JustPaste.it

تعقيباً على مباركة المحيسني لما تُسمى الجبهة الإسلامية لأبي القاسم الأصبحي

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد : -

فقد وقفت على كلمةٍ مسجّلةٍ لعبدِالله المُحَيْسِنيّ – حفظه الله ووفّقه – باركَ فيها إعلان الجبهة الإسلامية وأيّدها على ميثاقها التي أخرجته .

وقد رُوي عن أمير المؤمنين أبي حفصٍ رضي الله عنه قوله : « لستُ بالخبِّ ولا الخِبُّ يخدعني » .

والمؤمن الحقُّ ذو كياسةٍ وفطنةٍ , يتّقي الشّبهات استبراءً لدينه وعرضه ويَدَعُ ما يُريبه إلا ما لا يريبه , وينظر في مآلات الأمور قبل أن يتجاسر على مباركةِ من تسنّم ذُرواتٍ عند المُوالين للصليبين .

وعبدُالله المُحيسني من أهل الفطنة والكياسة إن شاء الله , وهو أهلٌ لحسنِ الظن , وحرصه على جمع الكلمة ووحدة الصّف أشهر من أن يُنبّه عليه مثلي .

والحقّ عندي أنّه جانب الصّواب في كلمته تلك , وكان الأولى في مثل هذه المواطن هو التّثبت والتّمهل ومعرفة القائمين على هذه الجبهة حقَّ المعرفة , وكان الأحرى به في أقل الأحوال أن يصبر حتى يُصدَّقوا أقوالهم في ميثاقهم بصحيح أفعالهم .

فكيف إذا علمت أنَّ القائمين على هذه الجبهة هم مأتمرون – حقيقةً ومآلاً – بأمرِ سليم ابن إدريس , وهذا الأخير مُؤتمرٌ بأمر ابن جَربا المعروف ؟!!

فإن قلتَ : وكيف ذاك يا أبا القاسم ؟!!

قلنا لك : اصطبر إلى نهاية هذه الرِّسالة وستعلم يقيناً ذلك بإذن الله .

وإحسانُ الظّن قد حثّ عليه الشّارع الحكيم , وهذا الأمر الإلهي ليس على إطلاقه فيُحسن الظّن بكل من هبّ ودبّ , بل إحسان الظّن يكون بمن عُرف عنه الصّلاح والتّقى والبُعد عن الشّبهات في أقل الأحوال , أمّا من كان حالُه مناقضاً لذلك فإحسان الظنِّ به سفهٌ وحُمقٌ .

وقبل الشُّروع في ذلك لابد من التّنبيه على خطأٍ وقع فيه المُحيسني , فقد قال ما نصّه :

« وقد بوّبَ الإمامُ مسلمُ في صحيحهِ بابَ الحكمِ بالظاهر » انتهى .

قلتُ : نسبة تراجم الأبواب إلى مسلمٍ فيه نظر بل هو خطأٌ قطعاً , فالحقّ أنّ مُسلماً رحمه الله لم يُبَوِّب صحيحَه ولم يُترجم الأبوابَ وقد نصّ على هذا غيرُ واحدٍ من أهل العلم .

والتَّبويت والتَّراجم إنَّما جاء من شُرَّاح صحيح مسلمٍ رحمه الله , وأشهر التَّراجم التي اعتمدها العلماء رحمهم الله تراجم النّووي رحمه الله في شرحه على صحيحِ مسلمٍ .

وكثيرٌ من النّاس يخلط في ذلك , فينسب هذه التّراجم إلى مسلم رحمه الله وليس ذلك بالسَّليم أبداً .

ولعلّ المُحيسني اختلط عليه وقوع ذلك في بعض الطّبعات الحديثة التي تجعل التّراجم في متن صحيح مسلم , فينقدح في ذهن القارئ أنَّ تلك التّراجم له , والحقّ أنّها ليست له .

وأنت إذا رجعت إلى الطَّبعات العتيقة لصحيح مسلم ومنها الطَّبعة الأولى بالمطبعة العامرة – وهي أتقن تلك الطّبعات بشهادة الثّقات – , تجد أنّهم لم يضعوا الأبواب والتّراجم في صُلب الكِتاب ومَتْنِه , وإنّما وضعوه في الهوامش والحواشي .

ومن ذلك التّرجمة التي ذكرها المُحيسني , فهي موجودة في هامش الصحيفة الثامنة والعشرين بعد المائة من الجزء الخامس من صحيح مسلمٍ من الطّبعة المذكورة آنفاً بما نصّه :

« بابُ الحكم بالظّاهر واللحن بالحجّة » انتهى نصّه , وهذه التّرجمة موجودة في كتاب الأقضية .

