JustPaste.it
دحض كل الشبهات حول حد الردة دحض كل الشبهات حول حد الردة بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، إن حدُّ الردَّة من الحدود الشرعية التي قام الدليل وإجماع الصحابة والعلماء، على ثبوته وإقامته كما حكاه غير واحد من أهل العلم، فقد ثبت حكم الردة في أصحِّ كتب الحديث، عند البخاري ومسلم وغيرهما في أكثر من حديث وعن أكثر من طريق. وأن الخلاف بين الفقهاء هو في تفاصيل هذا الحد كمشروعية الاستتابة قبل إقامة لعله يرجع إلى الإسلام، ومدة هذه الاستتابة التي يمهل فيها المرتد، وهل يسري إقامة الحد على المرأة أم لا وغيرها من التفاصيل التي تجدها مسرودة في كتب الفقه إلا أنّه لم يُعهد منكرا منهم لحكم الردة سوى في هذا العصر المتأخر، حيث ظهر مفهوم الحرية تحت وطأة الثقافة الغربية فقام المتأثرين والمطبوعين بثقافة الغرب؛ بالترويج لمفاهيمه ومبادئه كحرية العقيدة وحرية الرأي، وأرادوا جعلها أساسا تبنى عليها الأفكار وتنبثق عنها النظم في المجتمع، فردوا كل حكم شرعي أو مفهوما إسلاميا مخالفا لهذا الأساس أساس الحرية بنظرهم. فجعلوا هذا المفهوم حكما على الشريعة وأحكامها وهو المقياس الذي يجب أن تفهم أحكام الشريعة من خلاله؛ وليس الشريعة حكما عليها؛ وما ذلك منهم إلا لتسويغ العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة، فحين واجهوا نصوص حكم الردة والتي تثبت بوضوح وجلاء أنه لا يوجد في الإسلام حرية اعتقاد للمسلم بادر دعاة الحرية بالتشكيك وإثارة الشبهات حول حكم الردة الثابت وذلك لإلغاء هذا الحد الشرعي ولإثبات مفهوم حرية الاعتقاد في الإسلام. وحتى لا يتوهم البعض أن ما جاءوا به من شبهات واعتراضات حول حكم الردة؛ أنه رأيا محترم شرعاً جمعنا هذه الشبهات وقمنا مستعينين بالله تعالى لنقضها وبيان تهافتها وزيفها، لتشذيب الإسلام من اهواء الضالين المضلين الذين يريدون أن يسوقوا لمفهوم الحرية كمقدمة للتشكيك والطعن في العقيدة الإسلامية وأحكامها. معنى الردة: إن معنى الردة في اللغة: هو الرجوع عن الشيء إلى غيره. التعريفات للمناوي ج1 ص361.وأما اصطلاحا: هي الكفر بعد الإسلام؛ وذلك يكون باعتقاد أو شك أو فعل أو قول.الكافي في فقه ابن حنبل ج4 ص59 والشرح الكبير ج10 ص72 . أما الاعتقاد: فإن فيه ناحيتين : أحدهما التصديق الجازم بما جاء النهي الجازم عنه أو الأمر الجازم بخلافه، كاعتقاد بأن لله شريكا أو الاعتقاد بأن القرآن ليس كلام الله. والناحية الثانية: انكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، كإنكار الجهاد أو انكار تحريم الخمر أو قطع يد السارق وما شاكل ذلك. وأما الشك: فإنه الشك في العقائد؛ وكل ما كان دليله قطعيا، فمن شك بأن الله واحد أو شك بأن محمدا رسول الله، أو شك بجلد الزاني أو ما شابه ذلك فقد كفر. وأما القول: فان المراد به القول الذي لا يحتمل اي تأويل؛ فمن قال ان المسيح ابن الله ومن قال أن الاسلام جاء به محمد ه من عنده أو ما شاكل ذلك؛ فإنه يكفر؛ أما القول الذي يحتمل التأويل فلا يكفر قائله لأن القول لا يعد كفرا إلا اذا كان القول كفرا بشكل جازم. وأما الفعل: فالمراد به الفعل الذي لا يحتمل أي تأويل بأنه كفر؛ فمن سجد للصنم أو صلى بالكنيسة صلاة النصارى فإنه يكفر ويرتد عن الإسلام؛ لأن صلاة النصارى كفر لا يحتمل التأويل فمن فعلها فقد كفر كفرا لا يحتمل التأويل، وأما الفعل الذي يحتمل التأويل فإنه لا يكفر فاعله فمن دخل الكنيسة لا يكفر؛ لأنه يحتمل أن يكون دخلها للفرجة ويحتمل أن يكون دخلها للصلاة، ومن قرأ الإنجيل لا يكفر لأنه يحتمل أن يكون قرأه ليطلع عليه ليرد ويحتمل أن يكون قرأه معتقدا به وهكذا؛ فكل فعل يحتمل التأويل لا يكفر فاعله. أدلة كفر المرتد: إن أدلة كفر المرتد كثيرة نذكر منها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ(المائدة:54، وقوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)التوبة:65، وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)النساء:48، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا)النساء:137، وقوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ)النحل:106.‏ فلم يستثن إلا المكره من الكفر وقال عن كفر المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)التوبة:84، وقوله تعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)آل عمران:86‏‏، وقوله تعالى عن المنافقين: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ)المنافقون:3.‏‏ حكم المرتد: اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد مسلم يقتل؛ لما روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله :"من بدل دينه فاقتلوه".أخرجه البخاري ج12 ص267.وأيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي :"لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة".أخرجه البخاري من حديث ابن مسعود ج12 ص201. توبة المرتد: اختلف العلماء في استتابة المرتد؛ على الوجوب أم الاستحباب، فذهب الحنابلة والشافعية في الأظهر من أقوالهم؛ بوجوب الاستتابة وتكون في الحال فلا يمهل.الأم ج6 ص32-منار السبيل ج2 ص405، وعند مالك تجب الاستتابة؛ ويمهل ثلاث أيام. تفسير القرطبي ج3 ص47، وذهب أبو حنيفة والشافعي أنها مستحبة كما يستحب عندهم الإمهال أن طلب المرتد ذلك فيمهل ثلاثا.