JustPaste.it

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً
كثيراً إلى يوم الدين ...
فسأكتب عن تجربتي مع التدخين والهدف من كتابة هذه التجربة هو حب الخير للاخوة الذين يرزحون تحت وطأة التدخين
وأيضاً من أجل كشف الوهم الذي يعيش فيه كثير من المدخنين لعلَّ الله عز وجل أن ينفع بها ..
ابتدأت رحلتي مع التدخين عام ١٤١٧هجري وأقلعت عنه بفضل الله وتوفيقه عام ١٤٢٩ هجري ..
في آخر الأعوام كانت فكرة الاقلاع عن التدخين تراودني كثيراً إلا أنني كنت مترددًا في تركه ..
أكبر سبب كان يعيقني لن أقول لكم البيئة المحيطة بي أو الصحبة السيئة فهذا في تصوري أنه كلام تنظيري مُرْسَل قليل الفائدة ، أنا سأكون معكم في منتهى الصراحة فأكبر سبب كان يعيقني عن الاقلاع عن التدخين هو خوفي من الاكتئاب والملل إنْ أنا أقدمت على هذه الخطوة التي لم أجربها بعد ..
نعم فالاكتئاب والملل هما الوهمان اللذان كانا يعكران علي إقدامي . لماذا ؟ لأن التدخين أصبح جزءاً من حياتي وعادة لي في سفري وإقامتي وعملي ونزهتي وحزني وفرحي ومشاهدة التلفاز أو حتى مطالعة كتاب ..
كانت لي جلسة مع الزملاء في العمل بعد الافطار نشرب الشاي وندخن السجائر وكانت الجلسةُ ماتعةً وكانت السيجارة في غاية النشوة . لم أكن أتصور سير حياتي بالشكل الصحيح وبنفس المتعة والنشوة بلا هذه الجلسة وبلا هذه السيجارة .. حتماً سيكون كوب الشاي سخيفاً مالغاً بلا طعم .. نعم بهذا الشكل كنت أتصور الوضع .
كنت دائماً أتساءل كيف لي أن أستمتع بوجبة دسمة شهية أو مشروب منعش أو براد شاي مُخَدَّر بلا تدخين .. سريعاً أصرف النظر عن فكرة الاقلاع بسبب هذه الظنون .. نعم إنه وهم نفسي شاهق وكبير ..
في تبوك كنت أخرج إلى البحر وأحياناً إلى البر في العطلة الأسبوعية مع الأصدقاء للنزهة والترويح عن النفس وكانت الرحلات جميلة جداً ..
الجلوس على الشاطئ الرملي في تلك المناطق من تبوك في غاية الروعة والجمال والهدوء إلا أنه كانت تتشكل عندي قناعة أنَّ هذه الروعة والجمال قد يزولان إن أنا تركت التدخين .. وستكون تلك الرحلات فارغة وفي غاية الملل والكآبة ..
كنت أخلو مع نفسي كثيراً وكانت علبة السجائر وبراد الشاي هما ركني متعة الجلسة وأساس سعادتها وإذا فُقِدَ أحد الركنين اختلت متعة الجلسة وربما كانت باطلة ..
إذا جلست مع أهلي أو في مناسبة رسمية طبعاً لا أدخن وقد أنقطع عن التدخين لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات لكن خلال هذه الساعتين أو الثلاث ساعات أيضاً توجد نشوة ولكنها نشوة من نوع مختلف
ألا وهي نشوةُ انتظارِ النشوةِ أي إحساس داخلي بالسعادة والفرح أثناء الجلسة إذا تذكرت موعد التدخين وخاصة أنه سيأتي بعد انقطاع ...
ربطت كل أشكال متعة الحياة وجمالها بالتدخين فإذا فُقد التدخين فُقدت متعة الحياة وفقد جمالها ...
