لقاء صحفي قبل اغلاق مؤسسة الحرمين بإسبوع
الرياض/
عبد الحي شاهين 19/8/1425
03/10/2004
اعترف المدير العام لمؤسّسة الحرمين الخيريّة في السعودية, بأن تجميد الصرف من حسابات المؤسّسة كان أحد الأسباب الرئيسة لتدني إيرادات المؤسّسة هذا العام, إلى جانب "الحملة المسعورة" للغرب ضدّ المؤسّسة، لافتاً النظر إلى "جهود كثيرة تبذل" لإعادة فتح الحسابات تضطلع بها شخصيّات مرموقة في المجتمع.
وقال الشيخ حجاج بن عبد الله العريني في حديث له مع شبكة (الإسلام اليوم) الإخباريّة: إن العالم الإسلاميّ ترك مؤسّساته الخيريّة ولم يدافع عنها، وقال: إن المؤسّسات لو كانت تملك "مجالس خيرية" قوية مثل (المجلس الأوروبي للعمل الخيريّ) في أوروبا, لشكّل لها خطاً دفاعياً ولما تمّ الإجهاز على "أهم قوة مساندة لأي دولة ومجتمع"، وأكد "العريني" أن الضغوط الخارجيّة على المؤسّسة أكبر من الضغوط الداخليّة، وإن تجميد الحسابات وإغلاق الفروع الخارجيّة كان نتاجاً لتلك الضغوط الخارجيّة.
واعتبر مدير الحرمين المكلف أن المساعدات الخارجيّة التي تقدمها المؤسّسات الخيريّة في العالم بمثابة "قوة سياسيّة"، وإن التخلي عن هذه المساعدات "إجهاز على هذه القوّة".
ونفى "العريني" أن يكون تسلمه لمنصب المدير العام لمؤسّسة الحرمين، بغرض تصفيتها وقال: "إن مؤسّسة مثل مؤسّسة الحرمين لا يمكن أن يقوم شخص أو شخصين بتصفيتها, فمتعلقاتها كثيرة جداً وتحتاج إلى لجان متخصصة للقيام بذلك-أي التصفية- ". ورجح أن تتعرّض مؤسّسات خيريّة أخرى في السعودية لضغوط مماثلة للتي تعرّضت لها "الحرمين الخيريّة", وروى العريني في حديثه تفاصيل قرار المؤسّسة بتسريح الآلاف من الأيتام في الصومال، ومدى المعاناة التي صاحبت صدور القرار، وقال إن نحو (2.600) يتيم كانت تصرف عليهم المؤسّسة في الصومال فقط , هم الآن في الشوارع!!
بداية.. هل يمكن النظر للمضايقات التي تتعرض لها مؤسّسة الحرمين الخيريّة في إطار التضييق على العمل الإسلاميّ بشكل عام؟
نعم هذا صحيح. . إن التطاول على القطاع الخيريّ هو جزءٌ من حملةٍ مسعورة هدفها في النهاية القضاء على الإسلام، وتدمير إمكانيات المسلمين. . ومن تصريحات القوم وكلماتهم نتبين أن الهجمة عامة فقد هُوجم الإسلام، والقرآن، والرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يشكّ مسلم في حقدَ وعداوة القومِ للإسلام والمسلمين وقد تلبّس الغربيون بهذه الدعوى المُغرضة بمحاربة الإرهاب ومطاردة الأصوليّة، لكنّ الأمر أبعدُ من هذا وأعمق، وإنما جُعل (الإرهابُ) قِناعاً خادعاً أمام البسطاء لتمرير مشاريعهم المُفسدة، وتبرير حروبهم المدمّرة، وتجفيف المنابع الإسلاميّة. . وكلُّ ذلك باسم (الحملة على الإرهاب). وما زال العالم الإسلاميّ يصطلي بنار المكر الصهيونيّ الغربيّ وأذنابهم من المنافقين والمتغرّبين، وخاصة في البلاد العربية، وبالأخص هذه البلاد المباركة، فهم يدركون جيداً معنى كونها بلاد الحرمين ومهبط الوحي، ويعلمون تماماً أثر أهل هذه البلاد وعطاءاتهم الخيرة المستمرة، وبذلهم الذي لا ينقطع من أجل هذا الدين، ولذا فلا غرابة أن تتوجّه سهامهم وتصوب -بقوّة- لكل منابع الدين فيها، بدءاً بأنظمتها التعليميّة، ومناهجها الدراسيّة، ومنابرها الدعويّة، ومحاضنها التربويّة، ومؤسّساتها الخيريّة، وهذه الأخيرة -أعني الجمعيات والمؤسّسات الخيريّة- تشهد هذه الأيام منعطفاً مصيرياً وحاسماً في تاريخها، قد لا يدرك أبعاد هذا الخطر الداهم الكثير من عامة الناس؛ بل حتى من خواصهم.