والذي ترجّح عندي أيضاً أنّ مسلماً رحمه الله لم يذكر بعد مقدمته كتابٌ ولا بابٌ , وإنّما سرد الأحاديث سرداً بلا تبويب أو تقسيم إلى كتبٍ .

ومن تتبّع الطّبعة المذكورة وجدَ أنّهم التزموا ذلك فسردوا الأحاديث دون تبويبٍ ولا كتبٍ في صُلب المتن , وإنما وضعوا التبويب والكتب في هامش الصّحيح ولم يجعلوه في متنه .

والقطع في ذلك يحتاج إلى بحث ليس هذا محلّه , وهذا عارضٌ من القول واستطراد لابد منه .

وهذا آوان الشّروع في المقصود , فأقول :

قد علمنا أنّ ما يُسمى « الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية » يتكون من عدّة كياناتٍ .

وهذا الائتلاف لا يخفى حاله على كل لبيب , فهو نظير مجلس الحكم العراقي الذي جاء به الصّليبين ليحكموا أرض العراق .

وموالاتهم للصليبين أشهر من أن تُذكر , والصليبيون والمرتدون يدعمون هذا الائتلاف جهاراً نهاراً , وكذلك إعلانهم أنهم يريدون دولة ديمقراطية مدنية , وكلّ ذلك من الكفر العظيم بالله والله المستعان .

ومن أبرز هذه الكيانات المُكونة للائتلاف هو ما يُسمى « قيادة أركان الجيش الحر » ويرأسها سليم بن إدريس , وحاله معلوم لا يحتاج لبيان .

ومن مكونات هذه القيادة ما يُسمّى بـ « مجلس القيادة العسكرية العليا » , وعدد هذا المجلس ثلاثون رجلاً يمثّلون خمس مناطق سوريا , من كل منطقة ستة أعيان , على هذا نصّت قيادة الأركان كما في موقع ما يُسمى بالائتلاف .

وقد علمنا أنّ رئيس مجلس الشورى في الجبهة الإسلامية المعلنة هو أحمد بن عيسى الشّيخ وهو كذلك قائد لواء صقور الشّام .

وعلمنا أيضاً أن زهران بن علوش القائد العسكري للجبهة الإسلامية وهو كذلك قائد جيش الإسلام .

وأحمد بن عيسى الشيخ عضوٌ في مجلس القيادة العسكرية العليا للجيش الحر التابع لما يُسمى الائتلاف الوطني ممثلاً عن المنطقة الشّمالية .

وزهران بن علوش هو عضوٌ في مجلس القيادة العسكرية العليا للجيش الحر التابع لما يُسمى الائتلاف الوطني ممثلاً عن المنطقة الجنوبية .

وجميع هؤلاء يأتمرون بأمرِ سليم بن إدريس , وهذا الأخير مُؤتمرٌ بأمر ابن جَربا , ولا يخفى حالُ هذين الاثنين وموالاتهم للصليبين والمرتدين أشهرُ من أن تُذكر .

ولا يخفى أيضاً أن العلج الصليبي جون ماكين قد التقى بسليم إدريس , وقال سليم إدريس بعد ذلك مادحاً لهذا العلج : لن ننسى زيارة ماكين الشّجاعة إلى سوريا .

فلم يستحي من الله ولا استحى من نفسه ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وهذا التّفصيل الذي ذكرته مهمٌ في تصوّر واقع الجبهة الإسلامية المُعلنة , وهذا التّصور صحيحٌ لا شائبة فيه ومن شاء فليتأكد بنفسه من موقع الائتلاف الوطني .

وكلّ من تصوّر الشيء على خلاف حقيقته في الخارج , فإنه سيحيد في حكمه ورأيه من الصّواب إلى الخطأ قطعاً .

ولا أدري هل فاتَ هذا التّفصيل عبدالله المُحيسني أم لا ؟!!

فكلّ جندي في الجبهة الإسلامية يأتمر بأمرِ أحمد عيسى الشيخ الذي يأتمر بأمرِ الخبيث المرتد سليم بن إدريس الذي يأتمر بأمرِ كبيرهم الذي علّهم الكفر والردّة ابن جربا !!

وهذا الأمر أوضح من الشّمس في حمارّة القيظ , ولا ينكره إلا جاحد مُكابر متنكّب للحق !!

فكيف يُباركُ عاقلٌ عارفٌ هذه الجبهة الإسلامية المُعلنة – بعد هذا التّفصيل الذي سردناه – ؟!!

حينئذٍ علمنا أنّ إخراج الجبهة الإسلامية لميثاقهم لا ينفعهم بعد ثبوت ائتمار رئيسهم بأمر سليم بن إدريس !!

ولم نعلم أن أحمد عيسى الشيخ أو زهران علوش قد تبرؤوا من هذا الائتلاف , بل لم يزالوا على رأس عملهم في مجلس القيادة العسكرية العليا للجيش الحر .

