تبديد الأسنة
في الرد على من ظن أن القتل ذبحا سنة
للشيخ
أبي محمود الفلسطيني
حفظه الله
1435ه | 2014م
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الشيخ أبو محمد المقدسي: ( إن كثيراً من مقاطع الفيديو التي تصور عمليات النحر والذبح لعشرات، بل مئات الشباب في ريعان شبابهم، يرتدون اللباس المدني، وينتسبون للإسلام، وينتمون إلى عشائر إسلامية، دون نشر لمحاكمات أو حتى اعترافات، ليعمل على فتنة الناس، وصدهم عن المشروع الإسلامي والدولة والخلافة الإسلامية، وتشويهها وصبغها باللون احمر القاني، حتى ليتساءل الناس:
هل هذه هي الخلافة والدولة الإسلامية التي تنادون وتبشرون بها ..؟؟
حتى بشار والقذافي لم يفعلوا مثل أفاعيلكم !!!
وهم صادقون في هذا غير كاذبين فيما يظهر لهم.
وكثير منهم يصدر عن عداوة للدين، بل عن تضليل وخبث من الطواغيت، وغباء من بعض المنتسبين للجهاد، وذلك لأن الطواغيت وإن كانوا قد قتلوا الوف في سجونهم وأقبية تعذيبهم، إ أنهم لم يكونوا ينشرون ذلك أو يصورونه ويعلنونه، بل يسرونه ويكتمونه ويدّعون خلافه من دعاوى العدالة في شعوبهم، والحرية وحقوق الإنسان، وما الى ذلك ..
أما بعض المجاهدين فإنهم ببعض تصرفاتهم يعطون أعداء الدين مستمسكات يحلمون بها للصد عن سبيل الله، وتكريه الدولة الإسلامية والخلافة للناس، فقد قال ملأ فرعون (( أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ))، ولكن موسى لم يكن يفسد، بل كان يصلح في الأرض، ولذلك لم يثمر تشويههم هذا، بينما سيثمر تشويه أعداء الله حين يمنحهم بعض المجاهدين أدلة على أنهم يفسدون في الأرض، ولا يصلحون، فيحزون علناً رقاب الأسرى المدنيين المنتسبين للإسلام دون بيان أو تفصيل أو توضيح أو محاكمة، وغفلوا عن سياسة النبي صلى الله عليه وسلم الشرعية في بدايات الدولة اسلامية وقبل اكتمال عزة المسلمين حين كان يقول: " دعه، يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه "
أفلا ترى أن من يقتل من هم في الظاهر من المسلمين، ويحز رقابهم أمام الكاميرات، وينشر صور ذلك الذبح على الطريقة البدعية (الذبح كما تذبح النعاج) وليست الشرعية ( ضرب الرقاب ) !! أ ترى أن مثل هذا يجعل الناس يقولون بملء أفواههم: أتباع محمد يقتلون أصحابهم، فكيف نتبعهم؟ ولماذا؟ وهل لأجل ذلك وضعت الخلافة والدولة اسلامية ؟ وهل لأجله شرع الجهاد ؟
إن الجهاد والدولة والخلافة وسائل لغايات ولمقاصد شرعية، جاءت لحفظها الشريعة، منها حفظ الدين والنفس، فإذا عمل الجهاد والدولة والخلافة على الصد عن الدين وعن تحكيمه، وظهر بمظهر من يهدر النفوس المعصومة التي جاءت الشريعة لحفظها فتكون تلك الوسائل قد عملت بسوء تصرف بعض المسلمين على عكس مقاصدها وعادت بالتشويه والإبطال لحكم الشرع ومشروع الدولة والخلافة، وصارت بد من أن تنقذ الناس تهلكهم! وبد من أن تقودهم إلى الجنة بالسلاسل تقودهم إلى النيران، وبد من أن تخرجهم من جور الطواغيت وقوانينهم إلى سعة الاسلام وحفظه وسماحته، صارت فتنة تعنت عليهم وتصدهم عن دين الله وتخرجهم منه أفواجا، مع أن الدولة الإسلامية إذا جاءت فمن أول أولوياتها أن تدخل الناس في دين الله أفواجا، كما قال تعالى: (( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا )) ..
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان واهدهم وسددهم .. ) اهـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد.
فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ). (الأنبياء 107)
قال ابن كثير: وقوله " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " يخبر تعالى أن الله جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين أي أرسله رحمة لهم كلهم فمن قبل الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة".
عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله ادع على المشركين قال " إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة"، رواه مسلم. وفي رواية " إنما أنا رحمة مهداة ".
