JustPaste.it

صحوات الردة … والسبيل لمنعها

 

 

بسم لله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه…
في خضم الحملة الصليبية على العراق وبعد أن كانت هزيمة الغرب محققة لا محالة على أيدي طلائع الأمة المجاهدة وكان الغرب على وشك إعلان ذلك، تفتقت أذهان قادته على ما سمي في حينه بمجالس الصحوات، حيث وجد الغرب النصراني في هذه الصحوات بغيته التي طالما بحث عنها وتمناها، والجسر الذي ينقذه من هاوية السقوط المبكر عسكرياً واقتصادياً في العراق وكان الذي أراد.


وحيث أن هذه الصحوات المرتدة أثَّرت وبشكل واضح على مسار الحركة الجهادية في العراق على تمددها واتساعها، وكانت سبباً من أسباب حفظ ماء الوجه الصليبي في العراق ولو جزئياً، فقد رأت العقلية الصليبية أن تستنسخها في مناطق أخرى من مناطق الصراع مع الطلائع المجاهدة شرقاً وغرباً، وحيث أنني لست بصدد تقييم استنساخها هذا أو الحديث عن نجاحها من فشلها في المناطق الأخرى من العالم فذاك أمر له مقام أخر للتحدث عنه، إلا أن الأهم في ظني الذي دفعني للكتابة عن هذا الأمر هو كيف نمنع بحول الله وتوفيقه قيام مثل هذه الصحوات المرتدة في مناطق قتالنا لأعداء الملة والدين.؟ حيث أن وجود عدو على هذه الشاكلة – شاكلة الصحوات- تجربة جديدة على أبناء الحركة الجهادية لم يعتادوا على التعامل معها من قبل والله المستعان.

وليس بشرط أن يعمد العدو في كل مرة على إيجاد هذه الصحوات وتسليحها، بل قد تكون ردات فعل لأخطاء يرتكبها المجاهدون عن غير قصد لقصور في فهم متطلبات أولويات المرحلة الجهادية التي يخوضونها والله الحافظ من كل زلل.
ولتجنب الذي ذكرت فالذي أعتقده من خلال التجربة الجهادية العملية أن على أبناء الحركة الجهادية، وكل من يشرفه الله غداً بجهاد أعدائه، اتباع الآتي لدرء فتنة هذه الصحوات ووأدها في مهدها، بل منع قيام بذرتها الخبيثة أصلاً بتوفيق الله ومعيته والله نسأل الهداية والرشاد في الأمر.

أولاً: فقه أولويات المرحلة:

إن أهم ما يجب على الطائفة المجاهدة أن تعيه جيداً هو فقه حقائق كل مرحلة جهادية تمر بها، فلكل مرحلة من مراحل الجهاد أسلوب وطريقة يفرضها الواقع المعاش على كيفية التعاطي معه، ولكل حال ما يناسبه من طرح سواء كان طرحاً فكرياً في مخاطبة الناس، أو أسلوب عمل على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال دفع الصائل له خصوصيات وفقه حركي خاص به يستلزم منا حشد الطاقات وتوجيه الجهد الأساسي لدفعه وجمع الناس والجماعات على قتاله دون الانشغال بمسائل أخرى تفرق أكثر مما تجمع، وربما ترمي بالناس في أحضان الكافر عن غير قصد، وتقلب المحب عدواً مبغضاً.


ومن ذلك أيضاً إقامة الحدود في دار الحرب، وفي أرض لا تسيطر عليها حق السيطرة، تكون سيطرتك فيها سيطرة وهمية ربما تكون لك في الليل ولعدوك في النهار، أو أن العدو يستطيع إرجاعها والسيطرة عليها بسهولة ويسر إن شاء، مثال ذلك ما حصل للطلبة الباكستانيين في مقاطعة سوات القبلية الباكستانية ففيه عبر كثيرة لمن يتأمله، هذا مع حب أهلها – أي أهل سوات – للمجاهدين وتمكن الدين من قلوبهم، ولكن هناك بون شاسع بين السيطرة الحقيقية والسيطرة الوهمية المؤقتة.
ومن ذلك أيضاً إلزام الناس بدفع بعض من أموالهم للمجاهدين من أجل الجهاد، وإن كان ذلك جائزاً عند بعض أهل العلم بشروط معروفة في كتب الفقه، إلا أن الواجب دائماً النظر في مآلات الأمور وللمفسدة والمصلحة المترتبة على ذلك، فإن هذا الفعل يؤدي في الغالب إلى تكالب الناس على الحركة الجهادية وخاصة في حال الاستضعاف، وقد حصل شيء من ذلك في بعض مناطق القبائل الباكستانية والله المستعان.


