندق)، وفيها عاهدت بنو قريظة النبي صلى الله عليه وسلم على أن يبقوا على الحياد وألا يسمحوا لأحزاب الكفار باقتحام المدينة من جهتهم، فجاء حُيىَ إلى صاحبه اليهودي كعب بن أسد رئيس بني قريظة وظل يحرضه على نكث العهد والتحالف مع الأحزاب ووعده أن يبقى معهم في حصنهم ليجري عليه ما يجري عليهم ـ وهنا الرجولة ـ فغدرت بنو قريظة، وكانت نهايتهم كما هو معروف في السيرة أن ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم وقتل رجالهم وقتل معهم حُيىَ بن أخطب. فهذا اليهودي حرّض ولم يهرب كالظواهري، بل وضع نفسه مع من حرّضهم ليجري عليه نفس المصير. هذه هي رجولة اليهودي، فأين الظواهري منها وهو يحرض بالريموت كونترول؟
وبالرغم من أن الظواهري أصدر بيانًا لأصحابه بوقف العمليات في مصر من عام 1995، إلا أنه عندما أعلنت الجماعة الإسلامية (مبادرة وقف العنف) في مصر في 1997، هاجمها الظواهري وشنّع عليها لأنها تحرمه من الأحداث الساخنة التي يمكنه المتاجرة بها.
ثم بعدما أفلس في مصر، وهرب من السودان، تسلق الظواهري على أكتاف الجماعة المسلحة الجزائرية، وظل يحرضهم على الإسراف في القتل في مجلات (المجاهدون) و(الأنصار) الصادرة من لندن، وظل يبرر لهم أفعالهم لسنوات لمجرد أن يكون له حضور في ساحة الإعلام الجهادي، ولتكون له يدٌ عند تلك الجماعة عند وصولهم لحكم الجزائر الذي ظنه وشيكًا. ثم لما كثر النقد ضد هذه الجماعة تراجع الظواهري عن تأييده لها ليبقى على ماء وجهه، بعدما برّر لهم الإجرام كما يبرره اليوم لبن لادن.
ثم لما أفلس في الجزائر بعدما أفلس في مصر، جاءت للظواهري فرصة الظهور الإعلامي باشتراكه في (الجبهة العالمية لجهاد اليهود والصليبيين) التي أعلنها بن لادن في 1998، وقد أدى اشتراك الظواهري فيها إلى كارثة على جماعة الجهاد كما ذكرته من قبل، وكل هذا لا يهمه طالما حافظ على سلامته الشخصية وحقق الشهرة الإعلامية فلا يبالي بالتضحية بإخوانه في 1998 كما ضحى بهم من قبل في 1993 وفي 1981، ولا مانع من مجاملتهم بأن يتباكى عليهم في كتبه.
وقد اقتضى اشتراكه في (الجبهة العالمية) نوعًا من فقه التبرير، فوضع الظواهري (نظرية قتال العدو البعيد) أي أميركا، كما ذكرته في الفصل الثاني، وألّف كتابه (فرسان تحت راية النبي) عام 2000 لتبرير اشتراكه في تلك (الجبهة).
(الحلقة الحادية عشرة)
منظر الجهاديين: لماذا لجأ الظواهري إلى تقديس بن لادن بعد نقده له واتهامه بالعمالة؟
يقترح منظِّر الجهاديين السيد إمام عبد العزيز، المعروف بالدكتور فضل، على الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، تغيير اسم كتابه «التبرئة» ليصبح «التبرير»، «حتى يتسق عنوان الكتاب مع محتواه في تبرير كل أخطاء وجرائم اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة».
واختصر الدكتور فضل أهداف الظواهري في ثلاثة أشياء: الهروب والميكروفون وصندوق التبرعات. ويكمل في حلقة اليوم من كتابه «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة» ما وصفه بتعرية بحث الظواهري عن الشهرة والنجومية.
لم يحقق الظواهري ما يريده من اشتراكه في (الجبهة العالمية)، فبعد تفجيرات نيروبي (1998) والمدمرة كول (2000) تدفقت الأموال ووسائل الإعلام العربية والأجنبية على بن لادن شخصيًا الذي كان لا يسمح لأحد بالظهور غيره، وكلاهما مولع بالإعلام، وجنى بن لادن منافع تشكيل (الجبهة العالمية) من الشهرة والأموال، ولم يجن شركاؤه فيها شيئًا، بل على العكس من ذلك جنى الظواهري خسائر جسيمة لجماعته إلى حد تدميرها. إلا أن الظواهري لم يبال بذلك ولكنه أدرك أن تحقيق الشهرة والنجومية لن يتم إلا بالتسلق على أكتاف بن لادن وتنظيمه (القاعدة)، فقرر الانضمام إليه وبايع بن لادن على ذلك في 6/2001، وانضم معه ثمانية أفراد فقط من جماعة الجهاد التي أصدر مجلس شوراها بيانًا بفصلهم منها. ولم توافق هذه الجماعة على مبدأ العمل المشترك مع بن لادن لسابق علمهم به، وأصدرت عدة بيانات بذلك.