روى أحمد: أن سلمان قال يا حذيفة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال " أيما رجل سببته في غضبي أو لعنته لعنة فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما تغضبون وإنما بعثني الله رحمة للعالمين فأجعلها صلاة عليه يوم القيامة " ورواه أبو داود .
روى أبو جعفر بن جرير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " قال من آمن بالله واليوم الآخر كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف. ورواه ابن أبي حاتم.
فقد بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ومبشرا ونذيرا، فكان بأبي هو وأمي حريص على دخول الناس في الإسلام قبل موتهم، وكما هو مشهور أنه رفض أن يخسف بالمشركين عند رجوعه من الطائف لعل الله أن يخرج من أصلاب من آذاه من يوحد الله.
وهذه الرحمة لا تتنافى مع الغلظة والشدة مع أعداء الله المجرمين، فلكل مقام مقال. ولكن الإحسان مطلوب في كل أمر، وهذا ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ". رواه مسلم .
قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار" نقلاً عن أصحاب مالك: وقتل بمثله... وإن زاد على فعل القاتل الأول؛ إلا أن يكون في ذلك تعذيب وطول فيقتل بالسيف. قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح الاربعين النووية معلقا على هذا الحديث: " ويكون الإحسان أيضاً في من يستحق القتل؛ وذلك بأن يقتل القتلة التي فيها خروج روح المقتول بسهولة من غير تعذيب أو تمثيل، وسواء كان ذلك في قتال الكفار، أو قتل القاتل قصاصاً، أو حداً، فإنه يراعى في ذلك أن يكون القتل على وجه يريح المقتول، دون أن يناله شيء من الإيذاء قبل قتله، إما بالتمثيل أو عدم قتله القتلة المريحة له، بأن يكون هناك تعذيب له في قتله." وقال: " ولما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)، مثل بمثال يتعلق بالقتل والذبح، وأن ذلك كله يجب أن يكون على وجه فيه راحة للمقتول أو للذبيحة من الحيوان، فهو توضيح لتلك القاعدة العامة بمثال من أمثلتها" وقال: " وهنا لما ذكر هذه القاعدة العامة، وهي أن الإحسان يكون في كل شيء، وليس خاصاً بشيء دون شيء، بين أن مما يدخل في ذلك إزهاق الروح، سواء كان قتلاً لإنسان أو ذبحاً لحيوان فإنه يجب فيه الإحسان، ويكون ذلك على وجه الإحسان للمقتول وللذبيحة، ولهذا جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في وصيته للغزاة في سبيل الله عز وجل كما في حديث بريدة بن الحصيب في صحيح مسلم (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا باسم الله قاتلوا من كفر بالله، ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً ولا وليدة)، فقوله: (ولا تمثلوا)، يعني: أنه لا يحصل منهم القتل الذي فيه إيذاء وتشويه للإنسان، وإنما إذا قتل فإنه لا يمثل به".انتهى
وقد اطلعت على بعض المقالات لبعض المتفيقهين المتعالمين الذين لم يشموا رائحة العلم ولا يعرفون اصوله، يتهمون من يستنكر تصوير ونشر مشاهد ذبح الكفار أو المرتدين بل والمخالفين من المسلمين !! أنه من الرويبضة الحاقدين على المجاهدين، وبعض هؤلاء الجهلة جعلوا الاعتراض على هذه الافعال اعتراض على كلام الله، ولعمر الله لا تخرج هذه العبارة إلا من جاهل. فالاعتراض هو على فساد الاستدلال والأفعال وليس على كلام الله، فكلام الله ليس فيه ما يصلح دليلا على لزوم القتل ذبحا أوتعذيب الكافر حين قتله. وهذا يدل على قلة فهمهم وضحالة علمهم وتنطعهم. فالمستنكر اظهار الذبح وكأنه سنة بل واجبا، ثم التجاوز بذلك واستعماله حتى مع المسلمين المخالفين، وقد كثر حتى فحش وافتى به كثير من المنتسبين للجهاد بل اظهروا الأطفال والنساء يقطعون الرؤوس ويتصورون الى جنبها أو وهم يحملونها حتى جلب مفاسد عظيمة على دين المسلمين وشوه الجهاد والمجاهدين . فكان لا بد أن تضبط المسألة فقهيا، ويوضع حد لهذه الممارسات التي أتت بنتيجة عكسية على الدين وروح الشريعة، وأقامت حاجزا بين الأمة والمجاهدين، لأن عوام الأمة لا يميزون بين جماعة وأخرى، فالإعلام الخبيث يستخدم هذه الصور والأفلام لتشويه صورة المجاهدين وجعلهم غير مقبولين عند الأمة لا هم ولا الشريعة التي يريدون تحكيمها، وخصوصا أن القتل ذبحا لم يقتصر على الكفار وحسب، بل انتقل إلى المخالفين من المجاهدين من باقي الجماعات، فنرى الذبح وقطع الرؤوس وتعليقها في الساحات، واستغل أعداء الملة هذه الأفعال كما قال الرافضي أمين عام حزب اللات مبررا تدخل حزبه في سوريا: " إذا يقطعوا رؤوس بعضهم، فماذا سيفعلون بالسنة العوام عدا على النصارى والشيعة". ولا شك أن عوام السنة حين يشاهدون مناظر القتل ذبحا مصورة وتتم بالمنافسة والتلذذ بالذبح والتسابق من يذبح أكثر، لا بد أن أكثرهم سيصدقون أمثال هذا الرافضي والإعلام العلماني الخبيث. فأصبحت مفسدة هذه الأفعال يقينية، وأما تشبث أصحاب هذا المسلك بمقصد إظهار الغلظة في قتل الكفار وبث الرعب بين صفوفهم فقد تحققت بل وسرت إلى المسلمين وأبنائهم !! فلم يعد هناك أي داعي لهذا السلوك وتصويره ونشره لو أنه كان مشروعا، إلا تشويه الإسلام والمسلمين والجهاد والمجاهدين . فكيف إذا ثبت أنه ليس من هدي النبي ولا صحابته حز الرؤوس والتمثيل بها ونقلها حتى مع الكفار المحاربين !!