قرار توجهكم لتنفيذ أعمال داخل السعودية.. يُلاحظ أنه لم يجد الترحيب المناسب.. هل تعتقد أن الظروف التي اكتنفت صدور هذا القرار هي السبب؟
الحقيقة أن عدم الترحيب بهذا القرار له وجه، ولا بد من الحذر الشديد من وأد رغبات المحسنين الذين يرى بعضهم الاهتمام بالداخل، وبعضهم يرى الاهتمام بالخارج، وأعتقد أن الحل هو التوازن بين عمل الداخل والخارج؛ فكلاهما واجب, وأنا أعتبر أن قطع علاقة مؤسّساتنا الخيريّة الإسلاميّة بإخواننا المسلمين في أنحاء العالم إجهاز على أكبر مصدر من مصادر قوتنا السياسية؛ فالعمل الخيريّ في خارج الأوطان قوة للآخذ والمعطي، كما أنه دليل على رقيّ الأمم والدول وحضارتها.
في رأيكم ما الدوافع الحقيقية وراء قرار إيقاف الصرف من حساب المؤسّسة؟
حسب ما نعلمه أن هناك مراجعة للحساب، وأن إيقاف الصرف مؤقت -إن شاء الله- ولكن يجب أن يعلم الجميع أن عليهم ألا يستجيبوا لهذه الصيحات المُرجفة. إن الحكم على المؤسّسات الخيريّة الإسلاميّة واتهامها بالإرهاب ظلمٌ بيِّن، فليس في قاموسها ولا عندها وقتٌ له، إن الذين يشتغلون بتلبية الحاجات الأساسية للناس في إشباع بطونهم، وتقديم دوائهم، وتوفير غطائهم، وإزاحة ركام الأسى والألم من طريقهم، هؤلاء لديهم من الطهارة وسلامة المقصد، ونزاهة الهدف، وشرف تحمل الأعباء، وطلب الأجر ما يسمو بهم عن الإرهاب، تلك البضاعة المزجاة التي صُدرت للمسلمين ثُم اتهموا بها.
هل تقومون بأي جهد لإلغاء أمر تعليق الصرف من الحساب الخاص بالمؤسّسة؟
نعم، وأسأل الله أن يبارك في الجهود ويسدّد الأعمال، ولابد هنا من ذكر بعض الجهود المتميزة التي يقوم بها بعض المحبين لهذه المؤسّسة المباركة ممن تجاوزوا مصالحهم الذاتيّة، وعاشوا لغيرهم، وتفانَوْا في سبيل تحقيق المصالح العامة ابتغاء مرضاة الله، نسأل الله أن يجزيهم عن المسلمين خير الجزاء، وأن يقوي همّة كل من قصرت همّته للوقوف مع المؤسّسة في هذا الوقت العصيب من العلماء وطلبة العلم والدّعاة والأئمة والخطباء وكل من يستطيع أن يدعم المؤسّسة.
في مجلس إدارة المؤسّسة شخصيات كبيرة، ولها وزنها داخل السعودية.. كيف كان موقفها من أزمة المؤسّسة؟
مجلس إدارة المؤسّسة حديث الإنشاء، وقد جاء في وقت عصيب من عمر المؤسّسة، وهو يقوم بدور فعّال في هذه الأزمة، ونرجو أن يُوفّق في مساعيه.
تتحدثون كثيراً عن ضغوط خارجية على المؤسّسة, مع أن كثيراً من الخطوات التي اتخذت ضدّ المؤسّسة كانت من الداخل؟
هذا غير صحيح. . فالمضايقات والاتهامات كلها جاءت من الخارج بدءاً من اتهام عددٍ من المكاتب الخارجيّة، وانتهاءً باتهام رموز المؤسّسة وإدراجهم على لوائح داعمي الإرهاب. ولا يزال الإعلام الغربي والإعلام الدائر في فلكه يمارس إرهاباً وتهويلاً ضدّ المؤسّسات الخيريّة الإسلاميّة والعاملين بها بدعوى مكافحة الإرهاب؛ فتناغمت أرجاء الكرة الأرضيّة رغباً ورهباً لتتطور إلى حرب لا هوادة فيها من تجميد ومصادرة للحسابات، أو إقفال وإلغاء للمؤسسات أو فروعها، أو مراقبة مستديمة تنفّر من العمل الخيريّ والتطوعي.
هناك من يقول بأن الموقف الحكومي يتوافق مع من يقول بضلوع المؤسّسة في أعمال غير شرعيّة.. من ناحية تجميد الحسابات وإغلاق المكاتب الخارجيّة.