وفي كتابه (فرسان تحت راية النبي) فسّر الظواهري تقاربه من «القاعدة» بأنه من باب توحيد جهود المسلمين، وهذا غير صحيح لأن بن لادن كان أمامه لمدة أربعة عشر عامًا، من 1987 ـ 2001، ولم يتحد معه من قبل بل كان ينتقده نقدًا لاذعًا إلى حد اتهامه له بأنه عميل للمخابرات السعودية لمجرد أنه نقص عنهم التبرعات عام 1995،
وكتب الظواهري مقالاً في مجلتهم (كلمة حق) ضد بن لادن بعنوان (جاد الشباب بأرواحهم وضنّ الأغنياء بأموالهم). ولم تنضم معه جماعة الجهاد إلى «القاعدة» بل انضم الظواهري ومعه ثمانية أفراد فقط، والسبب ليس توحيد الجهود وإنما ـ وكما سبق ـ لأن الظواهري وجد أن الزخم والمال والشهرة كلها تصب عند بن لادن منذ إعلان الجبهة في 1998، وعلم الظواهري أنه لن يصل إلى شيء من ذلك بمجرد التحالف مع بن لادن بل بالتبعية له.
كان بن لادن يعلم جيدًا أن انضمام الظواهري إليه هو انضمام العاجز الذي انقطعت به السبل والذي لم ينجح في شيء، فلم يُسند إليه أي عمل، كما لم يكن لدى الظواهري شيء يقدمه لبن لادن لا شرعيًا ولا عسكريًا ولا سياسيًا ولا ماليًا إلا اسمه، وبالتالي فإن بن لادن جامله أيضًا في الأسماء فقط فغيرّ اسم تنظيمه من (القاعدة) إلى (قاعدة الجهاد) وهو الاسم الذي يحرص الظواهري على إبرازه. كما لم يُطلع بن لادن الظواهري على أحداث 11/9 قبل وقوعها، وكان بن لادن لا يسمح لأحد غيره بالظهور إعلاميًا، فعاش الظواهري بعد انضمامه لـ«القاعدة» فردًا في الظل وكان يتردد على مقر اللجنة الإعلامية لـ«القاعدة» في قندهار ليساهم في بعض أعمالها تحت رئاسة خالد شيخ محمد.
ثم جاءته الفرصة الذهبية لتحقيق حلم حياته وطموحه في الشهرة والنجومية، فجاءت أحداث 11/9/2001 إلى الظواهري على طبق من ذهب ليحقق طموحه:
فهي أحداث جسيمة يمكن استثمارها إعلاميًا بصورة كبيرة، وهي وإن لم يشارك في صنعها إلا أنها من صنع تنظيم انضم إليه منذ ثلاثة شهور.
وساعده على ذلك غياب كل رؤوس التنظيم بعد 11/9، فبن لادن قد توارى، وكل القيادات بـ«القاعدة» إما قتلت أو أسرت إلى غوانتانامو أو حددت إقامتها في إيران. فخلت له الساحة ليصول ويجول وسط صمت الآخرين أو غيابهم.
«خَلا لكِ الجو فبيضي وأصفِري.. ونَقّرى ما شئتِ أن تُنَقّري».
ومما سبق ـ في فصول هذه المذكرة وفي غيرها ـ يمكن للقارئ أن يدرك بسهولة ما فعله الظواهري من أجل استثمار أحداث 11/9 في تحقيق الشهرة والنجومية والزعامة الإسلامية، ومن ذلك باختصار:
1. تعظيم تفجيرات 11/9 : باعتبارها أعظم الأمجاد والفتوحات الإسلامية، وهذه حيلة إبليس لعنه الله في تحسين الشيء القبيح بمنحه اسمًا حسنًا، فكما وصف إبليس شجرة الإثم والندامة بأنها «.. شجرة الخلد وملك لا يفنى» (طه:120)، فكذلك وصف الظواهري تفجيرات 11/9 ـ وهي خيانة للصديق وغدر بالعدو وكارثة على المسلمين ـ بأنها الغزوات المباركة، ومنحوا منفذيها رتبة (الشهيد) التي تخول لحاملها دخول الجنة، للحديث (والشهيد في الجنة)، فهي صكوك غفران، كما أصدروا قرارات حرمان من ملكوت السماء ضد من ينتقدهم بأنهم يخدمون التحالف الصهيوني الأميركي كما وصفوا بذلك (وثيقة ترشيد العمل الجهادي) ولو كان كاتبها هو أستاذهم ومعلمهم الذي تربوا على كتبه وجندوا أتباعهم بكتبه، يصير عميلاً أميركيًا لأنه تجرأ على مهاجمة صنمهم (11/9). وبهذا سلك الظواهري وأصحابه مسلك الكنيسة في منح صكوك الغفران لمحبيها، وإصدار قرارات الحرمان ضد منتقديها.
2. تبرير تفجيرات 11/9 شرعيًا : وفي سبيل ذلك كتب الظواهري كتابه (التبرئة) وكان الأولى أن يسميه (كتاب التبرير)، وقد استمات فيه في الدفاع عن أحداث 11/9 لأنها فرصته الذهبية للشهرة والنجومية، كما قام فيه بالتحريض على مزيد من سفك الدماء ليستمر الإجرام ويستمر معه دوران عجلة الشهرة والنجومية والتمويل.
ولا شك في أن كتابه (التبرئة) وما اشتمل عليه من تحريف للدين هو عقوبة من الله تعالى للظواهري على سالف معاصيه من الكذب وخيانة الأمانة والعمالة والفرح بالمعاصي والانتهازية إلى درجة التضحية بإخوانه، فجاء تحريفه للدين عقوبة قدرية من الله له على ذلك كما قال سبحانه: «فأصابهم سيئات ما عملوا» (النحل:34)، وكما قال تعالى: «إنما نملي لهم ليزدادوا إثما» (آل عمران:178)، وقال سبحانه: «أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون» (فاطر:8)، وقال تعالى: «فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ..» (الصف:5).