حكم الذبح وقطع الرؤوس:
حكم الذبح وقطع الرأس تفاوتت فيه أقوال الفقهاء من المذاهب الأربعة بين التحريم والمكروه والجواز بشروط ..وأما دعوى أن القتل ذبحا وقطع الرؤوس سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقل به أحد من العلماء المعتبرين فيما اطلعت عليه .
فالسنة لغة: هي الطريقة المسلوكة .وقال الكسائي: معناها الدوام، فقولنا: سنة معناه الأمر بالإدامة من قولهم: سننت الماء إذا واليت في صبه . وقال الخطابي: أصلها الطريقة المحمودة، فإذا أطلقت انصرفت إليها، وقد يستعمل في غيرها مقيدة، كقوله: من سن سنة سيئة . وأما اصطلاح: فهي: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره، وأما في عرف أهل الفقه فإنما يطلقونها على ما ليس بواجب، وتطلق على ما يقابل البدعة كقولهم: فلان من أهل السنة . وقيل هي: ما واظب على فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقيل هي: في العبادات النافلة، وفي الأدلة ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير .مختصرا من إرشاد الفحول
فلو كان الذبح سنة لكان واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله وفعله بنفسه وحث عليه، ولما أهمل فعله الخلفاء الراشدين والصحابة.
إذ القاعدة عند كل مسلم يحسن الظن بهم أن يقول: لو كان خيرا لسبقونا إليه .
وإذ لم يثبت في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء من بعده قد اتخذوا الذبح بأيديهم عادة وسنة، فلا تصح دعوى أن هذا سنة أو من هدي السلف، بل على العكس فقد استنكره أبو بكر حين ارسل له رأس كافر وقال إنه من فعل العجم كما سيأتي.
وقد ذكر بعض العلماء أن القتل ذبحا مباح وذكروا شروطا . وكما هو معلوم في أصول الفقه أن المباح إذا كان فعله سيجلب مفسدة يمنع، كما منع عمر الناس في خلافته من الزواج من الروميات خشية زهدهم بالمسلمات.
أقوال الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم في قطع الرؤوس :
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: حمل رأس العدو: قال الشافعية والحنابلة: يكره حمل رأس الكافر العدو لما روى عقبة بن عامر قال: إن عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة بعثا بريدا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه برأس يناق بطريق الشام فلما قدم على أبي بكر رضي الله عنه أنكر ذلك فقال له عقبة: يا خليفة رسول الله: فإنهم يصنعون ذلك، فقال: أفاستنان بفارس والروم ؟ لا يحمل إلي رأس فإنما يكفي الكتاب والخبر . وقال المالكية: يحرم حمل رأس كافر عدو من بلد قتله إلى بلد آخر , أو لأمير جيش في بلد القتال . واعتبروا ذلك مثلة . وقال الحنفية: لا بأس بحمل رأس المشرك إذا كان في ذلك غيظهم: بأن كان المشرك من عظمائهم . ( وتأمل إلى هذا القيد ) وقالوا: وقد حمل ابن مسعود يوم بدر رأس أبي جهل وألقاه بين يديه عليه الصلاة والسلام .