البدائع ج7 ص137. والحق في مسألة الاستتابة أن الدولة لا تقوم بها مع كل مرتد؛ وذلك أن النبي استتاب أناس ارتدوا؛ ورفض استتابة أُناس مرتدين، فقد روى الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وقد كان رسول الله أمر أمراءه أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم، غير أنه أهدر دم نفر سمَّاهم، وقد جمعت أسماءهم من مفرقات الأخبار، وهم: عبدالعزى بن أخطل، وعبد الله بن أبي السرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحويرث بن نُقَيد بنون وقاف مصغَّر، ومقيس بن صَبَابة، وهبار بن الأسود، وقينتان كانتا لابن أخطل كانتا تغنيان بهجو النبي ، وسارة مولاة بني عبد المطلب وهي التي وُجِدَ معها كتاب حاطب. فأما ابن أبي السرح فكان أسلم ثم ارتد فشفع فيه عثمان يوم الفتح إلى النبي فحقن دمه وقبل إسلامه، وأما مقيس بن صَبَابة فكان أسلم ثم اعتدى على رجل من الأنصار فقتله، وكان الأنصاري قتل أخاه هشاماً خطأ، فجاء مقيس فأخذ الدية ثم قتل الأنصاري ثم ارتد، فقتله نميلة بن عبد الله يوم الفتح.فتح الباري ج12ص16.وقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي دخل مكة يوم الفتح، وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: ابن أخطل متعلق بأستار الكعبة؛ فقال: اقتله.صحيح البخاري كتاب المغازي برقم : 4286 لذلك قال ابن تيمية في الصارم المسلول: إن الردة على قسمين: ردة مجردة، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها، وكلاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها، والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعمُّ القسمين، بل إنما تدل على القسم الأول الردة المجردة ـ كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد، فيبقى القسم الثاني الردة المغلظة ـ وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها، ولم يأت نص ولا إجماع على سقوط القتل عنه، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي، فانقطع الإلحاق، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو بأي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرَّق بين أنواع المرتدين.الصارم المسلول لابن تيمية ص376/377. وأما إذا حارب المرتد ثم ظهر عليه فإنه يقتل بالحرابة ولا يستتاب وهذه أحد الحالات التي لا يقبل فيها توبة المرتد.بداية المجتهد ونهاية المقتصد (باب الحرابة). أما إذا تاب قبل القدرة عليه تقبل توبته وذلك لقوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)المائدة:34، ومن الحالات التي لا تقبل فيها التوبة للمرتد تكرار الردة وذلك لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا)النساء:137، فقوله تعالى: (لم يكن ليغفر لهم) معناه لا يقبل الله توبتهم وكذلك الدولة لا تقبل توبتهم.وروى البيهقي عن ظبيان بن عمارة أن رجلا من بني سعد مر على مسجد بني حنيفة فإذا هم يقرؤون برجز مسيلمة فرجع إلى ابن مسعود فذكر ذلك له فبعث إليهم فأتى بهم فاستتابهم فتابوا فخلى سبيلهم، إلا رجلا منهم يقال له «ابن النواحة» قال: قد أتيت بك مرة فزعمت أنك قد تبت وأراك قد عدت فقتله.نظام العقوبات لعبدالرحمن المالكي (من منشورات حزب التحرير). شبهات منكرو حكم المرتد: الشبهة الأولى: الطعن في حديث "من بدل دينه فقتلوه" وذلك بالطعن في أحد رواته وهو (عكرمة)؛ عن ابن عباس؛ كل ذلك لرد حكم المرتد؛ ولإسقاط الحديث عن رتبة الاستدلال، فقالوا: إن عكرمة لم يرو عنه مسلم؛ وقالوا: إن ابن المسيب قد قال عنه: إنه كذاب، وورد عن بعضهم أنه قال: لا تأخذوا منه حديثاً، ولا يكتب حديثه، وقدح كثير من الناس في حفظه. الجواب: إن عدم رواية مسلم له لا يعتبر قدحا فيه فقد روى له شيخه البخاري.وأما تجريح سعيد ابن المسيب له لم يصح لأن السند إليه ضعيف والصحيح الثابت أن عكرمة انبرى للدفاع عنه أئمة وحفاظ للذب عنه ورد الاتهامات الموجهة إليه وبيان أنه لا أصل لها وعلى رأسهم ابن جرير الطبري، ومحمد بن نصر المروزي، وأبو عبدالله بن منده، وأبو حاتم بن حبان، وأبو عمرو بن عبد البر، وابن حجر العسقلاني وغيرهم، وقال ابن مندة: (أما حال عكرمة في نفسه فقد عدلته أمة من التابعين منهم زيادة عن سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين)؛ ويقول ابن معين :(إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة وفي حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام).مقدمة فتح الباري هدى الساري وتهذيب التهذيب ج7 ص270 فأين الكثيرين الذين قدحوا فيه ؟! إذا كان لم يثبت سند صحيح لهذا القدح وإلا لعرفه البخاري وأصحاب السنن والمسانيد الذين رووا عنه الحديث وغيره من الأحاديث،كما أننا وجدنا رواية عن ابن عباس ليس لعكرمة في سندها ذكر وبسند صحيح: فقد روى النسائي وابن حبان وأحمد والبيهقي عن أنس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه قال:"من بدل دينه فقتلوه".سنن النسائي ج7 ص105 والإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان ج6. وكذلك روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال:"من بدل دينه فاقتلوه".قال في المجمع رواه الطبراني وإسناده حسن ص323 وسنن البيهقي ج8 ص 205.وروى الطبراني أيضا عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله :"من بدل دينه فاقتلوه". رواه الطبراني ورجاله ثقات. مجمع الزوائد للهيثمي ج6 ص 264.