JustPaste.it

عقليّة الطائفة المنصورة عند الجماعة المجاهدة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله ومن والاه وبعد

نناقش الآن مرضا خطيرا من الأمراض التي قد تُصاب بها الجماعة المجاهدة والذي قد يودي بالمشروع الإسلامي ككل، وهو ادعاء الجماعة أنهم هم وحدهم الطائفة المنصورة، هذا الاعتقاد الذي آل إلى مشابهة كبيرة بعقيدة الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية حيث غدت الجماعة المجاهدة معصومة كالأئمة المعصومين، وقُسِّم الناس إلى موال ومعاد حسب الانتساب إليها كما هو الحال عند الشيعة.

 

-الجماعة المجاهدة ( الطائفة المنصورة) الجماعة الشرعية الوحيدة:

بناء على اعتقاد أنّ الجماعة المجاهدة هي الطائفة المنصورة يعتقد أفراد الجماعة أنهم الجماعة الشرعية الوحيدةورايتهم الراية الشرعية الوحيدة. ومن لوازم ما سبق كبر واستعلاء أفرادهم على غيرهم من المجاهدين، وبغيهم وتطاولهم وطعنهم في الجماعات الأخرى. وقد يصل الأمر إلى استحلال أموال الجماعات المجاهدة الأخرى لوضعها في مصلحة المسلمين التي هي مصلحة الجماعة، وقد يصل الأمر إلى أنْ أتباع الجماعة يعتَقدون فيها نوعا من العصمة بما أنَّها الجماعة الظاهرة على الحق.

 

- الجماعة المجاهدة ( الطائفة المنصورة) والسنن الكونية:

الجماعة المجاهدة بما أنها الطائفة المنصورة ظاهرة على الحق فهي لا تُخطئ!، وبسبب تعاظم حجم الجماعة في قلوب أتباعها وأنصارها وعدم تصوّرهم خروج الحق عنهم تجدهم يتعاملون مع السنن الكونية بشكل منحرففبما أنّ التنظيم لا يخطئ فيجب تبرير الأخطاء بل جعلها منهجاً يوالى ويعادى فيه، فإذا وقعت المصيبة نسبوها إلى القدر ولم ينسبوها إلى ما كسبت أيديهم. وكلّ الفشل والويلات التي يمكن أن يجرّوها على الأمة هي أمور قدرية من طبيعة التدافع والصراع بين الحق والباطل ولا ذنب لهم فيها، فإن اعترفوا بأخطاء اعترفوا بأمور ثانوية وأغفلوا الأسباب الحقيقية للفشل، فيكررون كل مرة نفس تجاربهم الفاشلة، حيث أصبح الخطأ منهجاً لا تنازل عنه.

وقد أمرنا الله عزّ وجل بالاعتبار:{ فاعتبروا يا أولي الأبصار} وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ" متفق عليه.فأمرنا الله سبحانه بالاعتبار بما حدث مع الأمم السابقة وحذّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع في نفس الشرك مرتين،

لم يفقه أعضاء الجماعة المجاهدة ( الطائفة المنصورة) قوله تعالى مبيّناً سنة عامة:{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} وقوله تعالى مخاطبا الصحابة: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إنّ اللَّهَ عَلَى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} حتى  يظن الواحد منهم أن تسلط العدو على المسلمين وسومهم سوء العذاب ليس بهزيمة ما دام التنظيم موجودا.

 

-إحاطة الجماعة المجاهدة ( الطائفة المنصورة) بهالة من القداسة:

مما يمنع عنها النصح ويفاقم عدم تبصّرها بأخطائها وعدم استفادتها من التجارب. ويصل الأمر بهم إلى أن يأمنوا من الاستبدال بل قد تجدهم قد أمّنوا أنفسهم من مكر الله!. والاستبدال عندهم يقع عندما يترك الفرد الجماعة أو يتخلى عن مناصرتها.

 

-تقسيم الناس إلى موالٍ ومعاد عند الجماعة المجاهدة ( الطائفة المنصورة):

تتغيّر موازين الجرح والتعديل عند أفراد الجماعة وترتبط بشكل مباشر بالانتماء لجماعتهم ويصاب أفراد الجماعة بأمراض تزكية النفس والكبر والعجب، حتى يظنّ العنصر نفسه قد ارتقى بمجرِّد انتمائه إلى الجماعة إلى مرتبة أعلى من بقية المجاهدين في التنظيمات الأخرى حتى لو كانوا سابقين له إلى درب الجهاد سنوات.

 

-المصالح والمفاسد عند الجماعة المجاهدة ( الطائفة المنصورة):

انتهاكهم مصالح المسلمين للحفاظ على مصلحة جماعتهم، لاعتبارهم أن مصلحتهم هي مصلحة الإسلام، فلا يهمهم المفاسد التي  قد يلحقونها بالمسلمين ما تحققت مصلحة جماعتهم.

 

-حسد من جنس حسد يهود عند أعضاء الجماعة المجاهدة ( الطائفة المنصورة):

نجدهم لا يتحمّلون أن يصدر الحق من غيرهم مشابهين اليهود في عدم قبولهم نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ليس من بني إسرائيل. فسوء الظن بالجماعات المجاهدة الأخرى أصل ولا يمكن أن يُقيم الدين إلا هم. ومن المصيبة أنْ تتحول ثقة أفراد الجماعة المجاهدة من الثقة بالدين إلى الثقة بالجماعة، كيف لا وهم لا يرون أنّ الله يجوز أن يقدِّر أن يقع النصر على يد غيرهم.

