JustPaste.it

مملكة بوتفليقة المريضة

2014-11-16 | المحرر السياسيمملكة بوتفليقة المريضة

كان بإمكان الرئيس بوتفليقة أن يرحل بعدما أطاح به المرض ولكن الرجل لا يصبر على فراق الكرسي ولو للحظة، وأخوه ومستشاره الخاص والآمر والناهي في البلد كان قد أحاط نفسه بأرباب المال وحصن نفسه بالفساد فاق فيه من سبقوه، ولا يضاهيه في هذا إلا "سرطان الجزائر" اللواء العربي بلخير أحد رؤوس الانقلاب وصناع القرار وكبار الفاسدين في البلد وقد توفي من سنوات، فكيف يهنأ الرئيس المقعد بمغادرة الحكم والصراع على أشده، ومن ينقذ أخاه من بعده؟

من يحكم البلد؟ سؤال حير الجزائريين، هم واثقون بأن بوتفليقة لا يحكم فعليا بعدما أقعده المرض وأضعفت قدراته الذهنية الجلطة الدماغية الأخيرة العام الماضي.

لم يمر على الجزائر، حتى في سنوات الدم، فترة حكم قل فيها الشرفاء الوطنيون كعهد بوتفليقة الأخير، أكثر أعمدة السلطة اليوم موظفون في بلاط الرئيس ليس أكثر أو من حاشية أخيه وخدامه.

أول عائلة حكمت الجزائر منذ الاستقلال، حولوها إلى ملكية، حيث القصر هو مصدر الإلهام والسياسات والمؤامرات وتركيع الخصوم.

ومن نافق النظام ولو لزمن طويل، كالوزير والممثل الشخصي السابق للرئيس، عبدالعزيز بلخادم، رموه بعيدا بشكل مهين لأنه بدا منه ما أزعج البلاط الملكي.

صراع الرئاسة مع المخابرات لم يعرف له مثيل في السابق، فبينما استعان بوتفليقة بالاستخبارات الفرنسية ليعينوه على حسم الموقف لصالحه بجمع المعلومات والملفات عن الرؤوس المشاكسة في مديرية الاستعلامات والأمن لإدانتهم وإخضاعهم، لجأ قائد المخابرات للأمريكان لحمايته مقابل خدمات عسكرية في صحراء الجزائر، وهنا تتحدث بعض التقارير عن شبه قاعدة عسكرية سرية للتجسس، مرة يغلب هذا ومرة يكتسح ذاك، فالرئيس يهدد بمقاضاتهم في المحاكم الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب خلال العشرية الدموية وقيادة المخابرات تتوعد بنشر فضائح ملفات فساد أخيه والدائرة المحيطة به.

وفي كل مرة يتوصلون إلى صيغة اتفاق مؤقت لإدارة شؤون البلاد بلا أي وزن للمعارضة ولا تأثير لمكوناتها، لكن ما إن تهدأ الأمور قليلا حتى تحرك تدهور صحة الرئيس وتنقله للعلاج الصراع مجددا وهكذا دواليك، والشعب مغيب تماما.

خبرة بوتفليقة الطويلة في العمل الدبلوماسي وإلمامه أكسبته مهارة في تطويع الخصوم وإدارة الصراع بأقل ضرر على محيطه، والمال المنهوب الذي تولى أمره أخوه أخضع به الرقاب وصنع به حاشية مترفة واشترى به الذمم، وتسابق كبار المسؤولين، وحتى العسكر منهم، طلبا لمرضاته ووساطته.

وأتاحت الجلطة الدماخية التي أصابت الرئيس في العام الماضي لأخيه أن يحكم الجزائر باسم الملك المقعد المريض، وبشكل فعلي وإن كان من وراء الستار، إثر صراع مرير كاد أن يشل مؤسسات البلد ويهدد مؤسسة العسكر بالتصدع بعد أن زجوا بها في حرب الولاءات والأجنحة، وأصبح الآمر الناهي في أكثر الملفات حساسية.

والكل يشهد لشقيق الرئيس الملك ببراعته ودهائه في شراء الولاءات والذمم والإخضاع والإذلال حتى داخل جهاز المخابرات ومؤسسة الجيش، وكان المال، بعد أن أحكم قبضته على شركة "سوناطراك" النفطية المملوكة للدولة وهي بمثابة البقرة الحلوب للجزائر، هو أقوى ما تسلح به شقيق الرئيس بعد أن مكنه أخوه الرئيس من صلاحيات لم يسبق لمقرب أن حظي بها خلال فترة أي من الرؤساء السابقين.

يقول بعض المخضرمين إنه لم يسبق للجزائر أن حُسم الصراع فيها بالمال وأداروا به الحكم واشتروا به الرقاب والولاء والحاشية وقادة نافذين ومهيمنين في العسكر والأطراف الخارجية المؤثرة مثل الذي حدث في عهد الملك بوتفليقة.

من يحكم بعد بوتفليقة؟ يكفيهم الآن أن يحركوه يمنة ويسرة ويظهرونه، بإخراج وتركيب بئيسين، في صورة الرجل المتعافي، وتمكن المرض منه لا يخفى على من يسمعه أو يراه.

والجزائر تُحكم بالصراع المرير والتسويات المؤقتة والصفقات العابرة للحظات العصيبة، لا يهم فيها الشخص الرئيس لأنه لن يحكم إلا بصفقة.

كل المحاولات لإصلاح النظام من الداخل، وخصوصا تلك التي قادها بعض ضباط الجيش من الشرفاء الأحرار، انتهت بالفشل، بعد تصفية أصحابها أو إبعادهم.

ليس أمام الجزائر إلا التحرك الشعبي السلمي الضاغط المؤثر لوقف هذا العبث بمقدرات البلد ومصيره وحاضره ومستقبله، ومشكلة الجزائريين أنهم لا يصبرون على السلمية ونفسهم قصير والعنف يستهويهم، وقد جربته فئة منهم وفشلوا، فما عليهم إلا أن يوطنوا أنفسهم على الرفض الشعبي الصامد المستمر حتى ينتزعوا حقهم في تقرير مصيرهم وإبعاد هذه العصابة الحاكمة، وكما قيل: كُلّ مصيبة إذا وطنت يوما لها النفس ذلت.