وروى الإمام أحمد في مسنده وعبد الرزاق في مصنفه وغيرهما عن أبي بردة رضي الله عنه قال: قدم على أبي موسى معاذ بن جبل باليمن، فإذا رجل عنده، قال من هذا؟ قال: رجل كان يهوديا فأسلم ثم تهود ونحن نريده على الإسلام منذ شهرين فقال: والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه فضربت عنقه فقال: قضاء الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه أو قال من بدل دينه فاقتلوه. رواه البخاري في صحيحه إلى قوله (قضاء الله ورسوله).مسند الإمام احمد ج5 ص231 وفتح الباري ج12 ص268، وهذه الرواية تأخذ حكم المرفوع إلى الرسول ولو لم يقل: قال فهي كقولهم من السنة كذا.وهذا ما يطلق عليه العلماء اسم المرفوع حكما.مصطلح الحديث للدكتور محمود الطحان ص131. وروى الإمام مالك في الموطأ والبيهقي في سننه عن زيد بن اسلم عن رسول الله أنه قال:"من غير دينه فاقتلوه". موطأ الإمام مالك كما في شرحه للزرقاني ج4 ص 14وسنن البيهقي الكبرى ج8 ص195وهذا مرسل إسناده صحيح؛ فزيد بن اسلم تابعي ثقة بقول احمد وأبي زرعة وأبي حاتم وابن سعد والنسائي وغيرهم. وروى الطبراني بإسناد حسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله قال له حين بعثه إلى اليمن: "أيما رجل ارتد عن الإسلام فأدعه؛ فإن تاب فاقبل منه فإن لم يتب فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها".ابن حجر العسقلاني شرح صحيح البخاري ج12 ص268. وروى النسائي عن الحسن البصري قال: قال رسول الله :"من بدل دينه فاقتلوه".وهذا مرسل وإسناده صحيح والحسن البصري تابعي ثقة مشهور ويكفيه ثقة أنه من رجال الصحيحين.سنن النسائي ج7 ص105. وروى الإمام احمد والحاكم في مستدركه بإسناد صحيح واللفظ له وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال: رسول الله :"لا يقتل إلا أحد ثلاثة: رجل قتل رجلا فقتل به ورجل زنى بعدما أحصن ورجل ارتد عن الإسلام".رواه احمد في المسند ج6 ص205؛ والحاكم في المستدرك ج4 ص353. وروى ابن ماجه والنسائي وغيرهما عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم أو قتل عمدا فعليه القود أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل."سنن ابن ماجه رقم الحديث: 2533 والنسائي في سننه ج7 ص103. فهذه سبعة أحاديث عن رسول الله عن سبعة من الصحابة، سوى ما أرسله زيد والحسن البصري؛ وكلها بأسانيد صحيحة وحسنة وهي قريبة من المتواتر؛ وقد أثبت الأئمة والحفاظ المتواتر بأقل من ذلك. راجع روضة الناظر في أصول الفقه لابن قدامة المقدسي ج1 ص255 وقد اثبتوا المتواتر بالاثنين والثلاثة من الرواة. ومما يثبت قطعية المسألة زيادة من أن المرتد يقتل، إجماع الصحابة رضوان الله عليهم وقد أخرج الدار قطني: أن أبا بكر رضي الله عنه قتل امرأة مرتدة في خلافته والصحابة متوافرون ولم ينكر عليه أحد.وقال عنه الصنعاني وهو حديث حسن.سبل السلام ج3 ص383. وروى عبد الرزاق في مصنفه والبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن قوما قالوا لعلي رضي الله عنه: أنت الإله فاحرقهم بالنار؛ فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لقتلتهم؛ فقد سمعت رسول الله يقول:"من بدل دينه فاقتلوه".فتح الباري ج 12ص328. وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال: أخذ ابن مسعود قوما ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق؛ فكتب فيهم إلى عمر فكتب إليه: (أن اعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلا الله فإن قبلوها فخل عنهم وإن لم يقبلوها فاقتلهم فقبلها بعضهم فتركه ولم يقبلها بعضهم فقتله). رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح، وروي نحوه أنه كتب لعثمان. المصنف لعبد الرزاق رقم الحديث: 1870 وعن أبي عمرو الشيباني قال: أتي علي رضي الله عنه بشيخ كان نصرانيا فأسلم، ثم ارتد عن الإسلام، فقال له علي: (لعلك إنما ارتددت لأن تصيب ميراثا، ثم ترجع إلى الإسلام؟ قال: لا، قال: فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجكها، فأردت أن تزوجها، ثم تعود إلى الإسلام؟ قال: لا، قال: فارجع إلى الإسلام قال: لا، أما حتى ألقى المسيح فلا، قال: فأمر به فضربت عنقه).رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح، وجاء معناه من عدة طرق وممن ذكر هذا الإجماع عن الصحابة في قتل المرتد إن لم يتب؛ ابن المنذر في كتابه الإجماع ص76، والماوردي في الحاوي ج16 ص407، وابن قدامة المقدسي في المغني والشرح الكبير ج10 ص72، والعسقلاني وابن القصار في فتح الباري ج12 ص 269، وبهاء الدين المقدسي في العدة ص578، والشوكاني في نيل الاوطار ج8ص5/8، والصنعاني في سبل السلام ج3 ص265 وغيرهم. الشبهة الثانية: اعتراضهم على إجماع الصحابة بقول عمر رضي الله عنه الذي رواه عبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في سننه (كنت عارضا عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه فإن فعلوا ذلك قبلت منهم وإلا استودعتهم السجن) وهذه الرواية في نفر ارتدوا عن الإسلام من بني بكر بن وائل. الجواب: إن هذا القول عن عمر رضي الله عنه ليس فيه مخالفة لا للحديث ولا للإجماع، لأنه لم يقل لا اقتل المرتد، إنما كان مذهبه في المرتد أنه يحبس وأن يستتاب فإن تاب قبل منه وإلا ضربت عنقه؛ وهذا واضح وجلي في رسالته لابن مسعود، التي أوردها المصنف بسند رجاله ثقات؛ أن ابن مسعود ط أخذ قوما ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق؛ فكتب فيهم إلى عمر فكتب إليه: (أن اعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا اله إلا الله، فإن قبلوها فخل عنهم، وإن لم يقبلوها فاقتلهم، فقبلها بعضهم فتركه، ولم يقبلها بعضهم فقتله).