وقال محمد بن الحسن في السير الكبير: باب حمل الرؤوس إلى الولاة: وذكر عن عقبة بن عامر الجهنى رضى الله عنه أنه قدم على أبى بكر الصديق رضى الله عنه برأس يناق البطريق، فأنكر ذلك. فقيل له: يا خليفة رسول الله ! إنهم يفعلون ذلك بنا. قال: فاستنان بفارس والروم ؟ لا يحمل إليَّ رأس، إنما يكفى الكتاب والخبر. وفى رواية: قال لهم: لقد بغيتم، أي تجاوزتم الحد. وفى رواية: كتب إلى عماله بالشام: لا تبعثوا إلى برأس، ولكن يكفيني، الكتاب والخبر. قال السرخسي في الشرح: فبظاهر الحديث أخذ بعض العلماء، وقال: لا يحل حمل الرؤوس إلى الولاة لأنها جيفة، فالسبيل دفنها لإماطة الأذى، ولأن إبانة الرأس مثلة، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة ولو بالكلب العقور. وقد بين أبو بكر رضى الله عنه أن هذا من فعل أهل الجاهلية، وقد نهينا عن التشبه بهم. أنه إذا كان في ذلك كبت وغيظ للمشركين أو فراغ قلب للمسلمين بأن كان المقتول من قواد المشركين أو عظماء المبارزين فلا بأس بذلك . ( تأمل القيد ) قال السرخسي في المبسوط: وأكره أن تؤخذ رؤوسهم فيطاف بها في الآفاق ؛ لأنه مثلة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة، ولو بالكلب العقور، ولأنه لم يبلغنا أن عليا رضي الله عنه صنع ذلك في شيء من حروبه، وهو المتبع في الباب، ولمّا حُمل رأس يناق البطريق إلى أبي بكر رضي الله عنه كرهه فقيل: إن الفرس، والروم يفعلون ذلك، فقال: لسنا من الفرس، ولا الروم يكفينا الكتاب والخبر، وقد جوز ذلك بعض المتأخرين من أصحابنا إن كان فيه كسر شوكتهم أو طمأنينة قلب أهل العدل استدلالا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه حين حمل رأس أبي جهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه. وفي تبيين الحقائق: وحمل رؤوس الكفار إلى دار الإسلام مكروهٌ لما روى عقبة بن عامر الجهني أنه أنكر أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذلك ا هـ
فكبار الحنفية لا يرون الجواز كما هو واضح من كلام محمد بن الحسن الشيباني والسرخسي ، وقولهما يمثل المذهب الحنفي، ووافقهما ابن عابدين .
أما من أجاز ذلك من الحنفية حمل الرؤوس إن كان فيه غيظ للمشركين وكان المقتول من عظمائهم بحيث يحدث نكاية وهزيمة في نفوسهم .
وأما المالكية فيرون عدم جواز هذه الأفعال . قال سحنون: لا يجوز حمل الرؤوس من بلد إلى بلد ولا حملها إلى الولاة، وكره أبو بكر حمل رأس العرفط إليه من الشام وقال: هذا فعل الأعاجم . وفي القوانين الفقهية لابن جزي 1/98 :ولا يجوز حمل رؤوس الكفار من بلد إلى بلد ولا حملها إلى الولاة . وكذلك في الشرح الكبير للدردير: 2/179:وحرم حمل رأس الكافر لبلد أو إلى والٍ .
أما الشافعية، فجاء في المهذب للشيرازي: ويكره حمل رؤوس الكفار إلى بلاد المسلمين. وقال النووي في روضة الطالبين: نقل رؤوس الكفار فيه وجهان: لا يُكره للإرعاب، والثاني وهو الصحيح وبه قطع العراقيون والروياني: يكره، ولم يتعرض الجمهور للفرق بين كافر فيه نكاية وغيره، وقال صاحب الحاوي لا يُكره إن كان فيه نكاية، بل يُستحب . وأما الحنابلة، فقد قال ابن قدامة في الكافي وكذلك في المغني 9/261: و يكره نقل رؤوس الكفار من بلد إلى بلد و رميها في المنجنيق لأن فيه مثلة و قد روى عقبة بن عامر: أنه قدم على أبي بكر برأس بناق البطريق فأنكر ذلك فقيل: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم إنهم يفعلون بنا هذا قال: فاستبان بفارس و الروم ؟ لا يحمل رأس و إنما يكفي الكتاب و الخبر رواه سعيد . وقال لابن مفلح في الفروع: ويكره نقل رأس ورميه بمنجنيق .
الرد على استدلالات المخالفين :
- وعمدة ما يستدل به هؤلاء آيات عامة تفيد قتل الكفار بالضرب فوق الاعناق أو ضرب الرقاب، وهذا لا يفيد سنية القتل بالذبح، لأن غالب القتل في زمن الصحابة كان بضرب الرقاب بالسيف لأنها أسهل قتلة وأريح للمقتول، بخلاف اعمال الذبح ومعالجته وحز الرقبة وتطويل الموت فإن هذا غير ضرب الرقبة بالسيف .
