بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
1. كلمة الدكتور الظواهري حفظه الله (شهادة لحقن دماء المجاهدين بالشام) هي ما انتظره المتابعون لأمر الجهاد الشامي منذ عام لفهم ما يجري. ويبدو أن تأخر الدكتور في إصدارها كان سببه الحرص على حل المشكلة داخليا دون بيان أخطاء جماعة الدولة.
2. د. أيمن رجل شديد الأدب مع المسلمين عموما، وهذا من أخلاق المجاهدين. ومع أن فرع تنظيمه في العراق لم يخطره ولا الشيخ أسامة بإعلان دولة، ولا استشار في تولية البغدادي، ولا في إعلان "تمدد الدولة"، ومع أن ناطق جماعة الدولة وصف منهج الدكتور بالانحراف، إلا أن د. أيمن عاد بعد حدته إلى لين الخطاب مع البغدادي (نسأل الله أن يهديه) وخاطبه بالشيخ المكرم الحسيني، رجاء أن يؤوب إلى ما فيه فلاح المسلمين.
3. ولا ينبغي مؤاخذة د. أيمن بأنه بلين خطابه هذا قد هوَّن مما فعلته جماعة الدولة. بل بين في كلمته أنها شقت الصف وتسببت في نفع النظام النصيري وأسالت دماء المسلمين. ورفض فرضها لــ "دولة" على الناس وعلى الفصائل الأخرى وبين أن من أسباب عدم مشروعية "تمددها" أنه لم يكن بمشورة مع هذه الجماعات. فرفقا بالشيخ أيها الناس، فهو لا يستهين بحقوق المسلمين، بل يترفق بالحديث من باب طرق جميع الأساليب لحقن الدماء بعدما أغلظ لهم الخطاب من قبل.
4. لكن هناك أمراً توقع البعض أن يكون أوضح في الكلمة. فمطالبة أبي بكر البغدادي بالرجوع إلى العراق –هداه الله للاستجابة لذلك- لا بد أن تكون مقرونة بالتأكيد على تغيير جذري في طريقة تعامل الجماعة. ولعل الدكتور أشار إلى ذلك بتأكيداته على أن المطلوب هو عودتها لمواجهة أعداء أهل السنة في العراق. وإلا فلا يمكن تناسي شكاوى الفصائل المجاهدة في العراق كأنصار الإسلام من سلوك جماعة "الدولة" ورسائلهم التي نشروها مبينين فيها بالأسماء والوقائع حصول اعتداءات وقتل من جماعة الدولة في حق أمرائها وطلاب علمها، ومطالبين الدكتور أيمن بالتدخل لوقفها، وهي ذات شكاوى جيش المجاهدين في كتابه: (الدولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم)، والذي نشره ردا على وصف العدناني لهم بالصحوات.
وإنا لنخشى أن يكون ما يعانيه المشروع الجهادي والقيادة في خراسان الآن من جماعة "الدولة" وعصيانها لها وتجرؤها عليها، نخشى أن يكون ذلك دفعا لثمن تأخرها في إنصاف هذه الجماعات، واستمرارها في الثناء على جماعة "الدولة" علنا على ما تلبست به من مظالم من قبل في حق الناس. ولعل القيادة كانت تناصح الجماعة في السر وتضغط عليها لترد المظالم، والله أعلم.
لكن لعل التوازن كان يقتضي ألا يمنع الاعتراف بالجانب المشرق من جماعة "الدولة" وتحريرها للسجناء ومواجهتها للمحتل وأذنابه، ألا يمنع ذلك من استنكار المظالم والتبرؤ منها بحزم، والإلزام برد الحقوق إلى أهلها.
لعل سُنة (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) كانت تقتضي ألا يمنع خوف إعطاء ذريعة للإعلام وأعداء الإسلام من الانتقاد العلني للأخطاء، تنزيها للشريعة والجهاد، وخوفا أن ينفر الناس عن دينهم.