 

-تعامل الجماعة المجاهدة ( الطائفة المنصورة) مع الجماعات الأخرى:

معارضة الجماعة معارضة للدين، الكلام عليها كلام على الدين، الاعتداء عليها اعتداء على الدين، الخلاف معها مخالفة للدين... فتجدهم يسارعون إلى الطعن في دين كل من طعن في جماعتهم ونسبته للخيانة والعمالة أو الجهل والتغرير.

وكل جماعة مجاهدة هي جماعة منحرفة إلا أن تلتحق بهم. فيربطون توبة واهتداء أي جماعة مجاهدة بمتابعتهم.

 

-سوء الظن بالمسلمين عند الجماعة المجاهدة ( الطائفة المنصورة):

لأن المسلمين الآخرين لو كان فيهم خير لا لتحقوا بجماعتنا التي هي الطائفة المنصورة.

فرحهم بالأخطاء التي قد يقع فيها المجاهدون واستخدمها في الطعن بهم والتشكيك في دينهم وعدم اعتمادهم مبدأ محبة الخير للمؤمنين والنصح والتواصي بالحق. ومع غفلتهم عن أخطاء جماعتهم يتوهّمون أنّ أخطاء الجماعات الأخرى دليل أن جماعتهم هي الطائفة المنصورة.

 

-الحمية الجاهلية والتناصر على غير الحق عند الجماعة المجاهدة ( الطائفة المنصورة):

فيظن أنصار وعناصر الجماعة أن تعصبهم ومناصرتهم المطلقة للجماعة هو تعصُّب للحق.

وقد ذُمَّ التعصب لغير الحقّ لأجل الانتساب لأشرف نسب عندما قال بعض المهاجرين: يالَلمهاجرين، وقال بعض الأنصار: ياللأنصار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال دعوى الجاهلية، دعوها فإنها منتنة وفي رواية فإنها خبيثة. وهل نصر الدين أحد أكثر من المهاجرين والأنصار، فلا يُلبِّس الشيطان على أحد بعد هذا بأن يقول إنما أتعصّب لجماعتي أو أميري لأجل ما قاموا به من نصرة الدين.

وقال ابن تيمية: ومن حالف شخصا على أنْ يوالي من والاه ويعادي من عاداه كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعالى ولا من جند المسلمين ولا يجوز أنْ يكون مثل هؤلاء من عسكر المسلمين بل هؤلاء من عسكر الشيطان.اهـ.مجموع الفتاوى جـ28 صـ20-21.

خاتمة

الجماعات المجاهدة كلها وضع بشري وليست وضعا إلهيا، والطائفة المنصورة منهج علمي عملي لا يُقدِّس أحداً ولا يعصم أحدا، فكون الفرد أو الجماعة من الطائفة المنصورة لا يعني العصمة ولا يعني عدم الانحراف، فبعد كون الشخص أو الجماعة من الطائفة المنصورة علماً وعملا قد ينحرف فيقع في الضلال أو الكفر، فقد تكون الجماعة من الطائفة المنصورة حينا من الدهر ثم يستبدلها الله تعالى وقد قال تعالى:{ وإنْ تتولوا يستبدل قوما غيركم ثمّ لا يكونوا أمثالكم} وهذه الآية نزلت على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكذلك قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

قال عمر محمود أبو عمر: وإنّ ما ينتجه تسمية الأوهام بالحقائق التعلق بالأسماء والهياكل والألقاب، فمن الإثم العظيم في دين الله تعالى أنْ يقتل أهل الإسلام بعضهم بعضاً من أجل أُمراء أو أسماء تنظيمات وضعها الناس،ولم يكتسبوا حكماً إلا بوضعٍ بشريٍ فقط.

قال: لكنّ بعض الناس يتعاملون مع أُمرائهم وجماعاتهم كأنها وضع إلهي، يقاتلون عليها،ويأبون تركها،وكأنها مقصد بذاتها لا وسيلة،وهذا أمر يخفى على النفوس،مع أنّ عامة ما تقع به الجماعات وأُمراؤها هذا وجهه على الصحيح ممن يعلم ويراقب ويعاني نظراًوفكراً،وإذا وقعهذاالأمرعلى وجهجليّمنهمكانالإصلاح أبعد في الاحتمال والوقوع،وإني لأرجو الله تعالى أنْ لايقع هذا من أحد، فإني رأيت بعض من تسمى بالخليفة أوأميرالمؤمنين هو في هذا الباب على دين الرفض دون أنْ يدري، فإنهم هم من يرون الأُمراء والأئمة وضعاً إلهياً لا اختياراً بشرياً يخضع للمصلحة دون غيرها،والحُجة في ذلك [أي الحجة في عدم كون تعيين الإمام وضعاً إلهياً]تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهماعن إمرةالمؤمنين،وحصول المدح له من صاحب الشرع محمد صلى الله عليه وسلم، وبمجرّد تمسّك الناس بالأسماء والأشخاص يدخلهم في هذاالمعنى شاؤواأم أبواْ.اهـ.من الرسالة المنسوبة للشيخ ( رسالة لأهل الجهاد بالشام).

 

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.