كما ذكرت لكم سابقاً أن الإعلام الغربي يمارس إرهاباً وتهويلاً للمؤسسات الخيريّة الإسلاميّة والعاملين بها بدعوى مكافحة الإرهاب. لقد كانت حملة شرسة جداً أدّت إلى زعزعة الثقة في المؤسّسات الخيريّة. والضغوط الأمريكيّة على المنطقة بأكملها، لا يمكن تجاهلها والمؤسّسات الخيريّة الإسلاميّة عامة -والسعودية منها بشكل خاص- كلها ليست بمنأى عن ذلك. ونحن على ثقة بقيادتنا وولاة أمرنا الذين يشهد لهم العالم بأسره بحبهم للخير، ونُصرتهم للمنكوبين، ونحن على يقين أنهم بحنكتهم وحكمتهم سيحرسون العمل الخيريّ ومؤسساته مهما كانت التحدّيات، وسيُرجعون البسمة لعامة الناس وخاصّتهم، الذين أصابهم اليأس والإحباط بكثرة القيل والقال حول مصير مؤسّسات العمل الخيريّ.
هل قدمت أي أدلة على تورّط المؤسّسة في أعمال مشبوهة من الأطراف التي تتهمها؟
لم يُقدّم أي دليل بل لم نُبَلّغ رسمياً بأي اتهام !. وهذه الاتهامات التي نسمعها في وسائل الإعلام لا تستند إلى حقائق، وسبق أن تمّ الردّ عليها من خلال وسائل الإعلام المختلفة, كما أن المؤسّسة تنطلق في نشاطها من مظلة رسميّة، ووفق ضوابط واضحة، لا تجعل هناك أي مجال لمثل هذه الاتهامات.
لماذا -في رأيك- استهدفت مؤسّسة الحرمين دون غيرها من المؤسّسات الخيريّة؟ هل لأن نشاطها كان كبيراً وأموالها ضخمة مثلاً؟
الحملة استهدفت المؤسّسات القوية أو المنتشرة والمشهورة، وعلينا أن ندرك المخطط والهدف من الاتهام؛ فأعداؤنا يغيظهم أن يتقدم الإسلام بمدِّه الحضاري، وأن يفتح قلوب الناس عبر عدة وسائل في الدعوة والإغاثة، وحين أحسّوا بالمنافسة، ورأوا الناتج للداخلين في الإسلام لم يكن لديهم من وسيلة إلا أن يطعنوا بهذه الأعمال الخيريّة بُغية الحدِّ منها، وكان (الإرهاب) هو الدعوى المقدمة والمدخل الواسع للاتهام والإسقاط حينما شرقت الهيئات التنصيرية رغم ضخامة حجمها ودعمها، بثمار وبركات المؤسّسة.
هل تعتقدون أن مؤسسات خيريّة أخرى في السعودية.. قد تتعرض لمثل ما لقيته مؤسّسة الحرمين؟
نعم نعم.. بل بعضها يتعرض الآن للاتهامات والمضايقات، وهذا خطير جداً؛ لأن العمل الخيريّ يعتبر من خطوط الدفاع الأولى للدول والأمم، والإجهاز على هذا الخط الدفاعي بحملات التشويه والتشكيك أو الإضعاف والتحجيم؛ يعتبر إجهازاً على أهم قوة من القوى المساندة لأي دولة ولأي مجتمع، وللأسف لا توجد مجالس أو هيئات عليا خيرية أهلية قوية على مستوى العالم العربي أو حتى دول الخليج، تدافع عن المؤسّسات بقرارات وإجراءات ومؤتمرات ودراسات لحماية العمل الخيريّ، وممارسة الضغط الكافي على منابع تلك الحملات؛ وذلك على غرار المجلس الأوربي للعمل الخيريّ الذي تمت ولادته مع الوحدة الأوربية الاقتصادية والاتحاد الأوربي السياسي، ويُسمّى المجلس (CEDAG) المتخصص بدعم وحماية العمل الخيريّ ومؤسساته، أو على غرار ما هو موجود في أمريكا، كمجلس الرابطة الأمريكي لتنمية الموارد والوقف الخيريّ (AAFRTP)، والقطاع المستقل (IS) وغيرها من المجالس واللجان.
هل يمكن القول بأن المؤسّسة في طريقها للتصفية النهائية خاصة بعد تزايد حالات الاستغناء عن الموظفين؟
العمل الخارجي في المؤسّسة توقف -كما تعلمون- وهذا يعني عدم الحاجة للعاملين في هذا الجانب؛ فتم الاستغناء عنهم. كذلك لا يمكن تجاهل الحملة الدوليّة التي شُنّت على المؤسّسات الخيريّة الإسلاميّة ممّا أفقدها جزءاً من العاملين الذين تركوا العمل بإرادتهم خوفاً من أن تطالهم الاتهامات.