5. للسبب نفسه فلعل الناس كانوا يتوقعون من الدكتور حفظه الله أن يُلزم البغدادي بالخضوع للتحكيم الشرعي فيما يُنسب إليه من مظالم مهما صدر من حكم له أو عليه فيها، قبل مطالبته بالعودة جنديا في صفوف أميره، وقبل التأكيد له بأن اتخاذ قرار الانحياز للعراق سيجعل (إخوانِك المجاهدين وكل أنصارِ الجهادِ أعوانًا لك وسندًا ومددًا). لئلا يُفهم من الخطاب إسقاط هذه الحقوق والمظالم أو عدم العناية بها، وهو ما لم يعنِه حفظه الله يقينا.
6. خاطب الدكتور البغداديَّ بالشيخ المكرم الحسيني، وهي عبارات مُشعرة بالعدالة المؤهلة لإمارة جماعةٍ مجاهدة. لن نناقش هنا بقاء هذه العدالة أو سقوطها بما وقع من الجماعة في ساحة الشام. بل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا: هل يعلم الدكتور أن قيادة جماعة "الدولة" كانت ابتداء مستحقة لهذا التكريم؟
نتفهم تماما رغبة الدكتور حفظه الله في حقن الدماء ونتمناه كما يتمناه، لكننا هنا أمام أناس يتخذون ثناءه هذا سببا لإضفاء الشرعية على "دولة" البغدادي على أنها دولة استوفى أميرها شروط اعتباره (أميراً للمؤمنين)!
وضح الدكتور أن القيادة في خراسان طلبت نبذة عن البغدادي ونائبه وأنهما غير معروفين لدى القيادة. فمن حق الأمة أن تعلم: بماذا جاء الرد؟ هل تبين للقيادة عدالة البغدادي ومن حوله وتَأَهُّلهم علميا لقيادة جماعة تجاهد جهادا رشيدا، فضلا عن التأهل لقيادة دولة؟ فضلا عن ادعاء إمارة المؤمنين؟!
هذا سؤال انتظر كثيرون الإجابة عنه من د. أيمن، ومن زمن طويل: من يعرف البغدادي وقياداته؟ ومن زكاهم؟
7. أثبت خطاب الدكتور أن البغدادي كان جنديا عنده. فإن كنا نتحدث عن دولة أميرها هو نفسه جندي ومأمور في نفس الوقت، ودولته جزء من تنظيمٍ وتابعة له، فمعنى هذا أن هذه الدولة ليست دولة يجب لأميرها الطاعة ولا البيعة، وإنما هو أمير خاص لجزء من جماعة، يقالُ ويعيَّنُ من غير أن يكون له أن يتأمر على غيرِ مَن عُين أميرا عليهم! فالتمدد بعد ذلك قهر وتسلط غير مشروع.
فادعاء البغدادي للإمامة العامة ثم ادعاء حق التمدد بناء عليه كان إذن تشبعا منه بما لم يُعط. و ((المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)). فكيف يدعي لنفسه ذلك وهو جندي مأمور؟! ولماذا إذن حاولت جماعة "الدولة" خلال الفترة الماضية التنصل من الاعتراف بتبعيتها للظواهري إلى أن أثبتها الدكتور بنفسه؟ ألا تعلم الجماعة أن هذه التبعية تحرمها حق الإمامة العامة؟ ثم ألا يكون هذا السلوك من مراوغة عن الحقيقة وادعاء ما ليس بحق لها واضعا لعدالة أميرها محل تساؤل؟
8. لأسباب نشرحها لاحقا بإذن الله، لا نعتقد أن ما قام في العراق أصلا كان يصح أن يُسمى دولة. ولو صح، فإن هذه الدولة قد زال "تمكينها" فكان لها في تحرير نفسها من الاحتلال، وفي تحرير 4500 أسيرة من "رعاياها" في سجون النظام العميل شغلٌ عن "التمدد" لمناطق أخرى لتحررها من المجاهدين!!
وليس كلامي هذا استهانة بالجانب المشرق من جهد الجماعة في العراق. إنما نقول: لا يصح اعتبارها دولة لأسباب كثيرة جدا، أحدها غياب المشورة.