فهذا الذي ذكرنا وغيره كثير مما يجب أن يراعى في سياسة الحرب ويتنبه له جيداً حتى لا يكون لعدونا مدخلاً لإفساد الناس وتأليبهم على المجاهدين.


ثانياً: مخاطبة الناس بما يعقلون من مذهبهم:
وهذه من المسائل المهمة والضرورية في العمل الجهادي وهي مخاطبة الناس بما يعقلون من المذهب السائد بينهم والمتَّبع عندهم، ومراعاة ذلك أيّما مراعاة، وخاصة إن كان القائمون بالجهاد وعلى الجهاد من غير أهل البلد أي من المهاجرين، أذكر في بداية الجهاد ضد الأمريكان في أفغانستان، وبالتحديد في مناطق القبائل البشتونية حيث قواعدنا في ذلك الوقت منتشرة على الحدود الأفغانية الباكستانية، أن جاءني بعض من مجاهدي تلك المنطقة يسألون عن مسائل تتعلق بالتكفير وغير ذلك من مسائل فقهية فقلت لهم: اسألوا فلاناً – من علمائهم – ، مع علمي بجواب سؤاله، والقصد من ذلك أظن بيِّن واضح إن شاء لله ولا يحتاج كثير حديث.


ويدخل في هذا الباب أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن القائم على ذلك يشترط له شروط معروفة في كتب الفقه، وأخص بالذكر هنا تغيير المنكر باليد والقوة العسكرية ونحن ما زلنا في حال دفع الصائل وحالة الاستضعاف التي تواكب نشوء أي حركة جهادية في العالم اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله.


ولابد أن ننتبه لأمر مهم في هذه المسألة وهو التدرج في تغيير المنكر، والتدرج في مخاطبة الناس بحيث نخاطبهم بما يعقلون لا بما نعقل نحن، ومراعاة فهمهم وتصوراتهم وخاصة في المسائل الخفية التي لم تعتد آذان الناس سماعها وخاصة مسائل التكفير وما يتعلق بها، وأذكر في هذا الباب أن عوام القبائل الوزيرية حتى مجاهديها أخذوا وقتاً لا بأس به حتى بان لهم كفر الجيش الباكستاني، ولم يقتنعوا تماماً بكفره حتى قاتلوه وعاينوا كفره وفساده بأعينهم.


إن مخاطبة أفهام الناس بما يعقلون أمرٌ في غاية الأهمية، وفي غاية الخطورة، إن لم نحسن بابه سيترتب على ذلك ما لا يحمد عقباه، لذلك يجب على المجاهدين أن يفقهوا أدبياته فقهاً جيداً، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم. أقول: يجب أن يكون هذا القول الحكيم شعار المسير وهادي السبيل ومرجع الأمور وحاديهم في رحلة الجهاد الطويلة.


ثالثاً: عدم التشدد في الدين:


والمقصود بذلك تحميل الناس ما لا يطيقون، والبحث في معتقداتهم، وأخذهم على الحق الذي نعتقده بقوة السيف والشدة والغلظة، فمن ليس موافقاً لنا في كل معتقد نعتقده فهو عدو لنا، أو على أقل تقدير هو ليس منا يجب أن نَحذَرَهُ ونُحذّرَ منه، وهذا لا شك أمر ليس بمحمود البتة في التعامل مع المسلمين، فالتشدد ما كان في شيء إلا شانه بل أهلكه وأهلك أصحابه، روى ابن عباس أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال غداة العقبة: القط لي حصاً، فلقطت له سبع حصيات، هن حصى الخذف، فجعل يفيضهن في كفيه، ويقول: أمثال هؤلاء فارموا، ثم قال: أيها الناس: إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين. حديث صحيح.