3. عدم الاعتراف بالمسؤولية المباشرة: عن تدميرهم لتنظيم القاعدة وطالبان وأفغانستان كآثار مباشرة لتفجيرات 11/9، هذا بخلاف الآثار التابعة. ولهذا فإنهما لا يتحدثان عن كارثة أفغانستان في خطبهما لأن هذا يلفت الانتباه إلى مسؤوليتهما عنها، وإنما هما يكثران من الحديث عن مآسي فلسطين ليصرفا الانتباه عن أفغانستان وما جلباه عليها من الدمار، وبالتالي فلا يمكن لبن لادن أو الظواهري أن يعتذرا عن شيء من ذلك رغم مسؤوليتهما عنه، وذلك لأن الاعتذار معناه:
أ) ضياع الوجاهة وتحطيم الأمجاد التي بنياها على تفجيرات 11/9 والتي حققت للظواهري حلم حياته في الشهرة والنجومية.
ب) ولأن الاعتذار معناه أيضًا الإقرار بالخطأ وبالخيانة والغدر وسوء التقدير في أحداث 11/9، بما يعني عدم الأهلية الشرعية والعسكرية لقيادة الجهاد، ولا لزعامة الأمة الإسلامية التي يطمحان إليها.
ج) والاعتذار معناه أيضًا وجوب تعويضهما لكل المتضررين من أحداث 11/9 في كل مكان في العالم (أي دفع الغرامات الحربية)، وهم إن أفلتا من هذا في الدنيا فلن يفلتا منها يوم القيامة بل ولا في قبريهما.
ونظرًا لثقل تبعات الاعتذار، فلم يعتذرا رغم مرور ست سنوات وأكثر على الأحداث، وليذهب الشعب الأفغاني والملا محمد عُمر إلى الجحيم، ولتوضع الأحكام الشرعية على الرف، ولتبقى الوجاهة والشهرة، فقد ظهر دين جديد فيه قال بن لادن والظواهري كذا وكذا في مقابل دين الإسلام الذي فيه قال الله وقال رسوله.
ومهما أكثرا من الصخب الإعلامي للتغطية على جرائمهما، فإن الأجيال المعاصرة والقادمة لن تنسى أبدًا أن بن لادن والظواهري وأتباعهما مسؤولون مسؤولية مباشرة شرعية وتاريخية عن إضاعة دولة إسلامية كانت قائمة في أفغانستان (طالبان) وعن مأساة شعب مسلم في أفغانستان التي آوتهما، هذه هي محصلة جهادهما والإعداد له.
4. تقديس الظواهري لبن لادن: إلى درجة إنكاره على من ينتقده كما سبق في الفصل الثالث، وكأنه قد ظهر معصوم في الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. والعجيب أن الظواهري ظل ينتقد الإخوان المسلمين طول حياته ثم صار تابعًا لرجلٍ منهم (بن لادن) يبرر له إجرامه ويحوّل باطله إلى حق، ويحوّل كوارثه إلى مآثر وأمجاد كما فعل غوبلز (خطيب النازية) مع هتلر إبان الحرب العالمية الثانية. فلماذا لجأ الظواهري إلى تقديس بن لادن بعد نقده له واتهامه بالعمالة؟
أ) السبب الأول: أن بن لادن منح الظواهري فرصة عمره في الشهرة والنجومية، فقدم له في لحظات أحداث 11/9 على طبق من ذهب، ليستثمرها الظواهري في تحقيق ما عجز عن تحقيقه بقدراته الشخصية في ثلاثين سنة من النجومية.
ب) والسبب الثاني: التمهيد لخلافة بن لادن في قيادة ما تبقى من تنظيم القاعدة، والظواهري يعلم جيدًا أن القاعدة هي بن لادن لا غير، وأن أعضاءها مرتبطون ببن لادن شخصيًا بلا منهج ولا فكر إلا ما يراه بن لادن، فلا بد من تقديسه ليرث ولاء أتباعه إذا مات بن لادن. فالظواهري يريد أن تنتقل إليه ملكية العلامة التجارية (القاعدة) في حالة موت صاحبها، فلا بد من تقديسه. وإن كان من المستبعد أن يدين سعودي أو يمني لشخص آخر بالولاء غير بن لادن، ولكن لا مانع من مغازلته لهم.
ج) والسبب الثالث: التمويل، لأن 99% من تمويل القاعدة كان يخرج من السعودية لبن لادن شخصيًا، فلا بد من تقديسه ليستمر أصحابه أو بعضهم في الدفع لخليفته إذا مات. فالظواهري يمهد للحظة إعلان وفاة بن لادن ليرث تركته التنظيمية.
ولهذا فقد صار الخائن الغادر المدمر بن لادن هو الشيخ الإمام المجاهد عند الظواهري وأصحابه، وانتقلت العدوى منهما إلى غيرهما. إلا أنه وكما هو معلوم في الشرع فإن تغيير الأسماء لا يغير من الحقائق شيئًا، فكل ما أسكر حرام وإن لم يسمه الناس خمرًا.
5. واستكمالاً لمقومات الزعامة الإلكترونية للأمة الإسلامية، فكان لا بد أن يتحدث الظواهري في كل قضايا الأمة، وهو ما يفعله، خاصة قضية فلسطين التي وصفها الظواهري بأنها (القضية التي تلهب مشاعر الأمة المسلمة) وأن رفعهم لهذه الشعارات هو الذي يجمع لهم (قيادة الأمة المسلمة) من كتابه (فرسان تحت راية النبي)، وقد سبق هذا في الفصل الثالث.