رواه عبد الرزاق في مصنفه: 10/168، الأثر رقم 18707. وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كتب عمر بن العاص ط إلى عمر بن الخطاب ط (أن رجلا يبدل بالكفر بعد الإيمان فكتب إليه عمر بن الخطاب استتبه فإن تاب قبل منه وإلا ضربت عنقه). رواه عبد الرازق في مصنفه برقم 32120. وروى الإمام مالك في موطئه والشافعي في مسنده والبيهقي في سننه (أنه قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبو موسى الأشعري؛ فسأله عن الناس فأخبره؛ ثم قال عمر: هل كان فيكم مغربه خبر فقال: نعم رجل كفر بعد إسلامه قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه؛ فقال: عمر أفلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب؛ ويراجع أمر الله؟ ثم قال عمر: اللهم أني لم احضر ولم أرضَ إذ بلغني). وهذه الرواية تبين لك رأي عمر في المرتد أنه يستتاب ثلاثا ومن بعدها يقام عليه الحد إن لم يتوب. وفي رواية ذكرها ابن عبد البر في التمهيد عن عمر ط (ويلكم أعجزتم أن تطبقوا عليه بيتا ثلاثا ثم تلقوا إليه كل يوم رغيفا، فإن تاب قبلتم منه وإن أقام كنتم أعذرتم إليه، اللهم إني لم اشهد ولم آمر ولم ارضَ إذ بلغني) فقوله (كنتم أعذرتم إليه) يبين لك قول: عمر ط أنه قصد بذلك استتابته قبل إقامة حكم الردة عليه حتى تعذروا إلى الله بعدها في قتله لذلك جزم ابن عبد البر: فقال إن قول عمر استودعتهم السجن حتى يتوبوا فإن لم يتوبوا قُتلوا؛ وهذا لا يجوز غيره لقول النبي :"من بدل دينه فقتلوه".الاستذكار ج7 ص154. الشبهة الثالثة: اعترضوا على الإجماع بمسألة حكم قتل المرتد بما ورد من خلاف بين السلف ليثبتوا أن دعوى الإجماع لا تصح؛ لما نقل عن إبراهيم النخعي والثوري، بأن المرتد لا يقتل؛ لما أخرجه ابن أبي شيبة عن حفص عن عبيدة عن إبراهيم:لا يقتل؛ ولما رواه أيضا الثوري عن عمرو بن قيس عن إبراهيم قال في المرتد: يستتاب أبدا. وقال سفيان هذا الذي نأخذ به.أخرجه عبد الرزاق في المصنف.وذكر هذه الشبهة القرضاوي في لقاء معه على قناة الجزيرة. الجواب: أولا: إن نسبة هذا القول إلى إبراهيم النخعي أو إلى غيره من العلماء لا تقدم ولا تؤخر مادام الأمر ثابتا في السنة وانعقد عليه إجماع الصحابة، فمازال العلماء يردون كل قول خالف نصا أو إجماعا للصحابة ويحذرون منه، وهذا هو منهج الاستدلال السليم الذي يقتضي أن تكون العبرة فيه بالدليل لا بالقائل. ثانيا: إن الزعم بأن إبراهيم النخعي لا يقول بقتل المرتد فهذا يكذبه ما نقل عنه من القول بقتل المرتدة فقد بوب البخاري: (باب حكم المرتد والمرتدة وقال ابن عمر والزهري وإبراهيم: تقتل المرتدة).صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ج12 ص154، والمذكور في التبويب هو إبراهيم النخعي كما ذكر ذلك ابن حجر، ثم ذكر ابن حجر الروايات التي تؤكد نسبة هذا القول إلى إبراهيم النخعي فقال: (وأما قول الزهري وإبراهيم فوصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في المرأة تكفر بعد إسلامها قال: تستتاب فإن تابت وإلا قتلت)، وعن معمر عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم مثله، فإذا كان النخعي يقول بقتل المرتدة وهي التي اختلف العلماء في وجوب قتلها!! فمعنى ذلك أنه من أشد الناس تشديدا في هذا الباب . وقال ابن عبد البر في التمهيد: واختلف الفقهاء في المرتدة فقال مالك والأوزاعي وعثمان البتي والشافعي والليث بن سعد: تقتل المرتدة كما يقتل المرتد سواء وهو قول إبراهيم النخعي وحجتهم ظاهر الحديث).فتح المالك بتبويب التمهيد ج8 ص 288. وقال ابن قدامه في المغني: لا فرق بين الرجال والنساء في وجوب القتل روي ذلك عن أبي بكر وعلي وبه قال الحسن والزهري والنخعي ومكحول وحماد ومالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق).المغني ج8 ص 86. وقال: والمرأة إذا ارتدت (لا تقتل) عندنا حرة كانت أو أمة (بل تحبس) إن أبت ولو صغيرة فتطعم كل يوم لقمة وشربة وتمنع من سائر المنافع (حتى تتوب) أي تسلم أو تموت وعند الأئمة الثلاثة والليث والزهري والنخعي والأوزاعي ومكحول وحماد تقتل لقوله ه:"من بدل دينه فاقتلوه" وكلمة من تعم الرجال والنساء). مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر 4/384. ثالثا: لقد بين ابن حجر ضعف القول الذي نسب إلى إبراهيم النخعي في أن المرتد لا يقتل فقال: (وأخرج ابن أبي شيبة عن حفص عن عبيدة عن إبراهيم: لا يقتل. والأول أقوى فإن عبيدة ضعيف، وقد اختلف نقله عن إبراهيم). فتح الباري 12/286، (وأما ما نقل عنه من أنه قال باستتابة المرتد أبدا فقد قال: ابن حجر في فتح الباري: وعن النخعي يستتاب أبداً كذا نقل عنه مطلقاً، والتحقيق أنه في من تكررت منه الردة)أهـ. فالحافظ ابن حجر يعني بذلك أن إبراهيم النخعي إنما قال ذلك: في من تكررت منه الردة يستتاب كلما تكررت منه الردة، ردا على الذين قالوا: لا يستتاب المرتد إذا تكررت منه الثانية وبعضهم قال الثالثة. وبهذا يتضح لك أن القول الثابت عن إبراهيم النخعي هو القول بقتل المرتد والمرتدة، وأن ما نقل عنه من القول بعدم وجوب قتل المرتد ضعيف لم يثبت عنه فلا يوجد في مسألة قتل المرتد خلاف، وأما القول المروي عنه في استتابة المرتد أبدا .