ومن ذلك أيضاً الإسراع إلى تكفير الناس أو تفسيقهم أو تبديعهم ورميهم بما لا يليق من التهم، مع عدم مراعاة أحوال الناس وبعدهم وغيابهم عن مفاهيم الدين الصحيحة، وعدم مراعاة الجهل الذي أصابهم ونزل بهم عقوداً طويلة من الزمن عن قصد بفعل سياسات أهل الردة وأعوانهم الصليبيين.


إن الواجب التلطف مع الناس والإحسان إليهم قدر المستطاع حتى مع المخالف منهم، فمن كان مقدوراً على جلبه إلى صفنا – صف الحق- جلبناه وهذا هو المطلوب دوماً، ومن لم نستطع أن نجلبه لصفنا فليكن محايداً، ومن لم نستطع أن نحيده فلا نجعله يميل بعواطفه لعدونا، والحذر كل الحذر أن ينقلب عدواً أو ينحاز إلى صف العدو.
إن مجاهرة الناس بالعداء سواء كانوا أفراداً أو جماعات تعد من الأخطاء القاتلة في العمل الجهادي خاصة في مرحلة دفع الصائل، فإن فعل ذلك يؤدي بهم للإرتماء في أحضان العدو دون كثير عناء من عدو الله وعدو الدين، كما يؤدي غزو الكافر الأصلي لبلاد المسلمين إلى ارتماء الناس في أحضان المجاهدين، فالحذر الحذر من مغبة معاداة عوام المسلمين وخاصة إذا كان هناك متسع لعدم قيام مثل هذا العداء.


رابعاً: الكف عن بعض من يستحق العقوبة:


من السياسة الحكيمة في دار الحرب الكف عن بعض من يستحق العقوبة درءاً لمفسدة أعظم قد تترتب على تنفيذ العقاب، فقد عودتنا ساحات الجهاد على مرِّ الزمان على وجود صنف من الناس يستحق القتل لردته وموالاته لأهل الكفر، وهم على درجات بين الناس ومقامات تتفاوت منازلهم ومكانتهم، فمنهم المطاع في قومه ومنهم دون ذلك كل بحسبه، وهذا النوع من الناس وخاصة المطاع في قومه والذي لم تظهر ردته بشكل صارخ مفضوح لعوام المسلمين، والناس ما زالوا ملتفين حوله محبين له، هذا الصنف يحتاج إلى سياسة حكيمة في التعامل خاصة إذا تعلق الأمر بالقتل والتصفية الجسدية، فمن الكياسة السياسية في حال الاستضعاف عدم استهدافه بالقتل لحين، لما يترتب على ذلك من تكالب قومه على أبناء الجهاد نصرة لزعيمهم الهالك وتعصباً للباطل، والمتأمل في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في سياسته مع الناس يجد شبيه ذلك فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر وقد استأذنه في قتل رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول: دعه ، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.


وهذا مثال فقط على الكف عمن يستحق العقاب، لكي لا تكون النتيجة عكس الذي نرجو، وهذه النتيجة العكسية مشاهدة ومعروفة لدى القائمين على العمل الجهادي الميداني، بل خلص إلى نتيجتها غير المسلمين كالفتناميين، يقول صاحب كتاب التجربة الفيتنامية علي فياض: هناك بعض الاغتيالات السياسية التي أحدثت أثراً عكسياً للثورة فاغتيال “ترونغ انه” زعيم جماعة “كاو داي” دفع الكثيرين من أعضائها للانحياز إلى جانب الفرنسيين في الصراع عام 1947، كما أن اغتيال “هوين سو” زعيم جماعة “هوا هو” في نفس العام أدى إلى تعاون بعضها مع الفرنسيين.اهـ