وهذه الايات قوله تعالى :" إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ" (الأنفال 12). وقوله تعالى: " فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ". (محمد 4)
قال ابن جرير الطبري: " والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر المؤمنين معلمهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل ; وقوله: " فوق الأعناق" محتمل أن يكون مرادا به الرءوس , ومحتمل أن يكون مرادا به فوق جلدة الأعناق , فيكون معناه: على الأعناق وإذا احتمل ذلك صح قول من قال: معناه: الأعناق . وإذا كان الأمر محتملا ما ذكرنا من التأويل , لم يكن لنا أن نوجهه إلى بعض معانيه دون بعض إلا بحجة يجب التسليم لها , ولا حجة تدل على خصوصه , فالواجب أن يقال: إن الله أمر بضرب رءوس المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا معه بدرا ".
قال القرطبي: " فاضربوا فوق الأعناق: هذا أمر للملائكة . وقيل: للمؤمنين , أي اضربوا الأعناق .
وكما هو واضح من الآيتين أن القتل ضرب الرقاب، وهذه الطريقة هي الغالبة وهي أسهل قتلة لا تعذيب فيها، وتكرر لفظة ضرب وليس ذبح . قال الزجاج: اي اضربوا الرقاب ضربا، وخص الرقاب بالذكر لأن القتل أكثر ما يكون بها.
ففصل الرأس يكون بالضربة لا بالذبح كما تذبح النعجة.
وأكثر ما ورد في كتب السير من الغزوات من افعال الصحابة يفيد ضرب الرقاب، وأما أشهر ما روي في قطع رأس بطريقة الحز فمنسوب لابن مسعود وهي رواية معلولة، وكذلك قطع الرؤوس وحملها لم يثبت برواية صحيحة، وهذا ما يدل على أنه ليس من سنة المصطفى ولا من سنة صحابته . ويؤيد ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالإحسان في كل شيء وذكر القتلة على وجه الخصوص .
وقد نص أهل العلم على أن من استحق القتل بقصاص؛ يقتل بما قتل به؛ إلا أن يكون في ذلك تعذيب وطول فإنه يقتل بالسيف. وهذا يدل على أن الأصل في القتل تجنب التعذيب، وضربة السيف فيها إحسان للمقتول، فالتعذيب بالقتل مخالف للأصل، وما كان مخالفا للأصل فهو استثناء لا يبنى عليه. وجزم شيخ التابعين والرواة الزهري بأنه لم يُحمل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي رأس، ولا يوم بدر، وهذا تصريح من الزهري بعدم صحة الروايات التي ذكرت احتزاز عبد الله بن مسعود لرأس أبي جهل، وهذا لا يطعن في أصل الرواية، لكن هذه الزيادة ضعفها الكثير من العلماء، والزهري هو إمام في حفظ الروايات وجمعها. وقد روى قول الزهري سعيد بن منصور وعبد الرزاق.
- ومما استدلوا به على القتل ذبحا حديث النبي عليه الصلاة والسلام: " تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح" ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم :" لقد جئتكم بالذبح"، قال الزبيدي في اتحاف السادة المتقين: "لقد جئتكم بالذبح: أي بالقتل" . وقال عبد الغني المقدسي في المصباح في عيون الصحاح، هذه الكلمة " لقد جئتكم بالذبح " كناية عن القتل" . قال الحَمِيدي في تفسير غريب الصحيحين: " وقوله: أمرني أن احرق قريشا "، كناية عن القتل، كقوله عليه السلام: " جئتكم بالذبح ". وما يؤيد هذا الفهم لكلمة الذبح أي القتل قول الله تعالى:"يذبحون أبناءكم"، قال السمعاني: يقتلون.
- وكذلك استدلوا على جواز القتل ذبحا بالرواية التي ورد فيها أن عبد الله بن أنيس حمل رأس سفيان الهذلي ورماه امام النبي صلى الله عليه وسلم، وأن فرح النبي صلى الله عليه وسلم. وتمحيص هذه الرواية يظهر ضعفها.