وبعد:
فهذا ما فعله الظواهري من أجل تمجيد أحداث 11/9، والدفاع عنها وعن فاعلها (بن لادن)، فهي التي حققت له الشهرة والنجومية، ولكن من فوق جبال من الجماجم والدماء والأشلاء والخراب والأسرى والمآسي الإنسانية، التي شارك في صنعها وهلل لها وبررها، فبئست الشهرة والنجومية هي. ولم يبال الظواهري بشيء من هذا الخراب وإن أصاب أهل بيته بعدما تخلى عنهم، وكل ما كان يحرص عليه طوال سيرته ثلاثة أشياء: الهروب والفرار المهين حرصًا على سلامته الشخصية، والحضور الإعلامي بأي شكل، وجمع الأموال.
أو هي باختصار: الهروب والميكروفون وصندوق التبرعات. وصدق فيه ما قيل في الحجاج بن يوسف:
«أسدٌ عَلَي وفي الحروب نعامةٌ .. فتخاء تنفر من صفير الصافر،
هلاّ برزت إلى غزالة في الوغى.. بل كان قلبك في جناحي طائر».
و(غزالة) امرأة من الخوارج كانت تقاتل الحجاج وجيوشه، وكان الحجاج يرتعد منها ويهرب على بطشه وجبروته. ذكره ابن كثير في أحداث سنة 77هـ في (البداية والنهاية) 9/19 ـ 23.
ولو أن رجلاً قتل دجاجة لجاره لاعتذر له ولعوضه عنها، إلا أن هؤلاء ـ بن لادن والظواهري ـ لم يبالوا بما جرى على أفغانستان وأهلها من القتل والخراب وما زالت دماؤهم تسيل إلى يومي هذا بسببهم، ومع ذلك لم يعتذروا لأحد وكأن الأفغان شعب من الحشرات لا قيمة لهم. وليس الأفغان وحدهم الذين سالت دماؤهم بسبب القاعدة، بل شعوب أخرى كثيرة في مشارق الأرض ومغاربها.
ولو أن رجلاً أساء التصرف في شيء من ماله الذي يملكه لاعتبره الناس سفيها ولحكم القاضي عليه بالحجر للسفه، فكيف ببن لادن والظواهري اللذين أساءا التصرف في دولة لا يملكانها (طالبان) وفي شعب لا يملكانه (الأفغان) بل وفي تنظيماتهما الإسلامية، وفرضا على طالبان حربًا مع أميركا رغم أنوفهم، ورغم نهي أميرهما الملا محمد عُمر لهما عن الصدام مع أميركا، بماذا يوصف هؤلاء؟
عاش بن لادن في السودان أربع سنوات (1992 ـ 1996) أنفق عليهم عشرات الملايين من الدولارات ورصف لهم مئات الكيلومترات وغيرها، ثم عاش بعدها في أفغانستان خمس سنوات قبل 11/9 (1996 ـ 2001) وبالرغم من مبايعته لهم وحمايتهم له لم يرصف لهم طريقًا واحدًا ولا بنى مدرسة أو مستشفى، وكان مئات الأطفال الأفغان يموتون في تلك الفترة من الجوع والبرد بلا مغيث، بل زاد من كوارثهم بعد 11/9/2001. واتخذا الملا محمد عُمر وطالبان وأفغانستان مجرد سُلم تسلقا عليه لتحقيق مآربهما، انتهازية بشعة.
ثم دخلا العراق بعد احتلاله في 2003 بالتسلق على أكتاف جماعة (أنصار الإسلام) الكردية، ثم تنكرا لها وعملا في العراق باستقلالية عنها، وأمير هذه الجماعة وهو الملا كريكار (وكنيته: أبو سيد قطب) كان قد أخبرني عام 1990 أنه ترجم كتابي (العمدة) إلى اللغة الكردية.
وبعدما دخلت القاعدة العراق بفريق غير عراقي اتهمهم البعض بأنهم أجانب عن العراق، وهذه تقسيمات جاهلية لا يبالي بها من يجاهد في سبيل الله، ففي الحديث (المسلم أخو المسلم)، ولكنهم أرادوا أن يثبتوا أن المقاومة عراقية الجنسية، فأرسلوا أحد قادتهم المهمين من وزيرستان بباكستان إلى العراق لمجرد الرياء والسمعة وهو عبد الهادي العراقي، فلم يصل إلى العراق واعتقلته أميركا في الطريق، ولم يتم الأمر لأنه قام على الرياء وهو شرك.
وأحب أن ألفت نظر القارئ إلى أن الظواهري متأثر بكلام سيد قطب رحمه الله، والصحيح من كلامهما هو من باب الثقافة العامة لا يجوز ترتيب أحكام فقهية عليه، خاصة ما يتعلق باستباحة الدماء والأموال، فالعجز الفقهي لديهما شديد.
ولكن شتان ما بين سيد قطب وبين الظواهري في الصدق، فقد قال سيد قطب (إن إصبع السبابة التي تشهد لله بالتوحيد في كل صلاة تأبى أن تكتب استرحامًا لظالم) هذا ما نقله الظواهري في كتابه (فرسان تحت راية النبي)، وقد ثبت سيد قطب على ذلك رحمه الله. فماذا كانت منزلة الظواهري في الصدق والثبات؟ أرشد الظواهري عن إخوانه وشهد ضدهم في 1981 لينجو بنفسه، ثم باع إخوانه للمخابرات السودانية في 1993م ليحقق الشهرة وهرب ولم يفعل ما حرّضهم عليه، ثم دمر جماعته باشتراكه في الجبهة العالمية في 1998، ثم جاءه العدو البعيد (أميركا) إلى بيته في أفغانستان فهرب منه، ثم قام بتحريف الدين لتبرير الإجرام كما ذكرته في الفصل الثاني، هذا فضلاً عن الكذب وخيانة الأمانة كما ذكرته في الفصل الأول، فشتان ما بينهما في الصدق.
