JustPaste.it

رسالة من أسير في سجن رومية

إلى 

شقيقته خنساء طرابلس الشام

الحمد لله على كل وفي كل حين ، الذي وعد أولياءه بالنصر والتمكين ، وتوعد أعداءه بالذل والعذاب الُمهين ، والذي أحيا سيرة الخنساء على مر الدهور وكَرِّ السنين ، وصلى الله على محمد الُمفدَّى بالآباء والبنين ، الذي أثنى على ثلة
المرابطين والمجاهدين ، وعلى آله وصحبه الفاتحين ، أسود المعارك وخُطَّاب الحور العين . 
وبعد : 
في هذه الأيام التي يختلط فيها خَلوف أفواه الصائمين ، مع انتظار بقايا فرحة العيد الحزين ، وإقبال الدنيا بالعذاب وإدبارها بالأنين ، وامتزاج كل ذلك بعبق دماء المجاهدين ، ويجلل المشهدَ ابتساماتٌ عذبةٌ ترتسم على وجوه الشهداء المقبلين، وتثقب أذآن الدنيا صرخات آلام المعذبين ، من غزة إلى حلب مروراً بدرعا والميادين ، وتطفو على سطح المنظر دموع الأمهات على فقد البنات وثُكل البنين ، حسرات تتلوها حسرات ، وأنات تخنقها عبرات ، وظلام يجلل الدنيا ، وظلم يكسو العالمين ، ويقتلك تراخي المسلمين ، ويذبحك عجز المؤمنين ، ونكوض أهل الحق عن حقهم ، وجرأة أهل الباطل في باطلهم ، وتكالب المجرمين في إجرامهم ، وفجأة ومن وسط كل هذا الركام ينير لك الدربَ إبتسامةُ أم تعلو محياها على الرغم من مصابها بفقد فلذات كبدها ، رجالٌ ثلاثة أجمل من البدر ليلة تمامه ، حازوا قصب السبق في ميدان البطولة ، وعلَّموا الدنيا درساً نموذجياً في معاني الرجولة ، نعم يدهشك ثبات امرأة هي في ميزان الثبات أثبت من أُحُد ، وفي مقياس الشجاعة أشجع من أسد هصور ، بين جنباتها تحمل قلب قائد محنك ، وتملك من معاني البأس والقوة ما يفيض على الرهط ذوي العدد ،

 

ما فَتَّ في عضدها فقد أولادها الواحد تلو الآخر ، وما زادها فراقهم إلا إصراراً على متابعة المسير على هدي الخنساء

 وإكمال شوط البطولة إلى غايته ، وقد أثبتت لنا أن زمن الخنساء ما ولّى ، وأن أرحام النساء لا زالت تحمل وتضع من هن على شاكلة الخنساء ، وقد ضربت أروع الأمثلة في العض على الجراح ، واحتمال الأذى ، والتعالي على الآهات ، والتطلع إلى ما عند الله ، وانتظار النعيم المقيم برفقة أولادها المنذر وحسن والمعتصم بالله ، نعم إنها أم المنذر خنساء طرابلس بحق ، جبل المحامل ، وصانعة الأبطال ، أجل إنها شقيقتي الغالية ، وقرة عيني الحبيبة ومبعث فخري ، فمن كان مفاخراً فيلفاخر بمثلها ، ومن لم يأت بمثلها إلى ساح التباهي الممدوح فليلزم بيته ، وليترك هذا الأمر لأهله ،ألا فليهنك أم المنذر ما أصبحت فيه مما أصبح فيه الناس ، وتقبل الله قرابينك ، وأعظم لك المثوبة وأجزل لك العطاء ، وأفرغ عليك من ألوان الصبر وأصناف الثبات ما يعزي قلبك ، ويشرح صدرك ، وتذكري موعودك عند الباري ، وما أعد لك في مستقر رحمته ، وإن ما صنع بنوك من بطولات ففي ميزان حسانتك قبل موازينهم بإذن الله، والأجر على قدر المشقة ، وبعد البلاء يكون الثناء ، ولا يبقى بعدها إلا انتظار الأجر ، وترقب بشارات النصر ، هذه معايدتي لك في عيد هو عيدك وعيد أمثالك ، من شقائق الرجال

وشبيهات الرواسي من الجبال ، لا عيد المهرولين نحو الذل والهوان ، ومن باعوا دينهم بأبخس الأثمان ، وطابت لهم الدنيا بما فيها من رقاعة ، واستمرأوا طعم الخنوع والوضاعة ، ولكن لا تحسبي أن الله يضيع أجور المحسنين ، فلكل أجل كتاب ، وقد حُقَ لمن كتب بمسك أن يختم بعنبر ،
ولله در من قال : 

وكل كسر فإن الله يجبره ...وما لكسر قناة الدين من جبر

 
جَبَرَ الله خاطرك وأحسن عزاءك ، وكتبك في ديوان الصابرات ، وألحقك بركب السابقات ، وتذكري قول الباري عز وجل : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ) فعضي عليه بالنواجذ ، واعلمي أن الدنيا دار عبور ، الواثق بها مغرور ، أجل فالكل سيذوق من كاسات الحتوف ، ولكن تالله لا يستوي من مات مقداماً في ساحات الوغى قد أثبت في مستنقع الموت رجله ، وقال لها من تحت أخمصك الحشر ، وبين من مات ميتة الكلاب الضالة ، أو القطط الشريدة ، يستحيي منه الجبن ويفر منه الخور ، وشتان بين من بايع الله فتقبل الله منه البيع ، وبين من بات حليس بيته يفر من الموت والموت يطلبه ولا بد عما قليل أن يلتقيا وكما قيل : 
من لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
وهنيئا لمن عرف فلزم ، وطوبى لمن فاز وغنم ، فتجلببي بارك الله فيك بالصبر ، وتجملي باليقين واتخذي لك من التقوى درعاً سابغة ، وما أروع ما قال الشاعر : 

إصبر قليلاً فبعد العسر تيسير ...وكل أمر له وقت وتدبير


وللمهيمن في حالاتنا نظرٌ...وفوق تقديرنا لله تقدير 


تقبل الله منك الطاعات ، وأعاد عليك العيد باليمن والبركات ، وأذاقك حلاوة الإيمان وبرد اليقين ، وتوجك بالعز وكللك بتاج الوقار على الجبين ،

إنه ولي ذلك ومولاه ،

والعاقبة للمتقين ،

 

وسلام على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

/files/justpaste/d97/a5083399/cs0mib.jpg

منذر الحسن وأخوته الشهداء رحمهم الله

file1.png

file12.png

capture_small.png

11111111_small.png

 file15.png

file17.png

4444_small.png

3333333_small.png

 

 

file16.png

2222_small.png

file14.png

moatasemvidbilen_small.jpg