قال الواقدي: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن جبير، عن موسى بن جبير قال بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي ثم اللحياني وكان نزل عرنة وما حولها في ناس من قومه وغيرهم فجمع الجموع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضوى إليه بشر كثير من أفناء الناس .فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أنيس، فبعثه سرية وحده إليه ليقتله وقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم انتسب إلى خزاعة . فقال عبد الله بن أنيس: يا رسول الله ما أعرفه فصفه لي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنك إذا رأيته هبته وفرقت منه وذكرت الشيطان . وكنت لا أهاب الرجال فقلت: يا رسول الله ما فرقت من شيء قط . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلى، آية بينك وبينه أن تجد له قشعريرة إذا رأيته .واستأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أقول فقال قل ما بدا لك . قال فأخذت سيفي لم أزد عليه وخرجت أعتزي إلى خزاعة، فأخذت على الطريق حتى انتهيت إلى قديد، فأجد بها خزاعة كثيرا، فعرضوا علي الحملان والصحابة فلم أرد ذلك وخرجت حتى أتيت بطن سرف، ثم عدلت حتى خرجت على عرنة، وجعلت أخبر من لقيت أني أريد سفيان بن خالد لأكون معه حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي، ووراءه الأحابيش ومن استجلب وضوى إليه .فلما رأيته هبته، وعرفته بالنعت الذي نعت لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأيتني أقطر فقلت: صدق الله ورسوله وقد دخلت في وقت العصر حين رأيته، فصليت وأنا أمشي أومئ إيماء برأسي، فلما دنوت منه قال من الرجل ؟ فقلت: رجل من خزاعة، سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك . قال أجل إني لفي الجمع له .فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي، وأنشدته شعرا، وقلت: عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث فارق الآباء وسفه أحلامهم قال لم يلق محمد أحدا يشبهني قال وهو يتوكأ على عصا يهد الأرض حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم مطيفون به فقال هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه فقال لجاريته احلبي فحلبت ثم ناولتني، فمصصت ثم دفعته إليه فعب كما يعب الجمل حتى غاب أنفه في الرغوة ثم قال اجلس . فجلست معه حتى إذا هدأ الناس وناموا وهدأ اغتررته فقتلته وأخذت رأسه ثم أقبلت وتركت نساءه يبكين عليه وكان النجاء مني حتى صعدت في جبل فدخلت غارا .وأقبل الطلب من الخيل والرجال توزع في كل وجه وأنا مختف في غار الجبل وضربت العنكبوت على الغار وأقبل رجل ومعه إداوة ضخمة ونعلاه في يده وكنت حافيا، وكان أهم أمري عندي العطش كنت أذكر تهامة وحرها، فوضع إداوته ونعله وجلس يبول على باب الغار ثم قال لأصحابه ليس في الغار أحد .
فانصرفوا راجعين وخرجت إلى الإداوة فشربت منها وأخذت النعلين فلبستهما . فكنت أسير الليل وأتوارى النهار حتى جئت المدينة فوجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فلما رآني قال أفلح الوجه قلت: أفلح وجهك يا رسول الله فوضعت رأسه بين يديه وأخبرته خبري، فدفع إلي عصا فقال تخصر بهذه في الجنة . فإن المتخصرين في الجنة قليل، فكانت عند عبد الله بن أنيس حتى إذا حضره الموت أوصى أهله أن يدرجوها في كفنه . وكان قتله في المحرم على رأس أربعة وخمسين شهرا .
فهذه الرواية ضعيفة لسببين: الأول، راويها الواقدي وهو ضعيف متروك الحديث، من علماء الحديث من قال عنها يضع الاحاديث ومنهم من قال كذاب. والثاني رواي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هو موسى بن جبيرن وهو ليس صحابيا، فالرواية مرسلة على أحسن أحوالها ان لم تكن موضوعة من الواقدي والمرسل من أقسام الحديث الضعيف.
وقد روى هذه الرواية رواة كثر مختصرة بدون زيادة قطع الرأس وحمله للنبي صلى الله عليه وسلم، وأجودها حسنة الاسناد من دون زيادة قطع الرأس، وهي رواية أبي داود في سننه: حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ثنا عبد الوارث ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن بن عبد الله بن أنيس عن أبيه: بعثني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى خالدِ بنِ سفيانَ الهذليِّ وكان نحو عُرنة وعرفاتٍ فقال اذهبْ فاقتُلْه قال فرأيتُه وحضرتْ صلاةُ العصرِ فقلتُ إني أخاف أن يكون بيني وبينه ما إن أُؤَخِّر الصلاةَ فانطلقتُ أمشي وأنا أُصلِّي أومئُ إيماءً نحوه فلما دنوتُ منه قال لي من أنت قلتُ رجلٌ من العربِ بلغني أنك تجمعُ لهذا الرجلِ فجئتُك في ذاكَ قال إني لفي ذاك فمشيتُ معه ساعةً حتى إذا أمكنني علَوْتُه بسيفي حتى بردَ. وسكت أبو داود عنه (وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح).
وكذلك رويت بألفاظ أخرى مختلفة دون ذكر قطع الرأس .