إنما يراد به كلما تكررت منه الردة، وهذا هو الذي تؤيده الروايات وتدعمه الأدلة وهو اللائق بمنزلة إبراهيم النخعي. رابعا: إن كان فهم منكروا حكم الردة؛ لقول إبراهيم النخعي (يستتاب أبدا) وقول عمر بن الخطاب (استودعتهم السجن)، بأن المرتد يحبس ويستتاب أبدا كما يظنون؛ إذا هناك عقوبة للمرتد وهي الحبس فأين حرية الاعتقاد التي زعموها؟ فهذه كافية لبيان بطلان ما ذهبوا إليه فليس هناك حرية اعتقاد في الإسلام الذي تنادي بها الديمقراطية. الشبهة الرابعة: قولهم: إن الأحاديث التي وردت في حكم المرتد تتعارض مع نصوص القرآن في عدم ذكر قتل المرتد كقوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، فهذه آية عامة، ولا يمكن لأحد أن تكرهه على الدين بنص الآية، ولا يجوز لك أن تكره أحداً على الدخول في دين الإسلام فالناس أحرار، فمن وجد أن دين الإسلام دين عصبية، فخرج منه إلى دين اليهود والمجوس فأنت ليس لك أن تقتله؛ لهذه الآية.وأيضاً قوله تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وقوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، وقالوا: "إن دلالة القرآن قطعية، وحديث من بدل دينه فاقتلوه ظني ودلالته ظنية، وإذا تعارض القطع مع الظن فلا بد من تقديم القطع على الظن".وقد ذكرها عدنان إبراهيم وطارق السويدان وكثير ممن يقدم العقل على النقل. الجواب: أولا: صحيح أن القران لم ينص على قتل المرتد صراحة غير أنه لم ينص أيضا على منع قتله فأين الإشكال والتعارض الذي زعموه؟! سوى في عقولهم وتأويلاتهم. ثانيا: إن المدقق في الآيات الكريمة التي تأولوها يجدها في عموم الكفر والكفار؛ أي: في الكافر ابتداء لا يكره على الإسلام، وله المشيئة في الاختيار ابتداء، بينما الحديث والإجماع هو في عقوبة المسلم إذا أرتد، أي في خصوص من كفر بعد إسلامه؛ لا في عموم الكفار كما دلت عليه صراحة ومن المعلوم عند علماء الأصول والفقه قاطبة أن السنة تخصص عموم القرآن وتفصل مجمله وتقيد مطلقه وأنه لا تعارض بين عام وخاص، فإذا وجد العام والخاص؛ قدم الخاص على العام يقول ابن القيم: (وتخصيص القران بالسنة جائز كما أجمعت الأمة على تخصيص؛ قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ( بقوله :"لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها"؛ وعموم قوله تعالى: )فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) بقوله :"لا يرث المسلم الكافر"؛ وعموم قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) بقوله :"لا قطع في ثمر ولا كثر"، ونظائر ذلك كثيرة.أعلام الموقعين ج2 ص536، فلا إشكال ولا تعارض إلا مع افهامهم وتأويلهم للنصوص والتحايل عليها. فإن كان هناك اشكال في النص فهو اشكال مع قولهم بحرية الاعتقاد التي يروجون لها. ثالثا: إن قولهم الآيات قطعية الدلالة فتقدم على الدلالة الظنية التي وردت في الأحاديث نقول: (هذه القاعدة يصار إليها إذا وجد تعارض ولا يمكن الجمع)؛ وهنا لا يوجد تعارض، فالآيات عامة والأحاديث خاصة فتقدم، أو الآيات خاصة بالكافرين، والأحاديث خاصة بالمسلمين فلا تعارض؛ حتى نقول بتقديم القطع على الظن، وسيأتي تفصيل بيان خصوص الآيات بأنها خاصة بأهل الكتاب،قال الشنقيطي في أضواء البيان: اعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ومعلوم أن الجمع إذا أمكن أولى من جميع الترجيحات. الشبهة الخامسة: قالوا: إن قوله :"من بدل دينه فاقتلوه" حديث مطلق، والحديث الثاني التارك لدينه المفارق للجماعة مقيد.والقاعدة الأصولية أن المقيد يقيد المطلق لأنهما بنفس المعنى وحول نفس الحكم، فالحديث الثاني لا يتحدث فقط حول (التارك لدينه) بل أيضا (المفارق للجماعة) فالأحاديث إذاً ليست حول قتال المغير لدينه!! بل المغير لسلطته السياسية عبر رفضها والخروج عليها ومقاتلتها.وقد ذكرها ابن سلمان العودة بعنوان قتل المرتد رؤية جديدة . الجواب: أولا: إن قوله :"من بدل دينه فقتلوه" وردة النصوص وعمل الصحابة في تنفيذ الحكم بتقيده بالمسلم الذي أرتد كقوله ه:"أو ارتد بعد إسلامه" وقوله ه: "أو رجل ارتد عن الإسلام"، فالحديث من العام المخصوص في شأن المسلم إذا ارتد؛ لأن الكفر ملة واحدة فلو تنصر يهودي أو تهود وثنى لم يخرج عن دين الكفر، فهو مازال كافر في نظر الإسلام؛ فالدين عند الله الإسلام. لقوله تعالى: )إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)آل عمران:19، وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)آل عمران:85. ثانيا: إن قوله :"التارك لدينه المفارق للجماعة" ليس فيها مفهوم مخالفة؛ حتى يقال إن الذي كفر ولم يفارق الجماعة لا يقتل لأن مفهوم المخالفة لا يعمل به إذا ورد نص من الكتاب أو السنة يعطله، وقد وردت نصوص تعطله دون هذا القيد الذي زعموه (وهو الخروج المسلح على السلطة)؛ فقد روى الإمام احمد والحاكم في مستدركه بإسناد صحيح واللفظ له عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله :"لا يقتل إلا أحد ثلاث: رجل قتل رجلا فقتل به ورجل زنى بعدما أحصن ورجل أرتد عن الإسلام".