ولو عاش سيد قطب أظنه كان قد تدارك قصوره الفقهي، فقد قضى جُل عمره في الدراسات الأدبية، أما الظواهري فقد توقف نموه الفكري عند مرحلة كلام سيد قطب منذ أكثر من ثلاثين سنة ولم يرتق منها إلى مرحلة النضج الفقهي رغم محاولاتي المتكررة لدفعه للدراسة الشرعية ولكن دون جدوى، فلم يكن لديه صبر على دراسة العلوم الشرعية وهي تحتاج إلى صبر كصبر الجماد، كما قال التابعي عامر الشعبي، وقد ذكرت قوله هذا في كتابي «الجامع»، وفي فترةٍ ما كتبت بعض الكتب والرسائل وضع الظواهري اسمه عليها لأجبر عجزه الشرعي، ثم لما قطعت صلتي بهم ظلوا يسرقون من كتبي بدون عزو. ثم صار الظواهري بعد ذلك ـ خاصة في كتابه «التبرئة» ـ عالة على من معهم من طلاب العلم من ليبيا وموريتانيا الذين درسوا بعض العلوم الشرعية في موريتانيا، ومع ذلك فتخبطهم الفقهي ظاهر حتى صاروا مجرد صيادين يصطادون من كتب الفقه أقوالاً تبرر أعمالهم بدون تمييز بين الصحيح من الضعيف من الأقوال، فكانوا كما قال الشافعي رحمه الله (حاطب ليل، يجمع الحطب بالليل ولعل فيه أفعى تلدغه).
وقد أدى توقف النمو الفكري للظواهري عند مرحلة سيد قطب إلى أن صار متخبطًا من الناحيتين الفقهية والعملية، وإلى أن صار كلامه مجرد خطب حماسية ورفع للشعارات ـ كما كرره هو ـ، حتى أنه صار ينزعج من وجود شروط وموانع واختيارات شرعية كما ظهر من كلامه في كتابه (التبرئة).
هذا شيء مختصر عن أيمن الظواهري الباحث عن الشهرة والزعامة والنجومية كما عرفته منذ أربعين سنة، أي قبل أن يولد كثير من أصحابه، وقد حاولت إصلاحهم في وقت من الأوقات، ولكن دون جدوى.
قد كتبت هذا الكلام كما كتبت (وثيقة ترشيد العمل الجهادي) لتحذير المسلمين ـ خاصة الشبان الصغار ـ من هؤلاء المغامرين الانتهازيين ومن أمثالهم.
يا معشر المسلمين: الجهاد في سبيل الله حق، ولكن لا تسمحوا لهؤلاء وأمثالهم بالمتاجرة بهذه القضية النبيلة، فهم يدفعون بالشباب إلى تضحيات بليغة ويجلبون على المسلمين كوارث جسيمة، وهم أحرص الناس على سلامتهم الشخصية وجني المنافع وبدون تحقيق أدنى مصلحة للإسلام والمسلمين. إن هؤلاء قد ظلموا خلقًا كثيرًا في بلاد كثيرة، ولا تظنوا أن الظالمين يمكن أن يوفقهم الله، فقد قال سبحانه: «.. إن الله لا يهدي القوم الظالمين» (الأحقاف:10).
ولا تغتروا بالشعارات أو بعدالة قضية معينة حتى تعرفوا حقيقة من يرفع تلك الشعارات من سيرته السابقة: هل هو صادق أم أنها مجرد مصيدة لاصطياد المغفلين والمتاجرة بهم. فإن مسجد الضرار كان كبقية المساجد في مظهره، ومع ذلك نهى الله عن الصلاة فيه بسبب خبث نوايا أصحابه، قال تعالى: «والذين اتخذوا مسجدا ضرارا...» ـ إلى قوله ـ «لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه..» (التوبة:107 ـ 108). فلا يكفي النظر في الشعار بل يجب أيضًا النظر في حقيقة من يرفعه، فليس كل مسجد يُصلى فيه، ولا كل شعار يُتبع ولو كان نبيلاً. وقد ذكرت تنبيهات بشأن التحريض على الجهاد في هذه المذكرة وفي (الوثيقة).
ولا شيء يفسد دين الإنسان مثل حرصه على الزعامة والشهرة والمال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) رواه الترمذي وصححه، ومعنا أن الحرص على المال والشرف يفسد الدين كما يفسد الذئبان الجائعان حظيرة الغنم، فماذا يبقى منها؟
(الحلقة الأخيرة)
منظر الجهاديين: نجحت العملية «تفجيرات 11/9» ومات المريض «إمارة أفغانستان الإسلامية»
وهرب الطبيب «ابن لادن والظواهري»
ننشر اليوم الحلقة الأخيرة من كتاب «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة» للدكتور فضل أو السيد إمام عبد العزيز الشريف، أول أمير لتنظيم الجهاد المصري، وأستاذ أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة». وفي هذه الحلقة يختتم فضل حواره المفتوح مع الظواهري، والذي قام فيه بتناول أفكار «القاعدة»، وتصرفات رجليها الأول والثاني. ويضيف في كتابه: أما في هذه الخاتمة فأقول: إذا كان من المسلمين من يُفتتن بابن لادن والظواهري وبأمثالهما وتخفى عليهم جهالاتهما، فكيف سيثبت هؤلاء لفتنة المسيح الدجال التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح بقوله: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال)، خاصة وأن الدجال سيبدأ أمره بالدعوة إلى الخير والصلاح، كما قال ابن حجر رحمه الله (وأما الذي يدّعيه فإنه يخرج أولاً فيدّعي الإيمان والصلاح، ثم يدّعي النبوة، ثم يدّعي الألوهية، كما أخرج الطبراني من طريق سليمان بن شهاب قال: نزل عَلَيّّ عبد الله ابن المعتمر وكان صحابيًا فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «الدجال ليس به خفاء، يجيء من قِبَل المشرق فيدعو إلى الدين فيُتّبع ويظهر، فلا يزال حتى يقدم الكوفة فيُظهر الدين ويعمل به فيُتبع ويحث على ذلك، ثم يدّعي أنه نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه، فيمكث بعد ذلك فيقول: أنا الله، فتُغشى عينه وتقُطع أذنه ويُكتب بين عينيه كافر فلا يخفي على كل مسلم، فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان) قال ابن حجر (وسنده ضعيف) من (فتح الباري).