- وكذلك استدلوا بما أخرجه أبو داود في المراسيل: حدثنا عبد الله بن الجراح عن حماد بن أسامه عن بشير بن عقبة عن أبي نضرة قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم العدو فقال: " من جاء برأس فله على الله ما تمنى فجاء رجلان برأس فاختصما فيه فقضى به لأحدهما فقال تمن على الله ما شئت قال أتمنى سيفا صارما حتى أقتل " . قال أبو داود: في هذا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح منها شيء .
- وكذلك استدلوا بالرواية التي جاء فيه أن رسول الله بعث أبو بردة ليأتيه برأس رجل تزوج امرأة أبيه. فقد اختلفت ألفاظ الروايات بين اتيه برأسه أو أضرب عنقه أو أقتله.
ورواية اتيانه برأسه قد رواها الترمذي في جامعه، والطحاوي في شرح معاني الآثار، رواها الخطيب عن الترمذي في غوامض الاسماء المبهمة من طريق حفص بن غياث. روى الترمذي: حدثنا أبو سعيد وعثمان حدثنا حفص بن غياث عن أشعث عن عدي بن ثابت عن البراء قال: مر بي خالي أبو بردة بن نيار ومعه لواء فقلت: أين تريد ؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن آتيه برأسه .
وأما باقي الروايات، فكلها جاء فيه لفظ أضرب عنقه أو أقتله. روى الطحاوي هذا الحديث من طريق حفص بن غياث في شرح معاني الآثار، فقال: ارسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه أو أقتله .
وقال: حدثنا فهد قال: ثنا أبو نعيم قال: ثنا الحسن بن صالح عن السدي عن عدي بن ثابت عن البراء قال: لقيت خالي ومعه الراية فقلت: أين تذهب فقال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه أو أقتله . وكذلك رواها الخطيب في غوامض الاسماء المبهمة من طرق مختلفة كلها بلفظ اضرب عنقه أو أقتله، فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه أن أضرب عنقه وآخذ ماله . وقال: أخبرنا أبو محمد بن مرة قال: قرأت على أبي القاسم حاتم بن محمد قال: ثنا أبو الحسن علي بن محمد القابسي قال: ثنا أبو بكر بن أحمد ابن عبد المؤمن قال: ثنا أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود قال: ثنا روح بن الفرج مولى محمد بن سابق قال: ثنا عبيد بن جناد قال: ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه قال: لقيت عمي رضي الله عنه وقد اعتقد راية فقلت أين تريد فقال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه أن أضرب عنقه وآخذ ماله .
وكما هو واضح فليس في الروايات ( أن آتيه برأسه )، إلا ما كان من طريق حفص بن غياث عن أشعث عن عدي بن ثابت عن البراء، وباقي الروايات جاء فيها أضرب عنقه أو أقتله. ورواية اتيه برأسه من طريق حفص بن غياث ضعيفة، فقد ضعفه أبو حاتم الرازي بسبب وهم راويها. قال ابن أبي حاتم في العلل: 1/403 سألت أبي عن حديث رواه أبو خالد الأحمر عن أشعث ابن سوار عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء عن خاله أن رجلاً تزوج امرأة أبيه أو امرأة ابنه فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقتله فقلت لأبي: حدثنا أبو سعيد الأشج عن أبي خالد كما ذكرت وحدثنا الاشج عن حفص عن أشعث عن عدي عن البراء قال: مر بي خالي أبو بردة ابن نيار ومعه لواء فقلت: اين تريد ؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه . فقال أبي: وهما جميعاً إنما هو كما رواه زيد بن أبي أنيسة عن عدي عن يزيد بن البراء عن البراء عن خاله أبي بردة ومنهم من يقول عن عمه أبي بردة . ورواية زيد بن أبي أنيسة التي رجحها أبو حاتم الرازي هي التي رواها الخطيب آنفا.وبناء عليه رواية وآتيه برأسه وهم من الراوي وضعيفة.
