JustPaste.it


شبهة؛ أن أمريكا هي من أنشأت تنظيم القاعدة ليحارب السوفييت في أفغانستان.



نقول وبالله التوفيق : إن مثل هذه الشبهة مردودٌ عليها من عدة أوجه.
الوجه الأول : إن من ابتكر تلكَ الإشاعة هم أمريكا وحلفاؤها الذين يحذون حذوها، ومن واجبنا كمسلمين أمام مثل هذه الشبهة أن نتثبّت، يقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } (الحجرات_6).
وقد جاءنا الفاسق بالخبر، أن تنظيم القاعدة عميلٌ للأمريكان.
فلنتبيّن، هل هناك دليلٌ على هذه الفِرية ؟ هل هناك مثلاً صورةٌ واحدةٌ أو مقطع فيديو أو تسجيل صوتي يثبت مجرد جلوس أحد قادة القاعدة مع أمريكي ؟
ثم لقد قام موقع ويكيليكس بنشر فضائح لا تُحصى من السفارات الأمريكية حول العالم، فلمَ لم ينشر ولو وثيقة واحدة تُثبت عمالة القاعدة لأمريكا ؟!!
ثم أعطوني دليلاً واحداً فقط يُثبت أن القاعدة استلمت طلقةً واحدةً من الأمريكان، او قدموا لها دعماً بأي شكلٍ من الأشكال !!

الوجه الثاني : مايكل شوير، ضابطٌ في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ومسئول "وحدة بن لادن" لثلاث سنوات، وهي الوحدة المختصة بملاحقة الشيخ أسامة رحمه الله، وقضى سبع عشرة سنة في ملاحقة المجاهدين ودراستهم، تم استضافته في برنامج "سري للغاية" على قناة الجزيرة، أحد المتصلين من بلاد الحرمين قال أن الشيخ أسامة مجرد عميل للمخابرات الأمريكية، فرد عليه شوير : "هذا رأيك ولو كان أسامة بن لادن عميل لنا لكان هذا أمر يسرنا وأؤكد لك أنه ليس عميل لنا!"
ثم سأله يسري فودة : كثيرون يعتقدون نظراً لتاريخ بن لادن مع وكالة الاستخبارات الأمريكية أثناء الجهاد ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان العلاقة الخاصة التي يتمتع بها وقتها مع المخابرات الأمريكية، الكثيرون يتساءلون ربما هذه العلاقة الخاصة بشكلٍ أو بآخر وإنْ كان شابها بعض التوترات ..؟
شوير : بإمكاني أن أقول لك سيد فودة أننا لم نكن على أي اتصالات مع بن لادن أثناء الحرب ضد السوفيات، بن لادن لم يكن لديه اهتمام للتحدث إلى الأمريكيين، كان لديه مصادر تمويله الخاصة، ومصادر الحصول على السلاح الخاص به والمجندين أيضاً. وكان واضحاً في تلك المرحلة أنه اعتبر الولايات المتحدة شراً يأتي في المرتبة الثانية فقط بعد الاتحاد السوفييتي. هناك أناسٌ كثرون في الولايات المتحدة والإعلام، يعتقدون أن هناك علاقةٌ ما، وأن الـ سي آي ايه قد موّلت أو جنّدت أسامة بن لادن، من وجهة نظري ومن خلال معرفتي لا صحة لذلك أبداً.

هذا الخبير في شؤون القاعدة وبن لادن ينكر تلك العلاقة، فعلامَ تصرّون أيها الناعقون بنسبة الشيخ للمخابرات الأمريكية ؟!