وحتى لو احتيج إلى القيام بعمليات من نوع ما أسميه ” قتل الردع وكف الأذى البيِّن” فلا بد أن توضح الصورة بشكل يقضي على جميع الشكوك، بحيث لا يكون هناك قتل لا مبرر له أو مفسر، ويا حبذا لو أقيمت له محكمة علنية إن قُدر على ذلك، لأن الناس كما يقال عقولهم في عيونهم، ويكون القتل بيد واحد من أهله أو عشيرته أو قومه على العموم، فإن ذلك أدعى لتسكين الخواطر وتهدئة النفوس.
والحذر كل الحذر أن يتصدر لمثل هذه الأمور ويقوم بتنفيذها المجاهدون المهاجرون فإن عواقب ذلك ليست بمحمودة البتة، ولا يجب الاغترار بالتمكين الوقتي أو السيطرة الوقتية خاصة في المناطق التي تسود فيها القبيلة وتحكم، فقد عاينت بنفسي سوء ذلك على بعض الحركات الجهادية، وكيف انقلب المحب مبغضاً بل مقاتلاً وطارداً، إن سياسة الجهاد وفقهه يحتاج إلى أضعاف أضعاف ما نبذله من جهد للقوة العسكرية، فما القتال إلا وسيلة لتحقيق الهدف السياسي، وهدفنا تعبيد الناس لربهم.


خامساً: الاستقطاب:


إن من أساسيات العمل الجهادي ومقومات بقائه كسب واستقطاب أكابر الناس ووجهائهم من العلماء، ورؤساء وشيوخ القبائل، والمطاعين في أقوامهم على العموم، فهؤلاء عماد أكيد لتأييد الناس ووقوفهم إلى جانب الدعوة الجهادية ليس في رخائها وحسب، بل في أصعب الظروف وأحلكها، إنهم صِمام أمان للعمل الجهادي برمته عندما تشتد العاصفة وتتزعزع الصفوف ويتكالب الأعداء، فسيد في قومه مطاع جديرٌ بأن يجند قبيلته أو أغلبها ويَصُفّها خلف المجاهدين نصرة وتأييداً لهم، لقد دعا نبينا الكريم صلى الله عليه و سلم ربه أن يعز الإسلام بأحب الرجلين إليه أبي جهل أو بعمر بن الخطاب فكان أحبهما إليه عمر رضي الله عنه.


إنه سنة من سنن المنعة والعزة والتمكين سنة استقطاب وكسب الأعزة في أقوامهم، وطرائق ذلك كثيرة منها الزواج والمصاهرة، ومنها المشاورة وأخذ الرأي، ومنها التأمير والتسويد، ومنها الدعوة والإلحاح فيها وبيان محاسن ذلك على دينهم ودنياهم وهذا الأخير هو العمدة فيما ذكرنا.


وهذا الذي ذكرت من طرائق الاستقطاب عاينت خيره بنفسي ووقفت عليه في مناطق القبائل الباكستانية، فقد انتفضت عشائر برمتها لنصرة بعض المجموعات الجهادية والقتال معها، بل تعدى الأمر ذلك إلى الهجرة والترحال، وقد وقع لبعض رؤوس القبائل أن هاجرت وتركت ديارها ومراتع قبائلها نصرة وتأييداً للمجاهدين، مع ما في الهجرة من متاعب لا يعرفها غير الذي قاسى آلامها.


إن سرّ النجاح في العمل الجهادي الحركي برمته واستمراره على شكل يضمن إقامة الدولة ويحقق الهدف المقصود من الجهاد، يكمن في كثير من جوانبه بمتانة العلاقة بين السكان وبين المحاربين الجهاديين، وسر ذلك يتمثل بهذه النقاط التي ذكرت، فتأييد عوام المسلمين للعمل الجهادي المسلح، ومنع الصحوات من الأسس المهمة في بقاء النفس الجهادي واستمراره، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

والحمد لله رب العالمين

كتبه/ أبو عبيدة

عبد الله خالد العدم

16 جمادي الأول 1433