ومن أحسن الظّن فيهم وفي ميثاقهم بعد ما ذكرنا من التّفصيل دون أن يعتبر القرائن الدالّة على ائتمارهم بأمر سليم بن إدريس , فهو في أقلّ أحواله أحمق مُكابر .

ولو أنّا أخذنا النّاس بظواهرهم فقط دون اعتبار قرائنهم , لقلنا بأن حكام نجد والحجاز من آل سعود مسلمون وباركنا حكمهم !!

فإن قلت : وكيف ذاك ؟!

قلنا لك : لو أنّك رأيت النّظام الأساسي للحكم الخاص بآل سعود – وهو نظير ميثاق الجبهة – , لباركت حكمهم وجعلته إسلامياً !!

وما ذاك إلا لأنّهم ينصّون صراحةً على تحكيم الشّريعة في كل شيء وأنّ نظامهم إسلامي لا وجود للبرلمانات الشّركية فيه ولا الانتخابات ونحوها !!

فلو أخذنا الأمر بظاهر أمرهم فقط دون اعتبار القرائن , لباركنا النّظام الأساسي لحكم آل سعود !!

ولكن القرائن التي احتفّت بحكام آل سعود تدلّ صراحةً على أنّهم نبذوا كتاب الله وشريعته ورائهم ظِهرياً واشتروا به ثمناً قليلاً فلم ينفعهم نظامهم الأساسي للحكم أبداً , وهذا معلومٌ قطعاً ولا نحتاج لبيانه .

فحينئذٍ كلّ من رام الحكم على الجبهة الإسلامية وميثاقها , فيلزمه أن لا يقصر نظره على ميثاقها التي أخرجته , وإنّما ينظر في القرائن التي احتفّت بهم ويحكم باعتبارها ولا يُهملها كأنه لا يرها !!

فائتمار أحمد عيسى الشّيخ وزهران علوش بأمر سليم بن إدريس قرينةٌ صريحةٌ صحيحةٌ صارفةٌ عن إحسان الظنّ .

ونحن نُحسن الظنّ بجنود الجبهة الإسلامية ونعلم أنّ كثيراً منهم فيه خيرٌ وصلاح ولا يرضى أن يأتمر بأمر رجلٍ يتبع سليم بن إدريس في حقيقته !!

وعلى البصير منهم أن يتّقي الله ويخاف عقابه وأن ينظر في حاله وحال أميره ويُنعم النّظر في حقيقتهم التي ذكرناها .

فحينئذٍ علمنا أنّ مباركة المُحيسني لإعلان الجبهة الإسلامية غلطٌ واضحٌ , فإحسان الظنّ الذي أعمله ليس في موضعه قطعاً , ومن الظّلم العظيم وضع إحسان الظن في غير موضعه .

وأنا لا أطلب منه أن يسبّهم أو يذمّهم أو يلعنهم , ولكن المطلوب منه ومن غيره هو التّروي والتّمعن وترك العجلة وانتظار الأفعال المُصدّقة للأقوال , وليس الاكتفاء بالميثاق الذي لا ينفعهم مع وجود قرائن أخرى تدل على خلاف ما أقرّوا به في الميثاق !!

فهؤلاء حُكّام آل سعود يزعمون أنّهم يعملون بالتّوحيد وأنهم يحكّمون شرع الله في نظامهم الأساسي للحكم .

ومع ذلك تجدهم في الحقيقة على خلاف ما ادّعوا كما يعلم ذلك كل نبيه , فهم أشدّ النّاس ردّةً وكفراً ونفاقاً وكُرهاً للدّين وأهله , وتوحيد الله وشرعه بريءٌ منهم وبينهم وبينه كما بين المشرق والمغرب !!

فلو اكتفينا بنظامهم الأساسي في الحكم على الحكّام من آل سعود لجعلنا أئمةً وهُداةً وباركنا حكمهم !!

وكذلك لو اكتفينا بميثاق الجبهة الإسلامية في الحكم عليهم دون اعتبار القرائن التي ذكرناها والتي لا تجعل لإحسان الظنّ محلاً , لباركنا جبهتهم وأيّدناهم – وهيهات لذلك – !!

ونسأل الله أن يصله هذا المكتوب ويتمعّن فيه حقّ التّمعن .

وهذا آخر ما قصدتُ بيانه , وأسأل الله أن يغفر لي ويعفو عنّي وأن يرحمني ويوفقني لهداه , وأسأل الله أن يبصر المُحيسني بالحقّ وأن يبعد عنه نزغات الشّيطان , إنه ولي ذلك والقادر عليه .

وكتب :
أبو القاسم الأصبحي
رابط لتأكيد ما نقلته عن أحمد الشيخ وعلوش من موقع الائتلاف الوطني :