مستدرك الحاكم كتاب الحدود برقم 8039 صحيح على شرط الشيخين لذلك قال الشوكاني ردا على من زعم أن المرتد غير المحارب لا يقتل: ولا يخفى أن هذا غير مراد من حديث (ابن مسعود) بل المراد من الترك للدين والمفارقة للجماعة الكفر فقط، كما يدل على ذلك الحديث الآخر "أو كفر بعدما اسلم."نيل الاوطار ج7 ص147. ثالثا: إن قوله :"التارك لدينه المفارق للجماعة"، ليست قيدا لقوله:"من بدل دينه فقتلوه"؛ بل هي صفة مفسرة للتارك لدينه لأنه إذا أرتد المسلم فقد فارق جماعة المسلمين بارتداده كما قال ابن حجر والبيضاوي وغيرهم.فتح الباري ج12 ص244 وهي كقوله في الحديث ومسلم يشهد أن لا اله إلا الله فإن قوله يشهد أن لا اله إلا الله؛ صفة مفسره لقوله (مسلم)؛ إذ لا يكون مسلم إلا بلا إله إلا الله؛ فعرفنا أنها صفة مفسرة فكذلك (المفارق للجماعة) هي صفة مفسرة للتارك لدينه وما يؤيد ذلك حديث عثمان رضي الله عنه الذي أخرجه النسائي بسند صحيح أو يكفر بعد إسلامه وفي لفظ صحيح أيضا (ارتد بعد إسلامه). فتح الباري ج19 ص 317.لذلك قال النووي في شرحه للحديث (التارك لدينه المفارق للجماعة ) عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام.النووي شرح صحيح مسلم ج 6 ص87.وهذا يبين أنها ليست قيداً كما زعموا دعاة الحرية. الشبهة السادسة: قالوا: أن إعرابيا بايع رسول الله ه على الإسلام فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة فجاء الإعرابي إلى رسول الله فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي فأبى، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبى، فخرج الإعرابي فقال رسول الله :المدينة كالكير تنفى خبثها وينصع طيبها.رواه البخاري برقم 8691.فهذه البيعة كانت على الإسلام والنبي لم يقتله فلو كان المرتد غير المحارب يقتل لقتله النبي!. الجواب: إن هذا الإعرابي جاء في حقه روايتين هذه الرواية التي أوردوها في صحيح البخاري والأخرى رواها أحمد في مسنده وهي أيضا صحيحة رجالها ثقات وعلى شرط الشيخين البخاري ومسلم وهي حدثنا سفيان حدثنا ابن المنكدر قال سمعت جابرا يقول: جاء إلى رسول الله رجل من الإعراب فأسلم فبايعه على الهجرة فلم يلبث أن حم فجاء إلى النبي فقال: أقلني فقال: لا، ثم أتاه فقال: أقلني فقال: لا أقيلك، ثم أتاه فقال أقلني فقال: لا، ففر فقال النبي المدينة كالكير تنفى خبثها وينصع طيبها. فالرواية الأولى للبخاري بايعه على الإسلام والرواية الثانية في مسند أحمد أسلم فبايعه على الهجرة، فأي بيعة طلب الإعرابي من النبي أن يقيله إياها؟؟ فلا يمكن تعيين ذلك إلا بالأمارات والشواهد الدالة على أي بيعة كان يقصد الإعرابي. فالرواية الأولى في البخاري جاءت أمارة تبين لنا أنه لم يقصد فيها بيعة الإسلام فقد قال يا رسول الله أقلني بيعتي فلا يعقل أنه كان يقصد بيعة الإسلام وهو يشهد أنه رسول الله! ثم هل المرتد يطلب الإذن ممن يكفر به وبدينه؟ فلم يبقَ سوى أن قصد الإعرابي إقالة بيعته على الهجرة لذلك قال الحافظ ابن حجر في شرحه لرواية البخاري: إنما استقالة من الهجرة وإلا لكان قتله على الردة لأنه قال:"من بدل دينه فاقتلوه". الشبهة السابعة: قالوا: إن شروط صلح الحديبية والذي جاء فيه (أنه من جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه) فلو كان المرتد يقتل فما كان الرسول ه ليتهاون في حكم من أحكام الله عز وجل فيقبل الشرط. الجواب: إن المتمعن في قولهم هذا يتضح له التلبيس والتدليس المتعمد على المسلمين وكل ذلك حتى يردوا قتل المرتد ويقنعوا الناس بفكرة حرية الاعتقاد؟! فليس في هذا النص أنه ترك المسلمين يرتدون عن دينهم ولم يعاقبهم بل كل ما فيه أنه وافق أن يعيش أصحابه في دار الكفر بدليل ما جاء في شروط الصلح (إنه من جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه)؛ والذي يؤكد ذلك قول النبي لأبي جندل حين صرخ بأعلى صوته وقد رده المسلمون يا معشر المسلمون أأُرد للمشركين يفتنوني في ديني؟ فقال له :"يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجا ومخرجا"، فلو كان رجوعه لقريش ردة له عن دينه ما بشره النبي بالفرج له ولمن معه!! ومما يؤكد أن هذا الشرط ليس فيه قبول لردة المسلم دون عقاب أن النبي أهدر دم الذين ارتدوا ولحقوا بالمشركين بعد عقد الصلح ولو تعلقوا بأستار الكعبة؛ وهم عبد الله بن أبي السرح، وعبد الله بن خطل ،وقيس بن صبابة، فتاب ابن أبي السرح وقتل الآخران.النسائي في سننه ج7 ص107. وعبد الله ابن أبي السرح لم يقم بقتال ضد المسلمين، فقد ذكر ابن عبد البر في كتابه الاستذكار: أن عبد الله ابن السرح كان قد أسلم قبل الفتح، وهاجر وكان يكتب الوحي لرسول الله ثم ارتد مشركا وصار إلى قريش بمكة، فقال لهم: إني كنت أصرف محمدا حيث أريد كان يملي علي:"عزيز حكيم" فأقول: أو عليم حكيم فيقول: نعم كل صواب. وإهدار النبي لدمه دليل على أنه لا علاقة لشروط الحديبية بمن لحق بالمشركين مرتدا.وكذلك هروبه يؤكد معرفته بحكم الردة وهو القتل. الشبهة الثامنة: قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل رأس المنافقين ابن أبي بن سلول حين نطق بالكفر قائلا: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ومما يثبت كفر ابن سلول أيضا أن القرآن شهد بكفره بقوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)، فالنبي كان على علم بكفره ولم يقتل ابن سلول وهو يعلم بكفره. الجواب: أولا: حين أتهم بن سلول بهذه المقالة أرسل النبي في طلب ابن سلول فأجتهد يمينه ما فعل أي أنه أنكر ذلك فكان إنكاره ويمينه مانعه من قتله.