كنت أشتري ( كِرْزَاً ) فإذا بقي منه بكتان هرعت إلى السوق لأشتري ( كِرْزَاً ) جديداً آخر كي لا أنقطع .. والكرز هو العلبة الكبيرة التي تحوي عشرة بكتات أو عشر علب إن صح التعبير
نعم بهذا الشكل ولاأزيد عليكم إنه وهم نفسي شيطاني ماكر لايُرى بالعين لكنه شاهق ومرتفع وسميك ..
لكن في المقابل ولله الحمد يوجد بصيصُ أمل صغير جداً فرغم كل هذه الظنون والأوهام إلا أنه كان هناك أحد بداخلي يصرخ في أذني بين الفينة والأخرى إلى متى ستظل أسيراً لهذا الداء ..
ومن جملة ماكان يقوله لي ذلك المجهول أنت الآن في العشرينات من عمرك ولك في التدخين عقدٌ من الزمن وفي الثلاثينات من عمرك سيكون لك عقدان في التدخين وفي الأربعينات من عمرك سيكون لك ثلاثة عقود وأنت ترزح تحت وطأة السيجارة التي لاترحم . هل سيتحمل جسمك الضعيف هذه العقود من التدخين ؟!!
كنت على يقين أن الله عز وجل لم يخلقني ليكون التدخينُ قدري حتى الموت ...
بدأت أطرح فكرة الاقلاع عن التدخين بجدية وكنت أسأل من كان لهم تجارب سابقة في الإقلاع عن التدخين وكيف يجدون أنفسهم في ممارسة حياتهم بعد ماتركوا التدخين وفي الحقيقة لم أجد عندهم إجاباتٍ شافيةً عن تلكم الظنون والأوهام التي ذكرتها لكم ..
قرأت عن الإبر الصينية لكني لم أقتنع بها بتاتاً وسرعان ما صرفت نظري عنها وكان عندي شبه يقين أن حلي الوحيد في التخلص مما أنا فيه هو الإرادة القوية الحديدية التي لا تتفتت ..
في الوقت نفسِه الذي كنت أفكر فيه ملياً بفكرة الاقلاع عن التدخين تم عرض حلقة عن التدخين في برنامج ٩٩
وفي الحقيقة كانت حلقة شاملة وقاسية بنفس الوقت على المدخن لأنها الحقيقة والحقيقة كما يشاع مرة
كانت تلك الحلقة هي كما يقولون القشة التي قصمت ظهر البعير فقد عزمت بعدها بأيام قليلة عزماً جاداً على ترك التدخين ولكني لم أحدد ساعة الصفر ..
وبعد أيام قليلة وبعد تحديد ساعة الصفر وساعة خوض المعركة ذهبت إلى الصيدلاني واشتريت منه لاصقات سحب النيكوتين وهي لاصقات تلصق على العضد يقول صانعوها أنها تسحب النيكوتين من الجسم وسمعت أنها مجرد شيء نفسي .. على أية حال لا أريد أن أطيل عليكم ...
خرجت من الصيدلاني ركبت سيارتي متوجهاً إلى مسكني وفي أثناء الطريق كنت أنظر إلى علبة السجائر مخاطباً التدخين هل ستغلبني أم سأغلبك ؟ هل ستكون هذه الليلة آخر عهد بيننا أم أن لنا لقاء آخر ..
وقتها كان في داخلي عزيمة قوية ولله الحمد وحماس لخوض هذه المعركة وهذا التحدي وكأن الله قذف في قلبي عناداً مع هذا الداء . وفي هذه اللحظات كان هناك هجوماً إبليسيا يشعرني بأنَّ هذه الخطوة سابقةٌ لأوانها أي خطوة الإقلاع عن التدخين حيث أن الوقت كان في الشتاء وكانت وساوسه تقول لي الآن نحن في فصل الشتاء والسجائر تحلو مع المشروبات الساخنة والجو الممطر والغيوم . شأن إبليس اللعين ولو كنت سأقدم على هذه الخطوة في الصيف لقال لي الآن صيف والنهار في فصل الصيف طويل كيف ستقضيه بلا تدخين والسجائر تحلو مع المشروبات الباردة .. ولن ننتهي فهو لن يترك ابن آدم بحاله أبداً..فمن السذاجة أن نثق ونحسن الظن به وقد قال مهدداً .. ( قال فبما أغويتني لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم ثم لآتينَّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ) وقد أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم
وصلت إلى مسكني ترجلت من سيارتي ودخلت وفتحت التلفاز وجلست عنده قليلاً ..