وهذا مثل ما صنع المختار بن أبي عبيد الثقفي، بدأ بالصلاح وذهب إلى العراق ونادى بالثأر من قتلة الحسين بن علي وقتل معظمهم، ثم ادعى النبوة، وهو الكذاب المذكور في حديث النبي: (إن في ثقيف كذابًا ومبيرًا) رواه مسلم، والمبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي. وكان خبر المختار عام 66 و67 هـ.
وكذلك افتتن الناس منذ نحو تسعين سنة بمصطفى كمال أتاتورك الذي طرد جنود الحلفاء من تركيا في الحرب العالمية الأولى حتى لقبه الناس بالغازي، وحتى وصفه الشاعر أحمد شوقي بأنه خالد بن الوليد التركي، وفيه أنشد: «الله أكبر، كم في الفتح من عجبٍ.. يا خالد الترك جدّد خالد العرب».
ثم لم يلبث مصطفى كمال أن ألغى الخلافة العثمانية من تركيا وحارب الإسلام، فقال شوقي فيه: «أفتى خُزَعْبِلة وقال ضلالة.. وأتى بكُفرٍ في البلاد براح».
فيا معشر المسلمين لا تغتروا بكل من يتكلم في الدين والجهاد حتى تعرضوا أمره وحاله على الشريعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) متفق عليه، وفي رواية زاد (وبأقوام لا خلاق لهم). وهذا الرجل الفاجر الذي أيدّ الله به الدين كان يجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وأحدث نكاية عظيمة في الكفار ولم يؤذِ أحدًا من المسلمين، ولم يضر إلا نفسه إذ انتحر لما لم يصبر على ألم جراحاته، فكيف بالذين يجلبون الكوارث على المسلمين ويدمرون الدول والجماعات، ويحرفون الدين ويبدلونه بالبدع والضلالات المضادة لكتاب الله، ويتسببون في قتل المسلمين وسجنهم بعشرات الآلاف؟ ما يكون وصف هؤلاء؟
وما فائدة أن تهدم عمارتين في أميركا فتقوم هي بهدم دولة طالبان، الدولة الوحيدة في العالم التي كانت ترحب بالمسلمين المطاردين، ثم هرب ابن لادن وترك الأفغان يدفعون ثمن حماقته قتلاً وتشريدًا وخرابًا واسعًا، ثم يتباكى ابن لادن على أطفال فلسطين ويتناسى أطفال أفغانستان الذين تسيل دماؤهم كل يوم بسببه، ومن ورائه الظواهري جاهز للتبرير.
كل ما كان يعني ابن لادن هو تحقيق هدفه الشخصي بضرب أميركا، ولو كان ذلك على حساب الدولة التي آوته (أفغانستان)، ولو على حساب تدمير تنظيمه (القاعدة) بين قتيل وأسير وطريد، ثم سخّر ما تبقى من تنظيمه لحمايته الشخصية بدءًا من معركة تورا بورا في أواخر 2001 فما بعدها، فأصبح التنظيم مسخّرًا للدفاع عن فرد، في حين تشتت بقية أتباعه بلا حماية، فسقط كثير منهم قتلى وأسرى للأميركان. وهكذا استخدم ابن لادن تنظيمه في تحقيق هدفه ثم في حمايته الشخصية ثم في تبرير مذهبه في القتل بالجملة، ودائمًا هناك آخرون يدفعون ثمن كل ذلك. حتى أخلص أعوانه الذي بنى له تنظيم القاعدة وهو أبو حفص المصري تركه ابن لادن وتخلى عنه ولم يوفر له ولو جزءًا من الحماية التي وفرها لنفسه، فسقط أبو حفص وكثير من إخوانه قتلى القصف الأميركي مع بداية الاحتلال الأميركي لأفغانستان في 10/2001.
جرت العادة أن قبطان السفينة هو آخر من يغادرها إذا تعرضت للغرق بعد أن يغادرها كل الركاب في قوارب النجاة أيا ما كانت جنسياتهم أو دياناتهم، فإن بقي منهم أحد غرق معه القبطان، إلا أن ابن لادن والظواهري كانا من أول من غادر السفينة وتركوها تغرق بأهلها (تنظيم القاعدة) بل سخر ابن لادن ركاب السفينة من أجل نجاته وسلامته الشخصية، هؤلاء هم شيوخ الجهاد الذين يحرضون الأمة، ولهم الهرب والإعلام وجمع التبرعات. لم يستح ابن لادن والظواهري أن يتركا أصحابهما للقتل وهربا بأنفسهما، وقد كان الرجل من أهل الجاهلية يستحي من ذلك، فهذا أبو البختري بن هشام كان كافرًا وخرج مع كفار مكة لقتال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، ومع ذلك نهى النبي عن قتله لسابق إحسانه إليه قبل الهجرة، وكان مع أبي البختري زميل له، فاعترضهما الصحابي المجذر بن زياد البلوي الذي أخبر أبا البختري بالنهي عن قتله دون زميله، فأبى أبو البختري أن يتخلى عن زميله حرصًا على الحياة، وأنشد يقول: «لن يترك أبنُ حرّةٍ زميله.. حتى يموت أو يرى سبيله»، وقاتل حتى قتل، ذكره ابن كثير في (البداية والنهاية).