يتردّد أن تعيينكم جاء لتقوموا بأعمال تصفية المؤسّسة لا إدارتها.. ما ردّكم؟
يا أخي الكريم أنا هنا بصفة مؤقتة. ثم إن مؤسّسة مثل مؤسّسة الحرمين لا يمكن أن يقوم بتصفيتها شخص أو شخصين فمتعلقاتها كثيرة جداً وتحتاج إلى لجان متخصصة للقيام بهذا الأمر الذي نستبعده إن شاء الله.
في حال سمح لكم بالسحب من حساباتكم والتعامل معها، هل سيتم استدعاء الموظفين الذين تمّ تسريحهم؟
نعم فلدينا عدد من الموظفين خرجوا من المؤسّسة بإجازات بدون مرتب تعاوناً مع المؤسّسة وتخفيفاً عنها. أمّا العاملون في القطاع الخارجي فأتمنى أن يُستفاد منهم في الهيئة الجديدة (الهيئة السعودية الأهلية للإغاثة والأعمال الخيريّة في الخارج(. عندما تبدأ بالعمل؛ لأنهم خبرات متميّزة لن يجدوا مثلها.
في العام الماضي ظهرت بعض الاتهامات لرموز في المؤسّسة بتبديد أموال الزكاة وصرفها في غير مستحقاتها. ماردّكم على هذه الاتهامات؟ وكيف تعاملتم معها عندما توليتم إدارة المؤسّسة؟
هذا غير صحيح بل الذي حدث العكس؛ حيث ظهرت بعض الاتهامات للمؤسّسة بتأخير الصرف أو التباطؤ بصرف الزكاة، ولعل التقرير السنوي للعام 1424هـ يرد على هذه الاتهامات.
إلى كم وصلت نسبة التدني في إيرادات المؤسّسة حالياً؟
نعم لقد تأثرت إيرادات المؤسّسة بثلاثة عوامل. أولها: هذا الهجوم الشرس، وثانيها: إيقاف العمل الخارجي؛ مما أدى إلى توقف داعمي العمل الخارجي، وثالثها: إيقاف الصرف من الحساب. ولكن يبقى أن مَن يكيد للعمل الخيريّ لا يفهم حقيقة الإسلام، ولا يعرف أن له طعماً هو الذي يدفع المسلم من داخله بغرسه وعطائه.
تقول تقاريركم: إنكم كنتم تصرفون على الآلاف من الأرامل والأيتام المسلمين في العالم.. ما مصير هذه المشروعات الخيريّة؟ وكيف تم إبلاغ هؤلاء الناس بأن المؤسّسة لم تعد تصرف عليهم؟ وما وقْع الخبر عليهم؟
دعني أذكر لك حادثة واحدة تقطع القلب: في شهر ذي الحجة الماضي سرحت المؤسّسة أكثر من (2600) يتيم في الصومال، وقد كانت تكفلهم المؤسّسة وذلك بعد إغلاق مكتبها ! ليصبح هؤلاء الأيتام في الشوارع ! يهيمون على وجوههم بدون مأوى، ولا طعام ولا لباس، حتى بكتهم كثير من الأقلام الغربية، وتعاطفت معهم الصحف العالميّة، حيث تم نشر أكثر من اثني عشر مقالاً عنهم في كل من أمريكا وبريطانيا وأستراليا، كلها تتألم وتتحسّر على تسريح هؤلاء الأيتام بهذا الشكل المخزي واللاإنساني! . من يتحمل مسؤوليّة هؤلاء يوم القيامة؟ والكثير الكثير من مشاريع المؤسّسة أُوقفت، ولم يقبل أحد أن يستلمها خوفاً من الاتهام، أو عجزاً عن تحمل ميزانياتها. أما كيف تم إبلاغ بعض المستفيدين من خدمات المؤسّسة وما وقع الخبر عليهم فلا تسأل ! ! إنها كارثة ومأساة! لكن السؤال المهم الآن: مَنْ لمئات الآلاف من الأيتام الذين كانت تكفلهم المؤسّسة؟ من للمرضى؟ من للمساجد والمدارس؟! من سيتولاها؟ من سينفق عليها؟ من للمنكوبين والمستضعفين؟ من للأرملة والمسكين؟ أترك الإجابة لكل ذي ضمير حيّ وإحساس نبيل! أترك الإجابة لكل إنسان يحمل الإنسانية الصادقة بين جنبيه.