الآن الساعة تقريباً العاشرة مساء بتاريخ ١٦ محرم ١٤٢٩ هجري ..
أحضرت جميع ما أملكه من السجائر وكان عندي بكتان بقية من كِرْز كنت قد اشتريته بستة وأربعين ريالاً
من نوع CARLTON وبكت مفتوح يوجد به سيجارتان أو ثلاث سجائر ... أتلفت بيديَّ جميع ماأملكه من السجائر ورفعت بصري إلى السماء وقلت يا الله ...
وقتها نزل علي سكينة من الله وراحة نفسية وعرفت أني أقدمت على خطوة إيجابية ..
في الحقيقة ممارسة التدخين والتعود عليه بلاء عظيم ومصيبة كبيرة والتخلص منه يحتاج جهداً وجهاداً كبيرين وهذا طبعاً في بداية الأمر ..
مرَّ الأسبوع الأول عصيباً نوعاً ما ، لكن ليس كما يشاع عن إحساس بألم في الرأس وصداع شديدين لا لا ..
كل الذي حصل هو رغبة عارمة وملحة في إشعال سيجارة فقط وكنت إذا ألهيت نفسي بشيء نسيت تلك الرغبة ومن يتصبر يصبِّره الله ..
الأسبوع الثاني أخف من الأول لكنه أيضاً احتاج مني مقاومة ومجاهدة وصبرا ...
مر الأسبوع الثاني بسلام ولله الحمد .. قد تقرأون كلامي وتظنون الأمر سهلاً وهو سهلٌ بإذن الله لكن لمن يجاهد نفسه وهواه ويتوكل على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه ..
مرَّ شهرٌ وشهران وثلاثة أشهر وبدأت عادة التدخين تصبح في طي النسيان شيئاً فشيئاً ولاتسأل بعدها عن الفرحة ..
في الحقيقة الذي يقلع عن التدخين عن قناعة وكره له ويوفقه الله في ذلك تصيبه فرحة عارمة لأنه تخلص من بلاء كبير ماكان له أن يتخلص منه لولا توفيق الله له ( وماتوفيقي إلا بالله )
بعد ستة أشهر بدأ النَّفَسُ يتحسن والنوم يصبح لذيذاً وأكثر راحة والكحة التي كانت تأتيني نظير أي جهد رياضي تلاشت بفضل الله أيضاً الوجه تغير بعد ماكان مكفهراً بسبب التدخين ...
بعد سنة تقريباً بفضل الله أصبحت عادة التدخين نسياً منسيا ولله الحمد ..
يمر الأسبوع والأسبوعان ولم يخطر ببالي أني كنت مدخناً في يوم من الأيام ولا أتذكر إلا إذا رأيت من يدخن..
وإذا كان المكان مغلقاً ويوجد به مدخنون غالباً ما أفر من المكان كفراري من المجذوم وفراري من الأسد ليس خوفاً من أن أرجع له لا لا .. ولكن من الضيق الذي أجده من رائحته ومن فقدان الهواء النقي ..
وقتها أدركت حجم الوهم الذي كنت أعيش فيه والخدعة التي كنت مخدوعاً بها والظنون التي كانت تسيطر علي ..
الحمد لله كل شيء على ما يرام لم يحصل مللٌ في الحياة ولا كآبةٌ بل على النقيض من ذلك تماماً ..
الأكل والشرب بلا تدخين أطيب وكذلك كوب الشاي أيضاً أصبح رائعاً الحياة كلُها رائعة وجميلة بلا تدخين ..
لم يحصل شيء من الفراغ الذي كنت أتصور وقوعه في حياتي أبداً أبداً بعد الإقلاع عن التدخين .. حصل ذلك في الأسبوع الأول فقط كما أسلفت ...