ذكر الدكتور حفظه الله أنه–بعد إعلان الدولة دون مشورة القيادة- جاءتهم تطمينات بحصول شورى موسعة بين الجماعات المجاهدة في العراق قبل إعلانها. والسؤالان الملحان هنا:
أ) إن كانت الجماعة تتعامل مع قيادتها العامة في كل أمر مفصلي من إعلان دولة وتعيين أمير جديد ثم إعلان "تمدد" بهذه الطريقة، دون استئذان ولا مشورة، وإنما –في أحسن الأحوال- إخطارٌ بعد الوضع تحت الأمر الواقع، فكيف يُتصور أنها أخذت مشورة الجماعات المجاهدة في العراق، والتي اختلفت معها ولا شك في جزئيات كثيرة؟!
ب) فكيف إذا انضم إلى ذلك تأكيد قيادات في جيش المجاهدين بالعراق مثلا أنها لم تسمع بهذه الدولة إلا من وسائل الإعلام؟!! كما في كتاب أبي عبد الله محمد منصور (جيش المجاهدين): (الدولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم).
لا نشكك في أمانة الدكتور الظواهري ولا في من نقل إليه ما دام محل ثقة عنده لمعرفته به، لكن إعلان أمر خطير من "إقامة دولة" بهذه السرعة ودون مقومات ولا مشاورة ولا استئمار هو مظنة التباس الأمر جدا.
9. كلمة الدكتور أيمن فيها رد واضح على الشبهة التي تدندن بها جماعة الدولة: "أمير أمر وجندي عصى"، فإن كنتم ترون أمر الأمير ملزما على كل حال فها هو أميركم قد أمر بكف القتال والانحياز للعراق فأطيعوا أمره، وإن كان البغدادي يرى ما نص عليه في رسالته للدكتور أيمن من أنه: "ولا يقال عمّن عصى أمرًا لأميرٍ يرى فيه مهلكةً للمجاهدين ومعصيةً للهِ تعالى أنه أساءَ الأدبَ". فهي ذاتها حجة أبي محمد الجولاني، فلا تلوموه!
10. ردَّدَت الدولة مقولة: (لماذا لم يذمنا الدكتور أيمن قبل التمدد، ولم يتكلم بسيئاتنا إلا بعده؟ أَفَكنا ملائكة من قبل ثم تشيطننا؟!) فنقول لهم: (لماذا لم تتكلموا عما سميتموه "الانحرافات المتراكمة" لدى القيادة العامة من قبل؟ وما تكلمتم عنها إلا بعدما انتقدكم الدكتور؟ وأنتم من ترفعون شعار القوة في الحق وعدم إقرار الباطل مهما كان ومن أيٍّ كان؟) لعلكم ستقولون: (غلَّبنا مصلحة وحدة الصف وخفنا مفسدة نفور الناس عن أهل الجهاد ورجونا عودة القيادة إلى الحق). فنقول لكم: وهو ذاته الجواب عن سؤالكم! فالدكتور رأى منكم أخطاء متراكمة فغلب مصلحة وحدة الصف وخاف التنفير عنكم إن تكلم فيكم ورجا عودتكم إلى الحق. فلما لم يكن ذلك قال ما قال.
ختاما، يعلم الله أني غيرت عبارات وخففت اللهجة لأني ما أردت بهذه الكلمة أن أنتقد وأجرح، ولأني حرصت على أن أتجنب (تبادلِ الاتهاماتِ والتنابزِ بالألفاظِ وإشعالِ الفتنةِ بين المجاهدين في الإعلامِ ووسائلِ التواصلِ، وأن يكونوا مفاتيحَ للخيرِ مغاليقَ للشرِ) كما قال حفظه الله، وذلك جريانا على عادتي في الكتابة أولا، وتوقيرا للدكتور وإكراما لمناشدته ثانيا، ولأنه لا زال لدي رجاء أن يهدي الله قيادة الدولة ويفرح بذلك قلوب المؤمنين ويغيظ الكافرين والمنافقين. فأحرص ألا أقول ما قد يساهم في إعانة الشيطان عليهم وصدهم عما فيه خيرهم وخير المسلمين. لكنها نقاط أراها مهمة لأننا في وقت لا مجال فيه للمجاملة.
اللهم اهدنا جميعا لما تحب وترضى واجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم.
والسلام عليكم ورحمة الله.