أما ابن لادن فترك إخوانه يقتلون ويؤسرون وهرب. وأما الظواهري فتخلى عن إخوانه بل تخلى عن زوجته وعياله وهرب وتركهم للأميركان يقتلونهم، وما زال لا يستحي هذا الفاجر الكذاب ويتحدث عن الإعداد للجهاد وعن الجهاد في فلسطين وغيرها، فما فائدة الإعداد والجهاد إذا كانت نهايته الفرار عن أهل بيته حرصًا على سلامته الشخصية؟
ومن أقبح ما فعلوه اتخاذهم الجهاد ذريعة لتحريف الدين الذي انتهى بهم إلى تأسيس مذهب إجرامي لتبرير القتل بالجملة، كما ذكرته في الفصل الثاني، فإذا انتقدهم أحد قالوا يخدم الحملة الصليبية الصهيونية على المسلمين، وقالوا لا يتكلم في هذه الأمور إلا شيوخ الجهاد ووضع لهم ابن لادن بدعة (لا يتكلم في الجهاد إلا من خاض معامعه) وهو لا يدري أنه ببدعته هذه يشطب على علم أئمة المذاهب الأربعة بل ومعظم أئمة الحديث كالبخاري ومسلم، بل ويشطب على علم أبي هريرة رضي الله عنه الذي روى نحو سبعة آلاف حديث في حين أن من خاض معامع الجهاد كخالد بن الوليد لم يروِ إلا ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ما جهاد ابن لادن؟ والله يا معشر المسلمين لقد انسحب من كل المعارك التي خاضها وأصحابه وحدهم بدون دعم من الأفغان أمام الشيوعيين بعد سقوط عشرات القتلى من الإخوة العرب، وكاد ابن لادن نفسه أن يقع أسيرًا في إحدى المعارك. ولا تصدقوا من يقول إن العرب كان لهم أي دور عسكري مؤثر في الجهاد الأفغاني ضد الروس، هذه أكذوبة.
وما علم ابن لادن؟ في عام 1994 بالسودان كان هناك موضوع محل اهتمام ابن لادن، فأرشدته إلى قراءة كتاب معين فيه، فقال لي (إنه لا يطيق أن يكمل قراءة كتاب). أما خطبه فأتباعه يكتبونها له.
هل الذي يخوض معركة لهدم عمارتين بأهلها (كما فعل ابن لادن في 11/9) فيهدم له عدوه دولة مع الكثير من أهلها، هل هذا لديه أهلية شرعية أو عسكرية للجهاد؟ وهل الذي يدفع المئات من إخوانه إلى القبور والسجون (كما فعل الظواهري بجماعته عام 1993) من أجل الفكرة والشعلة (على قوله في ص 193 من كتابه) أو من أجل الرياء والمظاهر والاستعراض (كما هي الحقيقة)، هل هذا لديه أهلية شرعية أو عسكرية للجهاد؟
يا معشر المسلمين هؤلاء مغامرون بل مقامرون، ولِمَ لا، طالما أن هناك من يدفع ثمن مغامراتهم، أما هم فيهربون ويكسبون الشعبية والأموال (محبة الجماهير والإعداد المالي، صفحة 199 و79 من كتاب التبرئة).
هؤلاء هم شيوخ الجهاد الذين يحرفون الدين في هذا الزمان، وقد قال الإمام الأوزاعي رحمه الله (ت 157هـ) (إذا ظهرت البدع فلم ينكرها أهل العلم صارت سُنّة) رواه الخطيب البغدادي في (شرف أصحاب الحديث) ص17.
الله سبحانه يقول: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم..» (الشورى:30)، أما ابن لادن فله رأي آخر وهو (وما أصابكم من مصيبة فبسبب أميركا) وقام الظواهري بعمل التبرير اللازم لذلك حتى انتهى به فقه التبرير إلى تأسيس مذهب إجرامي للقتل بالجملة، عقوبة من الله لمن عاند كتابه، كما قال تعالى: «... فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين» (الصف:5)، هذا بخلاف الخيانة والكذب والعمالة والغدر «... ظلمات بعضها فوق بعض..» (النور:40).
فماذا كانت محصلة خبرة شيوخ الجهاد؟ وماذا كانت عاقبة فقه التبرير؟ كانت كما يقال: نجحت العملية (تفجيرات 11/9) ومات المريض (إمارة أفغانستان الإسلامية) وهرب الطبيب (ابن لادن والظواهري). وتم هذا رغم النصح المتكرر لابن لادن من إخوانه ـ خاصة الكبار أصحاب الخبرة ـ بالمحافظة على طالبان وأفغانستان كدولة إسلامية ـ أو كمشروع لها على الأقل ـ وكمأوى للمسلمين. إلا أن ابن لادن لم يُبال بشيء في سبيل تحقيق مشروعه الخاص، وهرب وترك غيره يدفع الثمن حتى أنه تخلى عن أخلص أتباعه.
جمال عبد الناصر اعتذر وأعلن تحمله مسؤولية هزيمة 1967 وقدم استقالته من الرئاسة في 8/6/1967 بعد ثلاثة أيام فقط من بدء الحرب.