وفي رواية البخاري فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا فصدقهم رسول الله .صحيح البخاري برقم 4901 ورواه مسلم برقم 2774. فلو ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم كفر أبي بن سلول أو ردته لأمر بقتله كما أمر بقتل غيره ولو تعلقوا بأستار الكعبة. ثانيا: إن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم بكفر ابن سلول مستشهدين بقوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)، ولم يقتله، فهذا القول يثبت تدليس القوم وجهلهم لأن نزول الآية كان بعد موت ابن سلول فقد روى مسلم عن عبد الله ابن عمر لما توفي عبدالله بن أبي ابن سلول جاء ابنه عبدالله بن عبدالله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه.فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله ه فقال: يا رسول الله!! أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال رسول :"إنما خيرني الله فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيده على سبعين"، قال:إنه منافق.فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ)، وهو دليل قاطع على أن النبي المبعوث رحمة للعالمين لم يعلمه الله بكفره بالباطن إلا بعد موت ابن سلول فالنبي إنما كان يحكم بالظاهر. ثالثا: مما يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم يقينا بأن أبي ابن سلول كان كافرا إلا بعد موته قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)التوبة:113.فقد روى البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنها نزلت حينما قال: النبي لعمه لاستغفرن لك ما لم أنه عنك. وهذا يعني أن هذه الآية نزلت في مكة وقبل هجرة النبي إلى المدينة. أي: قبل موت ابن سلول قطعا: فلو كان النبي صلى الله عليه وسلمعلى علم يقيني بكفر ابن سلول لما استغفر له وصلى عليه.يقول الإمام ابن حزم:"صح يقينا أنه صلى الله عليه وسلم لم يوقن أن عبد الله بن أبي سلول مشرك ولو أيقن أنه مشرك لما صلى عليه أصلا، ولا استغفر له، فلو كان ابن أبيّ وغيره ممن تبيّن للنبي أنهم كفار بلا شك لما استغفر لهم النبي ولا صلّى عليه. ولا يحل لمسلم أن يظن بالنبي أنه خالف أمر ربه في ذلك، فصحّ يقينا أنه لم يعلم قط أن عبد الله بن أبي والمذكورين كفّار في الباطن. الشبهة التاسعة : قالوا: إن حكم قتل المرتد ليس حدا شرعي بل هو حكم سياسي تقدره الدولة بالمصلحة مستدلين على ذلك بترك النبي قتل ابن سلول وقوله :"حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. فما قيمة التوبة لمستتاب تحت تهديد السيف (القتل)؟ فهل الإسلام يريد أن يكون في صفوفه منافقين!! الجواب: إن هذه الشبهة أشبه بجواب إبليس حين أمره الله بالسجود: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)الأعراف:12، فإبليس اعترض على النص بعقله فكان أول من اعترض على النص بالعقل.فهؤلاء بقولهم ما قيمة توبة لمستتاب تحت تهديد السيف، اعتراض على حكم الله الثابت نصاً بالعقل؛ بدليل أنهم يبحثون بقيمة الحكم فحين لم يستطيعوا معرفتها قاموا بإلغاء الحكم، لذا عقوبة الردة في الإسلام شرعت (لحفظ الدين وحراسة العقيدة)؛ فهي عقوبة زاجرة لمن يريد الدخول في الإسلام مصانعة أو نفاقا بقصد التشكيك والطعن فيه، فقد بين لنا القرآن حقيقة كيد الكافرين ليردوا المسلمين عن دينهم فقال تعالى: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)آل عمران:72، فجاء حكم الردة عقوبة زاجرة ليمنع أعداء الإسلام من تحقيق ذلك. لأن عقوبة الردة في الإسلام هي باعث على التثبت في أمر الإسلام حتى لا يقدم عليه أحد إلا على بصيرة وعلم بعواقب ذلك في الدنيا والآخرة، فإن من أعلن إسلامه فقد وافق على التزامه بكل أحكام الإسلام برضاه واختياره والتي منها حكم الردة. الشبهة العاشرة: قالوا: إن تخيير المرتد بين الاسلام أو القتل ليرجع إلى الإسلام هو إيمان مكره ومجبر ومضطر تحت تهديد السيف ولا يصح إيمان المكره؟! وهذه الشبهة قالها طارق السويدان. الجواب: أولا: الإكراه في الشرع قسمين: (إكراه بحق وإكراه بغير حق) فقد جاء في الموسوعة الفقهية عن الإكراه بحق: هو الإكراه المشروع أي الذي لا ظلم فيه ولا أثم وهو ما توافر فيه أمران، الأول: أن يحق للمكره التهديد بما هدد به، والثاني: أن يكون المكره عليه مما يحق للمكره الإلزام به، فإكراه المرتد وتخييره بين الإسلام أو القتل هو إكراه بحق مشروع حيث توافر فيه الأمران، فالشرع هو الذي أمر بإكراهه وتخييره بين العودة إلى الإسلام أو القتل لقوله :"من بدل دينه فاقتلوه". أما هل يصح إيمان المكره؟نعم يصح الحكم بإيمان المكره الذي أمر الشرع بإكراهه كالمرتد ومشركوا العرب من أهل الأوثان وكالحربي الذي آمن خوفا من القتل فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)النساء: 94، قال ابن كثير: روي الإمام أحمد عن ابن عباس قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي يرعى غنما له فسلم عليهم فقالوا لا تسلم علينا إلا لتنجو منا فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي فنزلت هذه الآية.