- وأما قصة قتل فيروز الديلمي للأسود العنسي، وأنه أتى برأسه للنبي صلى الله عليه وسلم. فقد رواها النسائي في السنن الكبرى قال :أخبرنا عيسى بن محمد أبو عمير عن ضمرة عن الشيباني وهو يحيى بن أبي عمر وأبو زرعة عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه و سلم برأس الأسود العنسي الكذاب رواها ابن عبد البر في الاستعاب: حدثنا ضمرة بن ربيعة عن أبى زرعة يحيى بن أبى عمرو الشيبانى عن عبد الله بن الديلمى عن أبيه فيروز قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسى الكذاب. قال ابن عبد البر :لم يُتابع ضمرة على قوله عن الشيبانى عن عبد الله بن الديلمى عن أبيه أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسى الكذاب أحدٌ. وضمرة إذا لم يتابعه أحد فروايته مقلولة. وقد روى حديث فيروز الديلمى جماعة من الرواة ولم يذكر أحد أنه قدم برأس الأسود العنسى . وقال ابن حجر في التلخيص الحبير: وقال أبو أحمد الحاكم في الكنى: هو وهم ؛ لأن الأسود قتل سنة إحدى عشرة على عهد أبي بكر، وأيضا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر خروج الأسود صاحب صنعاء بعده، لا في حياته، وتعقبه ابن القطان: بأن رجاله ثقات، وتفرد ضمرة به لا يضره ويحتمل أن يكون معناه أنه أتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاصدا إليه، وافدا عليه، مبادرا بالتبشير بالفتح، فصادفه قد مات - صلى الله عليه وسلم -، قلت: وقول الحاكم: إن الأسود لم يخرج في حياته، غير مسلم، فقد ثبت أن ابتداء خروجه كان في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: إنه يخرج بعده اشتداد شوكته، واشتهار أمره، وعظم الفتنة به، وكان كذلك، وقيل في أثر ذلك، وعلى كل حال فلا حجة في هذا، إذ ليس فيه اطلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وتقريره .
وهذا أشهر ما استدل به من ادعى أن القتل بحز الرؤوس سنة، قد عرفناك أنه لا تقوم به حجة .
***
وقد أشرنا إلى ورود نصوص تنفي ذلك وتنكر حز الرؤوس وحملها، فمن ذلك ما رواه سعيد بن منصور في السنن بإسناد صحيح: باب ما جاء في حمل الرؤوس، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن يزيد عن يزيد بن أبي حبيب عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر: أنه قدم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه برأس يناق البطريق فأنكر ذلك فقال: يا خليفة رسول الله ! فإنهم يفعلون ذلك بنا قال: فاستنان بفارس والروم ؟ لا تحمل إلي رأس فإنما يكفي الكتاب والخبر . و كذلك أخرجه النسائي في السنن الكبرى والبيهقي في السنن الكبرى كلاهما من طريق عبد الله بن المبارك، وهذا سند صحيح . ورواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من طريق الأوزاعي.
وهذا الحديث يبين لنا ان حمل الرؤوس ليس سنة وإلا ما أنكره أبو بكر لأنه اعلم الأمة بالسنة ولازم النبي طيلة حياته، بل صرح وإنها من سنة الفرس .
وروى أبو داود في المراسيل: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا ابن المبارك عن معمر حدثني صاحب لي عن الزهري قال: لم تحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس قط، ولا يوم بدر، وحمل إلى أبي بكر رضي الله عنه رأس فأنكره وأول من حملت إليه الرؤوس عبد الله بن الزبير . وروى عبد الرزاق أيضاً عن معمر عن الزهري قال لم يؤت النبي صلى الله عليه وسلم برأس وأتي أبو بكر برأس فقال لا يؤتى بالجيف إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من أتي برأس ابن الزبير .
الخلاصة
بناء على ما تقدم، نخلص إلى أن ما نراه اليوم من طريقة القتل بالذبح واحتزاز الرؤوس ليس من سنن المصطفى ولا صحابته بل هي من التشبه بهدي الأعاجم ومن المثلة وفيها من التعذيب للمقتول ما يعارض امر النبي عليه السلام في إحسان القتلة ،أضف إلى ما تجلبه هذه الطريقة من مفاسد في تشويه الدين تزداد حين يقوم منفذوها بتصوير ذلك ونشره فتستغل اعلاميا في تشويه الجهاد وأهله وتشويه مشروع الأمة وخلافتها وفض الناس عنهم ،وأن من أجاز ذلك للنكاية في أعداء الله اشترط الحاجة إليه إذا كان المقتول من أئمة الكفر وذوي النكاية، وما يجري في بعض ساحات الجهاد اليوم لا يراعي هذا الضابط بل يتوسع به حتى يفعله في مخالفيه من المجاهدين فتراهم يذبحونهم وهم يشهدون لا اله الا الله ويشيرون بسبابتهم بالتوحيد ثم يتصورون الى جنب رؤوسهم الملتحية فأي مفاسد فوق هذه المفاسد وأي تنفير فوق هذا، يصدق عليه ما كان يحاذره النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ( لا يتحدث الناس محمد يقتل أصحابه ) فصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
كتبه
أبو محمود الفلسطيني
منبر التوحيد والجهاد
* * *
http: //www.tawhed.ws
http: //www.almaqdese.net
http: //www.abu-qatada.com
http: //www.mtj.tw
(1)
منبر التوحيد والجهاد