أما هؤلاء الجبابرة (ابن لادن والظواهري وأتباعهما) فبعد مرور أكثر من ست سنوات على أحداث 11/9/2001 التي تسببت في احتلال ودمار كاملين لأفغانستان مع سقوط عشرات الآلاف من القتلى ومئات آلاف المشردين، فلم يعتذروا لأحد، وكأن شيئًا لم يكن، وكأن الأفغان شعب من الحشرات، بل ما زالوا يكابرون ويفلسفون ما حدث بفقه التبرير الإجرامي.
وكل أتباع ابن لادن لهم حكمه في الغدر والإثم والخيانة، وهم محشورون تحت رايته يوم القيامة لا محالة إن ماتوا على ذلك، كما قال تعالى: «يوم ندعوا كل أناس بإمامهم..» (الإسراء:71). وكل من رضي بأفعالهم فهو منهم ومعهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) حديث حسن رواه أبو داود، وقال النبي: (من كَثّر سواد قومٍ فهو منهم، ومن رضي عمل قومٍ كان شريك من عمل به) أخرجه أبو يعلي عن ابن مسعود.
والله الذي لا إله غيره يا معشر المسلمين: ما كنت أنوي أن أكتب حرفًا واحدًا لا عن ابن لادن ولا الظواهري ولا أي شخص، ولا خطروا ببالي عندما كتبت (الوثيقة) في 12/2006 ثم نقحتها في 3/2007، ولقد كان معي شهود يشهدون على ذلك. ثم عرضت (الوثيقة) على الإخوة في السجون في شهر 4/2007، وبعدها كثرت الأقاويل في الصحف عن مضمون (الوثيقة)، وأصدرت بيانًا لقطع الطريق على الأقاويل في 6/5/2007، ذكرت فيه أن الوثيقة هي دعوة للجماعات الإسلامية لترشيد عملياتها الجهادية وحذرت فيه من الانسياق وراء الشائعات وأن (الوثيقة) تشتمل على مسائل فقهية بأدلتها وليست لنقد جماعة معينة.
إلا أن الظواهري وقبل نشر (الوثيقة) وقبل إطلاعه عليها بدأ بالسّفاهة والمشاغبة، فأصدر بيانًا في 6/2007 بعنوان (أربعون عامًا على سقوط القدس) ومما قاله فيه (ويخرج علينا اليوم من علماء السلطان وفقهاء المارينز وسماسرة المراجعات من يطالبنا بالتصالح مع هؤلاء المجرمين)، وقال (نحن أغنى الناس اليوم عمن ينشر بيننا منهج التراجع وثقافة التنازل)، وبلغ الكذب بالظواهري حتى قال (إن زنازين السجن بها أجهزة فاكس). فما الذي حمل الظواهري على الهجوم المبكر قبل نشر الوثيقة؟:
هو يعرف رأيي في أخطائهم وهو نقدي للحركات الإسلامية وما نهيت عنه من العمليات بدار الحرب لمن دخلها بتأشيرة وغير ذلك مما حذفه من كتابي (الجامع) عام 1994، وخشى أن يخرج إلى الناس في (الوثيقة) ما حذفه من قبل، وهو قد أقر في كتابه (التبرئة) أن ما في (الوثيقة) هو كلامي القديم وذكرت شيئًا من ذلك في هذه المذكرة،
ثم تتابعت سفاهات الظواهري وأصحابه في أوروبا وغيرها فأضفت إلى (الوثيقة) مسائل لم تكن بها يوم عرضتها على الإخوة في 4/2007، من أجل الرد على سفاهاتهم وكشف حقيقة أمرهم للناس بدون تعيين. وما زالوا بعد أكثر من ست سنوات على ارتكابهم جريمة 11/9/2001 لا يريد ابن لادن والظواهري وأتباعهما أن ينتقدهم أحد بكلمة وكأنهم معصومون من الخطايا ومبرأون من الذنوب، فكانوا كالذين قال الله تعالى فيه: «وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد» (البقرة: 206)،
وكأنهم ما أجرموا في حق أحد، فكتب الظواهري كتابه (التبرئة) يبرر فيه إجرامهم، وقد رددت على أكاذيبه وأباطيله في (الوثيقة) كما في هذه المذكرة وأنا مازلت أقول إن أي شيء في كتاباتي يثبت أنه مخالف للدليل الشرعي الصحيح السالم من المعارض فأنا راجع عنه وأقول بما يؤيده الدليل.
أما أن أقول قال الله تعالى: «.. ولا تزر وازرة وزر أخرى..» (الأنعام: 164)، فيقول الجاهل: بل مئات الملايين كشخصية اعتبارية هم كرجل واحد. أو أقول قال الشافعي والشيباني وابن قدامة فيقول الجاهل: بل قال ناصر الفهد. أو أقول: المعاملة بالمثل جائزة إلا فيما لا يجوز شرعًا، فيقول الجاهل: بل هي مطلقة ويجوز قتل عشرة ملايين إنسان بلا تمييز بضربة واحدة. فهذا يا معشر المسلمين بل يا معشر العقلاء ليس استدلالاً شرعيًا بل مكابرة ومعاندة لشريعة الله وتأسيسًا لمذهب إجرامي يبرر القتل بالجملة انتصارًا لفكرة فاسدة من أصلها استحسنها رجل وصدّقها بعض المغفلين وهي فكرة (وما أصابكم من مصيبة فبسبب أميركا).
وإذا أراد الله أن يضاعف العقوبة على إنسان جعله من المجاهرين بمعصيته وجعل له أتباعًا فيها. فتبعده المجاهرة عن عفو الله، للحديث (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) متفق عليه.
وتزيده المتابعة ذنوبًا للحديث (ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر مَن عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) الحديث رواه مسلم. وهذا هو حال ابن لادن والظواهري وأتباعهما: مجاهرة بالمعاصي بل تفاخر بها وتحريض على مثلها.