الوجه الثالث : من الصحيح القول أن أمريكا كان لها هدفٌ من قتال المجاهدين للروس، ذلك أن الاتحاد السوفيتي يحمل الفكر الاشتراكي، وهو الفكر المناهض للرأسمالية الأمريكية.
لكن تنظيم القاعدة؛ أو بمعنى أصح، المجاهدين العرب _وقتها_ في أفغانستان، كان لديهم هدفٌ آخر وهو دفع الكفار المحاربين (السوفييت) عن أرض أفغانستان المسلمة، وهو ما يوجبه الإسلام على المسلم من نُصرةٍ لأخيه المسلم. إذن ما حدث كان مجرد تعارض مصالح، أمريكا لها هدفٌ مغايرٌ لهدف المجاهدين، فمصلحة المجاهدين كانت إجلاء القوات الكافرة عن أرض المسلمين، أما مصلحة أمريكا فكانت إضعاف أو القضاء على الفكر الاشتراكي.
لتسهيل الأمر أضرب مثالاً قد يوضح وجهة نظرنا، نحن في فلسطين مسلمين من أهل السنة والجماعة، ولنا هدفٌ من قتال اليهود المحتلين لديارنا، وهو إجلاؤهم عن أرضنا وإعادتها تحت سيطرة المسلمين.
لنفترض أن الصين اختلفت مع الكيان اليهودي ووصلت الأمور حدّ الحرب، هل حربنا لليهود تعني أن الصين هي من دفعت لنا ودعمتنا لنقاتل اليهود ؟
الجواب متروكٌ لكل ذي عقل !

الوجه الرابع : من الممكن أن تكون أمريكا سهّلت مهمة المجاهدين في أفغانستان بطريقة غير مباشرة، وذلك بالسكوت عنهم متوقعين أنهم سيفقدون قواهم في الحرب مع السوفييت. وذلك عن طريق الإيعاز للحكومات العربية بتسهيل هجرة المجاهدين إلى أفغانستان، وقد جنَت الحكومات _في ظنها_ من هذه الهجرات فائدة، ألا وهي التخلّص من كل من يحمل فكر جهادي من شأنه التأثير على سلطة الحكّام. والدليل أن أغلب المجاهدين عند عودتهم لبلدانهم تمت محاكمتهم ومطاردتهم، ولا أشهر من قضية "العائدون من أفغانستان" وقضية "العائدون من البوسنة".
لكن سبحان الله خيرُ الماكرين، فقد انتشر الفكر الجهادي وشعرت الأمة بالعزة من جديد مع بزوغ نجم هذه الطائفة المباركة، ولم تستطِع أمريكا ولا حلفائها إيقاف التمدد الجهادي في أي مكان.


الوجه الخامس : إذا لم يفقه المتشدّقون بأن تنظيم القاعدة عميلٌ للغرب خطأ ادعائهم هذا، أقول من منطلق أضعف الإيمان وافتراضاً : نعم تنظيم القاعدة كان عميلاً للأمريكان ولكنه استفاق وقاتلهم، يا حبّذا لو يستيقظ النائمون !!!
وبافتراض أن القاعدة كانت من تأسيسٍ أمريكي وكانت صنيعة الأمريكان ثم انقلبت على أمريكا، ألا يجدر بنا كمسلمين أن نفرح لهذه التوبة وهذا القتال بدلاً من أن نظل نعاير المجاهدين ؟!!
إذن من الأولى أن نعاير عمر بن الخطاب لأنه كان يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه !! ونعاير خالد بن الوليد لأنه سببٌ من أسباب هزيمة المسلمين في أُحد !!
ومن العجيب أن العلماء الذين يريدون تشويه صورة القاعدة الآن بنسبتها لأمريكا أو أنها تستعين بأمريكا، هم أنفسهم الذين أفتوا بجواز الاستعانة بأمريكا ضد صدام حسين في حرب الخليج الثانية !

تنويه هـام / اتهامكَ لمسلمٍ بأنه عميلٌ لجهةٍ كافرة دون برهانٍ بيّنٍ على ما تقول يعني أنك تكفّره من حيث دريتَ أم لم تدري، فالعميل للكافرين موالٍ لهم، وموالاة الكافرين ردةٌ عن الدين، لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } (المائدة - 51)
فالحذر الحذر من تكفير الغير بغير دليل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مقال (إعادة النظر في شبهات غزوات الحادي عشر لأبي نسيبة المقدسي)