رواه الترمذي وقال حسن صحيح والحاكم وقال صحيح الإسناد وقال أحمد شاكر في الحاشية ورواه ابن جرير معنعنا ورواه البخاري مختصراً بنحوه. قال: البيضاوي في الآية وهي دليل على صحة إيمان المكره. وروى الإمام البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله فكف الأنصاري عنه فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي فقال: يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله قلت: كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. فالنبي حكم بإسلام الأعرابي الذي بين أسامة واقعه للنبي أنه أسلم متعوذا من القتل أي آمن خوفا وخشية ومكره. لذلك قال ابن تيمية: لا خلاف بين المسلمين أن الحربي إذا أسلم عند رؤية السيف وهو مطلق أو مقيد يصح إسلامه وتقبل توبته من الكفر، وإن كانت دلالة الحال تقتضي أن باطنه خلاف ظاهره وكذلك إكراه النبي ه لعبدة الأوثان من العرب على الإسلام أو القتل.الصارم المسلول ص299. وقال ابن حزم: (لم يختلف مسلمان في أن رسول الله ه لم يقبل من الوثنيين من العرب إلا الإسلام أو السيف إلى أن مات ه).المحلى كتاب الحدود ج120.وقال ابن جرير الطبري: أجمعوا على أن رسول الله ه أبى أخذ الجزية من عبدة الأوثان من العرب ولم يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف.جامع البيان ج5 ص413. أما الإيمان الذي لا يصح فيه إكراه فهو فيمن نهى الشرع بإكراههم على الإيمان كأهل الكتاب والمجوس والذمي والمستأمن الموفي بذمتهم.قال ابن جرير الطبري: إنما لا إكراه في الدين لأحدٍ ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية ورضاه بحكم الإسلام وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. جامع البيان ج5 ص413. وجاء في تفسير البحر المديد لقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) ج2 ص83: فهو خبر بمعنى النهي، أي : لا تُكرهوا أحداً على الدخول في الدين وهو خاص بأهل الكتاب. وجاء في الاستقامة لابن تيمية: فلا يصح كفر المكره بغير حق ولا إيمان المكره بغير حق كالذمي الموفي بذمته كما قال تعالى فيه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) لمكره بحق كالمقاتلين من أهل الحرب حتى يسلموا أن كان قتالهم إلى الإسلام أو إعطاء الجزية).الاستقامة فصل الإكراه ص17. وجاء في كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ج1ص45 (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) أي لا يكره أحد على التوحيد من أهل الكتاب والمجوس. وجاء في تفسير القرطبي لقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ليست بِمنسوخةٍ وإِنَّما نزلت في أَهل الكِتاب خاصَّة وأَنهم لا يُكرهون على الإسلام. وجاء في تفسير ابن كثير وقال أبو عبيد: وَجْهُها عندي أن تكون لأَهل الذِّمَّة، يعني لا يكرهون على الإِسلام إذا أَدَّوا الجزية، فهذا الإكراه هو الذي لا يصح فيه إيمان لذلك قال ابن قدامة في المغنى كتاب المرتد ص30: (وإذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم لم يثبت له حكم الإسلام حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعا، مثل أن يثبت على الإسلام بعد زوال الإكراه عنه.وإن رجع إلى دين الكفر لم يجز قتله ولا إكراهه على الإسلام لأنه أكره على ما لا يجوز إكراهه عليه لقوله تعالى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، ثم قال: وهذا بخلاف الحربي والمرتد فإنه يجوز قتلهما وإكراههما على الإسلام بأن يقول إن أسلمت وإلا قتلناك فمتى أسلم حكم بإسلامه ظاهر). ثانيا: هناك فرق بين الحكم بصحة إيمانه في الدنيا وصحة إيمانه عند الله؛ فالذي نطق بالشهادتين واظهر قبول الشريعة قولا وعملا يحكم بإيمانه على الظاهر وإن كان باطنه غير مصدق.أما حقيقة صحة إيمانه متعلق باعتقاد القلب لا ينكشف لنا باطنه فالحكم لنا بإيمانه على الظاهر (فالذي رجع للإسلام خوفا وهو يضمر الكفر ويدعي الإسلام) فهذا يعتبر منافق لأن النفاق: هو إبطان الكفر والجحود بالقلب وإظهار الإسلام على الجوارح فحاله كحال المنافقين الذي جاء فيهم قوله تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)المنافقون:1-2.لا يصح إيمانه عند الله ولا ينجيه من عذاب الآخرة لقوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)النساء:145.ولقوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)التوبة: 68.ولكن يحكم بصحة إيمانه بالظاهر بأنه مسلم مادام نطق بالشهادتين واظهر قبول الشريعة قولا وعملا وإن كان باطنه غير مصدق. هذا هو حكم الله في المرتد واضح جلي عند النبي وعند أصحابه رضوان الله عليهم ولا عبرة بمن شذ في ذم عقوبة المرتد ليبرر حرية الاعتقاد بحسب المفهوم الديمقراطي فليس هناك حرية اعتقاد في الإسلام الذي تنادي بها الديمقراطية فمن ينكر حكم الله في المرتد إنما يروج لعقائد ومبادئ الغرب الكافر.فالقضية أصبحت مكشوفة فأعداء الإسلام علموا أن حكم المرتد في الإسلام شرعه الله كضمانه لحماية العقيدة الإسلامية وأحكامها، فحاول الزنادقة هدم هذه الضمانة لكي يجد فسحة ينطلق منها باسم حرية الاعتقاد وحرية الرأي لهدم أصول الدين كل يريد ضرب العقيدة الإسلامية ويتطاول عليها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين هاني بن محسن الشمري بتصرف وإضافة سلطان الركيبات