الحياة جميلة مكتملة والنقص كان في أيام التدخين ولكنني كنت لا أشعر ..
بعد اكتشاف هذه الخدع والظنون والأوهام كان علي لزاماً أن أوضح هذا للآخرين من المدخنين ومن غير المدخنين أيضاً علَّهم أن يقنعوا به أحداً لم تصله هذه التجربة وأن أضع بين يديهم تجربتي لكي يتوصلوا إلى حقيقة الوهم الذي يعيش فيه المدخن والمثل يقول اسأل مجرب ولاتسأل خبير .. ولو أني كتبتها متأخراً فأنا الآن أتممت ست سنين وأسير في السنة السابعة على ترك التدخين ولله الحمد والمنة ...
وفي الختام :
أخي المدخن اجلس جلسة مصارحة مع نفسك واسألها كم ستصمد أمام هذا الداء ؟
أخي المدخن عليك بالمبادرة العاجلة لخوض معركة ترك التدخين وينبغي عليك أن تقرر الفوز والانتصار وتتفاءل ..
أخي المدخن اعلم بارك الله فيك أن أمامك حاجزان الأول حاجز نفسي وهو سميك وضخم وشاهق ومرتفع والحاجز الآخر هو حاجز بدني وهو أخف من الأول ولكن ينبغي عليك ألا تدخل المعركة إلا وقد تحررت من الحاجز النفسي تماماً لأنه هو المانع الحقيقي وأقصد بالحاجز النفسي إيحاءات النفس التي توحي إليك أنك لن تستطيع أن تعيش بلا تدخين وإن عشت ستعيش حياتك بلا متعة وهذه الإيحاءات أقسم لك بالله أنها كذب ووهم شيطاني ليس لها أساس من الصحة بل الحقيقة عكسها تماماً وسترى ذلك بنفسك وتتأكد منه بعد فترة من الإقلاع ...
أخي المدخن ينبغي عليك أن تهرع إلى الله عز وجل وأن تطَّرح على عتباته وتلح عليه بالدعاء في كل الأوقات وتتحرى أوقات الإجابة وتسأله التوفيق والعون وتسأله ألا يكلك إلى نفسك طرفة عين ( وماتوفيقي إلا بالله ) وستجد بإذن الله نتائج طيبة
وستجد ثمرة ذلك
أخي المدخن لاتقل بعد سنة بعد شهر أو إذا وصل عمري كذا أو إذا تزوجت اترك التدخين واعلم أن هذه افتراءات شيطانية وأمنيات ووعود إبليسية احذر أن تقع في شراكها وعليك بحسم الأمر واتخاذ القرار فوراً ..
أخي المدخن معركة ترك التدخين سهلة ويسيرة على من يصبر ويصبر ويصبر ويجاهد نفسه ويتحدى ويخالف هواه
( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) وهي صعبة وثقيلة على من يستجيب لهواه ورغباته عاجلاً ويستسلم سريعاً واعلم وثق تماماً أن الصبر والمصابرة في معركة ترك التدخين يكون في بداية الأمر ولا تحسبه سيستمر طوال عمرك ...
أخي المدخن احذر من طريقة ترك التدخين تدريجياً فهي طريقة غير ناجعة وقليلة الفائدة ونتائجها ليست مضمونة وعليك بتركه تركاً نهائياً دفعة واحدة فهي الأجدى والأنجع وبإمكانك قراءة تجارب من نجحوا ستجد أغلبهم تركه دفعة واحدة بلا تدريج ...
أخي المدخن تذكَّر أن هناك مدخنين تركوا التدخين بعد ٢٠ سنة وبعضهم بعد ٣٠ سنة فبالعزيمة والإرادة كل شيء يسهل
أخي المدخن أخيراً أقول لك إنَّ طعم الحياة الحقيقي بلا تدخين هذه العبارة لم يقلها طبيب أو خبير أو شخص لم يجرب التدخين بل قالها شخص استنشق التدخين اثني عشر عاماً ...

أخوكم / سلطان بن علي البراك
١٤٣٥/٣/٢٥
Sultan.a.b@hotmail.com